خطبة عن صلاح الأبناء بعنوان (الولد أمن وقلق) للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أن المباهاة تكون بالكثرة المتعلمة الفاهمة وليست الكثرة الغير واعية.
العرب والولد
كانت العرب تفرح بالأولاد على أن فيهم الدفع عن القبيلة والنفع حيث العمل والاكتساب، فلما هاجروا خافوا أن تتغير طبيعتهم، فلما ولدت أسماء للزبير عبد الله فى المدينة، فرحوا وقالوا: أول مولود للمهاجرين، ثم ولدت عمرة بنت رواحة لبشير بن سعد النعمان، فرحت الأنصار وقالوا: أول مولود للأنصار.
وكانوا يقومون على الأولاد قياما صحيحا حيث المؤدب يعلمهم الإيمان ثم يعلمهم القرآن ثم يعلمهم محاسن الشعر لتحسن آدابهم، عن جندب بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا. (صحيح ابن ماجه:52)
قال عمر لولده: يا بني انسب نفسك تصل رحمك واقرأ محاسن الشعر يحسن أدبك.
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر عن أبي بكر قال: يا رسول الله طفت العرب كلها فما وجدت أفصح منك فمن أدبك؟ قال: (أدبَني ربي ونشأتُ في بني سعدٍ). (الحديث ضعيف)
كان عندهم أندية ثقافية دار الندوة وبيت المدارس، وعندهم المساجد وعندهم البادية حيث الرماية والفروسية والصيد، الأولون ملؤا فراغ الأولاد فانتفعوا بهم فكنت ترى أبطالا في كل المجالات: خالد بن الوليد، وحنظلة غسيل الملائكة، ومعاذ بن جبل إمام العلماء، وعلي بن أبي طالب الفتوة، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم همة عارمة قراءة وصيام، تفوقوا في كل شيء، في النهار أسود مغاوير وشهامة ونجدة وكرم، وبالليل رهبان حيث الخضوع والخشية والبكاء والتضرع.
قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)). (سورة الفرقان)
فالولد بحسن التنشئة كان أمنا لأهله ودينه وأمته.
كيف أصبح الولد قلقا؟
الولد اليوم أصبح قلقا ومشاكل ولم يعد أمنا لا لأهله ولا لأمته ولا لدينه ولا لوطنه، ومن ثم كنا نطلبه والآن نستعيذ بالله منه، والسبب في القلق هو أننا انشغلنا عن الجلوس معهم فضلا عن تربيتهم، بدعوى الحالة الإجتماعية وضيق الحال والاشتغال في عمل يتلوه عمل لسد الحاجة.
ونسينا أنه يجوز أن تعطي المرأة حظها في الراحة من الإنجاب لتقوى على التربية والخدمة ولتعان على حق الله، فكم من امرأة لا تصلي بدعوى أنها مشغولة بالصغار، ولا تصوم بدعوى الرضاع والحمل، ولا تحسن عشرة الزوج بدعوى كثرة العيال.
ولو كان عندنا علم بالشريعة لوجدنا أن القرآن أباح الرضاع لسنتين، قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ). (سورة البقرة:233)
لقد هم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي عن الغيلة وهي الحمل أثناء الرضاع لأن فيه اعتداء على الرضيع، روى مسلم عن جدامة بنت وهب الأسدية، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ، وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ، فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ). (صحيح مسلم:1442)
قال العلماء: سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع، قالوا: والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء والعرب تكرهه وتتقيه.
وأذن في العزل وهو إفراغ المني خارج الفرج كما في الصحيحين: عن جابر قال: كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. (صحيح البخاري:5207)
وكل هذا أباحه الشرع إذا احتاجه الزوجان لكن بلا إجبار من الحكومات، ومن ثم لا يجوز أن تسن القوانين للحد من النسل أو لتعقيم النساء والرجال لأن الكثرة مطلوبة في أوقات والقلة ينتفع بها في أوقات والله خلقنا لإعمار الكون والنبي صلى الله عليه وسلم يباهي في القيامة بكثرة الأتباع.
اقرأ أيضا: تعريف السيرة النبوية لغة واصطلاحا
الإستعاذة من الكثرة غير الواعية
الكثرة الفاهمة الواعية هي التي يباهي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا تسببنا في احراجه صلى الله عليه وسلم، كما في خطبة عرفات حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنِّي فرطُكُم علَى الحوضِ، وأُكاثرُ بِكُمُ الأممَ، فلا تسوِّدوا وجهي، ألا وإنِّي مستَنقذٌ أُناسًا، ومُستنقَذٌ منِّي أُناسٌ، فأقولُ: يا ربِّ أُصَيْحابي؟ فيقولُ: إنَّكَ لا تَدري ما أحدثوا بعدَكَ). (صحيح ابن ماجه:2499)
لذلك اعلم أن كثرة العدد بغير كفاءة لا خير فيها، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها). فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءُ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ). فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهْنُ؟ قال: (حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ). (صحيح أبي داود:4297)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء. (صحيح مسلم:2707)
سوء القضاء: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ). (سورة الحجر:21)
القضاء الأمور الكلية المجملة التي قضاها الله وكتبها قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والقدر الأمور الجزئية والتفصيلية التي تحدث في كل يوم.
درك الشقاء: أن يلحقه الشقاء وهو الشدة التي تجلب سوء الخاتمة.
شماتة الأعداء: أن يفرح العدو بمصائبي.
جهد البلاء: شدة البلاء في الدين والدنيا والأهل، بقلة المال وكثرة العيال التي تحمل الإنسان على اختيار الموت وتمنيه له عوضا عن سوء حياته.
كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بقَبْرِ الرَّجُلِ فيَقولُ: يا لَيْتَنِي مَكانَهُ). (صحيح البخاري:7115)
قال ابن بطال: تغبط أهل القبور وتمني الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوف ذهاب الدين بغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر، وإذا وقع البلاء والشدة يكون الموت الذي هو أعظم المصائب أهون على المرء، فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده، وهذا ليس في العامة فقط بل في العلماء كذلك وليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر.
وفي قوله تعالى: (ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا). (سورة النساء:3)
عند ابن حبان: أراد به كثرة العيال التى تؤدي لسوء الأحوال.
قال سفيان الثوري: كثرة العيال مع ضيق الحال شؤم يورث الذل.
اقرأ أيضا: خطبة عن بر الوالدين
الاستعاذة من الكثرة التي لا تعين
استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الكثرة التي لا تعين وتبقى عالة، كما روى أحمد في مسنده بإسناد حسن ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرجَ إلى سفرٍ قال: (اللهمَّ أنتَ الصاحبُ في السفرِ والخليفةُ في الأهلِ، اللهمَّ إني أعوذُ بك من الضُّبْنَةِ في السفرِ والكآبةِ في الْمُنقلبِ، اللهمَّ اطْوِ لنا الأرضَ وهَوِّنْ علينا السفرَ)، وإذا أراد الرجوعَ قال: (آيبُونَ تائبونَ عابدونَ لربِّنا حامدونَ)، وإذا دخل أهلُهُ قال: (توبًا توبًا لربِّنا أوبًا لا يُغادرُ علينا حوبًا). (مسند أحمد:4/87)
معنى اﻟﻀﺒﻨﺔ: ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻷﺛﻴﺮ: ﻣﺎ ﺗﺤﺖ ﻳﺪﻙ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﻭﻋﻴﺎﻝ ﻭﻣﻦ ﺗﻠﺰﻣﻚ ﻧﻔﻘﺘﻪ، وﺳﻤﻮا ﺿﺒﻨﺔ ﻷﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺿﺒﻦ ﻣﻦ ﻳﻌﻮﻟﻬﻢ، ﻭاﻟﻀﺒﻦ: ﺑﻜﺴﺮ اﻟﻀﺎﺩ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺸﺢ ﻭاﻹﺑﻂ.
والمعنى: ﺗﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ اﻟﻌﻴﺎﻝ ﻓﻲ ﻣﻈﻨﺔ اﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻭﻫﻮ اﻟﺴﻔﺮ، ﻭﻗﻴﻞ: ﺗﻌﻮﺫ ﻣﻦ ﺻﺤﺒﺔ ﻣﻦ ﻻ ﻏﻨﺎء ﻓﻴﻪ ﻭﻻ ﻛﻔﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﺎﻕ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﻞ ﻭﻋﻴﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺮاﻓﻘﻪ.
ﻭﻗﻮﻟﻪ: (ﺗﻮﺑﺎ ﺗﻮﺑﺎ) ﻗﺎﻝ اﻟﻨﻮﻭﻱ ﻓﻲ (اﻷﺫﻛﺎﺭ): ﺳﺆاﻝ ﻟﻠﺘﻮﺑﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﻨﺼﻮﺏ ﺇﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮ: ﺗﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﺇﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮ: ﺃﺳﺄﻟﻚ ﺗﻮﺑﺎ، ﻭﺃﻭﺑﺎ ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ، ﻣﻦ ﺁﺏ: ﺇﺫا ﺭﺟﻊ، وﻣﻌﻨﻰ ﻻ ﻳﻐﺎﺩﺭ: ﻻ ﻳﺘﺮﻙ، ﻭمعنى ﺣﻮبا: ﺇﺛﻤﺎ، ﻭﻫﻮ ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺤﺎء ﻭﺿﻤﻬﺎ ﻟﻐﺘﺎﻥ.
متى تقر العين بالولد؟
الولد زينة وطلبه أمنية فإذا تحققت أصبح فتنة ولا يسلم من الفتنة إلا من نوى الصالحات وطلب الأجر من الله، فإذا ما جاء الولد على هذا الترتيب طابت بصلاحه الحياء وتحققت به الزينة وقرت به العيون.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). (سورة الفرقان:74)
وقال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ). (سورة آل عمران:38)
وقال تعالى: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ). (سورة الصافات:100)