تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة الصف

مشاركة:

تفسير سورة الصف للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف سورة الصف وسبب نزولها وهل نزلت بمكة أم نزلت بالمدينة ويبين معاني الكلمات والآيات.

تفسير سورة الصف
تفسير سورة الصف

تعريف سورة الصف

سورة الصف هي سورة مكونة من أربعة عشرة آية، واختلف العلماء في نزولها، منهم من قال: هي مدنية النزول لأنها تضمنت آية فيها حكم القتال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ).

وهذا قول الجمهور، وقالوا: لم يكن بمكة قتال إنما ما كان بمكة إلا العفو.

وفريق آخر خالف الجمهور وقال: بل هي سورة مكية لأنها تضمنت القصص، وهذا من خصائص القرآن المكي كما ذكرنا في شرح علوم القرآن الكريم.

مثل قصة موسى عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

وقصة عيسى عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ).

سبب نزول سورة الصف

إبان غزوة بدر خرج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعزم على الصحابة رضي الله عنهم بالخروج معه، وخرج معه ثلاثمائة وأربعة عشر نفساً، خرجوا لملاقاة العير ولم يخرجوا للحرب والقتال.

فلما أيد الله نبيه صلوات الله وسلامه عليه بالنصر وعاد المسلمون منتصرين، تكلم من لم يشاركوا في الغزو وقالوا: لئن حدث قتال بعد اليوم ليرين الله تعالى منا القوة والجلد.

وكان هذا منهم على سبيل الوعد والعهد، فلما كانت غزوة أحد وحدث فيها ما حدث، لما انكسرت صفوف المسلمين وفر بعضهم وحدث فيها ما عكر صفو المسلمين.

فنزلت الآيات الأولى من سورة الصف.

تفسير سورة الصف

(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)

أول شئ تضمنته السورة أن جميع ما في السماوات وما في الأرض يسبح الله تبارك وتعالى، ولا يغفل عن تسبيحه إلا ابن آدم والمكلفون من الجن.

والتسبيح تنزيه لله تبارك وتعالى، وكلمة تنزيه تعني أن الجميع يصف الله بما يستحق أن يوصف به، تنزهه وتسبحه وتنسب له الكمال المطلق، يصفونه بصفات الجمال والجلال والكمال.

ويعتقدون أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، أما من يعتقد في الله غير ذلك فهذا ليس بمسبح ولا منزه، كاليهود وغيرهم.

فاليهود لعنهم الله وصفوا الله بالفقر ولم يسبحوه ولم ينزهوه سبحانه، فقالوا: (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ).

كذلك من اعتقدوا أن الله له صاحبة وولداً لم يسبحوا الله.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

بين سبحانه أنه عزيز لا يُغلب وحكيم يضع الشيء في موضعه اللائق به، يُعطي هذا مالا وهو يعلم أنه لا يصلحه إلا المال، ويُعدم هذا من المال وهو يعلم أن عدم المال صلاح للمخلوق.

ويجود على هذا بالولد وهو يعلم، ويمنع هذا الولد وهو يعلم، ويعطي هذا إناثاً وهو يعلم ويخص الآخر بالذكور وهو يعلم، ثم يجعل من يشاء عقيماً وهو يعلم، فالله تبارك وتعالى ما وضع عند مخلوق شيئاً إلا وهو يعلم لما وضعه.

وهذا يرد على من يعتقد في الله الاعتقاد السقيم السيء، عندما يرون نعمة عند عاصي يقولون: (يعطي الحلقة للي بلا ودان)، وهذا فيه نسبة ما لا يليق لله أن نصفه به.

فعندما تقول لأحدهم أن الله أعطى فلانا شيئاً وهو لم يستحقه، فقد عبنا على الله توزيعه وفعلنا كما فعل من قبلنا وهذا من سوء الاعتقاد في الله.

فالله الذي قسم وهو الذي رزق، والله قال في كتابه: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

فتسبيح الله يعني تنزيهه، ومن ثم قالوا في البشر: (فلان هذا نزيه) لحرصه على النظافة في كل شيء من أمر حياته، فالنزاهة طهارة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)

الآية وإن كانت نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الحكم عام، فالعبرة ليست بخصوص السبب إنما هي بعموم اللفظ، وفي الآية دلالة على أن من وعد وعداً فعليه أن يلتزم بما وعد، ومن نذر نذراً عليه أن يفي بما نذر.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).

واعلم باركك الله أن الله امتدح عباده عندما وفوا بنذورهم وجعل من صفات عباده قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا).

وعاب الله على أناس وعدوا وأخلفوا وعودهم فقال تعالى: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ).

فمن يعد ثم يخلف ما وعد هذا يدل على نفاق في فؤاده، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من صفات المنافق إذا وعد أخلف.

فمنا من يقول وعند العمل لا يفعل ما وعد، لذلك عاتب الله هذا الصنف من الناس فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)).

من وعد وأخلف وعده جلب لنفسه غضب الله، فمنا من يعد ويعلق وعده على شرط فيقول: (إن شفى الله مريضي لأتصدقن بكذا)، فعندما يتحقق له شرطه لا يفي بما وعد.

فهو الذي ألزم نفسه ولم يلزمه الشرع بشيء، فألزم نفسه وشرط على ربه، فلما حقق الله له الشرط وشفى مريضه بخل بالمال، عندما تحققت له النعمة بخل بماله ومنع.

فهذا وأمثاله يقول فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن النذر: (إنه لا يرد قضاء ولا يرفع بلاء إنما يستخرج به من البخيل).

فالذي ينذر بشرط هذا إنسان بخيل، ومع بخله إذا تحقق له الشرط وجب عليه أن يبذل ما وعد ووجب عليه أن يدفع ما نذر، وإلا دل هذا على نفاق في قلبه كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

(كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)

يدخل تحتها الدعاة يعني الخطباء والوعاظ ومن يبلغون عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في الداعي أو في الواعظ أو في الإمام إن دل الناس على خير أن يسبقهم إليه، وإن نهى الناس عن سوء أن يكون أبعد الناس عنه حتى لا يقع تحت طائلة الآية.

والله تعالى عاب على علماء بني اسرائيل في قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

فاعلم أخي الكريم إن دعيت الناس إلى خير عليك أن تسبقهم إليه، وإن نهيتهم عن سوء وشر عليك أن تكون أبعد الناس عنه، عند ذلك تحقق القدوة الصالحة، إن تأسوا بك يكونوا في كفتك يوم القيامة.

أما إن تكلمت بخير وفعلت الشر فلربما سبقت أعينهم إلى فعلك فتأسوا بك في سوءك، وعند ذلك تحملهم وأوزارهم على ظهرك يوم القيامة.

لذلك إخوتي الكرام علينا أن نتقي الله في أنفسنا وفيما ولينا، وأن نحقق القدوة الطيبة عسى الله أن يبارك في ذرياتنا.

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)

الآية في فضل الجهاد، والجهاد ليس جهاد الكفار فقط إنما جهاد النفس جهاد، وكذلك جهاد الشيطان جهاد، وربط الله بين الصلاة وبين القتال لأن المصلي وهو في الصلاة يقاتل هواوه يجاهد شيطانه يجاهد نفسه وهو في صف الصلاة.

وأمر الله تبارك وتعالى المقاتلين بتسوية الصفوف كما أمر المصلين، لأن صف الصلاة كصف الجهاد، فالمجاهد إذا كان في الصف وتبعثر الصف وتفرق، فلربما رمى أحدهم عدوه فوقعه سلاحه في ظهر صاحبه.

كذلك المصلي لو أبعد كتفه عن كتف صاحبه أو قدمه عن قدم صاحبه فلربما أضاع نفسه وصاحبه.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *