خطبة عن وحدة الوطن بعنوان (وحدة الوطن سبيل قوته) للشيخ محمد نبيه يبين فيها كيف نحافظ على وحدة الوطن وكيفية تفعيل الوحدة الوطنية.
مقدمة خطبة وحدة الوطن
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله العلي الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، سبحانه وتعالى قال في كتابه: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند له ولا نظير له، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
(لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
سبحانه لا معقب لحكمه ولا راد لقضاءه، قال في كتابه: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة حتى كشف الله تعالى وجل به الغمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد حتى أتاه اليقين، ولم يتوفه الله تعالى حتى تركنا على المحاجة البيضاء وأخبرنا بأن ليلها ونهارها سواء وأنه لا يزيغ عن هديه إلا هالك.
قال في حديثه الشريف: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره).
فاللهم صلى وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الذين هم بهديه مستمسكون.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حق تقاته وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته وجناته، واعلموا أنه قد أزف الرحيل وذهبت ساعات العمر وأوقاته، واعلموا أنه لا سلامة إلا بالإسلام ولا أمان إلا بالإيمان ولا خلاص إلا بالإخلاص.
واعلموا أن كل الناس أشقياء إلا أتباع الأنبياء، واعلموا أن من سلك سبيل أهل السلامة سلم، وأن من ترك مناصحة الناصحين ندم، واعلموا أنه لا بلية كبلية من مات مُصِراً على معصية رب العالمين، ولا رزية كرزية من حُرم التأسي بسيد المرسلين.
واعلموا أن الله تبارك وتعالى خلق الخلق لعبادته، واعلموا أنه تبارك وتعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة، قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ).
اقرأ أيضا: خطبة عن الوطن والوطنية
الوحدة الوطنية
إخوتي الكرام، لقاؤنا حول آية من كتاب الله تعالى من سورة الحجرات يقول ذو العزة والجلال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
سورة الحجرات سورة مدنية النزول إلا هذه الآية نزلت بمكة المكرمة، وفي القرآن الكريم يأتي النداء على مراتب:
- المدح مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، هذا النداء فيه المدح، ذكر الله النبي بنبوته والرسول برسالته وذكر أهل الإيمان بإيمانهم.
- الذم مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا).
- التنبيه مثل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).
- الإضافة مثل قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ).
- الاسم مثل قوله تعالى: (يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)، (يَا دَاوُودُ).
- النسبة مثل قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ)، (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ).
- التعيير مثل قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ).
النداء في الآية التي قرأناها من سورة الحجرات يفيد التنبيه.
وقبل ذلك ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأخذ القرآن من ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد).
وعبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه كما وصفه النبي صلوات الله وسلامه عليه: (كان كُنَيْفٌ مُلِئ علماً).
قال ابن مسعود إذا قرأت في كتاب الله تعالى أمراً أو نهياً أو نداءً أو استفهاماً أو قسماً فانتبه فإن من وراءها أمراً عظيماً، والآية صُدرت بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) إذا بعد النداء أمر عظيم، بعد النداء تكليف خطير.
ومن ثم أراد الله تعالى أن ينبه الناس لغفلة هجمت عليهم والغفلة تمثلت في الشطط، في الاعوجاج، في ترك طريق الاستقامة، حيث الكبر والتعالي والتفاخر وتنقيص الآخرين.
اقرأ أيضا: تعريف التوحيد لغة واصطلاحا
أصل الإنسان
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ)
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب، ثم تحول التراب بعد ذلك إلى طين وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم تحول الطين إلى طين لازب تغيرت رائحته، ثم إلى صلصال كالفخار، ثم بعد ذلك نفخ الله فيه الروح فأصبح يسمع ويرى ويُحس أصبحت فيه حياة.
ثم خلق لآدم من نفسه زوجة وهي حواء، لم يخلقها من الطين وإنما خلقها من ضلع لآدم عليه السلام، ثم بعد ذلك خلق السلالة من ماء مهين.
