التسبيح والاستغفار سيد الأذكار لأبي عرفات محمد نبيه يوضح فوائد التسبيح وأوقاته ويبين فضل الاستغفار وأوقاته ويبين فوائد الاستغفار في الدنيا والآخرة ويوضح صيغ الاستغفار.
فضل التسبيح والاستغفار
اعلم بارك الله فيك أن لِذكر الله تعالى فضائل لا تكاد تحصر منزلة وأجرا، واعلم باركك الله أن ذِكْر الله تعالى متنوع الألفاظ، متعدد الأنواع؛ تهليل وتكبير وتحميد وتسبيح واستغفار وتلاوة ومدارسة للقرآن وغيرها.
وفي هذه العجالة جمعت ما يسر الله لي بجمعه في فضل التسبيح والاستغفار، وذلك ببيان المسبحين بحمده والمستغفرين، وفضائل التسبيح بحمده والاستغفار، وأوقاتها، وصفتهما وصيغهما، وذلك بتلميح يسير قبل كل آية وحديث، فأقول مسبحاً بحمده ومستغفرا.
معنى التسبيح
روى البزار في البحر الزخار ﻋﻦ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ ﺟﺪﻩ، ﻗﺎﻝ: ﺳﺄﻟﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻋﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ ﻓﻘﺎﻝ: (ﺗﻨﺰﻳﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﺴﻮء)، ﻭﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻻ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﻳﺮﻭﻯ ﻋﻦ ﻃﻠﺤﺔ، ﻣﺘﺼﻼ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻪ ﺑﻬﺬا اﻹﺳﻨﺎﺩ.
وروى الطبراني في كتاب الدعاء عن يزيد بن الأصم ﺟﺎء ﺭﺟﻞ ﺇﻟﻰ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﻻ ﺇﻟﻪ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭاﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﺃﻥ اﻟﻨﻌﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻭﻫﻮ اﻟﻤﺤﻤﻮﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﻻ ﺷﻲء ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻨﻪ، ﻓﻤﺎ ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: “ﻛﻠﻤﺔ ﺭﺿﻴﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻭﺃﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻼﺋﻜﺘﻪ ﻭﻓﺰﻉ ﻟﻬﺎ اﻷﺧﻴﺎﺭ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ”.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم: “وجماع معناه بُعده – تبارك وتعالى – عن أن يكون له مثل أو شريك أو ند أو ضد”.
وفي مفاتيح الغيب قوله: “(سبحان) اسم علَم للتسبيح، يقال: سبحت الله تسبيحا وسبحانا، فالتسبيح هو المصدر، وسبحان اسم علَم للتسبيح وتفسيره تنزيه الله تعالى من كل سوء”.
قوله “بحمده” أي بكونه محمودًا، كما قد قيل في قول القائل “سبحان الله وبحمده”، أي هو المحمود على ذلك، كما تقول: فعلتُ هذا بحمد الله، وصلينا بحمد الله، أي بفضله وإحسانه الذي يَستحقُّ الحمدَ عليه. وهو يرجع إلى الأول، كأنه قال: بحمدِنا الله فإنه المستحق لأن نحمده على ذلك”.
قال ابن حجر في الفتح: “(وبحمده) قيل: الواو للحال، والتقدير: أسبح الله متلبساً بحمدي له، من أجل توفيقه. وقيل: عاطفة، والتقدير: أسبح الله، وأتلبس بحمده، ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم، والتقدير: وأثني عليه بحمده، فتكون (سبحان الله) جملة مستقلة، (وبحمده) جملة أخرى”.
قال ابن العربي في العواصم والقواصم: “قُرن الحمد بالتسبيح؛ لأن التسبيح يتضمن نفي النقائص والعيوب، والتحميد يتضمن إثبات صفات الكمال التي يُحمَد عليها “.
وفي مجموع الفتاوى: “سبحان الله وبحمده فيها الشكر والتنزيه والتعظيم”.
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وفي قوله “سبحان الله وبحمده” إثبات تنزيهه وتعظيمه وإلهيته وحمده.
