تفسير سورة الممتحنة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف سورة الممتحنة وسبب نزولها وسبب تسميتها بهذا الاسم ويبين معاني الكلمات والآيات.
تعريف سورة الممتحنة
سورة الممتحنة هي سورة مدنية النزول بإجماع أهل العلم، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المدني، وعدد آياتها ثلاثة عشر آية.
وكان سبب نزول سورة الممتحنة حادثة في السنة السادسة من الهجرة النبوية في شهر ذي القعدة.
بعد صلح الحديبية هاجرت امرأة مسلمة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي قد خرج من المدينة قاصدا مكة المكرمة لأداء العمرة.
وكان من بنود الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش: إذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم أحد من قريش يرجعه لهم، وإذا أتى قريش أحد من المسلمين لا يرجعونه.
فلحق بها زوجها وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلح تم على الرجال ولم يدخل أمر النساء في الصلح).
فأتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن يسأل المهاجرة عن سبب هجرتها، هل هاجرت حباً لله تعالى ولرسوله أم كراهة عيش وبغض زوج أم طمعاً في المال؟
اقرأ أيضا: سبب نزول سورة التحريم
تفسير سورة الممتحنة
بعد ما كان من صلح الحديبية وما كان من أمر قريش وطلبهم للهدنة، وبعد ما كان منهم من اتفاق على عدم محاربة أحلاف النبي صلى الله عليه وسلم.
وكانت هناك قبيلة تسمى بنو بكر، وكانت من أحلاف قريش، قامت بينها وبين خزاعة مناوشة، وخزاعة كانوا أصحاب سر النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أحلافه، فأعانت قريش بني بكر على خزاعة، أعانوا أحلافهم على أحلاف النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا نقض للعهد الذي بينهم وبين رسول الله، فلما وصل الأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يعد جيشه ويرتب حاله، فلما رأى القوم قد استعدوا نظر أن يرجع مكة فاتحاً، وهذا كان بعد عمرة القضية التي كانت في السنة السابعة من الهجرة.
اقرأ أيضا: تفسير سورة الحشر كاملة
رسالة حاطب بن بلتعة إلى أهل مكة
وبينما هم على استعدادهم إذ قدمت امرأة من مكة إلى المدينة، لكنها ما قدمت مهاجرة لأنها قدمت على كفرها.
وكانت هذه المرأة تدعى سارة، وكانت قينة، وكانت مولاة للعباس بن عبدالمطلب، وكانت تغني في أندية مكة، ضاق عليها الأمر ولما كبرت سنها تغيرت معالمها، فانصرف عنها الشباب فلم يعد لها دخل كما كان أولاً، فبدأت تدور على البلاد تسألهم لتستعين بالسؤال على حياتها، فجاءت المدينة تسأل أهلها أن يعينوها.
فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم سألها قالت: أنا سارة. قال: (وما حملك على هذا؟) قالت: ضيق الحال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينوها وهي على الشرك لتطعم ولتحيى.
ثم لما أخذت من الناس هداياهم ركبت هودجها، ثم رآها أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاطب بن بلتعة رضي الله عنه وأرضاه، ولم يكن حاطب بن بلتعة من أهل مكة ولكنه قدم مكة وأصبح من حلفاءها.
ولما هاجر المدينة مسلما بقي له في مكة أهل لكنهم لم يسلموا وبقوا على كفرهم وكانوا ضعافا، فأراد أن يقدم يداً لأهل مكة حتى يحفظوا أقاربه، فكتب رسالة ثم أعطاها لسارة، وأعطاها مكافأة على حملها وتوصيلها.
وكان في الرسالة: إلى أهل مكة اعلموا أن محمداً صلوات الله وسلامه عليه سيأتيكم بجيش كالسيل، ولئن أتاكم وحده لينصرنه الله عليكم فأولى بكم أن تأتوا من قريب.
اقرأ أيضا: تفسير سورة المجادلة كاملة
مقاصد سورة الممتحنة
في الرسالة كشف سر دولة، فقد أطلعهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعد لحربهم فأولى بهم أن يأتوا مسلمين، فإذا لم يسلموا سيستعدوا لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا تفويت فرصة على الدولة.
فأتى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل حاطب وقال له: يا محمد والظعينة في روضة خاخ، والظعينة مصطلح يطلق على الهودج أو على الشبرية ويطلق على ساكنتها.
فاستنفر النبي صلى الله عليه وسلم من فرسانه علي بن أبي طالب، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام والثلاثة من أشد فرسان النبي مهارة، أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنهم سيدركونها في روضة خاخ، فإذا وجدتموها فأتوا منها بما معها.
فلما لحق بها الفرسان استوقفوها فوقفت وقالت: ما شأنكم؟ قالوا: جئنا لنأخذ ما معكي. قالت: ما معي إلا متاعي. قالوا لها: لا. إن نبينا أخبرنا بأنك تحملين رسالة فأخرجيها. فقالت: ما معي رسالة.
فما زالوا بها غير أنها لم تقر بما معها، فهددوها فأخرجت الرسالة من عقيصة شعرها من حزامها، فأخذوا منها الرسالة وتركوها بهداياها تذهب.
اقرأ أيضا: تفسير سورة التغابن كاملة
كيف تعامل النبي مع حاطب بن بلتعة
لما عادوا الفرسان بالرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم استدعى حاطب بن بلتعة وقال: (يا حاطب ما حملك على ما فعلت؟)، قال حاطب: يا رسول الله لا تعجل علي، والله ما فعلتها كفراً ولا ردة عن دين الله ولكني أعظم الاسلام وأحب الله ورسوله، ولكنكم أنتم من قريش وأنا لست بقرشي وإن لي بمكة أهلاً أخاف عليهم، فأردت أن أقدم يداً لأهل مكة حتى يحفظوني في أهلي.
فجاء عمر بن الخطاب رضوان الله عليه وقد اشتط غضباً ورفع سيفه وقال: يا رسول الله دعني أقطع رقبة هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه يا عمر فإنه قد صدق وإنه قد شهد بدرا ولعل الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).