خطبة عن حق الجار على الجار في الإسلام للشيخ محمد نبيه بعنوان (العار في إيذاء الجار) يوضح فيها حقوق الجار ويبين سبب تعظيم حرمة الجار.
مقدمة خطبة عن حق الجار
اعلموا بارككم الله أننا في خُطب الجمعة لا نُصَوِّرُ الواقع، ولكن نريد أن ننْهضَ به، لا نتحدّث عمّا هو كائن، بل عمّا يجبُ أن يكون، لا نتحدّث عن سقطات الناس، وعن غفلتهم، وعن تقصيرهم، وعن انحرافهم، بل نتحدّث عن الشّرع الحنيف الذي جاء به النبي الكريم، وعن المُثل العليا الواقعيّة التي تمثّلها الصحابة الكرام.
فَمُهِمَّةُ الخطيب لا أن يُصوّر الواقع، هذه مهمّة كتّاب القصّة، أما مهمّة الخطيب أن ينهضَ بهذا الواقع المرّ، أن ينهضَ بهذا الواقع المؤلِم، حينما يتدابرُ الناس، حينما يتخاصمون، حينما يتشاحنون، حينما يُسيءُ بعضهم إلى بعضٍ، فحينئذ نزيد في شحنهم وتذكيرهم حتى تبقى هَيْبتُهم في قلوب عدوهم.
والإسلام معاملة وأخلاق وقِيَم ومُثُل، ومن هذه الأخلاق والمثل التعامل مع الجيران.
للجار على الجار في القِيَم الإسلاميّة، وفي الآداب الشرعيّة حقوقٌ تُشبِهُ حقوق الأرحام، والشيء الذي يلفتُ النظر، من هذه الحقوق المواصلة بالزيارة، قد يُسْألُ جارٌ من الذي فوقك؟
فيقول لا أدري فهم في بناءٍ واحد، ومن عشر سنوات لا يدري من فوقه ولا من تحته، المواصلة بالزيارة، والتهادي، أن يُهْدِيَ كلٌّ منهم الآخر هديّة تعبيرًا عن المودّة، والعيادة حين المرض، والمواساة حين المصيبة، والمعونة حين الحاجة، وكفّ الأذى.
اقرأ أيضا: خطبة عن بر الوالدين
أدلة من القرآن والسنة في معاملة الجار
يقول تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا). (سورة النساء:36)
روى البخاري ومسلم عن عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه لَيُوَرِّثَنَّهُ). (صحيح مسلم:2624)
علاقات الإرث هي علاقات القرابة فقط، وأغلبُ الظّن أنّ القريب تراه في الأسبوع مرّة، وهناك قريب تراه في الشّهر مرّة، ومعظم الأقارب تراهم في العام مرّة؛ في العيد فقط.
لكنّ الجار تراه كلّ يومٍ مرّات، فالجار دائمًا أنت وإيّاه في مكان واحد، فهو وحده الذي يعرفُك حقّ المعرفة لأنّهُ مطّلِعٌ عليك، في مَدْخلك، ومخرجك، وفي شأنك كلّه.
روى البخاري في صحيحه عن أبي شريح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ). قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ). (صحيح البخاري:6016)
الشيءٌ المُخيف في الرواية، أنه صلى الله عليه وسلم نفى عنه الإيمان كليَّةً بِقَسَمٍ وتَكرار، القسَم مؤَكِّد، والتَّكْرار مُؤَكِّد.
وروى مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ). (صحيح مسلم:46)
البوائق: جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والفتك.
قال ابن بطال: في هذا الحديث تأكيد حق الجار لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل، ولا شك أن العاصي غير كامل الإيمان.
وقال النووي: في معنى (لا يدخل الجنة): جوابان يجريان في كل ما أشبه هذا، أحدهما: أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه؛ فهذا كافر لا يدخلها أصلا، والثاني: معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر ثم قد يجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها أولا، ومذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصراً على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء الله عفا عنه فأدخله الجنة، وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة.
كلُّ الذي أُريدُه أنْ تفْهموا الإسلام فهْمًا حقيقيًّا، فالإسلام معاملة، والإسلام أخلاق، والإسلام قِيَم، والإسلام مُثُل، والإسلام الْتِزام ومنهج حياة.
اقرأ أيضا: خطبة عن الزكاة وفوائدها
الإحسان إلى الجار
روى مسلم عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ). (صحيح مسلم:48)
أي من لوازم الإيمان بالله تعالى، وباليوم الآخر، إكرام الجار، وإكرام الضَّيف، والتّكلم بالحق، والسّكوت عن الباطل، هذه أساسيّات أخلاق المسلم.
روى الترمذي في سننه بإسناد صحيح عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ). (صحيح الترمذي:1944)
قوله (خير الأصحاب عند الله) أي أكثرهم ثوابا عنده، (خيرهم لصاحبه) أي أكثرهم إحسانا إليه ولو بالنصيحة، (وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) أي ولو برفع الأذى عنه.
تعاهد الجار وتفقد أحواله
روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ). (صحيح مسلم:2625)
هذه سنّة نبوية؛ أنْ يتهادى الجيران بعض الطّعام، وهذه تَزيدُ المودّة مودَّةً، وتزيدُ العلاقة متانةً، وتزيدُ الأخوة أخوَّةً، وتزيدُ الحبّ حبًّا.
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ). (صحيح البخاري:2566)
لا تحْقرنّ هديَّة تقدِّمها لجارتها ولو فرْسنَ شاة، وفرْسَن الشاة هو ظفرها أعليهِ لحْمٌ؟ لا، هذا إذا كنت أيّتها الجارة لا تمْلكينَ غيره، قدِّميهِ لجارتك، طبعًا ليس المَقصود تقديم ظفْر شاة، بل المقصود عدم الاسْتِحياء من إعطاء القليل، فإنّ الحِرْمان أقلّ منه.
وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرا، وفيه استحباب المودة وإسقاط التكلف.
وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قَالَ: (إلى أقْرَبِهِما مِنْكِ بَابًا). (صحيح البخاري:2595)
اقرأ أيضا: خطبة عن جبر الخواطر وأثره
الحرص على منفعة الجار وعدم مضرته
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ). (صحيح البخاري:2463)
الآن لو أردْتَ أن تُجْري تعديلاً طفيفًا في أعماق بيتك لرأيْتَ عشَرات ممن حوْلكَ قد اشْتَكَوا إلى المختصين فيك مع أنك تعدل في بيتك تعديلا داخليا، لا تؤذي به أحدًا، ومع هذا لم يعد الجار أمنا وسلاما بل أصبح محاربا جبارا.
وروى أحمد عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ). (مسند أحمد:14854)
أي لا يَبِعْ حقّه في الشِّرْكة أو حقّه في البيت إذا كان له جارٌ حتى يستأذن جارهُ أو شريكه، وهذا لَعَمْري لَمِن أدقّ الحقوق التي بيّنها النبي عليه الصلاة والسلام.
صلاح الجار من أمارات السعادة
روى أحمد في مسنده بإسناد صحيح لغيره، عن نافع بن عبد الحارث، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْجَارُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ). (مسند أحمد:15372)
فمن سعادة المرء أن يعيشَ مع جيرانٍ أفاضل يطمئن لهم، فالجار في نَظَر الإسلام مُعين، وناصِر، وحارِس، وأمين، يُطْعمُكَ إذا جُعْت، يُهْدي إليك من طبْخه، ولو لم تكُن جائعًا.
ويُشاركك في الأفراح والأتراح، يُواسيك ويُعزِّيك في المصائب والأحزان، ويُرْشِدك، وينصَحك، ويتعاوَن معك على البرّ والتقوى، ويعودُك إذا مرِضْت، ويزورُك زيارة الأخوة الخالصَة، ويحْفظُك في أهلك وذريّتِكَ، ولا يخونك في مالٍ ولا أهلٍ ولا ولد.
فكيف بجيران اليوم، يُزْعِجونك إزْعاجًا لا حُدود له، أدنى هذه الإزعاجات، ازْعاجات الأصوات المرتفعة التي تقْلق النائم، وتعكره، وتفْعَلُ فِعْلها السيّئ في النّفوس، وحسبك من القمامة التي تُلقى، وأن يسْتَعيروا حاجةً، ولا يرُدّوها، وأن يتلصصوا بالنظر إلى محارم جيرانهم.
لم يراعوا حرمة الدين، ولم يساووا عَنْتَرة العَبسي في الجاهليّة حيث كان يقول:
وأغضّ طرفي إن بدَتْ لي جارةٌ | حتى يُواري جارتي مَأواها |
روى النسائى في سننه بإسناد حسن صحيح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ). (صحيح النسائي:5517)
فلله كَمْ مِن رجلٍ هَجَرَ بيتهُ ضجرًا من سوء جارهِ ولؤمه؟ وكم من بيْتٍ بيعَ ببخس فِرارًا من الجار اللئيم؟
كان هناك رجل صالح، وكان له جارٌ ضاقَتْ به الدنيا، واضْطرّ إلى بيْعِ بيْتِهِ فعَرَضَهُ للبيْع فَدُفِعَ له ثمنٌ بخْس، فانْفَعَل وقال: والله لا أبيعُ جِيرَةَ الأمير بهذا المَبْلغ، هناك مَنْ أوْصَلَ هذا الخبَر إلى هذا الأمير، فاسْتَدْعى جارهُ وأعطاهُ المبلغ كلّه، وقال: ابْقَ جارًا لي !! إنَّك لا تبيعُ جيرتي بهذا المبلغ، وأنا لا أبيعُك أبدًا.
اقرأ أيضا: خطبة عن الوفاء وحفظ الجميل
تعظيم حرمة الجار
روى أحمد في مسنده بإسناد جيد عن محمد بن سعد الأنصاري قال: سمعت أبا ظبية الكلاعي يقول: سمعت المقداد بن الأسود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ما تقولون في الزِّنا؟) قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (لأن يزنيَ الرَّجلُ بعَشرِ نِسوةٍ ؛ أيسرُ عليهِ من أن يزنيَ بامرأةِ جارِه)، قال فقال: (ما تقولونَ في السَّرقةِ؟)، قالوا: حرمها الله ورسوله، فهي حرام، قال: (لأن يَسرِقَ الرَّجلُ مِن عشرةِ أبياتٍ ؛ أيسَرُ عليهِ من أن يسرِقَ مِن جارِهِ). (مسند أحمد:23854)
روى مسلم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ قَالَ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ). (صحيح مسلم:45)
فالله في عَوْن العبد ما دام العبد في عون أخيه.
روى البخاري في الأدب المفرد بإسناد حسن ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ؛ ﺃﻧﻪ ﺳﺌﻞ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﺭ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺩاﺭا ﺃﻣﺎﻣﻪ، ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﺧﻠﻔﻪ، ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ، ﻭﺃﺭﺑﻌﻴﻦ ﻋﻦ ﻳﺴﺎﺭﻩ.
فهؤلاء كلّهم جيرانك، وأنت مُطالبٌ أن تُحسِن إليهم، وأنْ تكفّ الأذى عنهم، وأن تحْتَمِلَ أذاهم، وأن تُحْسِنَ إليهم، إذا كنتَ كذلك فنحن في بَحْبوحة، ونحن في خير، والله في عَوْن العبد ما دام العبد في عون أخيه.
كي نقطف ثِمار الإسلام، بادِرْ أنت، اقْطَع لسان جارك، كيف تقْطعْهُ؟ بالمِقصّ أم بالإحسان إليه؟
بادِرْ أنت السيّئ بالإحسان يصبحُ صالحًا، فالسيّئ إذا أحْسنْتَ إليه حجَّمْتَهُ، حجَّمته وأربكْتهُ، وأسْكَنْتَ لِسانهُ.
الحديث الذي أرويه لكم كثيرًا حينما سأل النبي عليه الصلاة فقال: أتَدْرون ما حقّ الجار؟
إذا استعان بك أعنته، وإذا اسْتنْصرَك نصرْتهُ، وإن مرضَ عُدْتهُ، وإن أصابهُ خيرٌ هنَّأتهُ، وإن أصابتهُ مصيبةٌ عزَّيْتهُ، وإن مات شيَّعْتهُ، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجُب عنه الرّيح إلا بإذنه.
وإن اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا، ماذا يُقاس على هذا التوجيه؟
إذا أرسلْت مع ابنك إلى المدرسة فاكهة غاليَة الثّمن أو نادرة، أو قِطع من الحلويّات غاليَة جدًّا، وأكلها أمام زملائِهِ الفقراء، هذا يدخلُ في هذا التوجيه، فإذا اشْتريْتَ فاكهةً فأهْدِ له منها، فإن لم تفعل فأدْخِلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك لِيَغيظَ ولدهُ، ولا تؤْذِهِ بِقُتار قدرك، إلا أن تغرف له منها.
اقرأ أيضا: خطبة عن صلاح الأبناء
علاج سوء الجوار بطريقة نبوية
روى أبو داود في سننه بإسناد حسن صحيح عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال: (اذْهَبْ فَاصْبِرْ)، فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال: (اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ)، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به وفعل وفعل. فجاء إليه جاره فقال له: ارجع، لا ترى مني شيئا تكرهه. (سنن أبي داود:5153)
للأسف المسلمون لا يفعلونه وبعض الدول الكافرة تنفذه، أبلغني أحد من أثق بهم أن في إحدى الدول الغربية أنهم يعاقبون من يرتكبُ مخالفةً في البيع والشّراء بالتجريس والفضيحة.
كأن يوضَعُ له على باب محلّه التّجاري لَوْحة كبيرة بِحُروفٍ بارزةٍ وضّاءة أنّ هذا البائع يغشّ زبائنهُ، لا يُطالب بِغَرامات ماليّة، ولا يُغلقُ محلّه، ولا يُساق إلى السِّجن، إنّما يجرس ويفضح على الملأ.
معنى ذلك أنّ الإنسان يعيشُ بِسُمعته، ويعيشُ بِكَرامته، يعيشُ بِثَناء الناس عليه، فحينما بالغ هذا الجار بالإساءة إلى جاره، النبي عليه الصلاة والسلام أهْدَرَ كرامته، هذا لا كرامة له، ولا غيبة له، أذْكر ما يفعلهُ لِيَحذر الناس منه.
روى أحمد في مسنده بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: (هِيَ فِي النَّارِ)، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: (هِيَ فِي الْجَنَّةِ). (مسند أحمد:9675)
معنى ذلك أنّ الدّين معاملة، ولا قيمة لصلاتها الكثيرة، ولا قيمة لِصِيامها الكثير، ولا قيمة لِصَدقتها، إنما القيمة بالإحسان.
حديث آخر، إنّ فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها، فقال: هي في النار! هذه المرأة التي تبْدو مسلمة من حجابها، من سُبحتها، ولكنّها تكيد، وتفعَل، وتفرّق بين الأحبّة، وتنمّ، وتغْتاب، وتؤذي الناس، وتكيد لهم، حجابها، وصيامها، وصلاتها، وصدقتها، وأورادها لا ينْفعانها من الله شيئًا.
قالوا: إنّ فلانة – بالعكس – تصلّي المكتوبات فقط، وتتصدّق بالأقط، ولا تؤذي جيرانها قال: هي في الجنّة، الأقْط اللّبن سُحب خيره وجفّ.
روى البزار بإسناد صححه الألباني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما آمَن بي مَن بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلَمُ به). (مجمع الزوائد:8/170)
من يتأمل هذا الحديث يجده يقصم الظهر، وإذا قلتَ: لا أعلم، أقول لك: من لم يتفقَّد شؤون المسلمين فليس منهم، وإن قلتَ لي: أعلم، أقول لك هذا الحديث.
كم من جارٍ متعلّق بِجاره يوم القيامة، يقول: يا ربّ، سلْ هذا لم أغلق عنّي داره ومنعني فضلهُ؟
بل إنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذُبِحَت له ذبيحة، فقال: هل أهْدَيتُم لِجارنا؟ وكان جارهُ من أهل الكتاب، معنى ذلك أيّ جارٍ يجبُ أن تُحسنَ إليه، ولو لم يكن مسلمًا، وهذا حديث صحيح أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلّم.