تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة الحشر

مشاركة:

تفسير سورة الحشر للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف سورة الحشر ويبين مضامين سورة الحشر ثم يبدأ في شرح كلمات سورة الحشر بالتفصيل.

تفسير سورة الحشر
تفسير سورة الحشر

تعريف سورة الحشر

سورة الحشر هي سورة مدنية نزلت بعد غزوة بدر بعد الهجرة وعدد آياتها أربع وعشرون آية.

وسميت بالحشر لما ذكر فيها من قصة الحشر من اجلاء الرسول صلى الله عليه وسلم بني النضير من بيوتهم لأول الحشر، وتسمى أيضاً بسورة بني النضير لأنها نزلت بسببهم.

يطلق الحشر ويراد به معاني:

  • يراد به الجلاء.
  • ويراد به اسم موطن في بلاد الشام والذي يكون فيه أرض المحشر يوم القيامة.

سبب نزول سورة الحشر نقض يهود بني النضي عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث خططوا لقتله بالاتفاق مع أهل مكة الذين امتلأت قلوبهم بالحقد والغيظ بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

تفسير سورة الحشر

مدح الله المهاجرين فوصفهم بست صفات ومدح الله الأنصار بست صفات أُخر.

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)

المهاجرون هم الذين أخرجوا من مكة من أموالهم ومن بيوتهم بسبب توحيدهم لله رب العالمين، لما عبدوا الله وحده وأطاعوا رسوله صلى الله عليه وسلم ما كان من أهل مكة إلا أن آذوهم وكادوا أن يفتنونهم عن دين الله.

فباعوا الدنيا كلها واشتروا ما عند الله رب العالمين، تركوا البيوت والأموال وخرجوا لنصرة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، خرجوا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وعلم الله الصدق من نواياهم فوصفهم بأنهم هم الصادقون.

وفي الآية إفادات أعظمها أن من ترك شيئاً لله عوضه الله، فالمهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم لنصرة الاسلام، فعوضهم الله تعالى تعويضا لا مثل له فتح عليهم الدنيا وأعطاهم ثواب الآخرة.

(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ)

(تَبَوَّءُوا): يعني استقروا وتمكنوا، والدار هنا هي دار الهجرة وهي المدينة.

دخل الاسلام المدينة سنة إحدى عشر من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، سمعت مجموعة من أهل يثرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يتلمس مواطن التجمعات يخطب الناس ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد، فقالوا: دعنا نأتي أهلنا فنخبرهم بما جئت به ثم نأتيك من عام قادم.

فذهبوا وهم يحملون الخبر ولم يسلموا، فلما ذهبوا وعرضوا على أقوامهم أسلموا وجاءوا في العام القادم اثنتي عشر نفساً ولقبوا بالنقباء من بعدها، أسلموا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ثم عادوا وقالوا: أرسل معنا من يعلمنا.

فأرسل صلى الله عليه وسلم أول سفير له إلى يثرب ليعلم الناس وكان أول سفير في الاسلام وهو مصعب بن عمير رضي الله عنه، وفي سنة واحدة أسلم أناس كثيرون من استطاع منهم أن يأتي للحج في العام القادم أتى ثنتون وسبعون نفساً وامرأتان، جاءوا فأسلموا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في العودة إلى بلادهم، فعادوا وأقاموا الجمعة قبل أن تقام في مكة أقيمت في المدينة، وبنوا في المدينة مسجداً وكانوا يجمعون الناس فيه ويصلون الجمعة، وكان يخطب لهم أسعد بن زرارة رضي الله عنه وأرضاه.

(يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)

ما ضاقوا ذرعاً بمن جاءوهم مهاجرين، فالمهاجر ترك أرضه وماله وأتى المدينة فما كان من أهل المدينة إلا أن أحبوهم وآووهم وشاطروهم أموالهم.

(وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا)

إن أعطى يعطي بطيب نفس وخاطر طيب يعطي برضا.

(وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)

جاء في سبب نزولها في الصحيحين: أن ضيفاً ألم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه رسول الله وطاف بضيفه على بيوته التسع فلم يجد في بيوته ما يطعم به الضيف، وهو أكرم الأكرمين من البشر وأجود الأجودين من خلق الله عليه الصلاة والسلام، فأخذ ضيفه وذهب به إلى المسجد ثم قال لأصحابه: (ألَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هذِه اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟)، فوقف إليه ثابت بن قيس بن الشماس وكان لا يسمع كثيراً وقال: أنا له يا رسول الله.

فأخذه وذهب به إلى بيته ولما دخل بيته: سأل امرأته: ما عندك؟ قالت: ما عندي إلا قوت الصبية. قال: فعلليهم، فعللتهم حتى ناموا، فقال لها: قومي وقدمي الطعام، ثم قومي للسراج لتصلحيه فأطفئيه، ثم اجلسي معنا ومثلي أنك تأكلين ولا تأكلي، فجعلت تضرب بيدها في الصحفة، ويضرب هو الآخر بيده في الصحفة حتى أكل الضيف وشبع.