السلالة وهي الذرية لم تخلق من الطين ولم تخلق من العظم واللحم إنما خلقت من ماء مهين، ثم تطور الخلق من الماء المهين إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم إلى العظام، ثم إلى اللحم، ثم أنشاه الله تعالى خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
(إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ) من آدم وحواء فالجميع يرجع إلى آدم وحواء، فلماذا التعالي ولماذا الفخر؟ كلكم لآدم وآدم من تراب.
ورد في كتاب أسباب النزول أن هذه الآية نزلت في فتح مكة لما فتحت مكة وتحولت من دار كفر إلى دار إسلام، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح رضي الله تعالى عنه أن يصعد فوق الكعبة وأن يصدح بالأذان حتى يَذِل الشِرك ويَذِل المشُركين.
فصدح بلال بالأذان فسمع الناس في مكة دوي صوته فقالوا على بلال قولاً عظيماً:
- قال عتاب بن أسيد: “الحمد لله الذي أمات أبي قبل أن يسمع صوت هذا”.
- وقال الحارث بن هشام: “لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم غير هذا الغراب الأسود”.
- وقال سهيل بن عمرو: “إن يكهرهه الله تعالى يغيره”.
- وقال أبو سفيان: “أما أنا فلن أقول شيئاً لأنني أخشى أن أقول فتبلغ عني السماء، وأخشى أن أقول فتبلغ عني الأرض”.
فأتى جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره بأقوال هؤلاء، فاستدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم سألهم عما قالوا؟ فأخبروه بما قالوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فالنَّاسُ رجلانِ: برٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللَّهِ، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللَّهِ).
ثم نزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
فكان أتقاهم يومذاك بلال رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لذلك لا فخر بالأنساب لأن الله تعالى وضع عنا عبية الجاهلية.
اقرأ أيضا: الجهل مصيبة على الفرد والمجتمع
طرق المحافظة على وحدة الوطن
الفخر بالأنساب والطعن في النسب، ما دخلي أنا في اسم أبي أو في اسم عائلتي؟ لا دخل لي في اسم أبي إنما لي دخل فيما أحسنه من عمل، لذلك إن كان من فخر فالفخر بالإسلام لا بغيره، فالفخر بما يؤدي إلى العزة لا بما يجلب الذلة والضعة والصغار.
الفخر بالأنساب من شيم أهل الجاهلية، والفخر يقصي أناساً، وما خلق الله الخلق حتى يقصي بعضهم بعضاً، ولا أن يسبي بعضهم بعضاً، ولا أن يذل بعضهم بعضاً.
(إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى فى التفسير: من طريق عبدالله بن العباس رضي الله تعالى عنهما أن الشعوب هي النسب البعيد وأن القبائل هي النسب القريب.
وضربوا لهذا مثلاً، قالوا الشعب المجموع الكبير مثل مضر، ثم القبائل ما يصغر عن الشعب مثل كنانة، ثم العمارة ما قل عن القبيلة مثل قريش، ثم بعد العمارة البطن مثل بني هاشم، ثم الفخذ مثل بني المطلب.
خلقنا سبحانه وتعالى وجعلنا شعوباً وقبائل، الحكمة من جعل الشعوب والقبائل هي التعارف وليس التباعد، والتعارف إلف والتباعد جفاء.
المؤمن آلف مألوف
والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن المؤمن آلف مألوف يألفه الناس ويألف هو الآخرين، وبين صلى الله عليه وسلم أنه لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وبين صلى الله عليه وسلم أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تباعد منها اختلف.
والحديث في صحيح الإمام البخاري وله مناسبة وهي أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله إن فلانة كانت تضحك النساء بمكة المكرمة فلما جاءت المدينة نزلت على امرأة تضحك النساء بالمدينة، فقال صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).
ترى نفسك وسط أناس لأول مرة تراهم وترى في نفسك الراحة كأنك تعرفهم منذ أمد بعيد، وما هذا إلا لتقارب الطباع والصفات، ألفتهم وألفوك.
وترى أناساً لأول مرة فترى في نفسك عدم الراحة، ترى في نفسك عدم القبول أن تكون بينهم، وما هذا إلا لتنافر الطباع.
جعلنا الله تعالى شعوباً وقبائل لنتعارف، ومن التعارف الزواج إذا تزوجت منك وتزوجت مني أدى هذا إلى القرب الزائد، أدى هذا إلى التعارف، أدى هذا إلى الترابط، أدى هذا إلى التآلف والالتئام.
لذلك الإلف عند العلماء يقولون: ألفه إلفاً إذا التحم به والتئم به إذا لزمه وأحبه.
من التعارف الحب وهو سبب التعارف وفي السنة النبوية (والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم).
لذلك الكرم بتقوى الله، الكرم ليس بالاسم ولا بالنسب لأن الأنساب في القيامة متقطعة، أما التقوى بها عمار الآخرة، بها عقبى الدار، بالتقوى ترث الجنان، بالتقوى تجاور النبي العدنان، بالتقوى يبيحك الله ذو الجلال وجهه العظيم سبحانه وتعالى، لذلك (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
المطلوب من قراءة الآية أن نتآلف وأن نتحاب وأن نجتمع على البر والتقوى ونتعاون وأن نلتئم وأن نجتمع على كلمة سواء حتى نحقق قول الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
أسأل الله رب العالمين أن يربط على قلوبنا بالإيمان وأن يصرفها على طاعته وأن يزيدنا أمناً وأماناً إنه ولي ذلك والقادر عليه هذا وإني أستغفر الله العظيم لي ولكم.
اقرأ أيضا: خطبة عن أجر الشهيد
عضو حي في بدن حي
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلى على الظالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد النبيين وخاتم المرسلين ورحمة الله للعالمين.
قال في حديثه الشريف: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).
نسأل الله تعالى رضاه والجنة وحسن الختام ونعوذ بالله تعالى من النار وسوء الختام، وارض اللهم عن آل النبي وصحابته وسائر من اتبعه بإحسان إلى يوم الزحام.
أما بعد، فاتقوا الله حق التقوى واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى.
إخوتي الكرام إذا ما تعارفنا ائتلفنا وإذا ما ائتلفنا التئمنا واجتمعنا وإذا ما التئمنا واجتمعنا تحاببنا وإذا ما تحاببنا كنا مثل البدن الواحد، قال النبي: (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ).
وفي هذا إفادة أن المؤمن بدن حي، أن المؤمن وسط الأمة المؤمنة عضو حي في بدن حي، أما إذا لم يشعر المؤمن بمصيبة أخيه ولم يُحس بما يجري لغيره من أمته، هذا دليل على أن الإنسان هذا عضو أشل في بدن حي.
اقرأ أيضا: خطبة عن حق الوطن
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا
الله تبارك وتعالى أمرنا في كتابه بالاعتصام فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، في الآية الدعوة إلى الاعتصام بحبل الله، الاجتماع على أسباب الله، وأسباب الله تعالى كثيرة، كتابه سبب وعهده سبب.
الاجتماع على كتاب الله، كتاب الله حبله المتين، الاجتماع على ما عاهدنا عليه الله، نجتمع حتى نبقى أمة لها عصمتها ووقارها وبهاؤها.
ثم ذكرهم الله تبارك وتعالى بحالهم القديم يوم أن كانوا متشرذمين، يوم أن كانوا متقاطعين، والآية نزلت في الأنصار وهم جميعاً أبناء أم وأب، الأوس والخزرج أبناء أم وأب لكن نشبت بينهم حروب لأسباب تافهة طالت الحرب بينهم حتى بلغت مائة وعشرين سنة.
دارت الحرب مائة وعشرين سنة بين حيين هما أبناء أم وأب، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه انتهت الحرب وأصبحوا لُحمَة واحدة لا يحتمل بعضهم على بعض مكروها (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).