قال ابن القيم في المنار المنيف: “كما أن في هذه الكلمات من المعرفة بالله، والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم مع اقترانه بالحمد المتضمن لثلاثة أصول: أحدها: إثبات صفات الكمال له سبحانه، والثناء عليه. الثاني: محبته والرضا به. -الثالث- فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه وأعظمها قدرا وأكثرها عددا وأجزلها وصفا، واستحضر العبد ذلك عند التسبيح، وقام بقلبه معناه: كان له من المزية والفضل ما ليس لغيره”.
فسبحان الله وبحمده من دعاء العبادة، وجزاؤه الإثابة.
وقال الماوردي في التفسير: وسبحان الله ذِكر تعظيمٍ لله لا يصلح لغيره.
تسبيح الملائكة عند بدء خلق آدم: قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). (سورة البقرة:30)
وروى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل؟ قال: (مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ). (صحيح مسلم:2731)
تسبيح حملة العرش: قال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ). (سورة غافر:7)
تسبيح الرعد: قال تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ). (سورة الرعد:13)
تسبيح جميع المخلوقات: قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا). (سورة الإسراء:44)
ذكر الشوكاني في فتح القدير من قول زيد بن عمرو بن نفيل: “سُبْحانَهُ ثُمَّ سُبْحانًا نَعُوذُ به وقَبْلَنَا سَبَّح الجُودِيُّ والجُمُدُ”.
اقرأ أيضا: خطبة عن رحمة الله بعباده
فوائد التسبيح
التسبيح علامة الإيمان: قال تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ). (سورة السجدة:15)
التسبيح قرين الدعوة إلى الله: قال تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)). (سورة الفرقان)
وقال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)). (سورة ق)
وقال تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)). (سورة الطور)
التسبيح قرين الصبر: قال تعالى (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى). (سورة طه:130)
قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: وقوله (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) قد فسَّرها كثير من المفسرين أي فصَلِّ بحمد ربك والثناء عليه، لم يذكر ابن الجوزي غير هذا القول، قال: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي صل له بالحمد والثناء عليه. وتفسير التسبيح بالصلاة فيها أحاديث صحيحة وآثار كثيرة، مثل حديث جرير المتقدم.
وأما قوله (بِحَمْدِ رَبِّكَ) فقد فسّروه كما تقدم، أي بحمد ربك وشكر ربك وطاعة ربك وعبادة ربك، أي بذكرِك ربَّك وشكرِك ربَّك وطاعتِك ربَّك وعبادتِك ربَّك، ولا ريب أن حمد الربِّ والثناء عليه ركن في الصلاة، فإنها لا تتم إلا بالفاتحة التي نصفها الأول حمدٌ لله وثناءٌ عليه وتحميدٌ له، وقد شُرِع قبل ذلك الاستفتاح، وشُرِع الحمد عند الرفع من الركوع، وهو متضمن لحمد الله تعالى.
وقال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ). (سورة غافر:55)
التسبيح علاج ضيق الصدر: قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)). (سورة الحجر)
التسبيح يدفع العقوبة: قال تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). (سورة الشورى:5)
اقرأ أيضا: الوقاية خير من العلاج
أوقات التسبيح
التسبيح بعد النصر: قال تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)). (سورة النصر)
التسبيح في افتتاح الصلاة: روى أحمد في مسنده والترمذي والنسائي في سننهما عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُك).
قال الخطابي في معالم السنن: “معناه: سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك، ومعنى الجد العظمة ههنا”.
روى أحمد في مسنده عن جبير بن مطعم رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الصلاة قال: (اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ).
التسبيح في الركوع والسجود: في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي) يتأول القرآن.
التسبيح عند قيام الليل: روى أحمد في مسنده وابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه إذا قام من الليل، يقول: (سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْهَوِيَّ)، ثم يقول: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ الْهَوِيَّ).
وروى أبو داود في سننه عن شريق الهوزني قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها: بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح إذا هب من الليل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا هب من الليل كبر عشرا، وحمد الله عشرا، وقال: (سبحَان الله وبحَمْده) عشراً، وقال: (سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوس) عشراً، واستَغفرَ عشراً، وهلَّلَ عشراً، ثم قال: (اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك من ضيقِ الدُنيا، وضِيق يومِ القيامة) عشراً، ثم يفتتحُ الصلاةَ.
فضل التسبيح
التسبيح من أحب الكلام إلى الله: روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ).
التسبيح خفيف على اللسان وثقيل في الميزان: في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ).
فالتسبيح تنزيه لله عن كل نقص وتنزيهه سبحانه عن نقائص إثبات الكمال له سبحانه.
بالتسبيح تغفر الذنوب: في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ).
قال الحافظ المناوي: ولو متفرقة وفي أثناء النهار، لكن متوالية وأوله أفضل.
التسبيح يعلي منزل المسبح يوم القيامة: روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ).
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم: نبه – عليه السلام – بقوله: (إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك) أنه جائز أن يزاد على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه، لئلا يظن أنها من الحدود التي نهى عن اعتدائها، وأنه لا فضل في الزيادة عليها كالزيادة على ركعات السنن المحدودة أو أعداد الطهارة.
التسبيح أعظم من الصدقة بجبل من ذهب: روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ هَالَهُ اللَّيْلُ أَنْ يُكَابِدَهُ، أَوْ بَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، أَوْ جَبُنَ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ).
التسبيح من غرس الجنة: روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ).
بالتسبيح تفتح أبواب السماء: روى أبو داود الطيالسي عن وائل الطائي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فدخل رجل، فقال: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا، فلما صلى قال: (مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَاتِ؟) قال الرجل: أنا يا رسول الله، وما أردت بهن إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ رَأَيْتُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ فُتِحَتْ فَمَا تَنَاهَى دُونَ الْعَرْشِ). (رواه مسلم دون قوله “وبحمده”)
التسبيح وصية نوح – عليه السلام – لابنه: روى أحمد في مسنده عن رجل من الأنصار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قَالَ نُوحٌ لِابْنِهِ: “إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ وَقَاصِرُهَا كَيْ لَا تَنْسَاهَا، أُوصِيكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ: أَمَّا اللَّتَانِ أُوصِيكَ بِهِمَا فَيَسْتَبْشِرُ اللهُ بِهِمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، وَهُمَا يُكْثِرَانِ الْوُلُوجَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، أُوصِيكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَوْ كَانَتَا حَلْقَةً قَصَمَتْهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي كَفَّةٍ وَزَنَتْهُمَا، وَأُوصِيكَ بِسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (سورة الإسراء:44)، وَأَمَّا اللَّتَانِ أَنْهَاكَ عَنْهُمَا فَيَحْتَجِبُ اللهُ مِنْهُمَا، وَصَالِحُ خَلْقِهِ، أَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ).
روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: (سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ).
وعنها رضي الله عنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منذ نزل عليه (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (سورة النصر:1)، يصلي صلاة إلا دعا أو قال فيها: (سُبْحَانَكَ رَبِّي وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي).
الإكثار من التسبيح عند دخول المنزل: روى أحمد في مسنده عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري، أجمع حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة فأجلس ببابه، إذا دخل بيته أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فما أزال أسمعه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ)، حتى أمل فأرجع، أو تغلبني عيني فأرقد.
الوصية بالتسبيح عند الجلوس للذكر: روى مسلم في صحيحه عن جويرية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟) قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ).
وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: أما المسألة الثانية وهي تفضيل (سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة فإن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول سبحان الله وبحمده عدد خلقه من معرفته وتنزيهه وتعظيمه من هذا القدر المذكور من العدد أعظم مما يقوم بقلب القائل سبحان الله فقط. (المنار المنيف:34)
وهذا يسمى بالذكر المضاعف وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد فلهذا كان أفضل منه وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه فإن قول المسبح سبحان الله وبحمده عدد خلقه يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما لا نهاية له.
فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم الذي لا يبلغه العادون ولا يحصيه المحصون وتضمن إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه لا إن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده بل أخبر أن ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيح يبلغ هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره فإن تجدد المخلوقات لا ينتهي عددا ولا يحصى الحاضر.
وكذلك قوله ورضا نفسه فهو يتضمن أمرين عظيمين أحدهما أن يكون المراد تسبيحا هو والعظمة والجلال سيان ولرضا نفسه كما أنه في الأول مخبر عن تسبيح مساو لعدد خلقه ولا ريب أن رضا نفس الرب لا نهاية له في العظمة والوصف والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه.
فإذا كانت أوصاف كماله ونعوت جلاله لا نهاية لها ولا غاية بل هي أعظم من ذلك وأجل كان الثناء عليه بها كذلك إذ هو تابع لها إخبارا وإنشاء وهذا المعنى ينتظم المعنى الأول من غير عكس.
وإذا كان إحسانه سبحانه وثوابه وبركته وخيره لا منتهى له وهو من موجبات رضاه وثمرته فكيف بصفة الرضا؟ فالتضعيف الأول للعدد والكمية والثاني للصفة والكيفية والثالث للعظم والثقل وليس للمقدار.
التسبيح من الباقيات الصالحات: روى البزار والطبراني أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه سئل ما الباقيات الصالحات؟ فقال: “هي لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
التسبيح وصيةُ الصحابةِ والتابعين بها: روى أحمد في مسنده عن أيوب بن سلمان قال: كنا بمكة فجلسنا إلى عطاء الخراساني، إلى جنب جدار المسجد، فلم نسأله ولم يحدثنا قال: ثم جلسنا إلى ابن عمر، مثل مجلسكم هذا فلم نسأله، ولم يحدثنا. قال: فقال: ما لكم لا تتكلمون ولا تذكرون الله قولوا: الله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله وبحمده، بواحدة عشرا، وبعشر مائة، من زاد زاده الله، ومن سكت غَفر له.
ترك التسبيح علامة الغباء: روى أبو نعيم في الحلية عن ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻋﺒﺴﺔ، ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: (ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻘﻞ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻪ ﺇﻻ ﺳﺒﺢ اﻟﻠﻪ ﺑﺤﻤﺪﻩ، ﺇﻻ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺃﻏﺒﻴﺎء ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ) ﻗﺎﻝ: ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ، ﻋﻦ ﺃﻏﺒﻴﺎء ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﻗﺎﻝ: (اﻟﻜﻔﺎﺭ ﺷﺮاﺭ اﻟﺨﻠﻖ – ﺃﻭ ﺷﺮاﺭ ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻪ -).
وقال الوليد بن عتبة: سألت صفوان بن عمرو: ما أغبياء؟ فقال: الغباء: شرار خلق الله. أما عند أبي نعيم في الحلية: قال: فسألته، عن أغبياء بني آدم قال: (الكفار شرار الخلق – أو شرار خلق الله -).
وقال المناوي في التيسير شرح الجامع الصغير: “جمع غبي بغين معجمة وموحدة تحتية وهو القليل الفطنة الجاهل بالعواقب يقال غبي غباء وغباوة يتعدى الى المفعول بنفسه وبالحرف وغبي عن الخير جهله فهو غبي”.
التسبيح كفارة المجلس: روى النسائي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالَهَا فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ كَانَتْ كَالطَّابَعِ يُطْبَعُ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَهَا فِي مَجْلِسِ لَغْوٍ كَانَتْ كَفَّارَتَهُ). (السنن الكبرى:10185)
وروى أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ ثُمَّ أَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ).
وذكر ابن كثير في التفسير عن أبي الأحوص: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) قال: “إذا أراد أن يقوم الرجل من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك”.
تسبيح الملائكة عند دخول أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النار النار: قال تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). (سورة الزمر:75)
اقرأ أيضا: خطبة عن الحلال والحرام
الاستغفار
ما أطيب اللسان الذي يلهج بالاستغفار ويترجم عما في القلب من ذكر الله عز وجل وما أطيب الجوارح التي تعمل في خدمته وطاعة مولاه، ليس الكلام في الفؤاد وإنما جعل اللسان عن الفؤاد مترجما.
شُرع الاستغفار لأهداف سامية، أهمها: التذلل والخضوع لله عز وجل والشعور الدائم بالتقصير وعدم القدرة على استيفاء شكر النعم مهما عظمت أعمالنا.
وما استغفارنا في ختام كثير من الأعمال الصالحة والمباحة إلا دليل على ذلك كما أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أحصوا وسجلوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين أو مائة استغفار في المجلس الواحد.
فضل الاستغفار
- أنه طاعة لله عز وجل.
- أنه سبب لمغفرة الذنوب: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا). (سورة نوح:10)
- نزول الأمطار: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا). (سورة نوح:11)
- الإمداد بالأموال والبنين: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ). (سورة نوح:12)
- دخول الجنات: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات). (سورة نوح:12)
- زيادة القوة بكل معانيها: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ). (سورة هود:52)
- المتاع الحسن: (يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا). (سورة هود:3)
- دفع البلاء: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). (سورة الأنفال:33)
- وهو سبب لإيتاء كل ذي فضل فضله: (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ). (سورة هود:3)
- العباد أحوج ما يكونون إلى الاستغفار، لأنهم يخطئون بالليل والنهار، فإذا استغفروا الله غفر الله لهم.
- الاستغفار سبب لنزول الرحمة: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). (سورة النمل:46)
- وهو كفارة المجلس.
- وهو اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يستغفر الله في اليوم سبعين مرة، وفي رواية: مائة مرة.
أقوال في الاستغفار
- يروي عن لقمان أنه قال لابنه: “يا بني، عود لسانك: اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً”.
- قالت عائشة رضي الله عنها: “طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً”.
- قال قتادة: “إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودواءكم: فأما دائكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار”.
- قال أبو المنهال: “ما جاور عبد في قبره من جار أحب من الاستغفار”.
- قال الحسن: “أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقاتكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة”.
- قال الأعرابي: “من أقام في أرضنا فليكثر من الاستغفار، فإن مع الاستغفار القطار”. والقطار: السحاب العظيم المقطر.
أوقات الاستغفار
الاستغفار مشروع في كل وقت ولكنه يجب عند فعل الذنوب، ويستحب بعد الأعمال الصالحة، كالاستغفار ثلاثاً بعد الصلاة، وكالاستغفار بعد الحج وغير ذلك، ويستحب أيضاً في الأسحار: لأن الله عز وجل أثنى على المستغفرين في الأسحار.
وإليكم بعض الأمثلة:
الاستغفار في ختام الوضوء: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتبت في رَقٍ ثم جعل في طابع فلم يُكسر الى يوم القيامة). (رواه النسائي)
الاستغفار في ختام الصلاة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً.
الاستغفار بعد أداء مناسك الحج: قال تبارك وتعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199)). (سورة البقرة)
فعلى الرغم أن الحج من أعظم أركان الإسلام التي تُرجع العبد كيوم ولدته أمه ليس عليه ذنب، إلا أنه طُلب من الحجاج أن يكثروا من الاستغفار عقب انتهائهم من شعائر حجهم سيما بعد الافاضة من عرفات.
فما بالكم بمن لم يحج؟ فكم عليه أن يستغفر؟ فلعل هذا الأمر يزيدنا اهتماما بالاستغفار!
الاستغفار بعد قيام الليل: قال الله تبارك وتعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)). (سورة الذاريات)
قال ابن تيمية: “أحيوا الليل بالصلاة، فلما كان السَّحَر أُمروا بالاستغفار”.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: “كنا نؤمر إذا صلينا بالليل أن نستغفر بآخر السحر سبعين مرة”. (رواه البيهقي)
فما بالك بمن لم يقم الليل فكم من مرة يطلب منه أن يستغفر يا ترى؟
الاستغفار بعد الخروج من الخلاء: عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: (غفرانك)”. (رواه الترمذي)
إن المسلم بدخوله الخلاء لم يرتكب معصية يستحق الاستغفار عليها، ومع ذلك استحب له أن يستغفر الله بقول (غفرانك) بعد خروجه من الخلاء لأنه ظل فترة من الوقت في غير ذكر لله.
فما بالكم بمن أمضى معظم وقته في لهو ومعصية فكم عليه أن يستغفر؟
اقرأ أيضا: خطبة عن فضل الصدقة وفوائدها
فوائد الاستغفار في الدنيا
إنَّ أفضل الأبواب للدخول إلى الله تعالى هو الدخول من باب الإفلاس والافتقار إليه – جلَّ وعلا – بأن تخشى بأن العبادة التي قدمتها لا ترضي الله، وأنها لا تليق بجلال الله، ولذلك تستغفر من التقصير عقبها، لا أنْ تدخل من باب الاستغناء والمنُّ على الله.
ولعلكم تلتمسون الحكمة من جعل الاستغفار في ختام الأعمال الصالحة، فتأملوا الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام وفيه يقدم المسلم دمه وروحه لله عز وجل إلا أنَّه في هذا المقام يأمر الله عباده المجاهدين أنْ يستغفروه ويدخلوا إليه من باب التضرع لقبول عملهم.
قال الله تعالى (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)). (سورة آل عمران)
ومن فوائد الاستغفار: أنه درع واقي للمجتمع من عذاب الله، فقد قال تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). (سورة الأنفال:33)
والمرء ينبغي أن يزيد من الاستغفار خصوصاً مع كثرة الفتن والمعاصي والمحرمات التي تعج بها وسائل الإعلام ليل نهار ووقع في شراكها كثير من الناس.
ومن فوائد الاستغفار: أنه لطلب نزول الأمطار في موسمها، إنَّ الله لا يحبس القطر عن العباد إلا لذنوب ارتكبوها أو لعبادات تركوها.
ولقد بين الله لنا أسبابا عديدة لحبس المطر في السماء والتي منها ترك الاستغفار: قال تعالى على لسان نوح عليه السلام لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11)). (سورة نوح)
إنَّ أسرار الاستغفار وكنوزه جهلها كثير من الناس وغفلوا عنها ولذلك لم يكثروا من الاستغفار في مجالسهم.
جاء إلى الحسن البصري – رحمه الله تعالى – رجل يشكي إليه الجدب فقال: استغفر الله، ثم شكي إليه آخر الفقر، وآخر النسل، وآخر قلة ريع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار. فقال له بعض القوم: أتاك رجال يشكون إليك أنواعاً من الحاجة فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟ فتلا له الآية من سورة نوح.
وخرج عمر رضي الله عنه ذات يوم يستسقي فما زاد على الاستغفار، فقيل له ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء.
إذا استصعبت عليك الأمور فما عليك إلا أن تلزم الاستغفار، روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أكثَرَ مِن الاستغفارِ جعَلَ اللهُ له مِن كلِّ هَمٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ورزَقَه من حيثُ لا يحتسِبُ). (رواه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر)
وقال ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: “إنه ليقف خاطري في المسالة أو الحالة التي تشكل علي، فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل”.
إذا أبطأ عنك الرزق فما عليك إلا أن تلزم الاستغفار، فعن سفيان الثوري – رحمه الله تعالى – قال: “دخلت على جعفر بن محمد في مسجده فقال: ما جاء بك يا سفيان؟ قال قلت: طلب العلم. قال: فقال يا سفيان: إذا ظهرت عليك نعمة فاتق الله – أي لا تبطر – وإذا استبطأ عنك الرزق فاستغفر الله، وإذا دهمك أمر من الأمور فقل لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: يا سفيان ثلاث وأيما ثلاث”.
فوائد الاستغفار في الآخرة
منها أنها وسيلة لرفع درجة قريبك في الجنة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه؟ فيقول باستغفار ولدك لك). (رواه أحمد والطبراني)
فكثرة استغفارك لوالديك يرفع درجتيهما في الجنة.
ومن فوائد كثرة الاستغفار أنه يثقل الميزان: فقد قال صلى الله عليه وسلم :(من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غُفر له وإن كان فَرَّ من الزحف). (رواه الترمذي)
وروى الشعبي أن عليَ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “عجبت لمن يهلك والنجاة معه، قيل له: ما هي؟ قال: الاستغفار”.
وروى البيهقي بإسناد حسنه الألباني عن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار).
وروى ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا).
ولأهمية الاستغفار خص النبيُ صلى الله عليه وسلم النساءَ بالذكر وأمرهن بالإكثار من الاستغفار قائلاً: (يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار). (متفق عليه)
صيغ الاستغفار
- سيد الاستغفار وهو أفضلها، وهو أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
- استغفر الله.
- ربي اغفر لي.
- اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
- رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور.
- رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم.
- اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا الله، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
- أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). (سورة آل عمران:135)
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المسبحين المستغفرين وأن يجمعني وإياكم في جنات رب العالمين.