فأتى جبريل عليه السلام رسول الله وقال: يا محمد، الحق يقرئك السلام ويخبرك أنه أعجب بصنيع صاحبك مع ضيفه البارحة، ومن ثم قال الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فنزلت هذه الآية كبشارة لهذا الصحابي ولزوجته ومدحة لجميع الأنصار.

حكم الله للمهاجرين بكونهم صادقين وحكم للأنصار بكونهم مفلحين.

لما مات النبي واختلف الصحابة الكرام فيمن يتولى الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، طمع أهل المدينة في الأمر، وطمع المهاجرون في الأمر وكادوا أن يقتتلوا، فهيئ الله للأمة أبا بكر رضي الله عنه، فأتى إلى سقيفة بني ساعدة وخطب الناس وثبتهم، ثم بين أبا بكر للأنصار فقال: إن الله سمانا بالصادقين وسماكم بالمفلحين، وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (سورة التوبة:119)، ولو كان لكم في الأمر لما وصى بكم رسول الله، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (الإمارة في قريش فمنا الأمير ومنكم الوزير).

فارتضى الناس حكم أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه لما استدل بهذه الأدلة القوية، وانصاع الأنصار في طاعة أبي بكر وكان الأمر في المهاجرين.

(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)

هذا الفريق هم الذين جاءوا من بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، نحن ومن سبقنا نندرج تحت هذه الآية، لذلك عقد الولاء الذي بين المؤمنين بعضهم مع بعض يستلزم أن يدعوا المؤمن لكل المؤمنين، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). (سورة التوبة:71)

ولذا تجدنا في صلواتنا في التشهد نقول: “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”، تدعوا لنفسك بالسلامة وتدعوا لجميع الصالحين من ذرية آدم كذلك بالسلامة، تسلم على نفسك وعلى الصالحين من خلق الله.

هذا الأصل في أدب اللاحق مع السابق، أن يترضى اللاحق على من سبق وأن يسأل الله تعالى لهم الرحمة، لكننا في هذه الأيام عندنا ظاهرة غير طيبة وهي لعن اللاحق للسابق، وهذا ليس من سبيل رسول الله في شيء.

وفي الآية جواز التصدق عن الغير، إن كان أخاً أو صاحباً أو غير أخ أو غير صاحب، يجوز للإنسان منا أن يخرج عن غيره صدقة وريع هذه الصدقة يصل إلى غيره وله مثله دون أن يُنقص أحدهما من الآخر شيئاً.

والله تعالى يقول: (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)، فالدعوة للغير صدقة، والعلماء الكرام فرعوا من هذه تفريعات كثيرة حتى وصلوا وقالوا:

  • لو أن ميتاً مات وعليه صيام وليس له أحد من أهله يصوم عنه وأراد أصحابه أن يتكفلوا بالصيام عنه يجوز.
  • وإن كان على الميت ديون وأهله فقراء وأراد أصدقاءه أن يتكفلوا بالديون يجوز.

(وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)

يعني اجعلنا من أهل الجنة لأن أهل الجنة نزع الله ما في قلوبهم من غل، قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا). (سورة الحجر:47)

لذلك عندما يدعوا المؤمن هذا الدعاء ويجعل في دعاءه ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، كأنه يدعوا لنفسه بالجنة، لذلك ينبغى عند قراءة القرآن أن نتدبره وأن نعي مراد الله تبارك وتعالى.

اعلم أن الغل إذا سكن الصدر حجب صاحبه عن السماء بل وحجب صاحبه عن جنة الرحمن تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه الكرام فقال لأصحابه: (سيخرج عليكم رجل من هذا الفج – الطريق – هو من أهل الجنة).

فالتفت الصحابة رضي الله عنهم إلى الطريق ينظرون من سيخرج فخرج عليهم رجل، وفي اليوم الثاني قال صلى الله عليه وسلم: (سيخرج عليكم من هذا الفج رجل هو من أهل الجنة)، فتلقفوا الطريق بأبصارهم فكان الرجل هو الرجل، وفي اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقولته في المرتين فكان الرجل هو الرجل.

فتبعه عبدالله بن عمرو بن العاص ثم تصنع وطرق عليه الباب ودخل كضيف في داره وما هدفه من الضيافة أن يتحصل على واجب الضيافة، إنما جلس في بيته كضيف ليتابع حال الرجل ليعرف ما الذي أدى به إلى هذه البشارات الثلاثة؟

ثم في آخر مطافه أخبره عبدالله أنه ما نزل عليه ضيفا إلا ليعرف حاله فما رآه يزيد على صلاته شيئاً ولا يزيد عما يفعلون شيئا، فقال عبدالله بن عمرو بن العاص: عجبت لك بشرك النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مرة بعد المرة فقلت آتي إليك فأعرف.

قال الرجل: ما أصنع إلا ما رأيت غير أني إذا ذهبت إلى فراشي ذهبت وليس في قلبي غل ولا حسد على مسلم.

لذلك إن استطعت أن تبيت خالي القلب من الغل والضغينة والحسد فأنت على خير، ولو جاء الموت أحدنا وهو على هذه الحالة عُجل به إلى جنة الله تبارك وتعالى.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)

قصة المنافق واليهودي هي نفس القصة كقصة الشيطان مع ابن آدم، لما غدر اليهود ونقضوا عهودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وخافوا على أنفسهم وعلم المنافقون هذا سبق أهل النفاق إلى اليهود وقالوا لهم: نحن في ظهوركم لا تخشوا بأس محمد ومن معه، إن أتاكم ليخرجكم لا تخرجوا، وإن أتاكم يحاربكم سنقف معكم ضد محمد.

ومن ثم أهل النفاق لما ذهبوا وقدموا هذه المعونة لليهود تمسك اليهود بما هم عليه، وتمنعوا في حصونهم وتحصنوا وما أرادوا أن يخرجوا أبدا، ظنا منهم واعتقادا أن المنافقين سيقفون معهم وينصرونهم، لكن سرعان ما ألقى الله الرعب في قلوب اليهود وتخلى عنهم المنافقون وأسلموهم إلى مصيرهم.

(لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (12) لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13))

ذكر الله توصيفا دقيقا لحال المنافق واليهودي: اليهودي والمنافق يخافوا المسلم أكثر من خوفهم من الله لأنهم لا يؤمنوا بالله لأن إيمان المنافق ليحفظ دمه وعرضه وماله، لا يؤمن مخافة من لقاء الله يوم القيامة ولا طمعاً في جنة الله، لذلك هم يخافون المسلمين أشد من خوفهم من رب العالمين.

والكافر من أهل الكتاب ادعى لله الولد ووصف الله بالبخل والعجز، ومن يخاف الله ويؤمن به لا يصفه إلا بما وصف به نفسه سبحانه.

(لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)

أخبرك الله وأطلعك على حال عدوك، عدونا لا يقوى على المجابهة، ما جابه اليهود رسول الله في حرب وانتصروا فيها أبدا.

ومن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدأت اليهود تشتغل على المسلمين بالدسائس لا بالمواجهة، بتخريب الفكر تارة وبالمسابقات التي لا تسمن ولا تغني من جوع وتهدر فيها الأموال، حتى هيمنوا على أحوال المسلمين فخافهم المسلمون.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن المسلم سيخلع ثوب العزة وسيلبس ثوب الذل فقال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها). قالوا: يا رسول الله أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن). قالوا: وما الوهن؟ قال صلى الله عليه وسلم: (حب الدنيا وكراهية الموت).

(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ۖ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17))

في كتب التفسير قصة تحت هذه الآيات: وهي أن ثلاث رجال من الأمم الماضية كانت لهم أخت، وكان لهم شأن في خارج بلدهم غير أن أختهم ألم بها مرض، فرأوا أنهم إن اصطحبوها معهم عطلتهم عن حالهم، فقالوا: نتركها ولكن نتركها عند من؟

فنظروا في القرية فلم يجدوا إلا راهبا فاستأمنوه على أختهم، – والراهب هو إنسان يتعبد في صومعة بعيدا عن الناس – فأتوا الراهب وقصوا عليه شأنهم وقالوا: إن أختنا عندك قم عليها إن ماتت ادفنها وإن عاشت قم عليها واسعى في علاجها.

فأخذها منهم كأمانة ثم اجتهد هذا الراهب في علاجها فعالجها، فلما عالجها وشفيت وبرأت من علتها طمعه الشيطان في القرب منها، فلما اقترب منها طمعه الشيطان في أنه فعل فيها الفاحشة، فلما فعل فيها الفاحشة خوفه الشيطان الفضيحة، ثم أوعز إليه بقتلها حتى لا يعلم أحد نبأه فقام فقلتها ودفنها.

ثم من بعدها ذهب الشيطان في المنامات لإخوتها الثلاثة وبدأ يقلقهم في مناماتهم حتى رجعوا وسألوا الراهب عن أختهم فأخبرهم أنها قد ماتت وقام على دفنها، فما زال الشيطان بالثلاثة وبالراهب حتى خوف الراهب وقال له: أنت قتلتها وسيعلم أخوتها أنك قتلتها فيقتلوك، أدلك على شيء إن فعلته أنجيتك من مكر الثلاثة، قال: وما هو؟ قال: تسجد لي سجدة، إذا سجدت لي سجدة أنجيتك من مكر الثلاثة، فسجد الراهب للشيطان سجدة، فوقف الشيطان وقال: إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين.

فالزنا معصية يغفرها الله، والقتل كذلك معصية، لكن السجدة لغير الله كفر، فما زال الشيطان بالراهب حتى كفره، أسجده لغير الله.

وضُرب المثل حتى يتعظ المسلمون من حال أهل النفاق واليهود، فمثل أهل النفاق مع اليهود مثل الشيطان مع ابن آدم، لذلك عاقبة الذي ضحك الشيطان عليه وأوقعه في الكفر ومات على هذا أنه خالدا في النار كما قال تعالى: (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ).

إلى هنا أكون قد انتهيت من تفسير سورة الحشر وشرح مفرداتها ومعاني الآيات.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *