تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة المجادلة

مشاركة:

تفسير سورة المجادلة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف سورة المجادلة وسبب نزولها ولماذا سميت بالمجادلة ويوضح معاني الكلمات والآيات.

تفسير سورة المجادلة
تفسير سورة المجادلة

تعريف سورة المجادلة

سورة المجادلة من السور المدنية التي نزلت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد نزلت بعد سورة المنافقون، وعدد آياتها اثنتان وعشرون آية.

تنطق المجادِلة أو المجادَلة، المجادَلة على أنها تضمنت جدالاً وحوارا دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين من جاءت تسأله.

والمجادِلة على أن المحاور كانت أنثى وهي عائدة على خولة بنت ثعلبة الأنصارية الخزرجية رضي الله عنها وأرضاها.

فسميت السورة باسمها كمجادلة أو محاورة للنبي صلى الله عليه وسلم.

تفسير سورة المجادلة

نبدأ تفسير سورة المجادلة بتوضيح سبب نزول سورة المجادلة وهو أن مشكلة حدثت في بيت أحد الصحابة رضي الله عنهم وهو أوس بن الصامت رضي الله عنه نتج عنها قوله لامرأته أنتي عليا كظهر أمي.

فجاءت زوجته تشكوه للنبي صلى الله عليه وسلم وتجادله حتى نزل قول الله تعالى.

﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾

معنى ﴿قَدْ﴾: معنى كلمة قد عند علماء العربية يقولون (قد) يختلف معناها إذا دخلت على الماضي وإذا دخلت على المضارع.

إذا دخلت على الماضي أفادت التحقيق، يقولون: فلان قد أبصر يعني تحقق له البصر.

وإذا دخلت على الفعل المضارع تفيد التقليل.

يعني لو كان الانسان في جو صائف يقولون: قد يمطر الجو.

وعندما تتعامل مع انسان بخيل يقولون: قد يجود البخيل.

هذا معنى (قد) في كلام البشر.

أما إذا دخلت (قد) في أي شيء من القرآن:

  • على الماضي تفيد التحقيق ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾.
  • على المضارع تفيد التحقيق ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ﴾.

فكلام الله عز وجل يختلف عن كلام البشر.

معنى ﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾: الشكوى هي اخراج مكنون الضمير.

كل منا في ضميره أشياء وخواطر تخطر على باله وهموم تلم بأحواله.

لذلك جاءت وهي تشتكي إلى الله أخرجت ما بداخلها.

﴿الله﴾ تكرر لفظ الجلالة في الآية الأولى أربع مرات، وهذا فيه تربية المهابة في قلوب العباد، يربي الانسان على مهابة الله تبارك وتعالى.

نزل من السماء حكم الظهار وكفارته فأصبح الظهار منكراً من القول لأن الرجل يجعل امرأته كأمه.

﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

كفارة الظهار هي:

  • عتق رقبة إن استطاعها.
  • فإن لم يستطع عتق الرقبة عدل عنها إلى صيام شهرين متتابعين دون خلل بينهما، فإن أطاق الصيام يصوم قبل أن يمس امرأته حتى يُكفر والتماس كلمة واسعة تطلق على جميع أنواع التمتع.
  • فإذا لم يطق الصيام يعدل عن الصيام إلى اطعام ستين مسكيناً.

وبين الله في كتابه أن الكفارات من حدود الله وينبغي أن نحترم حدود الله تبارك وتعالى.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾

معنى ﴿يُحَادُّونَ﴾: المحادة هي المخالفة والمشاققة.

من يخالف أمر الله يقولون فلان حاد الله والحريص على المخالفة محادد، والذين يحادون الله ورسوله أي يخالفون الله ورسوله عاقبتهم الكبت.

معنى ﴿كُبِتُوا﴾: الكبت مرض نفسي، وهو عبارة عن امتلاء القلب بالغيظ ويمتلأ القلب بالغيظ إذا ما أصاب الانسان خزي في دنياه.

فإذا امتلأ قلبه بالغيظ اعتراه المرضى النفسي ولربما حمله المرض على لزوم البيت وعدم الخروج.

فالكبت غيظ إثر خزي، ولطالما الله تبارك وتعالى أذهب غيظ قلوب المؤمنين كما ذكر تعالى في كتابه.

﴿كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾: فيها إشارة إلى ما حدث من نصر الله تبارك وتعالى لرسوله يوم بدر.

في يوم بدر أذهب الله تعالى غيظ قلوب المؤمنين وملأ قلوب المشركين بالكبت.

وكذلك في يوم الأحزاب أذهب الله غيظ قلوب المؤمنين بنصرهم على المشركين وعلى من عاونهم وتحزب معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾

في هذه الآية تهديد لكل مكلف، فالانسان منا تعتريه أحوال فلربما عند الأحوال يصدر منه قول أو فعل.

