خطبة عن التضحية في الإسلام للشيخ محمد نبيه يوضح فيها معنى التضحية وهي أن أبذل نفسي ونفيس مالي وأهلي وما أملك وهواي دونما انتظاري مدحة من أحد.
مفهوم التضحية
ما منا إن كان قد ضحى إلا وأكل من أضحيته لكن هل كل من أكل من أضحيته بذل؟
هل كل من أكل من أضحيته ضحى؟
فالتضحية هي أن أبذل النفس والنفيس دونما انتظار مقابل من أحد.
ومن دلائل قبول الحج أن يرجع الحاج من حجه مشتغلا بأمر الآخرة زاهداً في أمر الدنيا، أما من عاد من حجته مشتغلاً في أمر الدنيا زاهداً في أمر الآخرة هذا دليل على عدم قبول حجته.
فالله نسأل أن يتقبل من الحجيج حجهم وأن يعيدهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.
أما بعد: فاتقوا الله واعلموا أن الأيام تجري بنا مسرعة حيث لقاء الله رب العالمين، فما من يوم يمر إلا وهو يدني من الأجل، لذلك إخوتي الكرام السعيد من وعظ بغيره والشقي من لم تنفعه الموعظة.
كنا ننتظر عيد الأضحى فأتى العيد ومر، ثم كنا ننتظر ذبح الأضاحي وذبحنا الأضاحي وأكلناها، واليوم نحن في يوم الجمعة ويوم الجمعة عيد متكرر لأنه يأتي بعد دورة الدنيا.
فالدنيا خلقها الله تعالى وخلق الكون في ستة أيام، فكلما دارت سبعة أيام وصلى المسلمون ما عليهم، وأدوا ما أوجبه الله عليهم، شرع لهم الله تعالى يوم الجمعة كعيد.
لذلك لقائنا عنوانه قصير جدا ووقته كذلك قصير إن شاء الله (أكلنا الأضاحي فأين التضحية؟).
فهل يا ترى كل من أكل من أضحيته بذل؟ هل بذل من نفسه؟ هل بذل من ماله؟ وهل بذل من أهله؟ وهل بذل من هواه؟
اقرأ أيضا: خطبة عن الصدقة وفضلها
التضحية بالنفس والمال
أما بذل النفس فالله تبارك وتعالى عرض عرضاً طيباً قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ).
بذل النفس الجهاد ونحن كأمة مسلمة في هذه الآونة نهدد ليل نهار بما يجريه عدونا من اختبارات عسكرية ومن مناورات.
وأمة الاسلام قابعة على ذلها تُخوف بكل ما يجري دونما استشعار للمسئولية ودونما نظر في السلبيات ودونما أمل في المستقبل.
لماذا؟
لأننا نمنا ولم يعد عندنا استعداد لأن نضحي بأنفسنا والجبن أصبح هو السائد.
فقد تصيبني جرأة وجسارة لكن عليك أنت لا على غيرنا والأصل أن تكون الجسارة على غيرنا لا على بعضنا.
لذلك لا بد إن لم نصرح بالجهاد أن نلوح به، فتلويحنا بالجهاد يخيف عدونا منا، حتى إن لم يخف يعمل لنا ألف حساب، لكن الدنيا وشواغلها، امتطنا بالدنيا، وامتاطت بقلوبنا، فأنستنا أمر عزتنا.
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر واشتغلتم بالزرع وتركتم الجهاد كتب الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).
الحديث احتوى على أمور:
- بيع العينة.
- الأخذ بأذناب البقر.
- الاشتغال بالزرع.
- ترك الجهاد.
اقرأ أيضا: خطبة عن أجر الشهيد
بيع العينة
بيع العينة منتشر اليوم انتشار الشمس في كل مكان، بيع العينة وهو أنا لست في حاجة إلى سلعة فآتي المحل وأشتري السلعة من أجل ثمنها أشتريها أجلاً ثم أبيعها نقداً، لماذا؟
لحاجتي للمال.
إن بعتها لصاحب المحل الذي اشتريتها منه بيع عينة صريح، وإن بعتها إلى غيره هذه حيلة تحصلت من خلالها على ما أريد وما هلك بنو اسرائيل إلا بالحيل.
الأخذ بأذناب البقر
أنا عشقت مالي حتى أصبحت أمشي خلف الدابة وأمسك بذيلها ركوناً للراحة وهروباً من موطن القتل وإسالة الدماء.
وبعضهم قال الأخذ بأذناب البقر التشبه بفارس والروم وهو أن أمشي وفي يدي ذنب فحل أو عجل من قبيل الإرفاه الزائد أستخدمها أنش بها الذباب عن وجهي.
الاشتغال بالزرع
ليس المراد تزهيد الناس في الحالة الزراعية إنما المقصود لفت أنظار الناس إلى أننا لم نخلق للدنيا فقط إنما خلقنا للآخرة ومن أمر الآخرة الجهاد لأن الجهاد يجلب العزة ويعيد الكرامة.
لذلك اخوتي الكرام التضحية بالنفس والتضحية بالمال (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ).
اخوتي الكرام من لم يغزو ويحدث نفسه بالغزو مات يوم أن يموت ميتة جاهلية.
لذلك إن لم يكن منا تصريح بالحرب نلوح بها حتى نرغم من يناور لحربنا على أن يسكت وعلى أن يقنع بحاله وعلى أن لا يخوض ما يريد أن يخوضه.
اقرأ أيضا: خطبة عن فضل العشر من ذي الحجة
التضحية بالأهل
متى نرى أو متى نسمع أن فلاناً كتب شكوى في ولده؟ هي اليوم كثيرة ما من بلد إلا وفيها من يشكو أولاده.
لكن يا ترى هل شكى ولده لأنه لا يصلي؟ هل شكى ولده لأنه لم يصم رمضان؟ هل شكى ولده لأنه يسب دين الله؟ الاجابة الحتمية لا.
كل هذه الأشياء تدخل فيها الشفاعات والوساطات، لكنه شكى ولده لأنه قصر في الانفاق عليه، شكى ولده لأنه استقل بحاله.
متى نسمع أو متى نرى أن يشكو الرجل في ولده إذا لم يصلي؟ متى نسمع أو نرى أن يشكو الولد في أخيه إن لم يركع مع المسلمين أو يدخل مساجدهم؟
إن حدث هذا فهذه تضحية لأن الله قال في القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ).
بذرة الإلحاد
اليوم في بلادنا بذرة إلحاد أصبحنا نسمع ونرى من ينكر وجود الله كلية ولا يدين بدين لا بدين الاسلام ولا بغيره ويتجاسر.
كنا نسمعه في الاعلام لكن الاعلام المأجور المرتزق كان يأتي بصور يريد أن يشيع لها يريد أن تذيع في المجتمع وبالفعل ذاعت.
في فاقوس منذ شهر تقريباً حالة غريبة جداً فوق الخيال وتعرض في المحاكم البنت تنكر الله كلية.
طبعاً قد يقول قائل: إهمال في التربية وليس شرطاً أن يكون إهمال في التربية فنوح عليه السلام ربى وأحسن التربية وخرج ولده على خلاف مضماره قال: (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ).
لذلك ليس شرطاً أن يكون السبب الإهمال في التربية فقد يربي الأب لكن الولد يخرج على خلاف مضمار أبيه.
وهذا بدأ في بلادنا بذرة إلحاد عند الشباب لماذا؟ لأن التقدم التكنولوجي المتمثل في الفيسبوك والتويتر وغيره الولد يجلس ويخاطب من لا يعرفه ومن ثم الإملاءات والإغراءات إلى آخرها هذا سبيل واضح معلوم.
فهل يا ترى سأتبرأ من ولدي إن عبد غير الله؟ هل سأتبرأ من أخي لو خالف ما عليه المسلمون؟ لو حدث هذا فنحن نمشي إلى الأمام.
لكن الموجود بيننا أنني أقطع أخي قطيعة الأبد إن أكل علي جنيهاً أو خدعني في عقد لكن يصلي يقول هو حر يصوم هو حر يزكي هو حر لكم دينكم ولي دين.
سبحان الله وهو محسوب على الإسلام هو محسوب على المسلمين لذلك التضحية بالأهل.
اقرأ أيضا: صفات الدعاة
التضحية بالهوى
يبقى لنا أن نضحي بالهوى لأن إشكالنا الملحوظ في هذه الآونة هو الهوى والله تعالى قال في كتابه وقد بين أن الهوى إله يعبد من دون الله فقال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ).
الله أسأل أن يوفقنا إلى البذل والتضحية والفداء حتى نخرج مما نحن فيه وحتى تعود إلينا كرامتنا وعزتنا هذا وإني أستغفر الله العظيم لي ولكم.
اعلموا أن من التضحية أن أضحي بهواي؟ لماذا؟ لأن الهوى ساقنا إلى الذل فمنذ 25 يناير والقائد في الميدان هو الهوى كل المظاهرات الفئوية هوى لذلك مطلوب مني في التضحية أن أضحي بكلمة أنا وليكن همي كلنا.
الله تعالى لما شرع الصلاة وجعل من أركانها قراءة الفاتحة لم يأمرنا الله فيها بقول اهدني إنما قال (اهْدِنَا) فالمطالب الفئوية ما هي إلا كلمة أنا وللأسف الشديد لم يسلم منها أحد.
حتى المنظور إليهم على أنهم قدوة الناس ومشايخ خرجوا يتظاهرون من أجل رفع المرتبات ومن ثم الأطباء خرجوا يتظاهرون من أجل رفع المرتبات حتى القضاة خرجوا يتظاهروا فأي شئ بقى؟
لذلك متى أضحي بكلمة أنا وأجعل همي كلمة كلنا؟ إن فعلنا فهذه تضحية.
اقرأ أيضا: خطبة عن حق الوطن والشهادة في سبيله
التضحية من أجل الوطن
فعندما يكون همي ديني وبلدي سأمشي نحو الأمام لكن طيلة ما همي أنا سأبقى في مكاني لن أتحرك للأمام أبدا فلا بد من التضحية بأنا.
الأمر الثاني في التضحية بالهوى أطمع مرة واحدة أن لا أقع تحت طائلة أن آخذ فكلنا يطمع أن يأخذ فقط وليس مرمى ولا مطمع لأن نعطي مرة واحدة.
جرب أن لا تكون آخذاً كن معطياً مرة وافقه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى) اليد العليا وهي المعطية خير من اليد السفلى وهي الآخذة فمتى نعطي ولا نأخذ؟
بلدي وبلدك تأخذ منها أم تعطيها؟ هل رأيت ميتاً ساقه الناس للمقابر ومعه ما جمع من مال أم خرج من الدنيا كما نزل؟ كن معطياً مرة.
البلد بلدي وبلدك فماذا صنعنا لبلدنا؟ هل أتقنا العمل؟ هل أعطينا؟ أسئلة كثيرة إجاباتها لا لكن هل أخذنا؟ نعم أخذنا كثيراً.
أحيانا الله على أرضها وربانا حتى أصبحنا فيما نحن فيه من نعمة، أفضال كثيرة لبلادنا بعد الله علينا لكن أريد أن أحسبها أنا هل لي أنا من فضل على بلدي؟
الإجابة الحتمية لا بكل معانيها ليس لأحد من أهل مصر فضل على مصر بدليل أننا ما نعطي إنما حرصي على أن آخذ فإلى متى سنظل آخذين؟
نريد مرة واحدة أن نضحي بالأخذ وأن نكون من أهل الإعطاء فإن أعطينا سترتقي بلادنا لكن الله أسأل بعد استرجاعي إليه وبعد قولي إنا لله وإنا إليه راجعون.