خطبة النور في القرآن الكريم للشيخ محمد نبيه يبين فيها الحكمة من ذكر النور في القرآن الكريم ويذكر ما ورد من آيات وأحاديث.
النور في القرآن الكريم
اعلموا أن المتأمل في كتاب الله – عز وجل – يجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر النور والظلمات في آيات كثيرة، وهذا يدل على الترغيب في العمل لاكتساب النور، وسؤال الله ذلك، والترهيب من الظلمات والاستعاذة بالله من ذلك.
قال الله تعالى في شأن المنافقين: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)). (سورة البقرة)
روى الطبري عن ابن عباس: أن المنافقين أظهروا إيمانهم بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، حتى حُكِمَ لهم بالإيمان في الدنيا فانتفعوا بحقن الدماء والأموال، والأمن على الذرِّية.
لذلك ضرب الله لهم مثلا بمن استوقد نارا، حتى إذا انتفع بضيائها، وأبصر ما حوله خمدت النار، فذهب نوره، وعاد في ظلمة وحيرة، فالله – عز وجل – يطفئ نورهم يوم القيامة.
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)). (سورة النساء)
هؤلاء المنافقون وإن انتفعوا في الدنيا بإدعاء الإيمان فهم حيارى في يوم الزحام، وذلك لأنه قد سدت عليهم أبواب الهدى الثلاثة.
فإن الهدى يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب: مما يسمعه بأذنه، ويراه بعينه، ويعقله بقلبه، وهؤلاء قد سدت عليهم أبواب الهدى، فلا تسمع قلوبهم شيئاً، ولا تبصره، ولا تعقل ما ينفعها.
وهكذا كل من خرج عن طاعة الرسل فهم يتقلَّبون في عشر ظلمات: ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار، فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث.
وفي صحيح مسلم من حديث جابر ما معناه أن الله يعطي كل الناس قبل المرور على الصراط نورا فإذا ركبوا الصراط أطفئ نور المنافق ودام نور المؤمن فينادي المنافق على المؤمن انتظر حتى أقتبس من نورك.
اقرأ أيضا: تفسير سورة المنافقون
دوام نور المؤمن وانقطاع نور المنافق
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)). (سورة الحديد)
وأما أتباع الرسل عليهم أزكى الصلوات وأتم التسليمات يتقلبون في عشرة أنوار، نور الطبع ونور العلم ونور الهدى ونور القول ونور الفعل ونور المدخل ونور المخرج ونور القبر ونور القيامة والسراط ونور الجنان.
وخص الله هذه الأمة ونبيها صلى الله عليه وسلم من النور بما لم يخص به أمة غيرها، ولنبيها صلى الله عليه وسلم من النور ما ليس لنبي غيره.
ومن هذا قوله تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (سورة التحريم:8)
اقرأ أيضا: تفسير سورة التحريم
خصائص أمة النبي في النور
روى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه القبور مملوءةٌ ظلمةً على أهلها، وإن الله – عز وجل – ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم).
وأيضا روى الترمذي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم في فتنة القبر، وإجابة المسلم على الأسئلة: (ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم يُنوّر له فيه).
وروى الحاكم: عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – في قوله تعالى: (يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)، قال: (يُؤتَوْن نورهم على قدر أعمالهم: فمنهم من يُؤتى نوره كالجبل، ومنهم من يُؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يُؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره على إبهامه يطفأُ مرة ويَقِدُ مرة).
وأيضا روى أبو داود عن بريدة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بشّر المشَّائين في الظّلم إلى المساجد بالنُّور التَّامّ يوم القيامة).
فالقلب الحي ملئ بالنور قال الله – عز وجل -: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). (سورة الزمر:22)
لذلك القرآن والسنة هما النور الباقي في الأمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
اقرأ أيضا: قصة مولد الرسول
النور الباقي بعد موت الرسول القرآن والسنة
روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: (كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يَدْبُرنا – يريد بذلك أن يكون آخرهم – فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فإن الله تعالى قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به بما هدى الله محمداً صلى الله عليه وسلم).
ويعني بالنور القرآن العظيم؛ والسنة المطهرة، فمن تمسك بالقرآن و السنة واعتصم بهما الله له نورا في الدنيا قبل الآخرة.
ودليل هذا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (سورة الحديد:28)
وما رواه البخاري وأحمد عن أنس – رضي الله عنه -: (أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَإِذَا نُورٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا، فَتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا).
وفي رواية أحمد: (وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ، فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا، حَتَّى إِذَا افْتَرَقَ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ عَصَاهُ، فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ إِلَى أَهْلِهِ).
فاسألوا الله نورا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه في آخر الليل إذا ذهب إلى الصلاة في المسجد:
(اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً، وعظِّم لي نوراً، واجعل لي نوراً، واجعلني نوراً، اللهم أعطني نوراً، واجعل في عصبي نوراً، وفي لحمي نوراً، وفي دمي نوراً، وفي شعري نوراً، وفي بشري نوراً). (متفق عليه)
قال النووي: (والتحقيق في معنى النور مظهرٌ ما ينسب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور الشمس: مظهرٌ للمبصرات، ونور القلب: كاشفٌ عن المعلومات، ونور الجوارح: ما يبدو عليها من أعمال الطاعات، فكأنه دعا بإظهار الطاعات عليها دائماً).