خطبة عن أهمية العلم للشيخ محمد نبيه: فضلُه وحكمتُه في القرآن والسنة النبوية الصحيحة، مع توجيهات عملية تطبيقية.

مقدمة: العلم في صلب العقيدة الإسلامية
الحمد لله الذي رفع درجات العلماء، وجعل العلم سبيلًا لمعرفته وطاعته، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي قال: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة”.[١] أما بعد،
فإن أهمية العلم في الإسلام لا تضاهيها قيمة، فهو ليس مجرد وسيلة للمعرفة، بل هو فريضة وركيزة أساسية في بناء الحياة الإسلامية. في خطبة عن أهمية العلم، سنستكشف من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مكانة العلم وفضله، وحكمة تشريعه، وتوجيهات عملية للمسلم في رحلته نحو التحصيل العلمي.
اقرأ أيضا: خطبة عن العمل في الإسلام
مكانة العلم في القرآن الكريم: آيات تشيد بالعلماء
يُعد القرآن الكريم المصدر الأول الذي يُجلي فضل العلم، حيث بدأ التنزيل بأمر القراءة: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. [٢]
هذه الآيات تؤسس لمفهوم أن العلم هو نقطة الانطلاق في رسالة الإسلام، وأن الله كرم الإنسان بتعليمه ما لم يكن يعلم.
كما يُميز القرآن بين أهل العلم وغيرهم: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. [٣]
فالعلم يرفع صاحبه درجات، ويجعله أهلاً للخشية الحقيقية: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. [٤]
اقرأ أيضا: تعريف القرآن الكريم
الأحاديث النبوية: العلم فريضة وسبيل للجنة
أكدت السنة النبوية الصحيحة على أهمية العلم في نصوص جلية، منها:
- حديث الفريضة: قال رسول الله ﷺ: “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ”. [٥] هذا الحديث يضع العلم في مصاف الفرائض الشرعية، مما يجعله واجباً على كل مسلم ومسلمة.
- حديث الجنة: “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ”. [٦] هنا يُربط طلب العلم بالأجر الأخروي، حيث يُعد السعي في تحصيله عبادة تُقرب من الجنة.
- حديث الدعاء: “اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي”. [٧] هذا الدعاء يُظهر أن العلم لا قيمة له إلا إذا انتفع به صاحبه في دينه ودنياه.
اقرأ أيضا: خطبة مقومات الحياة الطيبة
حكمة تشريع طلب العلم: لماذا أولى الإسلام العلم هذه الأهمية؟
لم يأتِ التركيز على أهمية العلم في الإسلام من فراغ، بل لحكم عظيمة:
- العلم أسيد التوحيد: فالعلم الصحيح هو الذي يُعرّف المسلم بربه، ويفهمه أسماءه وصفاته، ويُميز بين التوحيد والشرك. قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾. [٨]
- العلم حصن ضد البدع والانحراف: في عصر كثرت فيه الأفكار المنحرفة، يُعد العلم الشرعي درعاً يحمي المسلم من الانزلاق في البدع أو التطرف. قال ﷺ: “من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين”. [٩]
- العلم محرك للحضارة: لم تكن الحضارة الإسلامية إلا ثمرة للعلم، حيث أمر الإسلام بالنظر في الكون وتدبر آياته: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. [١٠]
اقرأ أيضا: خطبة الحضارة الإسلامية وخصائصها
فوائد العلم للفرد والمجتمع: من النمو الروحي إلى التقدم المادي
تتجلى أهمية العلم في آثاره الإيجابية على مستوى الفرد والمجتمع:
على المستوى الفردي:
- تزكية النفس: العلم يُنير القلب ويُقوي الإيمان، كما قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾. [١١]
- تحقيق الاستخلاف: العلم يُمكّن المسلم من عمارة الأرض كما أمر الله: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾. [١٢]
على المستوى المجتمعي:
- بناء الأمة: العلم أساس قوة الأمة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “تفقهوا قبل أن تسودوا”.
- تحقيق العدالة: العلم الشرعي يضمن تطبيق العدل في المجتمع: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾. [١٣]
اقرأ أيضا: خطبة عن العلم وأثره على الفرد والمجتمع
توجيهات عملية لطلب العلم: كيف نُحول الفضيلة إلى فعل؟
لتحقيق أهمية العلم عملياً، نقدم توجيهات مستندة للسنة النبوية:
- النية الصالحة: يجب أن يكون الهدف من طلب العلم هو وجه الله، لا الشهرة أو المصلحة الدنيوية. قال ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات”. [١٤]
- التواضع والصبر: العلم لا يُنال بالعجلة، بل بالصبر والتواضع. قال الإمام الشافعي: “من لم يصبر على ذل التعلم بقي في عمى الجهل”.
- التدرج في التعلم: ابدأ بالأساسيات قبل المتقدمات، كما قال ﷺ لعبد الله بن عمرو: “اقرأ القرآن في شهر”. [١٥]
- الممارسة والتطبيق: العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. [١٦]
اقرأ أيضا: خطبة عن جبر الخواطر وأثره على الفرد والمجتمع
خاتمة: العلم نور يُنير الحياة
في ختام هذه الخطبة عن أهمية العلم، نؤكد أن العلم ليس مجرد تراكم معلومات، بل هو منهج حياة يربط المسلم بربه، ويُمكّنه من عمارة الأرض، ويُحقق له السعادة في الدنيا والآخرة. فلتجعلوا طلب العلم شعاركم، والتواضع سبيلكم، والعمل دليلكم، فبذلك يتحقق فيكم قول الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. [١٧]
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[١] (رواه مسلم).
[٢] (سورة العلق: ١ – ٥).
[٣] (سورة الزمر: ٩).
[٤] (سورة فاطر: ٢٨).
[٥] (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
[٦] (رواه مسلم).
[٧] (رواه الترمذي وحسنه).
[٨] (سورة محمد: ١٩).
[٩] (متفق عليه).
[١٠] (سورة يونس: ١٠١).
[١١] (سورة المجادلة: ١١).
[١٢] (سورة الأنعام: ١٦٥).
[١٣] (سورة النساء: ١٣٥).
[١٤] (متفق عليه).
[١٥] (متفق عليه).
[١٦] (سورة الصف: ٢ – ٣).
[١٧] (سورة الزمر: ٩).