خطبة عن بر الوالدين للشيخ محمد نبيه يبين فيها قدر الوالدين وفضلهما، ويوضح كيف يكون بر الوالدين في حال حياتهما وبعد فقدهما؟
مقدمة خطبة عن بر الوالدين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾.
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾.
اقرأ أيضا: تعريف السيرة النبوية لغة واصطلاحا
قصة عن عقوق الوالدين
عباد الله، قصة من الحياة هي مؤلمة لكن ليس من أهدافنا أن نؤلم الجالسين، وإنما هدفنا من وراء القصة الإصلاح تأسياً بالأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾.
في بيت من البيوت، الرجل وأهل بيته، له ولد ذكر وله بنات، الولد بعدما انتهى أبوه من تعليمه وتزويجه جلس من أبيه جلسة على انفراد بعيداً عن أخواته البنات وقال له: يا أبي، طالت حياتك وأنا أريد أن أنفق حيث أشاء فعليك أن تكتب جميع ما تملك لي، لأني لا أضمن لأخواتي من بعد وفاتك أن يتركنني في حالي حيث إن أزواجهن تمتد أياديهم إلى أبعد ما يتخيل الإنسان.
قال له أبوه: يا بني، ولكنني أخاف لقاء ربي إن تركت لك المال، ما زال بأبيه حتى انفض عنه أبوه ولم يقطع معه شيئاً.
من بعدها أصبح الولد يتربص بأبيه في خلواته، إذا انصرفت عنه البنات خلى بأبيه وأوجعه كلاماً، وفي مرة من المرات توعد أباه إن لم يفعل ليكونن من شأنه كذا وكذا، وتوعده بوعيد شديد، غير أن أباه لم تزل فطرته سليمة، يخاف أن يغضب الله رب العالمين.
في نهاية الأمر في ليل الشتاء البارد أخذ الولد أباه ثم دخل به إلى حظيرة الماشية، فجنزره بالجنزير قيده من يديه ورجليه ثم جرده من ملابسه ثم أخذ خرطوم المياه البارد وجعله على ظهر أبيه، الخرطوم ينزل ماء بارداً وأبوه مجرد من الثياب مقيد بالحديد، ثم أمسك له السكين وهدده بأن يقتله إن لم يكتب له ماله.
قدر الله تعالى أن تأتي بنت من البنات تسأل عن أبيها، فسمعت صوتاً بعيداً، فدخلت تدفع باباً تلو الباب حتى وصلت وسمعت الصوت داخل حظيرة المواشي. فدفعت جزء من الباب تنظر فرأت أخاها وأباها على هذه الحالة.
فلما أحس الولد بحركة الباب نظر فرأى أخته فهددها إن تكلمت سيقتلها، فخرجت البنت وهي خائفة في حالة مزعجة، أصابتها هيستريا، أخوها الأوحد إذا كان هذا حاله حال حياة أبيها، فكيف لو انفرد بهن.
ومن ثم خرجت البنت باكية ثم قام الولد وانفض عن أبيه وفك أباه من قيده غير أن أباه قد جاءته الجلطة في التو واللحظة فمات ودفن من صبيحة اليوم.
والله هذه قصة حقيقية ليست من نسج الخيال، وهذه القصة حدثت في بلاد مجاورة، تعال لننظر في الأمر.
اقرأ أيضا: خطبة عن أجر الشهيد
قدر الوالدين
لو علم الولد قدر أبيه ما جلس منه هذا المجلس، لكنه يجهل حال أبيه كما يجهل الكثيرون.
الله تبارك وتعالى بين قدر الوالدين في كتابه لما أمر بتوحيده أمر بالإحسان إليهما قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، ولما أمر الله تعالى بشكره أمر بشكرهما قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.
ثم بين الله تبارك وتعالى أن للوالدين منزلة لا تدانيها منزلة، لذا حض على حسن صحبتهما وإن كانا على الشرك قال الله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الوالد أوسط أبواب الجنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل جاء يسأله الجهاد قال: (تبتغي الأجر من الله). قال الرجل: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أأحد من أبويك حي؟). قال الرجل: لي أم عجوز. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الزم رجليها فثم الجنة).
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة حرام على كل عاق، وبين أن للوالدين دعوة مستجابة لا ترد فقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن) وذكر منها دعوة الوالد على ولده.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضلهما كذلك وبين أن الولد مهما صنع من صور البر والإحسان لن يستطيع أبداً أن يستوي مع أبيه وأمه فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه).
أما سائر صور الإحسان لن يستطيع أحد أن يصيب العدل مع أبويه، فضلاً عن الإحسان والإحسان عطاء فوق العدل.
فلو علم الولد قدر أبيه كما ذكر الله في كتابه ما أقدم على ما أقدم عليه، لكن جهله بقدر أبيه حمله على أن يفعل فيه هذا الفعل.
لذلك أخي الكريم، تعالى لنبين كيف نحيا مع الأبوين؟ كيف نحيا معهما وما لهما علي حال حياتهما وبعد فقدهما؟
عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سَأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أيُّ العمَلِ أحبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَ؟ قال: (الصَّلاةُ علَى وقتِها)، قُلتُ: ثمَّ أيُّ؟ قال: (ثمَّ بِرُّ الوالديْنِ) قلتُ: ثمَّ أيُّ؟ قال: (ثمَّ الجهادُ في سبيلِ اللهِ)، قال: حدَّثَني بِهِنَّ، ولَو استزدتُه لزادَني.
اقرأ أيضا: أحب الأعمال إلى الله تعالى
كيف يكون بر الوالدين
الانفاق عليهما وكفايتهما
أول شئ في بر الوالدين الإنفاق عليهما مع كفايتهما، النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر هو وأصحابه فمروا برجل رأوا فيه الجلد والقوة، رأوا فيه الإقدام على العمل، فقال الصحابة الكرام يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله لكان خيراً له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه لو خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله).
بين صلى الله عليه وسلم في هذا أن الولد أو الرجل لو خرج للعمل ليكفي أباه وليكفي أمه فخروجه هذا جهاد في سبيل الله.
ثانياً قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾.
فرض على من جاءه الموت وعنده مال أن يوصي لوالديه، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث)، قال العلماء: تبقى الآية محكمة في الوالدين غير المسلمين.
بر الوالدين وإن كانا غير مسلمين
لو أن الوالد أو الوالدة على غير الدين لألزم الولد كذلك بكفايتهما والإنفاق عليهما، يمولهما من ماله ولا يمنع التمويل عن الأب الكافر إلا إذا كان محارباً، إلا إذا كان يأخذ المال يحارب به، لكن في غير هذا يلزم الولد بالإنفاق على أبيه وإن كان كافراً.
جاءت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما – أسماء ليست شقيقة عائشة رضي الله عنها إنما أختها لأبيها – وأم أسماء اسمها قتيلة بنت عبدالعزة العامرية، بقيت مشركة.
وفي عهد الحديبية جاءت أم أسماء لأسماء في المدينة تطمع في صلتها، فجاءت أسماء للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله إن أمي تأتيني وهي راغبة يعني زاهدة في الدين غير راغبة فيه، وفي رواية تأتيني وهي مشركة، أفأصلها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم صليها.
إذا أول شيء في الحياة مع الوالدين أن أعمل جهدي وأبذل طاقتي لكفايتهما بالإنفاق عليهما، وإن كانا غير مسلمين، هذه الأولى، فكيف بأبناء الزمان؟ كيف بالأبناء في هذه الأيام؟
أبوه أنفق عليه حياته أنفق عليه كل شيء ولما أصاب وتبوأ المنصب تبرأ من أبيه وتبرأ من أمه، ما عاد على أبيه بشيء من مرتبه ولا على أمه.
اقرأ أيضا: أضرار الجهل
الحرص على هدايتهما
الشئ الثاني أن تحرص على هدايتهما، بعد الكفاية تحرص على الهداية، النبي صلى الله عليه وسلم مات أبوه وهو حمل في بطن أمه ثم لما ولد كفله جده ولما مات عبدالمطلب انتقل إلى كفالة عمه أبي طالب عاش في كنفه وتحرك معه.
ثم خاف النبي صلى الله عليه وسلم على أبي طالب أن يخرج من الدنيا على غير دين على غير هداية، فأتاه وجلس منه وقال له يا عم: كلمة واحدة أحاج لك بها عند ربي أشفع بها لك عند ربي، يا عم قل لا إله إلا الله.
ولطالما فعل أبو طالب من خصال الخير ودافع كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل من أسباب موته حبسه في شعب بني هاشم لما قاطعتهم قريش حوصر مع النبي صلى الله عليه وسلم وانضم إليه وانحاز إليه.
اعتراف النبي صلى الله عليه وسلم بحسن صنيع عمه وعلمه بحقه عليه دعاه إلى أن يجلس منه هذا المجلس ويدعوه إلى توحيد الله تعالى، غير أن الله تعالى لم يرد لأبي طالب أن يخرج على الإسلام.
النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى سفراته مر بقبر أمه وجلس عند قبر أمه ثم قال: (استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي).
ذهب إلى قبر أمه يزورها اعترافاً بحقها عليه، اعترافاً بجميلها معه صلوات الله وسلامه عليه، إذاً السعي في هدايتهما حق لازم على الولد.
قصص عن بر الوالدين في عهد الصحابة
أبو هريرة رضوان الله تعالى عليه قدم من اليمن إلى المدينة سنة سبعة من الهجرة ولما قدم المدينة كانت معه أمه وأبو هريرة أتى فقيراً ثم أسلم أبو هريرة وبقيت أمه على الشرك وما كانت تسمعه في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحب إنما كانت تسمعه ما يكره.
إن جلس معها تسمعه في النبي صلى الله عليه وسلم كلاماً مراً، فخاف أبو هريرة على أمه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله ادعوا الله لأم أبي هريرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد أم أبي هريرة) فقام أبو هريرة مسرعاً ثقة في وعد الله وثقة في أن الله يستجيب لرسوله صلوات الله وسلامه عليه.
أسرع إلى أمه فطرق عليها الباب فسمعها من خلف الباب تردد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
من منا حرص على أبويه، من منا جلس من أبيه يعلمه الصلاة، من منا نصح أباه في إخراج الزكاة، من منا جلس مع أمه يمنعها من القيل والقال، من منا عاد على أبويه بالنصح في موقف من المواقف؟
بر الوالدين بعد الموت
إذا السعي في هدايتهما هذا حق لازم على الولد هذا في حال الحياة، أما بعد الوفاة فالعمل على تأمين مستقبلهما، العمل على تأمين مستقبل الأبوين إن ماتا.
لطالما سعى أبي ولطالما سافر لماذا؟ ليؤمن مستقبلي أنا كولد، أراد أن يبني لي، أراد لي أن أعيش في راحة، فبذل حياته لإسعادي.
ولما مات أهلنا عليه التراب نسيته كما نسينا الناس، واشتغلت في تلميع صورتي أنا، أما هو فقد مات، يقولون الحي أبقى من الميت، وجرى ليلمع صورته بين الورى وما قدم لأبيه شيئاً.
لا، تأمين مستقبل الوالدين حق لازم على الولد، لذلك في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له).
صدقة جارية إن تصدق بها الولد سبقت لأبيه في قبره، إذا تصدق بها الحي كانت له، وإذا تصدق بها الولد ذهبت لأبيه وأخذ مثل أجر أبيه، والنبي قال في الحديث صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكل العبد من كسب يده وإن ولده من كسبه).
مات الأب أو ماتت الأم، فور الوفاة كتب النعي وما أخرج الصدقة إنما أقام السرادقات ليستدل بالسرادق الناس عنه، وما ينفقه في السرادقات يكفي لإنشاء مشروع خيري.
ومن ثم نتلف الأموال حيث لا جدوى ولا فائدة، لذلك حق لازم على الولد أن يؤمن مستقبل أبويه عند الله وتأمين مستقبل الميت في الصدقة الجارية في العلم النافع في الدعاء من الصالح.
إذاً هذه أحوال في الأدب التزموها بارك الله لكم وألزموا بها الأولاد في الصغر حتي يشبوا عليها لأن الصغير إذا علمناه في صغره انتفع أما إذا كبر على الفشل لا نستطيع أن نعمله.
والشاعر يقول:
لا تسهوا عن أدب الصغير
وإن اشتكى ألم التعب
ودع الكبير لشأنه
كبر الكبير عن الأدب
فاللهم أدبنا بأدب رسولك المصطفى صلوات الله وسلامه عليه واختم لنا بخير.
قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)﴾.
حديث عن بر الوالدين
صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر يوماً فأمن ثلاث مرات قال: (آمين آمين آمين). فسألوه الصحابة الكرام قالوا: يا رسول الله أمنت على ماذا؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: يا محمد رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلي عليك قل آمين. فقلت: آمين، ثم قال لي: يا محمد رغم أنف رجل أدرك رمضان ولم يغفر له قل آمين. فقلت: آمين، ثم قال لي: يا محمد رغم أنف رجل أدرك أبواه الكبر في حياته ولم يدخلاه الجنة قل آمين. فقلت: آمين).
فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الذين هم بهديه مستمسكون.
فاتقوا الله إخوتي الكرام واعلموا أننا ذكرنا أموراً هي من الفرض بمكان على كل ولد تجاه أبويه أن يسعى لكفايتهما بالإنفاق عليهما وأن يسعى في هدايتهما حال حياتهما.
ثم إن ماتا وهو على قيد الحياة يسعى في تأمين مستقبلهما عند الله بالصدقة الجارية وبنشر العلم وبالتماس دعاء الصالحين يدعوا بنفسه ولا مانع أن يكلف الصالحين من خلق الله بالدعاء لأبويه.
اقرأ أيضا: شرح سنن الدارمي
من البر بالوالدين صلة أهل ودهما
بقيت من الآداب معهما بقية هذه البقية في صلة أهل ودهما، صلة أهل ود أبي إن مات وصلة أهل ود أمي، أهل ود أبي أقاربه وأهل ود أمي أقاربها، كذلك أهل ود أبي أصحابه ورفقائه، وأهل ود أمي أصحابها ورفقائها.
عبدالله بن عمر رضوان الله تعالى عليهما كان يوماً في سفر وكانت له راحلة، والراحلة هي ما يمهد ويوطأ من الجمال يركبها في سفره، وكان كلما مل من الراحلة نزل وتروح على حمار.
وبينما هو في إحدى راحاته يتروح على الحمار إذ بأعرابي يعرض له فاستوقفه فلما رآه علم أنه كان صاحباً لعمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فأعطاه الحمار صلة وهدية.
فلما مضى الأعرابي قال أحد من كان مع عبدالله: يا عبدالله لو أنك أعطيته شيئاً بسيطاً كان يستعين به في حياته لماذا تعطيه هذا؟ قال: إنه كان صاحب عمر.
هل فعلت هذا مع أصحاب أبيك؟ هل لما مات الأب ذهبت إلى أصحابه؟ هل لما ماتت الأم ذهبت إلى صويحباتها بصلة؟ هل وصلت أهل أبيك؟ هل وصلت أهل أمك؟
هذا من الحق اللازم على الإنسان بعد موت الأبوين أن أقوم في أهل ودهما بالصلة، صلة أهل ود أبيك، كم من إنسان قام في أبيك مقام خير؟ كم من إنسان أقام في أمك مقام خير؟ لماذا تهمل أصحاب أبيك وأهل وده؟ ولماذا تهمل أصحاب أمك وأهل ودها؟ هذا ليس من الدين وليس من أخلاق المسلمين.
من البر بالوالدين النصيحة
ثم اعلم باركك الله أن بقية بقيت وهي من هداية الأبوين إن أرادا أن يخصاني بشيء عن باقي إخوتي أن أقول يا أبي هذا حرام، أن أقول يا أمي هذا حرام.
وهذا ما يحدث في الساعة والحين، الأم تضم ولداً تعطيه أكمل ودها، والأب يضم ولداً ويعطيه أكمل وده، والبقية في ضياع وفي عناء.
هذا الفساد السبب فيه علمي أنا بالحلال والحرام وسكوتي مع أبي إن فعل، أنا بهذا ضال مضل، إن أراد أبي أن يفعل مثل هذا من الهداية لهما أن أقول يا أبي هذا حرام هذا لا يصح اتركني مع إخوتي على صلة، يا أبي هذا يحدث القطيعة.
فالأب يتصرف بالعاطفة ليس عنده علم شرعي لا يعرف الصواب من غيره لكنني أنا أعرف، أنفق علي المال حتى أعرف فلما عرفت سكت وكتمت العلم وهذا لا يصح.
لذلك الفساد في القصة التي ذكرناها في بداية الخطبة أساسه الجهل، الولد جاهل جَهله أبوه لذلك ينبغي أن يرجع العالم على غيره بالتعليم يرجع الناصح على غيره بالنصيحة.
لا بد أن نأمر وننهى، لا بد أن نبين مواطن الحسن ونفعلها بين الناس، وكذلك لا نسكت عن مواطن السوء، فكم من أم كتبت كل شيء لابنها وهو يعلم أن هذا لا يصح وما نهاها، وكم من أب تسبب في تضييع أولاده وفي قطيعتهم ومن أبنائه من يعلم أن هذا حرام ولم يأمره ولم ينهاه.
لذلك من السعي في هدايتهما أن تحرص على أن تعلمهما الحلال والحرام مع كامل الحكمة وحسن البيان.