سبب نزول سورة الحشر هو غدر يهود بني النضير ونقضهم عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خططوا لاغتياله وقتله بالاتفاق مع أهل مكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح سبب نزول سورة الحشر
ما كانت قريش تحب أن يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة لأنه بتركهم مكة فُضحت قريش بين قبائل العرب.
فلما تمت الهجرة إلى المدينة ما كان من أهل مكة الذين امتلأت قلوبهم بالحقد والغيظ إلا أن كتبوا مكتوبا وأرسلوه مع أحدهم لسكان المدينة من غير المسلمين.
فكتبوا إلى يهود بني النضير: إن لم تخلوا بيننا وبين ابننا سنعلن حربكم، ومن ثم اشتركت معهم اليهود واتفقوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين قالت بني النضير: هذا هو النبي بحق فالأنبياء هذا شأنهم، وبعد غزوة أحد قالوا: ليس بني لو كان نبياً ما هزم، وبعدها ذهب كعب بن الأشرف إلى مكة ومعه وفد من يهود بني النضير ليتفقوا مع أهل مكة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأمره، ثم ذهب رسول الله بعدها لبني النضير في محلتهم يستعينهم في دية رجلين قتلهما رجل، وهذا كان من البنود المتفق عليها في الميثاق.
فقالوا: يا محمد نعم المجئ جئت. ثم قالوا: انتظر ساعة حتى نقدم لك طعاما، وبعدما أجلسوه بنية أن يصنعوا طعاما أشار بعضهم لبعض إشارة فيها خيانة بأن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأتى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وكان مع النبي أبو بكر وعمر وسعد بن عبادة وغيرهم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا وحده.
فقالوا: لعله يرجع، فذهب ولم يرجع.
اقرأ أيضا: تفسير سورة الحشر
إجلاء بني النضير
ثم آذن النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير بما كان من أمر خيانتهم، فتحصنوا في حصونهم واعتقدوا اعتقادا جازما أن أحداً لن يقدر عليهم، حتى المسلمين لم يتسرب لهم الشك في أن يقدروا عليهم لما تحصنوا في الحصون.
فلما تحصنوا في الحصون خرج النبي صلى الله عليه وسلم لهم مشاة بجيشه ثم دخلوا وحاصروا الحصون، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من باب الكيد للعدو بأن يشعلوا النار في أموال اليهود عساهم إن رأوا ذلك خرجوا من حصونهم.
فكان بعض الصحابة رضي الله عنهم أشعل النار في نخيلهم وبعضهم ترك، الذي أشعل النار أشعلها كمكيدة لعدوه حتى يجبره على الخروج من حصنه، والذي تركه تركه على أنه إن خرج اليهود سيبقى للمسلمين مالا.
والله تبارك وتعالى ما عاب على من حرق ولا على من ترك، لذلك قال تعالى: ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾.
فألقى الله الرعب في قلوب اليهود فخرجوا مستسلمين.
ومن ثم أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا بدوابهم يحملون عليها أمتعتهم ويتركوا السلاح فقط، فعمدوا إلى بيوتهم فنقضوها بأيديهم وحملوا ما استطاعوا أن يحملوه من بيوتهم وخرجوا بأحمالهم على دوابهم.
ثم تركوا بقية أموالهم كفيء عاد على المسلمين وتركوا أسلحتهم إلى الشام التي هي أرض الحشر، وبقي منهم فلول اختبأوا في الجبال ومن ثم تم اجلاء يهود بني النضير وفيهم نزلت السورة.
اقرأ أيضا: سبب نزول سورة التحريم
الفرق بين الفيء والغنائم
الغنيمة هي ما يتحصل عليه المسلمون بعد الحرب من مال عدوهم، وللغنيمة أحكام وضحتها سورة الأنفال، أما الفيء فهو ما تحصل عليه المسلمين من عدوهم دونما قتال، وتقسيم الفئ يختلف عن تقسيم الغنيمة.
قال تعالى: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
وآخر الآية فيه اعلان الاستسلام والانقياد لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، إن قال يمنة فيمنة وإن قال يسرة فيسرة وإن قال توقف فتوقف.
وفيها أن السنة النبوية وحي كما أن القرآن وحي، فواجب على الأمة أن تتبع رسولها صلى الله عليه وسلم إن قال أو فعل أو أقر.
ورد في صحيح مسلم أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ يوما على الناس حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ). (صحيح مسلم 2125)
فبلغ كلام ابن مسعود امرأة فجاءته فقالت: أنت الذي قلت هذا؟ قال: نعم. قالت: فإني قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد هذا الحكم في القرآن. فقال لها ابن مسعود: أوقرأت كتاب الله كله؟ قالت: نعم. قال: أوما قرأتي قول الله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، قالت: نعم قرأتها. قال: وهذا مما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا به.
فآمنت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفهمت بعد سوء فهم.
لذلك في الآية تهديد شديد لما قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، أي خافوا لقاء الله فأطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم خذوا ما جاءكم به وكفوا عما نهاكم عنه وإلا فشدة العقاب تتنظر المخالف.