هكذا إذا تآلفنا وتمسكنا بديننا ثم اهتم كل منا بغيره، لم يقصه، ولم يبعده، ولم يحاربه، ولم يبغضه، ولم يظلمه، ولم يحقره، عندها سنبقى أمة منيعة عزيزة أبية (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).
ما ألف النبي إنما ألف الله تعالى بالنبي بين الأوس والخزرج، والله قال في كتابه: (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ).
عز الأمة
ما أحوجنا في هذه الآونة إلى أن نبقى أمة كما كان آبائنا من قبل أمة، يشعر القاصي بالداني، نبكي لمصاب المسلمين في كل العالم، ونجأر إلى الله تعالى أن يكشف الغمة عن الإسلام وأهله.
ينبغي أن يبقى المسلم هكذا لا ينشغل بحاله عن حال غيره إنما نحن شركاء، الدين بيننا، الرباط بيننا، فإن تمسكنا برباط الله، إن تمسكنا بأسباب الله، إن تمسكنا بعهد الله، ستبقى أمتنا في قمة القائمة، في أعلى السُلم، لكن إن تنازعنا سيتحقق فينا نتاج التنازع، قال الله رب العالمين: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا).
مقدمات ونتائج، لو هناك عكر موجود في داخل الأسرة واحتمل كل منا عكر أخيه سنمثل في البلدة قوة، لكن إذا تفرقنا وكان بيننا الصفاء ضعفنا، لذلك قال على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (عكر الجماعة ولا صفاء الفرقة).
الاجتماع قوة والتفرق ضعف، لذلك مجموع عزنا كمسلمين في مجموعنا، وذلنا في تشتتنا وتفرقنا، كنا في القديم أمة واحدة ثم بعد ذلك هجم الشيطان، قسمونا إلى عرب ومسلمين، ثم قسموا العرب إلى أقسام، ثم قسموا المسلمين إلى أقسام، حتى أصبحنا بلا مهابة ولا كرامة.
ورضي الله تعالى عن عمر حيث قال: كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام.
وأي شيء كانوا قبل أن يكونوا مسلمين، كانوا عرباً لكنهم مع عروبتهم كانوا همجاً كانوا بلا قيمة كانوا محل أطماع الغزاة كانوا فريسة لغيرهم.
فمهمها ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله، لا تنشد العزة إلا في الإسلام، العروبة وحدها ذل إنما العز في الإسلام.
لذلك لا فخر إلا بالإسلام لا تفخر بأبيك، ولا بقبيلتك، ولا بعشيرتك، إنما الفخر بهذا الدين هو الشرف وسنسأل عن الشرف في ساحة القيامة كما قال الله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)).
قال ابن عباس (لَذِكْرٌ لَّكَ) يعني شرف لك، يعني هذا الدين شرف لمن اعتقده واتبعه.
اقرأ أيضا: خطبة عن فضل القرآن الكريم
نهاية الخطبة
الله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يفرج كرب المكروبين وأن يزيح هم المهومين وأن يذهب حزن المحزنونين ونسأله تعالى أن يكشف الغمة عن بلاد المسلمين.
اللهم اكشف الغمة عن الإسلام وأهله، اللهم كن للمستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وآمن روعاتنا واحفظ من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا واحفظنا من فوقنا، ونعوذ بك أن نغتال من تحتنا.
اللهم احقن دمائنا واجمع شتاتنا ووحد صفوفنا وأصلح ذات بيننا، وانزع الغل والحسد من صدورنا، اللهم اهد أبنائنا واستر على بناتنا وأصلح نسائنا واغفر اللهم لنا ولآبائنا ولأمهاتنا، اغفر لإخواننا ولأخواتنا اغفر لزوجاتنا وجميع ذرياتنا، واغفر لأصحاب الحقوق علينا.
اللهم أمنا في أوطاننا واجعل بلادنا بلد أمن وسائر بلاد المسملين، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا الله من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.