شرح صحيح الترغيب والترهيب لفضيلة الشيخ محمد نبيه يوضح فيه الأحاديث الصحيحة فقط في كتاب صحيح الترغيب والترهيب لأن في الصحيح غنية عن الضعيف.
مقدمة عن الكتاب
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، النبي الأمي، وعلى آله وأصحابه وسائر من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فاتقوا الله إخوتي الكرام واعلموا أننا عند اختيار الكتاب للشروع في درس الأحد من جديد، كنا قد تواعدنا على أن نقرأ النصف الثاني من كتاب سنن الإمام الدارمي رحمه الله تعالى.
غير أن أمراً قد جد ألا وهو أن المنطقة التي فيها المسجد منطقة جديدة، رأينا أن نبدأ الدرس في كتاب جديد، عسى الله تبارك وتعالى أن يكتب للدرس رواجاً وقبولاً في قلوب العامة فننتفع أجمعين.
لذلك وقع الاختيار على كتاب يشمل الدين كله، فيه الأصول وفيه الفروع، لكن بأسلوب فيه الترغيب والترهيب.
يعني ليس مثل درس الجمعة الذي يغلب عليه الأحكام، وإنما درس فيه الحض على فعل الشيء بموعدة الثواب والجنة، والحض على ترك الشيء بوعيد الإثم والنار.
وقع الاختيار على كتاب “الترغيب والترهيب” للإمام المنذري رحمه الله تعالى، وسنقرأ الصحيح فقط لأن في الصحيح غنية عن الضعيف.
وكتاب صحيح الترغيب والترهيب فيه ما يقرب من مائة حديث فوق الألف، يعني فيه ألف ومائة حديث، سنقرأ الحديث ونتعرف على الراوي ثم نبين ما في الحديث من فوائد وعبر.
اقرأ أيضا: شرح تمام المنة
الإخلاص
أول باب في الكتاب يحمل عنوان الإخلاص، والإخلاص تعريفه باختصار أن يخلص المتعبد نفسه من الشواغل والأغيار، يخلصها لعبادة الله الواحد سبحانه وتعالى.
الشواغل والأغيار كثيرة، إذا ما خلص الإنسان من شواغل نفسه ومن الأغيار التي تشغله عن الله تبارك وتعالى، ولم يعبأ إلا بنظر الله تعالى فهو على طريق الإخلاص.
وهذا الباب أو الكتاب فيه رواية طويلة الجميع يحفظها، كلنا على علم بها، لكن سنقرأها ثم نبين ما فيها من دروس وعبر.
في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوُا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ، فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولَا مَالًا، فَنَأَى بي في طَلَبِ شَيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ. قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها. قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الَّذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَسْتَهْزِئُ بي! فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ). (صحيح البخاري:2272)
الرواية هذه في الصحيحين، والرواية عند أحمد في المسند ولكن فيها ألفاظ زيادة، وعند أبي داود في السنن كذلك فيها ألفاظ زيادة.
عند أحمد في المسند، أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام طلب من صحابته الكرام ارتفاع الهمة، فقال لهم: (مَنِ استَطاعَ منكم أنْ يَكونَ مِثلَ صاحِبِ فَرَقِ الأرُزِّ، فليكن مِثلَه) (تخريج المسند:5973)، الفرق مكيال من مكاييل أهل المدينة، يساوى ثلاثة أصع، يعني صاع وصاع وصاع، بالكيل المصري يساوى تقريباً حوالي 7 كيلو جرام.
وكان الرجل قد استأجر رجالاً بالطعام، استأجرهم بالطعام وليس بالمال، وكان أجر الرجل ثلاثة أصع أو فرق، ثم ذكر لهم هذه القصة صلوات الله وسلامه عليه.
ومحقق كتاب المسند الشيخ الأرناؤوطي رحمة الله تعالى عليه ذكر أن الرواية دون أولها صحيحة، أما أولها قال: هي منكرة.
وعند أبي داود رحمه الله تعالى نحواً من رواية أحمد.
التعريف بالراوي: عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، صحابي جليل أسلم مع أبيه، لما أسلم أبوه عمر رضوان الله تعالى عليه وعاد إلى بيته دعى أهله إلى الإسلام فأسلموا، فأسلم عبد الله مع أبيه وهاجر كذلك مع أبيه، فهو من السابقين في الإسلام.
عبد الله بن عمر رضوان الله تعالى عليه أتى يوم بدر ليغزوا مع النبي عليه الصلاة وأزكى السلام فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سنه يومذاك ثلاثة عشر سنة.
ثم وافاه في أحد فرده النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وأجازه يوم الخندق وكان يوم الخندق قد بلغ خمسة عشر سنة، فشهد المشاهد مع النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.
وابن عمر كان يتميز على أقرانه بالفهم وكان يجالس كبار الصحابة الكرام، وكان إذا ما جالسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينتبه لكل ما يقوله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
لذلك يوماً سأل النبي أصحابه قال: (إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ ورَقُها، وإنَّها مَثَلُ المُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي ما هي؟). (صحيح البخاري:61)
الصحابة الكرام تناولوا شجر البادية، منهم من يقول السدرة ومن يقول الثمرة، وابن عمر جالس وسط كبار الصحابة، فوقع في نفسه أنها النخلة، فلم يجب أحد ولم يجب ابن عمر حياء من كبار الصحابة.
ثم أنبأهم النبي عليه الصلاة وأزكى السلام أنها النخلة، النخلة لا يسقط لها ورق كما يسقط للتين أو أي فاكهة من الفواكه لها أوراق تنزل في موسم وتنبت في موسم، أما النخلة طول السنة ورقها فيها، وكلها منفعة من أسفلها إلى أعلاها، كذلك المؤمن كله منفعة.
فلما أخبرهم النبي بأنها النخلة قال ابن عمر لأبيه: لقد وقع في نفسي يا أبتي أنها النخلة، فقال عمر لولده عبد الله: لو أنك قلتها لكانت عندي تساوي كذا وكذا، أي ليتك تحدثت بها.
وابن عمر رضوان الله تعالى عليه عاش وعمر، عاش نحو من ستة وثمانين سنة، ومات سنة ثلاثة وسبعين من الهجرة.
وابن عمر عبد الله كان شقيقاً لأم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وأمهما زينب بنت مظعون أخت الصحابي الجليل عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه وأرضاه.