فلربما صدر بسوء ويغفل عنه يسيء القول والفعل ثم تصيبه غفلة وينسى أنه قد أساء.

غير أن الله تبارك وتعالى يحصي على العباد كل شيء، قال تعالى:

  • ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾.
  • ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾.
  • ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾.
  • ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

هذه الآية فيها افادة بأن الله لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء.

لا يخفى عليه ما في قاع البحار والميحطات ولا مما في بطون الصخور، الله تعالى كشف كل شيء وعلم كل شيء.

وكذلك فيها معية الله تبارك وتعالى ومن معيته عز وجل معية كشف وعلم:

الله مع الثلاثة، ومع الواحد، معه بعلمه وأمره، معه بكشفه، يعلم كل شئ يضمره فضلا عن كل شئ يبديه.

ومعية الكشف والعلم مع كل الخلائق يكشف أحوالهم ويحصي عليهم أعمالهم.

حتى مع غير العاقل بدليل أن مقاصة ستكون يوم القيامة بين غير المكلفين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجَلحاء من الشاة القَرناء).

وبعدما يقتص الله للمظلوم من ظالمه من الحيوانات يقول الله لها: كوني تراباً.

فتصبح تراباً لأنها ليس لها جنة وليس لها نار.

وعندما تصبح الحيوانات ترابا يتمني الكافر أن لو كان ترابا: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾.

أي يا ليتني كنت مثل هذه الحيوانات فاقتص مني وصرت ترابا ولا أعذب بنار.

واعلم عزيزي القارئ بأن الله تعالى بذاته مستو على عرشه فوق سماواته، كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾.

فمقولة (الله في كل مكان) تحتاج إلى توضيح:

الله في كل مكان بذاته هذه والعياذ بالله كلمة غير طيبة.

لذلك الله بذاته مستو على عرشه فوق سماواته، أما الله في كل مكان فهي بعلمه واحاطته وكشفه وأمره.

ومن معية الله تعالى معية التأييد والنصرة والدفع وهذه المعية للمؤمنين خاصة:

  • قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
  • وقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.
  • قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

فأصحاب الصفات من المؤمنين لهم معية الرحمن سبحانه وتعالى معهم بتأييده ونصره وفرجه وتيسيره وعنايته.

فمن كان الله معه فلا يحزن، فإذا فزت بمعية الله لا حزن يعتريك ولا هم يعتليك.

لذلك احرص على تحقيق الصفات عساك أن تحظى بمعية الله تبارك وتعالى.

معنى ﴿نَّجْوَىٰ﴾: التناجي الكلام في السر، ولا يقال نجوى إلا إذا كان العدد ثلاثة.

ومن ثم في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجا اثنان دون الآخر).

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾

في تفسير مقاتل بن سليمان يبين رحمه الله:

أن موادعة كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان يعلم بأن بها يهودا ونصارى وأن بها أناساً غير مسلمين.

فلما أراد أن يبني رسول الله صلى الله عليه وسلم دولته كتب دستور الدولة وضمن فيه لجميع قاطني المدينة حق المواطنة.

غير أنه ألزم كل طرف بحقوق عامة ثم ألزم كل طرف بحقوق خاصة، كتب وثيقة تعايش بين سكان المدينة.

ألزم الجميع الدفاع عن المدينة إذا داهمها عدو، وألزم الجميع عدم مناوءة غير أهل المدينة على حرب أهل المدينة.

وكان من جملة هذا وادع اليهود وشرط عليهم.

ثم من بعدها كان اذا اجتمع اليهود ووجدوا مسلم في الطريق فيتناجون، فيتوجس المؤمن.

فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا هذا وقال لهم: دعوكم من هذا التناجي فإن هذا يحدث فجوة في قلوب غيركم.

كلنا سكان المدينة وشرطنا واحد.

فعندما تأخذ الموافق لك وتناجيه إذا مر بك المخالف في هذا ايهام للمخالف بأنك عليهم ولست معه ولا له.

فلما نهاهم صلى الله عليه وسلم عن التناجي قالوا: يا محمد ننتجي ثم عادوا لمثلها.

فنزل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾.

وفي هذا افادة بأن التناجي إذا كان بالبر والتقوى جائز.

لكن المحرم التناجي بالاثم والعدوان ومعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم كان من شأن اليهود إذا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يحيونه بتحية الله وهي السلام.

إنما كانوا يعدلون عنها إلى هوى يقولون له: (السام عليك يا محمد).

والسام معناها الموت والهلاك وهذه مخالفة ومحاددة للنبي صلى الله عليه وسلم.

ويقولون في أنفسهم استهزاء وسخرية: ﴿لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾.

فقال الله تعالى: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *