خطبة عن الصدقة وفضلها للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف الصدقة وأنواعها وفوائدها وما هي شروط قبول الصدقة وما هي أفضل الصدقات.
مقدمة عن الصدقة
إنّ من رحمة الله وكرمه على خلقه أن جعل أبواب التقرّب إليه كثيرةً ومتعددةً، وقد حثّ عليها كلّها وجعل بين ذلك تفاوتاً في الفضائل والأجور؛ حتّى يرفع الهِمم، ويحاول كلّ إنسان أن يجتهد ليُصيب أكبر قَدْرٍ ممكنٍ من أبواب الخير.
ومن هذه الأبواب باب الصّدقة التي جعلها متفرّعةً إلى عدّة أشكال، فالإنسان يختار منها ما يناسبه ويقدر عليه.
ففي السنة النبوية الشريفة: (كلُّ سُلامَى من الناسِ عليه صدقةٌ، كلُّ يومٍ تطلُعُ فيه الشمسُ يعدلُ بينَ الاثنينِ صدقةٌ، ويعينُ الرجلَ على دابتِه فيحملُ عليها، أو يرفعُ عليها متاعَه صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، وكلُّ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاةِ صدقةٌ، ويميطُ الأذَى عن الطريقِ صدقةٌ). (صحيح البخاري:2989)
فرُبّ فقير يتصدّق بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وغنيّ يتصدّق بماله، وصاحب علم يتصدّق بعلمه؛ فالحديث الشريف يدلّ على أنّ كلّ معروف يفعله المسلم ينوي به رضا الله صدقة، والصّدقة ترفع صاحبها إلى أعلى المراتب.
فلا شكّ أنّ من يتخلّق بهذا الخلق العظيم، وآثر أخاه على نفسه، وأحبّ لغيره ما يحبّ لولده وزوجه، فسيُكْرِم ويتصدّق ولا يبالي بإنفاق المال، طالما أنّه أخرجه في سبيل الله تعالى، فهي صفة كريمة تُكرّم صاحبها بين الناس وعند الله تعالى.
اقرأ أيضا: خطبة عن الزكاة وفوائدها
ما هو تعريف الصدقة لغة واصطلاحا؟
تعريف الصدقة لغة هي ما يُعطى للفقير ونحوه، من مالٍ، أو طعامٍ، أو لباسٍ، على وجه التقرّب إلى الله تعالى، وليس على سبيل المكرُمة.
أما تعريف الصدقة اصطلاحا في تعريفات الجرجاني والزركشي: هي العطيّة التي يُبتغى بها الثواب من الله تعالى، فهي بذل الجهد تقرُّباً إلى الله سبحانه وتعالى.
ومن الخطأ الكبير أن يحصر الناس “مفهوم الصدقة” في مجرد بذل الأموال وإخراجها من النقود للفقراء والمساكين، أو صرفها في أوجه الخير المتعددة.
فقد جاءت تعاليم الدين الحنيف وتوجيهاته لتوضح لنا أن هناك أوجهًا كثيرةً لبذل الصدقات، وأنواعًا متعددةً لفعل الخير بنية الصدقة.
ما هي أنواع الصدقة؟
انطلاقًا من هذا المعنى فإن من أنواع الصدقات التي أرشدتنا إليها تعاليم وتوجيهات ديننا الحنيف:
الإنفاق على النفس والأهل والأولاد، والإحسان إلى الأقارب والأرحام واحتساب ذلك كله عند الله تعالى.
جاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (كُلُّ معروفٍ صدقةٌ ، وما أنفق الرجلُ في نفسِه وأهلِه كُتِبَ له صدقةً). (السلسلة الضعيفة:898)
ولما صحَّ عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه في الصحيحين أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المُسْلِمَ إذا أنْفَقَ علَى أهْلِهِ نَفَقَةً، وهو يَحْتَسِبُها، كانَتْ له صَدَقَةً). (صحيح مسلم:1002)
كما أن من الصدقات ما يبذله الإنسان في سبيل وقاية الأعراض وحمايتها من أصحاب السوء.
جاء في المستدرك عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (.. وما وَقَى به المرءُ عِرْضَه كُتِبَ له به صدقةً). (السلسلة الضعيفة:898)
ومن الصدقات الحرص على بشاشة الوجه وحُسن ملاقاة الآخرين، والتبسم في وجوههم، وإظهار البهجة بهم ومعهم، أو أن تُقدِّم لهم نفعًا مهما كان يسيرًا.
جاء عند البخاري في الأدب المفرد عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ معروفٍ صدقةٌ وإن من المعروفِ أن تَلْقَى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ وأن تُفْرِغَ من دَلْوِكَ في إناءِ أَخِيكَ). (صحيح البخاري:6021)
ومن الصدقات أن يكون المسلم من مفاتيح الخير ومغاليق الشر بأن يدل على الخير ويُرشد إليه وينصح به.
جاء في شُعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: (كلُّ معروفٍ صدقةٌ، والدالُّ على الخيرِ كفاعلِه). (شعب الإيمان:7657)
كذلك من الصدقات التي قد يجهلها كثيرٌ من الناس إفشاء السلام على من عرف الإنسان ومن لم يعرف من إخوانه المسلمين، وإماطة الأذى عن طريق المسلمين، وعيادة المريض والسلام عليه والتخفيف عنه والدعاء له.
كما أن من الصدقات إغاثة الملهوف ومد يد العون والمساعدة لمن يحتاجها من المسلمين، ودلالة التائه وهدايته للطريق، وكل ما في حكم ذلك من الأفعال والأقوال الحسنة فهو من أنواع الصدقات التي يؤجر الإنسان عليها.
فقد جاء في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على كلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ صدقةٌ)، قالوا: يا رسول الله ومن يطيق هذا قال: (إماطتُك الأذَى عن الطريقِ صدقةٌ وإرشادُك الرجلَ الطريقَ صدقةٌ ونهيُك عن المنكرِ صدقةٌ وعيادتُك المريضَ صدقةٌ واتباعُك الجنازةَ صدقةٌ وردُّ المسلمِ على المسلمِ السلامَ صدقةٌ). (مجمع الزوائد:3/107)
ما هي الصدقة الجارية؟
الصدقة الجارية من الصدقات التي يجري أجرها على العبد ولو بعد حين – بإذن الله تعالى – وأعمال الخير التي تكون بمثابة الصدقة الجارية على سبيل المثال لا الحصر هي:
- السعي في إصلاح ذات البين بين المتخاصمين طمعًا في إصلاح شأنهم.
- ومناصحة الجُهال والغافلين وإرشادهم إلى الحق والصواب.
- والصبر على أذى الناس، والعفو عن إساءاتهم، وإحسان الظن بهم، والدعاء لهم بالخير.
- وحُسن المعاشرة بين الأزواج.
- والحرص على حُسن تربية الأولاد والبنات.
- والإحسان إلى الخدم والعمال.
- ودفع الحقوق إلى أصحابها.
- والإحسان إلى الجيران.
- والرفق بالحيوان.
- والعطف على الأيتام وتفقد أحوالهم والمسح على رؤوسهم.
- كما أن الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوةٍ يمشيها الإنسان إلى الصلوات، وأماكن الطاعات، ودروس العلم، وحلقات الذكر، ومجالس الخير صدقة.
اقرأ أيضا: خطبة عن فضل العشر من ذي الحجة
الحث على الصدقة
المال مال الله عز وجل، وقد استخلف تعالى عباده فيه ليرى كيف يعملون، ثم هو سائلهم عنه إذا قدموا بين يديه: من أين جمعوه؟ وفيمَ أنفقوه؟
فمن جمعه من حله وأحسن الاستخلاف فيه فصرفه في طاعة الله ومرضاته أثيب على حسن تصرفه، وكان ذلك من أسباب سعادته.
ومن جمعه من حرام أو أساء الاستخلاف فيه فصرفه فيما لا يحل عوقب، وكان ذلك من أسباب شقاوته إلا أن يتغمده الله برحمته.
لذا كان لزاماً على العبد – إن هو أراد فلاحاً – أن يراعي محبوب الله في ماله؛ بحيث يوطن نفسه على المسارعة في الإنفاق فيما رغَّب الإسلام في الإنفاق فيه، وأن يكف عن الإنفاق فيما حرم الإسلام النفقة فيه حتى لا تكون عليه حسرة يوم القيامة.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ). (سورة الأنفال:36)
وإن من أعظم ما شرع الله النفقة فيه وحث عباده على تطلُّب أجره الصدقةَ التي شرعت لغرضين جليلين:
- سد خَلَّة المسلمين وحاجتهم.
- معونة الإسلام وتأييده.
وقد جاءت نصوص كثيرة وآثار عديدة تبين فضائل هذه العبادة الجليلة وآثارها، وتُوجِد الدوافع لدى المسلم للمبادرة بفعلها.
وما أجمل أن تكون الصدقة على من يستحقها من الأهل والأقارب وذوي الرحم فهم أولى بها من غيرهم.
صحَّ عند النسائي وابن ماجة عن سلمان بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصَّدقةَ على المسْكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحمِ اثنتانِ صدَقةٌ وصِلةٌ). (صحيح النسائي:2581)
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، واحرصوا على الإكثار من الصدقات بالقول مرةً، وبالعمل مرة ثانية، وبالنية الصالحة مرةً ثالثة.
وعليكم ببذل المال الحلال في الصدقات، وتسخير الجاه في سبيل الله، واحتساب الأجر والثواب عند الله تعالى في كل شأنٍ من شؤون الحياة، وفي كل جزئيةٍ من جزئياتها.
واعلموا بارك الله فيكم أن ما تُقدمونه من ألوان الصدقة والمعروف لن يضيع عند الله تعالى الذي قال: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (سورة المزمل:20)
ما هو فضل الصدقة وفوائدها؟
تعود الصدقات بفوائد عظيمة على المتصدق وعلى الأفراد والمجتمع، حيث إن الفقر والحرمان والطمع والشجع هم أساس المشاكل التي تحدث في هذا العالم، وتسببُ للكثير من الحروب والموت.
أولاً: فضل الصدقة على المتصدق
من فوائد الصدقة على صاحبها ما يأتي:
إنّ الصّدقة تطفئ غضب الله تعالى؛ فقد جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ). (صحيح الجامع:3766)
وإنّ الصّدقة تقي صاحبها من النّار إذا كانت النيّة خالصةً لوجه الله تعالى، فقد جاء في سنن الترمذي وصححه الألباني: (لِيَقِ أحَدُكم وجهَه النارَ ولو بشِقِّ تَمْرةٍ، فإنْ لم يجِدْ فبكَلِمةٍ طيِّبةٍ، فإنِّي لا أخافُ عليكم الفاقةَ، فإنَّ اللهَ ناصرُكم ومُعطيكم حتى تسيرَ الظَّعينةُ فيما بينَ يَثْربَ والحِيرةِ أكثَرُ ما تخافُ على مَطيَّتِها السَّرَّقُ). (صحيح الترمذي:2953)
كذلك من فوائد الصدقة أنها فدية للعبد من العذاب، وتخليص له وفكاك من العقاب، كما ورد عن رسول الله يحيى بن زكريا: (كمثل رجلٍ أسَره العدوُّ فشدُّوا يدَيه إلى عُنُقِه وقدَّموا ليضربوا عُنُقَه فقال لهم : هل لكم أن أَفتديَ نفسي منكم ؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثيرِ حتى فكَّ نفسَه). (صحيح الجامع:1724)
وقد كثرت النصوص المبينة بأن الصدقة ستر للعبد وحجاب بينه وبين العذاب.
ومن هذه النصوص: مارواه بن أبي شيبه في مصنفه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في إثبات نعيم القبر وعذابه والذي تضمن إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الصدقة وأعمال البر تدفع عن صاحبها عذاب القبر.
ومنها: الأحاديث التي تضمنت التهديد والوعيد لأصحاب الثراء كما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: (هلكَ المكثِرونَ إلا مَن قالَ هكذا وهكذا وهكذا ثلاثَ مرَّاتٍ حثى بكفَّهِ عن يمينِهِ وعن يسارِهِ وبينَ يديهِ وقليلٌ ما هم) (الصحيح المسند:1365)، وفي رواية: (ويلٌ للمُكثِرينَ).
ومنها: مارواه النسائي في سننه وأحمد في مسنده بإسناد صحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن أعتَقَ رَقبةً مُسلِمةً، كانتْ فِكاكَه مِن النَّارِ؛ عُضوًا بعُضوٍ). (تخريج المسند:19441)
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن زينب امرأة عبد الله قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
قال ابن حجر في شرحه: (وفيه أن الصدقة تدفع العذاب، وأنها قد تكفِّر الذنوب بين المخلوقين)، وقال الشوكاني في ثنايا تعداده لفوائد الحديث: (ومنها: أن الصدقة من دوافع العذاب؛ لأنه علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك).
وقد كثر حض النبي صلى الله عليه وسلم أمته على اتخاذ أحدهم الصدقة – مهما قلَّت – حجاباً بينه وبين النار.
ففي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: (ما مِنكُم أحَدٌ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ مِن عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ). (صحيح البخاري:7512)
ما فضل الصدقة في دفع الخوف؟
من أسباب دفع الخوف والحزن عن العبد وتحصيله للأمن، ومن السبل العظيمة لدخوله الجنة، ومن النصوص الدالة على ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). (سورة البقرة:274)
والذي يعم جميع النفقات في طاعة الله وطرق مرضاته – سواء أكانت للفقراء والمعوزين أم في سبيل رفعة الدين ونصرته – ويشمل جميع الأوقات والحالات، وقوله عز وجل: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)). (سورة آل عمران)
والذي جلَّى الله فيه صفة أهل الجنة، وأبان بأن من أجلِّ سماتهم التي تؤهلهم لدخول الجنة الإنفاق في مراضيه سبحانه والإحسان إلى خلقه بأنواع البر.
ومن النصوص النبوية الدالة على أن الصدقة من أسباب دخول الجنة ما رواه البخاري في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم: (أرْبَعُونَ خَصْلَةً أعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، ما مِن عَامِلٍ يَعْمَلُ بخَصْلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلَّا أدْخَلَهُ اللَّهُ بهَا الجَنَّةَ). (صحيح البخاري:2631)
ولا يتوقف أثر الصدقة على هذا فحسب بل الأمر أعظم جداً من ذلك؛ إذ يبادر خزنة كل باب من أبواب الجنة: لدعوة المتصدق كل يريده أن يدخل من قِبَله، وللجنة باب يقال له: باب الصدقة، يدخل منه المتصدقون.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ – إلى أن قال – ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ). (صحيح البخاري: 1897)
وقد أبان العيني أن المراد بالصدقة هنا: النافلة؛ لأن الزكاة الواجبة لا بد منها لجميع من وجبت عليه من المسلمين، ومن ترك شيئاً منها فيخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنم.
ما فضل الصدقة يوم الحساب؟
إنّ المتصدّق يُظَلّ بظلّ صدقته يوم الحساب حتّى يفرغ الحساب، فقد روى بن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاسِ). (المقاصد الحسنة:268)
وصاحب الصدقة يظلّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ). (صحيح البخاري:660)
ما فضل الصدقة في زيادة المال؟
إنّ المُتصدّق تدعو له الملائكة بالبركة والتعويض من الله تعالى، فقد جاء في الصحيحين: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا). (صحيح البخاري:1442)
ومن فضل الصدقة أنها تنمّي المال وتكثّره وتزيد من بركته، ولا تنقص منه شيئاً، فما نقص مال من صدقة، والصدقة برهان على صدق المرء وإيمانه.
عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ، أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا). (صحيح مسلم:223)
باب الصدقة في الجنة
إنّ في الجنّة باباً يُقال له باب الصّدقة، يُدعى إليه المتصدّق فيدخل منه، ويدخل منه كذلك كلّ من كان من أهل الصّدقات في الدنيا، كما سبق في الصحيحين قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (ومن كانَ من أَهلِ الصَّدقة، دُعِيَ من بابِ الصَّدقةِ).
ما فضل الصدقة في دفع البلاء؟
كذلك من فضائل الصدقة أنها تكَشف البلاء وترفعه عن مؤديها، وتدفع المكاره ومصارع السوء.
ما فضل الصدقة في شفاء المريض؟
من فوائد الصدقة وفضائلها الشفاء من الأمراض والأسقام والأوجاع كما في صحيح الترغيب وحسنه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (داووا مرضاكم بالصدقة).
وفي كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمي: وقد سأل رجل ابن المبارك عن قرحة في ركبته لها سبع سنين، وقد أعيت الأطباء فأمره بحفر بئر يحتاج الناس إليه إلى الماء فيه، وقال: أرجو أن ينبع فيه عين فيمسك الدم عنك.
وأيضاً في الزواجر لابن حجر الهيتمي: أنه قد تقرح وجه أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك قريباً من سنة فسأل أهل الخير الدعاء له فأكثروا من ذلك، ثم تصدق على المسلمين بوضع سقاية بنيت على باب داره وصب فيها الماء فشرب منها الناس، فما مر عليه أسبوع إلا وظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان.
والأمر كما قال المناوي في فيض القدير: وقد جُرِّب ذلك – أي التداوي بالصدقة – فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية، ولا ينكر ذلك إلا من كثف حجابه.
بل إن بعض السلف كانوا يرون أن الصدقة تدفع عن صاحبها الآفات والشدائد ولو كان ظالماً، وفي شعب الإيمان للبيهقي قال إبراهيم النخعي: كانوا يرون أن الصدقة تَدْفَع عن الرجل الظلوم.
من يمنع الصدقة
اعلم أن عدم الصدقة يجر على العبد المصائب والمحن؛ كما روى الحاكم في المستدرك من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً وفيه أن جبريل قال ليعقوب – عليهما السلام – عن الله – عز وجل -: (أتدري لِمَ أذهبت بصرك وقوست ظهرك، وصنع إخوة يوسف ما صنعوا: إنكم ذبحتم شاة، فأتاكم مسكين يتيم وهو صائم فلم تطعموه منه شيئاً).
لذلك من فضائل الصدقة وفوائدها تعويد النفس على البذل والعطاء، والتخلّص من صفة البخل والشح، وكذلك دعاء الملائكة للمتصدّق بأن يخلف الله عليه نفقته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا). (صحيح البخاري:1442)
وأيضاً من فوائد الصدقة وآثارها تيسير الأمور وتفريج الكرب.
ثانياً: فوائد الصدقة على الناس والمجتمع
للصدقة فضائل وفوائد عظيمةً تعود على المجتمع، منها ما يأتي:
- القضاء على الفقر في المجتمع، مما يؤدي إلى خلق مجتمع سليم وخالٍ من الجريمة.
- يضفي روح المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع بشكلٍ يضمن تماسكه وقوته.
- يقلل من إحساس المحتاج بالظلم والحقد على الأغنياء.
- يساعد في بناء المجتمع في حالة الصدقات الجارية.
- تنمية الشعور والإحساس بالآخر فيحس الغني بالفقير.
اقرأ أيضا: تعريف السيرة النبوية لغة واصطلاحا
ما هي أنواع الصدقات؟
أولاً: الصدقات المالية
الملابس، الطعام، الفواتير، الرسوم الجامعية أو الدراسية عن المحتاجين، بناء المساجد أو المنشآت المفيدة للمجتمع والناس مثل المكتبات والمدارس وغيرهما.
ثانياً: الصدقات المعنوية
وهذا من كرم الله على عباده بأن جعل الصّدقات متاحةً لكلّ الناس، فلا يعجز أحد عن التقرّب إليه بأيّ شكلٍ من أشكال الصّدقة، فهناك أعمال يقوم بها المسلم وتُعدّ من الصدقات، مثل التّسبيح، والتكبير، والتهليل.
فكما سبق في صحيح مسلم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً)، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ).
ما أسعد المتصدقين!
إذ دلت النصوص الثابتة على أن صاحب المال يدرك بتصدقه وإنفاقه من ثواب عمل العامل بمقدار ما أعانه عليه حتى يكون له مثل أجره متى استقل بمؤونة العمل من غير أن ينقص ذلك من أجر العامل شيئاً.
ومن هذه النصوص الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن فَطَّر صائمًا كُتِب له مِثلُ أجْرِه، إلَّا أنَّه لا يَنقُصُ مِن أجْرِ الصائمِ شَيءٌ). (تخريج المسند:17033)
وما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا). (صحيح البخاري:2843)
ومعناه: أنه مثله في الأجر ما دام قد أتم تجهيزه أو قام بكفاية من يخلفه بعده، وجاء الحديث عند البيهقي في شعب الايمان بلفظ: (من جهز حاجاً أو جهز غازياً أو خلفه في أهله أو فطَّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئاً).
والأمر غير مقصور على هذه العبادات بل شامل لجميع الطاعات؛ فمن أعان عليها كان له مثل أجر فاعلها.
فيا من يستطيع أن يجاهد وهو قاعد، ويصوم وهو آكل شارب، ويعلِّم القرآن، وينشر الخير، ويدعو إلى الله في كل مكان وهو في بيته لم يباشر من ذلك شيئاً لا تَحْرم نفسك الأجر ولا تمنعها الثواب.
واعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لك حين قال: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ – وذكر منها -: وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ).
واعلم بأن المال زائل والعمل باق؛ إذ لم يخلد أحد مع ماله، ولم يدخل مالٌ القبر مع صاحبه، بل هو وديعة لديك، ولا بد من أخذها منك، فما بالك تغفل عن ذلك؟
ما هي شروط قبول الصدقة؟
أولاً: أن تكون الصدقة مخلصة لله تعالى
بعيدة عن الرياء والنفاق والسمعة والأذى، فإذا لم تكن خالصة لوجه الله تعالى فأنت دخلت في دائرة عظيمة وهي النفاق والزور مع الله تعالى.
ثانياً: أن تكون لمن يحتاجها
فالصدقة قد وجبت على الفقراء والمحتاجين وابن السبيل واليتامى والمساكين وطالب العلم، فمن غير المعقول أن تقبل صدقتك لغني أو لغير صاحب الحاجة، فحاول أن تضع الصدقة لمن يحتاجها.
ثالثا: أن تعطي أغلى ما عندك
حاول أن تخرج الصدقة من أغلى ما تملك وليس الذي لا تحتاجه حتى يكون الأجر أعظم عند الله تعالى.
جعل الله الصدقة والإنفاق في مرضاته مفتاحاً للبر وداعية للعبد إلى سائر أنواعه؛ وذلك لأن المال من أعظم محبوبات النفس؛ فمن قدم محبوب الله على ما يحب فأعطى ماله المحتاجين ونصر به الدين وفقه الله لأعمال صالحة وأخلاق فاضلة لا تحصل له بدون ذلك، وآتاه أسباب التيسير بحيث يتهيأ له القيام ببقية أعمال البر فلا يستعصي شيء منها عليه.
ويدل لذلك قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (٥)’ ‘وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (٦)’ ‘فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (٧)). (سورة الليل)
قال السعدي في تفسيره: فسنيسره لليسرى: أي: نيسر له أمره، ونجعله مسهلاً عليه كل خير، ميسراً له ترك كل شر؛ لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له لذلك.
وقد أوضح الله هذا الأمر وجلاَّه في قوله عز وجل: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (سورة آل عمران:92)
أي: لن تنالوا حقيقة البر الذي يتنافس فيه المتنافسون، ولن تدركوا شأوه، ولن تلحقوا بزمرة الأبرار حتى تنفقوا مما تَهْوَوْن من أموالكم ومن أعجبها إلى أنفسكم.
وقد فقه الصحابة رضي الله عنهم هذا التوجيه الرباني فحرصوا على نيل البر وكمال الخير بالنزول عما يحبون وببذل الطيب من المال نصرة للدين وسداً لحاجة المساكين، سخية به نفوسهم طمعاً في ثواب الله وإحسانه، فكان الواحد منهم إذا ازداد حبه لشيء بذله لله رجاء نيل البر.
فهذا أبو طلحة رضي الله عنه وكان من أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه حديقة يقال لها: بيرحاء، فلما نزلت هذه الآية: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) في الصحيحين أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقول في كتابه: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت.
وذكر عبدالرزاق في التفسير والطبري: قال زيد بن حارثة لما نزلت هذه الآية: اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد قبلها الله منك).
و ذكر ابن جرير الطبري أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى في قتال سعد بن أبي وقاص، فدعا بها عمر بن الخطاب فأعجبته فقال: إن الله يقول: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فأعتقها.
وذكر الحاكم في المستدرك: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: تلوت هذه الآية: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فذكرت ما أعطاني الله فما وجدت شيئاً أحب إليَّ من جاريتي رضية فقلت: هي حرة لوجه الله.
وذكر أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء أن ابن عمر كان راكباً على راحلة عظيمة فأعجبته فأناخها وجعلها لله تعالى.
وفي تفسير للقرطبي أن الربيع بن خثيم كان إذا جاءه السائل يقول لأم ولده: يا فلانة! أعطي السائل سُكَّراً؛ فإن الربيع يحب السُّكَّر. قال سفيان: يتأول قوله عز وجل: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).
