خطبة عن الكسب الحلال بعنوان (صلاح الحال في الكسب الحلال) للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أهمية تحرى الحلال في المأكل والملبس والمشرب والبعد عن الحرام وطرقه وسبله.
آيات عن الكسب الحلال
- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (سورة المؤمنون:51)، في الآية دليل على أن أكل الحلال عون على العمل الصالح، ولقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين والمرسلين وكلَّ الناسِ على حدٍّ سواءٍ بأكلِ المال الحلال الطيب.
- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). (سورة البقرة:168)
- وقال الله تعالى: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ). (سورة المائدة:88)
- قال الله وتعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (سورة الأنفال:69)
- وقال الله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ). (سورة النحل:114)
اقرأ أيضا: خطبة عن الحلال والحرام
أحاديث عن الكسب الحلال
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (سورة المؤمنون:51)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (سورة البقرة:172)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، وملبسه من حرام، وغذى بالحرام، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب فأنى يستجاب لذلك؟!). (صحيح مسلم:1015)
حض الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على التحري في تحصيل المال وعدم العشوائية لما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ ؛ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ). (صحيح البخاري:2059)
قال ابن التين: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا تحذيراً من فتنة المال، وهو من بعض دلائل نبوته لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين، وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموما من حيث هو، والله أعلم.
فالواجب على المسلم: تحري الحلال في مأكله ومشربه وملبسه وشأنه كلِّه لأنه سبب في نَيْل الحِكْمَة، والوصول إلى مصافِّ الحكماء.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ). (صحيح مسلم:1054)
ترك المشتبهات براءة للدين والعرض: لما في الصحيحين: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ). (صحيح البخاري:52)
اقرأ أيضا: خطبة عن الفساد ومخاطره
أقوال الصحابة عن الكسب الحلال
روى البخاري عن ابن عمر أنه قال: (لن يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر).
قال أبو الدرداء: (تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حرامًا، حجابًا بينه وبين الحرام).
وقال الحسن: (مازالت التقوى بالمتقين؛ حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام).
وقال الثوري: (إنما سموا المتقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتَّقى).
ورُوي عن ابن عمر قال: (إني لأحبُّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها).
وقال ميمون بن مهران: (لا يسلم للرجل الحلال؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال).
وقال سفيان بن عيينة: (لا يصيب عبد حقيقة الإيمان؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه).
اقرأ أيضا: الصحابة رضي الله عنهم
أكل الحرام من صفات اليهود
لقد وصف ربُّ العزة سبحانه اليهود بأوصافٍ كثيرةِ كان من أهمِّها أكلُ السحت، قال المولى تبارك وتعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ). (سورة المائدة:42)
وقال تعالى: (وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)). (سورة المائدة)
والسَّحُتُ: هو المالُ الحرام و كلُّ ما لا يحلُّ تناولُه فهو سحتٌ، وقد قيل إنَّ من معاني السحت الربا وأخذِ الرِشوة في الأحكام.
وفي هذه الآيات تجدُ أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد جَمَعَ في الآية الأولى بين الكذبِ وأكلِ المالِ الحرامِ، وفي الآيتين الثانية والثالثة جمع بين المسارعة في الإثم والعدوان وأكلِ المال الحرام.
ولعل في هذا إشارة إلى خطورة أكل المال الحرام وأنه يورث العبد الجرأة على المعاصي والكذب والعداون وذلك من أجل تحصيل المال الحرام.
من صور الحرام الفعلي في المسلمين
أخذ أرض الغير أو شيء منها بتغيير منار الأرض: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ مَن سَرَقَ مَنَارَ الأرْضِ). (صحيح مسلم:1978)
ولما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أرَضِينَ). (صحيح البخاري:2453)
وفي الحديث: التحذير الشديد من السطو على أرض الغير وأخذ شيء منها ظلمًا، والوعيد الشديد لمن فعل ذلك بالخسف به يوم القيامة.
أكل الأزواج أموال زوجاتهم سواء كان صداقًا، أو نفقةً، أو كسوةً أو مالا من كسبها وملكها، وأكل الزوجات أموال أزواجهنَّ كرجل استودع زوجته أمانة فجحدتها أو أرسل إليها وهو في سفر فاشترت وكتبت بإسمها.
وأكل أموال البنات والأخوات بإعضالهنَّ عن الزواج، قال تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ). (سورة النساء:19)
العضل: التضييق، والمنع، والشدة، والمعنى: لا يحل لكم إرث النساء، ولا عضلهن، أي ولا التضييق عليهن، لأجل أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن، أي أعطيتموهن من ميراث، أو صداق، أو غير ذلك.
والخطاب لمجموع المؤمنين لتكافلهم فيصدق بما أعطوه للنساء من ميراث، ومهر زواج، وغير ذلك، وجعله بعضهم للأزواج، وبعضهم للورثة، وكل منهم كان يعضل النساء.
الموافقة على تمييز الوالدين له عن باقي إخوته: لما في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: (ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟)، قال: نعم، قال: فأراه، قال: (لا تُشْهِدْنِي علَى جَوْرٍ). (صحيح البخاري:2650)
أكل مال الأجير: كأن يعمل له عملا ولا يعطيه أجره، لما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قالَ اللَّهُ تَعالَى: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ، رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ). (صحيح البخاري:2270)
كأن يبخسه حقوقَه أو أن يؤخرها عن وقتها.