تفسير سورة نوح للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف سورة نوح ويبين وسائل دعوة نوح عليه السلام ويشرح بشكل موجز قصة نوح عليه السلام مع قومه.
تعريف سورة نوح
سورة نوح عليه السلام سورة مكية النزول، تتكون من ثمانية وعشرين آية، فيها شرح موجز، لقصة نوح عليه السلام مع قومه.
بُدِأت السورة ببيان رسالة نوح عليه السلام، وأن الله تعالى أرسله لينذر من أرسله فيهم، يخوفهم يوم القيامة، ويأمرهم أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا، ويأمرهم أن يؤمنوا بالبعث بعد الموت.
دعاهم نوح عليه السلام، ولما دعاهم دعاهم بالتحفيز، بين لهم إن هم أطاعوه، وعبدوا الله تعالى العبادة الصحيحة، وعدهم أن يفتح الله عليهم، بمغفرة الذنب في الآخرة، وتعويض الحال في الدنيا.
اقرأ أيضا: خطبة عن العبادة في الإسلام
ما هي وسائل دعوة نوح عليه السلام؟
استخدم نوح عليه السلام كل الوسائل في دعوة قومه، استخدم الدعوة الجماعية، واستخدم الدعوة الفردية، دعا جماعة الناس بصوت عالي، ثم أسر الدعوة لكل من يثق فيه.
ثم دعا بالليل ودعا بالنهار، لم يترك حالاً من أحوالهم إلا ودعاهم إلى الله تعالى، غير أن قومه ما آمنوا به، كفر أكثرهم وما آمن منهم إلا قليل.
وكانوا إذا مر بهم نوح عليه السلام لم يكتفوا بتكذيبه، ولا بإلصاق الجنون به، إنما كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا الحق، ويجعلوا أثوابهم على أعينهم حتى لا يروا نوحاً عليه السلام، فيجبروا على الاستماع اليه.
فخوفهم نوح عليه السلام، خوفهم لقاء الله، وخوفهم عذابه، وذكرهم بنعم الله تعالى عليهم، بين لهم في النعم، أن الله خلقهم من الأرض، وسيعيدهم فيها، وسيخرجهم منها تارة أخرى.
وذكرهم بأن الله تعالى بسط لهم الأرض، وسخر لهم الكون، غير أنهم كذلك أصروا على العناد والكفر، وعبدوا الأصنام من دون الله تبارك وتعالى.
عند ذلك نفذ صبر نوح، فما تمالك نفسه إلا وهو يدعو على قومه، دعا الله تعالى أن يهلك الظالمين، دعا الله تعالى أن يهلك الكفار، وألا يبقي منهم أحدا.
وفي ختام السورة دعا نوح عليه السلام لنفسه ولوالديه ولمن دخل بيته مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ثم ختم دعاءه بالدعاء على الكافرين.
نقرأ السورة فعسانا عند القراءة أن يجد جديد في الفهم.
اقرأ أيضا: تفسير سورة المعارج
تفسير سورة نوح
نبدأ “تفسير سورة نوح” ببيان أن من الفوائد والدروس أن الطاعة سبب في كشف الهم والغم، وسبب في زيادة العمر، وسبب في مغفرة الذنب.
لذلك في الآيات الأول:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (4)).
سيدنا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وكان نوح عليه السلام قد أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض جميعاً في عصره، أرسله إلى أهل الأرض جميعاً، في عصره.
ولما أرسله اليهم آمن به من آمن، وكفر به من كفر، جاؤوه يشتكون إليه قلة الأمطار، يشتكون إليه القحط الذي ألم بهم، فذكرهم بالله تعالى، ودعاهم إلى الاستغفار.
وبين لهم أن الاستغفار سبيل إلى كشف الضر، وسبيل إلى إنزال المطر، وسبيل إلى إنبات النبات، وسبيل إلى علاج أي داء يستعصي على الناس علاجه، وسبيل إلى الذرية، وسبيل إلى تملك الدنيا وإلى نعيم الآخرة.
لذلك جاءهم يدعوهم، دعاهم بالليل، دعاهم بالنهار، دعاهم بالصوت الجهوري المرتفع، دعاهم بالصوت الخفيض، يعني دعاهم بالنصيحة، النصيحة الفردية.
فما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا، واستغشوا ثيابهم حتى لا يروا، ثم أصروا على العناد والكفر واستكبروا استكبارا.
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)).
من تعسر عليه أمر فتيسير العسير في الاستغفار، إذا تعسر أمامك أمر من الأمور أو أشكلت عليك حالة من الحالات ففرجها وكشفها في أن تستغفر لله رب العالمين.
الله تعالى يمطر السماء بالاستغفار، وينبت النبات بالاستغفار، ويرزق الولد بالاستغفار، ويغفر الذنب بالاستغفار ثم يملك الدنيا للناس بالاستغفار.
يعني من لم يستغفر الله تعالى لم يعظم الله حق التعظيم، ولم يهبه حق الهيبة، ولم يخشه حق الخشية، ولم يتقه حق التقوى.
والناس في أحوالهم العامة إذا تعسرت عندهم الأمور لم يجأروا لله إنما يذهبوا للمخلوق أولاً، فإذا احتار المخلوق عن تحديد الداء أو عن وصف الدواء ركنوا إلى الله تعالى.
مع أن الأصل عندما تلم الملمة يهرع الانسان لله تبارك وتعالى لأنه وحده هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ). (سورة النمل:62)
البنت الذي لم يطرق بابها خاطب، والولد الذكر الذي كلما ذهب ليخطب لم يتم أمره، بدل من أن يذهب للساحر، بدل من أن يذهب للدجال للمشعوز يجعل وجهه في قبلته، يجعل وجهه في قبلته ويجلس مستغفراً داعياً، والله تبارك وتعالى يمن عليه بتحقيق ما تمناه عليه.
زكريا عليه السلام كانت امرأته لا تلد، كانت زوجته كانت عاقرة، فاشتغل زكريا في الاستغفار والدعاء فهيأ الله تعالى زوجته للميلاد، أصلح ما كان عندها من تعب.
قال تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)). (سورة الأنبياء)
الأسير والمكروب فرجه في الاستغفار، يكثر من الاستغفار يفك الله تعالى أسره، يفك الله تعالى أسره وحبسه، المكروب يكثر من الاستغفار، يفرج الله تعالى كربه، ويزيح الله تعالى همه هذا وعد الله تعالى، والله تعالى لا يخلف الميعاد.
من يذهب للعراف أو للكاهن أو للساحر أو للدجال أو للمشعوذ، ولم يقف في قبلة الله تعالى هذا ما رجا لله وقار، هذا ما رجا لله وقارا، يعني لم يعظم الله حق التعظيم.
تعظيم الله حق التعظيم أن تجأر إليه في كل أحوالك، في رخائك تقول يا رب وفي شدتك تقول يا رب، والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام، أوصى عبدالله بن العباس، وكانت سنه يعني تقترب من العاشرة أو الحادية عشر سنة.
أردفه خلفه، وقال له يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، واذا سألت فاسأل الله، واذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك جفت الأقلام وطويت الصحف.
لذلك اجعل ربك سبحانه وتعالى ملاذك، اجعل ربك سنداً لك لا تسند إلى غير الله، ولا تركن إلى غير الله ولا تتوكل ولا تعتمد على غير الله.
لذلك نوح عليه السلام خوف قومه، خوفهم، وأمرهم بالاستغفار حتى يكشف الله تعالى كربتهم، لكنهم لم يعبدوا الله حق العبادة إنما بقوا على الشرك، ودعوا الأصنام من دون الله رب العالمين.
اقرأ أيضا: التسبيح والإستغفار سيد الأذكار
(مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)).
لماذا لا تعظم الله؟
وقد خلقك طورا بعد طور، خلق أباك آدم من تراب، ثم باقي الخلق بعد آدم حواء خلقها من ضلع آدم، وذرية آدم من الماء المهين، ذرية آدم من الماء المهين، النطفة بمجموعها الحيوان المنوي مع البويضة، ثم تعدت النطفة إلى طور العلقة، أصبحت جزءا من دم، ثم تطور الدم فأصبح قطعة من لحم، ثم تطور اللحم فأصبح عظما، ثم تولاه الله تعالى فأنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
الإنسان منا عندما تضيق عليه الحياة ييأس، ييأس والأصل أن ينظر في أطواره، لم يكن شيئا مذكوراً، ثم كان شيئاً، ثم تولاه الله تعالى وهو في الحشا بين الفرس والدم ثم تولاه بعدما نزل ثم تولاه حتى بلغ مبلغ الصبا ثم تولاه فأصبح في طور الشباب ثم تولاه فأصبح في طور الكهولة ثم عاد شيخاً كبيرا.
هذه أطوار مرت به، والله تعالى رعاه وكفله في هذه الأطوار، ثم عند الضيق يظن أن الله تعالى لن يفرجها ولن ييسرها، لذلك هذا من الأخطاء الشائعة.
لا تستصعب شيئا على الله، فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، سل ربك في كل شيء، سله الكبير وسله الصغير، ولا تسل سواه أي شيء، الله تعالى يغضب إن تركت سؤاله، وبني آدم حين يسأل يغضب.
لذلك قال الشاعر:
لا تسألن بني آدم حاجة | وسل الذي أبوابه لا تحجب | |
فالله يغضب إن تركت سؤاله | وبني آدم حين يسأل يغضب |
(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)).
انظر في السبع الطباق، تجد في السبع الطباق عظيم القدرة وطلاقتها.
لو نظرت في أطوار النبات بذرة ألقيت في الأرض، ثم نزل عليها الماء فاهتزت وربت، اهتزت وزادت في النمو، اهتزت وربت، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، الذي أحيا هذه الحبة الصماء هو وحده الذي يحيي الموتى، والله أنبتكم من الأرض نباتا، أطوار الإنسان كأطوار النبات في الخلق.
اقرأ أيضا: تفسير سورة الملك
(ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)).
ثم يعيدكم فيها بالدفن، ويخرجكم بالبعث.
الله تعالى سخر لك الأرض، تتخذ منها الطرق كما تحب وكما تريد، لم يجعلها صعبة عليك، إنما سهلها لك، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)). (سورة نوح)
كل هذه التذكيرات ذكر بها نوح عليه السلام قومه، ومع هذا كله ما آمن من قومه إلا قليل، آمن سبعة أنفس فقط، سبعة فقط، نوح عليه السلام صاحب الرسالة، وثلاثة أولاد وزوجاتهم.
نوح أنجب أربع أولاد، أنجب أربع ذكور، أنجب كنعان، وحام وسام ويافث، كنعان كفر هو وأمه، وآمن حام وسام ويافث، حام تزوج وامرأته آمنت وسام تزوج وامرأته آمنت ويافث تزوج وامرأته آمنت.
ثلاثة أولاد وثلاث زوجات ونوح عليه السلام فقط هو المجموع الذي ركب سفينة وما سواهم أغرقهم الله تبارك وتعالى.
(قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)).
كانوا يمكرون بأهل الإيمان.
(وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)).
هذه أسماء أصنام، هذه أسماء أصنام عبدها، قوم نوح.
(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ۖ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)).
فيها جواز الدعاء على الظالمين بلفظ العموم بلفظ العموم لكن لا تدعو على ظالم باسمه، خاصة إذا كان الظالم حياً، لأن العواقب لا يعلمها إلا رب البرايا سبحانه وتعالى.
أما يجوز أن تدعو على الظالم دون ذكر اسمه، تقول اللهم أهلك الظالمين بالظالمين اللهم عليك بالظالمين، على العموم لكن لا تخص واحداً باسمه، لا يجوز الدعاء على المعين، لماذا؟
لأن الخواتيم يعلمها رب العالمين.
(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)).
الديار ده صاحب الدار.
(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)).
يعني دعى نوح على الظالمين أن يأخذهم رب العالمين ثم قال نوح يا رب إنك إن أبقيتهم في الدنيا تسببوا في إضلال عبادك.
اقرأ أيضا: تفسير سورة الحاقة
(رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)).
في هذا أن أبوي نوح السلام كانا مؤمنين لأنه لما دعا لأبويه لم يعقب الله تعالى على دعوته بخلاف إبراهيم عليه السلام لما دعا لأبيه عقب الله على دعوته لأبيه.
إبراهيم عليه السلام دعا لأبيه في سورة إبراهيم (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ). (سورة إبراهيم:41)
وفي سورة براءة (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ). (سورة التوبة:114)
دل هذا على أن أبا إبراهيم لم يؤمن بإبراهيم، أما أمه آمنت، استدرك الله عليه في دعوته لأبيه، وبين أن أباه مات كافراً، ونهاه عن الاستغفار لأبيه بعد ذلك، أما أم إبراهيم بقيت على الإيمان.
لكن في هذه الآية فيها أن أبوي نوح عليه السلام كانا مؤمنين، لماذا؟
لأنه دعا لوالديه ولم يعقب الله على دعوته.
الدرس العام في السورة: أن تكذيب قوم نوح لنوح كان سبب غرقهم، كان سبب عذابهم، ودائما الذنوب والمعاصي سبب في الحرمان، سبب في الحجب والحرمان، المعاصي سبب في زوال النعم، المعاصي سبب في زوال النعم.
والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام، قال في الحديث الحسن: (إن العبدَ ليُحرَمُ الرزقَ بالذنبِ يصيبُه). (مجموع فتاوى ابن باز:24/242)
لذلك يقول الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها | فإن المعاصي تزيل النعم | |
وحافظ عليها بشكر الإله | فإن الإله شديد النقم |
لذلك من كان في نعمة رعايتها في طاعة الله تعالى وشكره، وزوالها في معصية الله تعالى ومخالفة أمره، فينبغي لنا إخوتي الكرام أن نترك الذنوب كلها، الصغير والكبير.
ولله در الشاعر عندما قال:
خل الذنوب صغيرها | وكبيرها ذاك التقى | |
واصنع كماش فوق أرض | الشوك يحذر ما يرى | |
لا تحقرن صغيرة | إن الجبال من الحصى |
نوح عليه السلام دعا الله تعالى وقام على رسالته، كما أمره الله تعالى.
واستخدام جميع وسائل البلاغ، السر والاعلان، الدعوة العامة والدعوة الخاصة، الدعوة الجماعية والدعوة الفردية وما آمن مع نوح إلا قليل كما ذكر الله تعالى.
ونوح عليه السلام في القيامة يسأله الله تعالى وهو أعلم: يا نوح هل بلغت قومك؟
فيقول نوح عليه السلام: بلى ربي.
فيسأل الله قوم نوح: هل بلغكم نبيكم؟
فيقولون: لم يأتنا رسول، يكذبوه في القيامة.
فيقول الله لنوح عليه السلام: يا نوح من يشهد لك؟
يقول نوح عليه السلام: يشهد لي محمد وأمته.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: فتشهدون ثم أشهد عليكم.
فصلوات الله وتسليماته وتحياته وبركاته على جميع رسل الله وعلى نوح وعلى نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.