وفي تفسير القرطبي قال: روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يشتري أعدالاً من سُّكَّر ويتصدق بها، فقيل له: هلاَّ تصدقت بقيمتها؟ فقال: لأن السُّكَّر أحب إليَّ؛ فأردت أن أنفق مما أحب.
وفي تفسير أبي السعود قال: كان لزوجة عمر بن عبد العزيز جارية بارعة الجمال، وكان عمر راغباً فيها، وكان قد طلبها منها مراراً فلم تعطه إياها، ثم لما ولي الخلافة زينتها وأرسلتها إليه، فقالت: قد وهبتكها يا أمير المؤمنين فلتخدمك، قال: من أين ملكتِها، قالت: جئت بها من بيت أبي عبد الملك، ففتش عن كيفية تملكه إياها، فقيل: إنه كان على فلان العامل ديون فلما توفي أُخذت من تركته، ففتش عن حال العامل وأحضر ورثته وأرضاهم جميعاً بإعطاء المال، ثم توجه إلى الجارية – وكان يهواها هوى شديداً – فقال: أنت حرة لوجه الله تعالى.
فهذا هدي السلف؛ فهل من متأس بهم وسائر على نهجهم؟!
رابعاً: بعيدة عن الناس
إذا رأيت شخص محتاج وقد ظهر ذلك لك فحاول أن تتصدق بينك وبين نفسه حتى لا تسبب الحرج له وحتى لا تدع مكان لدخول الرياء أو كلام الناس وحتى تؤجر عليها فقط من عند الله.
ما فضل الصدقة على الميت؟
يحتاج الميت إلى المزيد من الحسنات والأجر والثواب، ولا يستطيع القيام بها سوى مَن بَعده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له). (صحيح مسلم:1631)
من صور الصّدقات التي يصل أجرها للميت
- الدعاء: من أهمّ ما يصل الميت الدعاء الخالص له بطلب المغفرة من الله تعالى، وقد كان قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف أنّ الولد الصالح هو ما يُمكن أن يستفيد منه الميت ،كما في صحيح الجامع: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرجلَ لتُرفعُ درجتُه في الجنةِ، فيقول: أنَّى لي هذا فيقال: باستغفارِ ولدِك لك).
- الصدقة بالمال: فيصل أجرها إلى الميت سواءً كانت مالاً أو طعاماً أو كسوةً، فكلّها تعتبر صوراً من صور الصدقة.
- بناء المساجد ودور العلم والمشافي وكل شيءٍ مفيدٍ، وهذا يُسمى صدقةً جاريةً لأنها تستمر لفتراتٍ طويلة، وكلّما انتفع منها الناس أخذ الميت الأجر.
- التبرّع بأرضٍ لبناء المباني النافعة للأمة الإسلامية.
- سقيا الماء: وهي من أفضل الصدقات.
- طباعة القرآن الكريم والكتب المفيدة.
- سداد ديونٍ الميت.
- الحج عن الميت وكذلك العمرة.
ما هي أفضل الصدقات؟
- الصدقة الخفية، حيث إنها تحافظ على مشاعر الفقير، وتجنب الرياء.
- الصدقة في أوقات الصحة والعافية، فهي تقدم المفهوم الأمثل للصدقة بمساعدة الفقراء.
- الصدقة المقدمة زيادةً على الواجبات كالزكاة.
- الصدقة التي يقدمها قليل المال للأقل منه، حيث إنه لا يملك المال الزائد لكنه يؤثر غيره على نفسه.
- الصدقة التي يقدمها الرجل لأهل بيته، كما في صحيح مسلم: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم (دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ). (صحيح مسلم:995)
- الصدقة على الأيتام، كما روى مسلم في صحيحه: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (كافِلُ اليتيمِ له أو لغيرِهِ، أنا وهو كهاتَيْنِ في الجنّةِ). (صحيح مسلم:2983)
- الصدقة التي تقدم للجار، قال تعالى (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ). (سورة النساء:36)
- الصدقة التي تقدم للجهاد في سبيل الله.
- الصدقة الجارية، والتي تعود بالخير على صاحبها حتى بعد موته، لحديث الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ).
- الصدقة التي تقدم للأصدقاء.
- النفقة في الجهاد وحراسة الثغور لقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (سورة التوبة:41)