تفسير سورة المعارج للشيخ محمد نبيه يشرح فيها تعريف سورة المعارج وما هو سبب نزول سورة المعارج ويبين معاني الآيات والكلمات.
تعريف سورة المعارج
سورة المعارج هي سورة مكية عدد آياتها أربعة وأربعون آية، ومن يقرأها فكأنما يقرأ سورة الحاقة لأن موضوعهما واحد، كل من السورتين تناول يوم القيامة وما فيه من أهوال.
يمكنك أيضا قراءة تفسير سورة الحاقة كاملة لمعرفة المزيد عن أحداث يوم القيامة.
ما أهم الموضوعات التي تضمنتها سورة المعارج؟
تناولت سورة المعارج:
- بعض مواقف يوم القيامة.
- ثم تناولت حال الإنسان وهو على كفره.
- ثم ذكرت عشر صفات لا تتوفر إلا في مؤمن.
- وبعد ذلك اشتملت على تهديد من الله تبارك وتعالى لمن كفر به.
ما هو سبب نزول سورة المعارج؟
سبب نزول سورة المعارج أن أحد مشركي مكة وكان يسمى النضر بن الحارث، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وحاوره ثم قال له: يا محمد، أتزعم أنك على حق؟ إن كنت على حق فسل ربك أن ينزل علينا من السماء عذابا.
وفيه نزل قوله تعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ). (سورة الأنفال:32)
استعجل النضر بن الحارث نزول العذاب، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الله تعالى أن ينزل على أهل مكة عذابا فكان هذا هو سبب نزول سورة المعارج.
اقرأ أيضا: تفسير سورة الملك كاملة
تفسير سورة المعارج
(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2))
(سَائِلٌ) هذه هي القراءة المشهورة والتي عليها الجمهور، ويقرأها غير الجمهور (سال) بدون همز، والسائل هو النضر بن الحارث، وكان مشركاً من مشركي مكة، وكان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أما قراءة من قرأها بدون همز قالوا: (سال) الوادي المسمى بسائل في جهنم، سال بالعذاب ليعذب الله تعالى به من كفر به.
ومعنى الآية: عذاب الله تعالى الذي استعجله كفار مكة سيحل بهم حيث لا يستطيع أحد أن يدفعه أبداً، فإذا أراد الله نزول العذاب لا تقوى قوة في الوجود على أن تدفع شيئاً أراده الله تبارك وتعالى.
(مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3))
في الآيات أن الله تعالى ممدوح، ومدحه في هذه السورة (مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ)، ومعنى المعارج في كتب التفسير هي الفضائل والنعم.
كذلك في كتب التفسير المعارج هي الدرج التي يُصعد من خلالها، والدرج يصعد بها تجاه العلو، أما الدرك ينزل من خلالها إلى التسفل، لذلك جهنم دركات والجنة درجات.
نسأل الله تعالى الجنة ونعوذ بالله من النار.
(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4))
تصعد الملائكة بالأعمال إلى رب العباد سبحانه وتعالى ويصعد جبريل عليه السلام إلى السماء ثم ينزل على الرسل بالوحي، وخص جبريل بالذكر مع ذكر الملائكة لفضل جبريل على سائر الملائكة.
وفي تفسير اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة يقولون في كتب التفسير: أن الخمسين ألف سنة بحساب البشر في صعود الملك أو في نزول الملك بأمر الله تعالى من السماء السابعة إلى الأرض السابعة بالحساب البشري خمسين ألف سنة.
وبعض أهل العلم في التفسير يقول: بل اليوم المعدود بخمسين ألف سنة هو يوم القيامة من ساعة أن يفزع الناس من قبورهم إلى أن يفرغ الله تعالى من حساب الخلق، هذا اليوم طوله هو المقدر في هذه الآية بخمسين ألف سنة.
وهذا الطول يطول على الكافر، أما المؤمن يمر عليه هذا اليوم الطويل كوقت في صلاة مكتوبة، أما يطول ويشتد طوله على من كفر بالله رب العالمين.
(فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5))
يا محمد اصبر على تبليغ الرسالة وليكن صبرك صبراً جميلاً، والصبر الجميل هو الصبر بلا جزع الصبر بلا شكاية، الصبر في حد ذاته كخُلق لعله أصعب الأخلاق التي يتخلق بها الناس، يوجد صبر عادي ويوجد صبر جميل، الصبر الجميل الصبر بلا شكاية، تصبر ولا تشكو تصبر ولا تجزع.
(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10))
يعني الكفار من أهل مكة ﻻ يعتقدون في يوم القيامة ويرونه بعيداً لأنهم لا يؤمنون به، أما المسلمون يرونه قريباً لأنهم يعتقدونه ويؤمنون به، ومن يؤمن بالشيء يقترب منه وكل ما هو آت قريب.
(الْمُهْلِ) دردي الزيت يعني الزيت المغلي.
(كَالْعِهْنِ) مثل الصوف أو القطن الممدوف أو الممزوز.
(حَمِيمٌ) الصاحب شديد الصحبة، الصاحب المخلص في الصحبة يقال له: حميم. ففي القيامة لا يسأل الحميم حميمه بل يشغل كل حميم عن حميمه.
اقرأ أيضا: تفسير سورة القلم كاملة
(يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ۚ (11))
(يُبَصَّرُونَهُمْ) يعني يتعارفون فيما بينهم.
في القيامة الكافر يعرف الكافر القريب منه والنسيب له، يعرف أنسابه في القيامة ويجتمعون مع بعضهم البعض، ولكن ساعة الحساب لا يغني ولد عن والده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً.
عندما يتعرف الكافر على أهله وعلى قبيلته وعلى عشيرته وعلى أولاده، عند الحساب يتمنى الكافر أن لو يضع ولده تحت قدمه وهو أعز مخلوق عليه.
(وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12))
الصاحبة هي الزوجة، وأخيه يعني إخوته.
(وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13))
قال أهل العلم: الفصيلة هي العشيرة، وقالوا: العشيرة هي الفخذ من القبيلة، والفخذ هو فرع من فروع القبيلة.
(وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14))
يتمنى الكافر أن لو يفتدي من العذاب بأهل الأرض جميعاً.
(كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ (15))
لكن الله رد عليه الأمل، لم يحقق له أمله ولا منشوده ولا غايته.
(لَظَىٰ) اسم من أسماء جهنم.
(نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ (16))
يعني تسلخ جلد الإنسان، وهذه من صفات جهنم.
(تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ (17))
تنادي على من كفر بالله، وعلى من جعل أمر الله في ظهره ولم يمتثله، وكذلك تنادي على من تولى وأعرض عن الحق.
(وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ (18))
تنادي على من جمع المال ومنع حق الله فيه وهي الزكاة.
(إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19))
المراد بالإنسان في الآية هو الكافر، فالكافر مطبوع على الهلع وهو الحرص.
طبع الكافر هكذا أنه حريص على الحياة (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ).
فالكافر كل حرصه على أن يعيش، فتجده يبذل جهده في سلامة بدنه، ويسعى سعياً حثيثاً على أن يصح بدنه وﻻ يسقم ﻷنه ﻻ يؤمن بحياة بعد الموت.
لذلك يتفنن في أساليب الحياة حتى يحيى أطول مدة ممكنة، تجده أمهر الناس في اكتشاف الدواء وفي توصيف الداء، لأنه حريص على الحياة وغير مؤمن بيوم القيامة.
اقرأ أيضا: تفسير سورة نوح كاملة
(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20))
الجزع هو الشكوى يعني إن أصيب بشر يكثر الشكاية.
(وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21))
عندما يتحصل على مال ينسى فضل الله تعالى عليه ويمنع حق الله من المال.
(إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22))
المصلين هم المؤمنون، فالكافر لا يصلي، لذلك كل إنسان لا يصلي إما أن تكون عدم صلاته جهل بالدين أو لكفره بالله رب العالمين.
وللأسف لم يزل للآن في بلادنا من لا يصلي أبداً حتى وإن ذهبت تعلمه وتحفزه، هو مطبوع على عدم الصلاة، ولا يدخل المسجد في حياته إلا وهو محمول على أعناق الرجال.
ويحمله الناس على أعناقهم للمسجد كذلك بجهل، لأن هذا وأمثاله لا يصلى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، لكن لجهل الناس تغلب عليهم العاطفة.
فقد يكون سباباً للدين، ولم يسجد سجدة لرب العالمين لا في جمعة ولا في يوم ولا في عيد ولا في رمضان ولا في غيره، لم يسجد سجدة واحدة لله ولم يدخل المسجد إلا وهو ميت محمول على الأعناق.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العَهدُ الَّذي بيننا وبينهم الصَّلاةُ، فمَن تركَها فَقد كَفرَ). (صحيح ابن ماجه 891)
فالكافر لا يصلي، لذلك استثنى الله تعالى المصلين من الهلع والجزع والمنع والبخل، وفي الآيات التالية صفات المصلين.
(الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23))
المداومة على الصلاة يعني على الصلاة المكتوبة.
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24))
في ماله حق معلوم يخرجه إن كان زكاة أو صدقات فهو لم يمنع حق الله.
(لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25))
السائل هو من يتكفف الناس، والمحروم في التفسير عند الطبري: هو المحترف صاحب الحرفة الذي ليس له سهم في الغنيمة ولا في الفيء.
(وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26))
المصدق بيوم الدين هو المؤمن بيوم القيامة.
(وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27))
يخشون ربهم بالليل والنهار سراً وعلانية، يخافون عذابه سبحانه ويرجون رحمته.
(إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28))
ﻷنهم يعلمون أنه ﻻ يأمن مكر الله إﻻ القوم الخاسرون.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29))
يحفظون فروجهم فلا يستخدمونها إلا في ما أحل الله.
(إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30))
في أيامنا شطط في الفهم، يقولون في الإعلام أن الخادمة ملك اليمين، كيف؟
ملك اليمين هي نتاج الحرب من النساء في الحرب التي تقوم بين المسلمين وأعدائهم من الكفار، ويقسمهم ولي الأمر، هذه هي ملك اليمين ومن حقه أن يبيعها، وليس من حق ملك اليمين أن تملك لذلك (العبد وما ملكت يداه ملك لسيده).
هل الخادمة تأخذ راتب أم لا؟
تأخذ راتب، إذا ليست ملكاً لصاحبها فهي عاملة عنده بالأجرة فكيف تكون ملكاً لليمين!؟
لذلك الخراصون الذين يخرجون على القنوات يشككون المسلمين في دينهم ويعكرون عليهم صفوهم مع ربهم، يروجون أن الخادمة ملك يمين، ومن ثم أباحوا لمن عنده خادمة أن يجامعها مجامعته للأزواج وهذا عين الضلال.
لذلك الخادمة تشتغل عندك بالأجرة فهي أجيرة وليست ملكاً لليمين.
اقرأ أيضا: تفسير سورة المدثر كاملة
(فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31))
من استخدم فرجه في غير زوجة ولا ملك يمين فقد اعتدى، ويندرج تحتها العادة السرية الشائعة عند المراهقين وهي ليست بزوجة ولا ملك يمين فهذا اعتداء.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما حض الشباب على الزواج قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ). (صحيح مسلم 1400)
فاعلم أن العادة السرية لو فيها راحة للإنسان لما كلف النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام، مع أن الصيام فيه مشقة لكنه كلف بالصيام لأن العادة مذمومة.
والعادة السرية سبب الرهق بعد الزواج، لأن الشاب غير واع بأحواله غير ناظر في العواقب أهم شيء أن يفرغ شهوته بأي أسلوب.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32))
الأمانات كلمة واسعة ليست الأموال فقط أمانات، بل أسرار الناس أمانات وسرك أنت أمانة.
لذلك هو حريص على أمانته إن كانت وديعة مالية أو إن كانت عقداً لأرض أو إن كانت قائمة لعفش أو إن كانت قسيمة لزواج أو إن كانت كلمة اؤتمن عليها كسر فهو حافظ للأمانات مراع لها.
وإذا عاهد عهدا لا ينقض ولا ينكث، صاحب ذمة صاحب عهد، المؤمن كلمته عقد فلو باع بليل وأعطى الكلمة وقال له: مبروك عليك، ثم جاءه في المبيع بعد ساعة زيادة يخبره أنه قد باع لغيره.
لكن ما بالنا ومن يبيع الشيء عشر مرات!؟
المؤمن صاحب أمانة يرعاها وصاحب عهد، لو أعطى كلمة انتهت، لكن من لا عهد لهم ولا كلمة لهم يبيعوا الشيء مرة بعد المرة ولا يخافوا الله رب العالمين.
(وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33))
من ﻻ أمانة عنده إذا رأى الشيء وطلبت منه الشهادة ثم ذهب المشهود عليه إليه يترجاه أن لا يحضر للشهادة فيتنصل من الشهادة التي طلب لأدائها، والله قال في القرآن: (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).
ومن يذهب ويشهد زور، ما رأى بعينه ولا سمع بأذنه فيشهد بما لم يرى.
المؤمن ليس هكذا، المؤمن إن طلب منه الشهادة وقد رأى يشهد بالحق ولا يهمه المشهود عليه فقير أو مريض أو غني أو صحيح، ما رآه نطق به لا يشهد بغيره لأنه ليس أرحم بخلق الله من الخالق سبحانه وتعالى.
ما دمت تعرف الحق فاشهد به ولا تخف من بطش المسئول ولا تخف من بطش السائل ولا تجامل ولا تحابي، رأيت الحق انطق بما رأيت، لو شهدت بالحق فلربما ألقى الله العفو في قلوب المظلومين فعفو، نسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية.
(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34))
المؤمن مداوم على الفرض حيث لا انقطاع ومحافظ على أوقات الصلاة، هذه هي صفات المؤمنين.
(أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35))
أصحاب هذه الصفات في جنة الرحمن يكرمهم الرحمن سبحانه وتعالى، لذلك احرص على أن تكون من هؤلاء.
(فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36))
الاهطاع هو التبحيج، ومعناه في كتب التفسير: ضم ما بين العينين مع دوام النظر وشدته دون اغماض.
(عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37))
كلمة عزين تعني حِلق.
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي على أهل مكة بطناً بطناً فخذاً فخذاً فيجتمعوا من حواليه، فيقول لهم: (يا أيُّها الناسُ، قُولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، تُفلِحوا).
كانوا كفار مكة يلبون نداء النبي صلى الله عليه وسلم ويأتون جماعات، ثم بعدما يسمعون قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم يولون معرضين وتتفرق الجماعات.
كانوا عندما يسمعون الكلام يشتمون النبي صلى الله عليه وسلم ويصفونه بالجنون حتى أنهم كانوا يدعون عليه يقولون له: تباً لك سائر الدهر ألهذا جمعتنا؟
وينزل فيها قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).
اقرأ أيضا: تفسير سورة المزمل كاملة
(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38))
كانوا يكذبون بيوم القيامة ويقولون: لو هناك جنة سندخلها قبل المسلمين.
(كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39))
لكن كلا ليس الأمر كما يظنون، كل واحد يعلم من أي شيء خُلق، وأصل خِلقة الإنسان منا نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو ما بين الإثنين يحمل في بطنه العذرة.
كان المهلب بن أبي صفرة والياً في عهد الحجاج، وكان يمشي يوماً ويلبس ثوباً من حرير، فرآه مطرف بن عبدالله بن الشخير وهو تابعي ابن صحابي، فقال له: مالك تمشي هذه المشية وهذه مشية المغضوب عليهم؟
فقال له المهلب: ألا تعرف من أنا؟
قال له مطرف: أعرف، أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين هذه وتلك تحمل في بطنك العذرة.
فانتهى المهلب من مشيته وولى.
فهذا أصل الإنسان النطفة المذرة وهي سريعة التغير.
(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41))
في استطاعة الله تعالى أن يفنيهم ويستبدلهم بخير منهم ولا يُعجز مخلوق خالقاً أبداً، لا توجد قوة تعجز الله ولا تمنعه من تنفيذ قدره وقضائه.
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42))
ما عليك يا محمد إلا البلاغ، وما أراد الله لهم الهداية، لذلك فاتركهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذين يوعدون وهو يوم القيامة.
(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43))
يوم يخرجون من القبور بسرعة إلى راية منصوبة، والنُصب في الآية معناه علم أو راية، والإيفاض الجري بسرعة.
(خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44))
عندما يعاينون العذاب يقولون: ربنا أبصرنا وأيقنا أن وعدك حق ويسألونه أن يخرجهم من النار ويعيدهم إلى الدنيا مرة ثانية ليتوبوا، لكن الله تعالى يجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلمون.
نعوذ بالله تعالى من النار ونسأل الله تعالى الجنة ونسأله فيها مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم.