وقولوا للناس حسنا للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أولى الناس بتطييب الكلام معهم وما ينبغي للولد أن يتكلم به مع والديه وغيره من الأمور.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (سورة آل عمران:102)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (سورة النساء:1)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)). (سورة الأحزاب)
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي والهدى هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهداه.
وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
عباد الله لقاؤنا تحت عنوان “وقولوا للناس حسنا” يقول الله تبارك وتعالى: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) (سورة ابراهيم:31)، ويقول تبارك وتعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (سورة الإسراء:53)، ويقول تبارك وتعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ). (سورة البقرة:83)
ويقول النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظَاهِرِها)، فقال أبو مالِكٍ الأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: (لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وباتَ قائِمًا والناسُ نِيامٌ). (صحيح الترغيب:946)
وقال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ) (صحيح البخاري:6478)، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
في الآيات والأحاديث أمر بألا نتلفظ إلا بالحسن أو الأحسن، إذا فمن هو أولى الناس بتطييب الكلام معه؟
اقرأ أيضا: خطبة عن حسن الخلق
الكلام مع الوالدين
أولى الناس الوالدان، ينبغي للولد ألا يتكلم مع والديه إلا بالحسن أو الأحسن، يترك هجر الكلام وسوءه وينتقي الكلمات التي تجلب إليه محبة أبيه ومحبة أمه.
والله تبارك وتعالى بين في كتابه قال: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)). (سورة الإسراء)
الأصل في حسن صحبة الوالدين حتى وإن كانا على غير الإسلام أن أحسن لهما القول، أتكلم معهما بالكلام السهل، بالكلام الأحسن، بأطيب الكلام، لا أتعالى عليهما كما هو الظاهر في هذه الآونة، الولد إن تكلم مع أبيه يكلمه من علو يشعر أباه مع عظيم مكانته عند ربه بالحقارة يشعره بأنه حقير يكلمه من طرف أنفه يكلمه متعالياً عليه ويكلم أمه كذلك.
وإذا نادى أباه ناداه أسوأ نداء، وإذا خاطب أمه خاطبها أفحش خطاب، هذا ليس من دين الله تعالى في شيء، إنما الأصل في الكلام مع الوالدين أن تظهر لهما أنك أسير لديهما، والأسير إذا تكلم مع القائم عليه تكلم بتواضع تكلم بأدب.
لكن لا نملك إلا الإسترجاع لكثرة ما نراه من سوء في خطاب الوالدين وفي إجابتهما من الولد.
الأمور زادت حتى إن الولد ينادي أمه بأشنع الألفاظ يقول لها يا فاجرة إن أعجبها هذا، أما إن كان الأمر الآخر يطردها من الدار.
وينادي أباه كذلك بهذا النداء إن أعجبه ومن ثم أولى الناس بتطييب الكلام الوالدان حتى تنال رضاهما فيرضى الله عنك.
أما سوء الكلام مع الوالدين يجلب سخط الوالدين وإذا سخط الوالدان سخط رب الأنام سبحانه وتعالى.
والله تعالى أعطى الوالدين صلاحية لم يعطها لغيرهما أن ضمن رضاه رضاهما وأن ضمن سخطه سخطهما وأعطاهما صلاحية في دعوة مستجابة لا ترد إذا دعاها الوالد لولده أو على ولده وإذا دعتها الأم على ولدها أو لولدها.
ولذلك يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: (ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ : دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ ، ودعوةُ الصائِمِ ، ودعوةُ المسافِرِ) (صحيح الجامع:3032)، إذا دعا الوالد أو دعت الوالدة كل منهما على الولد يستجيب الله وإن كان ظالمين حتى لو أن الأب هو الظالم للولد ودعا يستجيب الله له وإن كانت الأم هي الظالمة ودعت يستجيب الله لها.
لماذا؟
لحقهما عنده، ثم يقضي الله تعالى بينهما وبين الولد في ساحات القيامة، يستجيب لهما في الولد ويقضي بينهما يوم القيامة، إذا هذه واحدة.
اقرأ أيضا: خطبة عن بر الوالدين
الكلام بين الزوجين
الثانية ممن يدخلون في الأولى في الخطاب وفي الإجابة وفي تطييب الكلام الزوجات، العلاقة الزوجية قائمة على الود والرحمة كما قال الله تبارك وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (سورة الروم:21)
والود لا يجلب بالشتم، إنما يجلب باللين، الود لا يأتي إلا باللين، والله تبارك وتعالى أمر موسى وهارون عليهما السلام لما أتيا فرعون قال الله تعالى: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ). (سورة طه:44)
من سبل الهداية ومن الأسباب الموصلة للمودة والرحمة لين الكلام، فينبغي للزوج إذا نادى زوجته يناديها بأحب ما تسمع، وإذا رد عليها كلاماً رد بأحب ما تسمع، والعكس وإذا ما نادته تنادي بأحب ما يسمع وإذا أجابته تجيبه بأحب ما يسمع عند ذلك لا يدخل الشيطان بينهما.
لكن المنتشر في البيوت أن البيوت خاوية وخالية من هذا إلا ما رحم ربي، تناده بصفة سيئة يعيره الناس بها هذا إن أعجبه، أما إن لم يعجبه غرفة النوم تزداد سرير أو كنبة تهجره هي، إن أعجبه أن تناده بما تحب أن تنادي هي أعجبه هو زوج وعشير أما إن لم يعجبه كلامها خلاص تزيد غرفة النوم سرير أو حصيرة أو كنبة.
وهو الآخر يناديها بأقذع ما يجرح ويخدش الحياء، إن أعجبها وإن لم يعجبها فدار أبيها تلزمها، حتى شاهت الأحوال، لا هذا ليس من الدين في شيء، قال النبي عليه الصلاة وأتم التسليم: (أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا وألطفُهم بأهله). (سنن الترمذي:2612)
أنا لطيف جداً إن جلست في جلسة وفيها نساء يسمعون مني معسول الكلام، وإن جلست في سيارة وحولي نساء تود إحداهن لو كنت زوجها، من ماذا؟
من حسن الكلام وحسن الجواب، ولكنني في بيتي شيطان مارد، حتى لا أطيل عليك أذكر لك حديثين فقط من بيت النبي عليه الصلاة وأزكى السلام وهو البيت الذي ينبغي أن نتأسى به هو المقصد الذي يقصده الناس.
النبي عليه الصلاة وأزكى السلام في جلسة مع السيدة عائشة الله رضي الله عنها وأرضاها، جلسة حوار، تعلم أن تحاور امرأتك، قال لها: (إنِّي لَأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى)، قالَتْ: فَقُلتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ فقالَ: (أمَّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ)، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، واللَّهِ -يا رَسولَ اللَّهِ- ما أهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ. (صحيح البخاري:5228)
هل أنت هكذا في بيتك؟ هل هذه العلاقة الشريفة الموثقة بميثاق غليظ؟ هل هذا هو الموجود في البيوت؟
بنبدأ الحوار باللين ونختمه بالطلاق والتحريم، بنبدأ الكلام باللين ونختمه بتهشيم العظام وتكسير المفاصل، بنبدأ الحوار باللين ونختمه بطرد الزوجة والأولاد، هذا هو الواقع، لكن حال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام ذكرته لك.
كذلك عند ابن حبان أن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها جلست بجوار النبي عليه الصلاة وأزكى السلام وقد قام ليصلي من الليل فقامت عائشة فجلست بجواره، قال لها: (يا عائشةُ ذَرِيني أتعبَّدِ اللَّيلةَ لربِّي)، قالت: يا رسول الله أحب قربك وأحب ما سرك، ما أحسن الكلام وما أحسن الجواب، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يبكي حتى بلت لحيته، فلما ازداد بكاؤه دخل بلال ليؤذنه بالصلاة ليؤذنه بصلاة الفجر فرآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك؟ فقال: (أفلا أكونُ عبدًا شكورًا). (صحيح ابن حبان:620)
القصة هذه اعكسها على البيت، لما تقوم تصلي من الليل إن قمت، هل زوجتك تقوم بجوارك؟
هل امرأتك تجلس في الجوار كده وتقول لك أنا برضو لي معك حق؟
تقول لها: بس بدي أصلي ركعتين، تقول لك: بحبك والله بس بحب اللي يفرحك هسيبك تصلي، هل السلوك ده لو انتشر في البيوت ترى عكرا؟
أبدا، لكن لا حظ للنساء في الكلام الطيب، وما أخذته إلا من زوجها لما سبق له عدم الحظ في الكلام الطيب تأست به الزوجة.
لذلك أحوال البيوت استولى عليها العكر، المعيشة منغصة، الحياة مؤلمة، الزوج يتمنى كلمة تطيب خاطره، وهي بتبخل عليه بالكلمة، ولما الامر يشتد تقول له: روح الهي مترو ياكلك.
ولما يأتي لها مصاب تقول له: أحسن ما أنا قولتلك ما تطلعش، مش ده حال البيوت؟
لذلك لا، البيوت مجانبة مجانبة كلياً لأخلاق أمهات المؤمنين مع النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والزوج في بعد عن أخلاق المصطفى عليه الصلاة والسلام مع نسائه.
التأسي مطلوب من الزوجة تنادي زوجها بما يحب، وتجيبه بما يحب، ده عندنا مثل كلمة باطل بترضى الخاطر، لما تقول له نعم وعلى عيني، حاضر يا أبو فلان، خلاص ارتاح حتى لو لم تفعل هو ارتاح، لما يقول لها حاضر ما تقلقيش كل اللي انتي عايزاه هجيبه متقلقيش، تقوم ترتاح حتى لو لم يأت به، ترتاح طب روح مع السلامة تيجي لنا بألف سلامة، كلام طيب يأسر القلوب وينشر الود في البيوت.
إذاً الزوج والزوجة من أولى من يطيب معهم الكلام.
اقرأ أيضا: أبناؤنا والقرآن
الكلام مع عامة الخلق
الثالث عامة الخلق، مطلوب أن نحسن الكلام معهم، والله تعالى قال في كتابه: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). (سورة النحل:125)
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لهدي النبي صلوات الله وسلامه عليه، هذا وإني أستغفر الله العظيم لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الكريم نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
ثم أما بعد، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن ألفاظنا علينا معدودة، قال الله تبارك وتعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (سورة ق:18)، وقال الله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ). (سورة يس:12)
واعلموا إخوتي الكرام رحمكم الله أن من عود لسانه قول الخير حظي به، كما قال الشاعر:
عود لسانك قول الخير تحظى به | إن اللسان لما عودت معتاد |
وورد في الأثر أن عيسى عليه السلام مر به خنزير فقال له عيسى: مر بسلام، فقال له أحد حواريه: كيف تقول هذا وهو خنزير؟ قال عيسى عليه السلام: أعود لساني الخير.
ويحيى بن معاذ رحمه الله تعالى يقول: ينبغي للمؤمن أن يسوق إلى غيره الآتي: إن لم يستطع أن ينفعه فلا يضره، وإن لم يستطع أن يسره فلا يغمه.
إذاً إن لم تستطع أن تسرني بكلمة فلا تقل كلمة يأتيني من وراءها غم، عود لسانك أن يتكلم بالطيب، أن يبشر بالكلام الطيب، ولا ينفر، لا تنطق السوء حتى لا تكن من أهله.
وعندنا في قول النبي عليه الصلاة وأزكى السلام والحديث في الصحيح قال: (والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) (صحيح البخاري:2989)، فلربما كلمة تكلمت بها ساررت بها إنسان، ولربما كلمة تكلمت بها نغصت بها على أمه.
لذلك لا تتكلم إلا بأطيب الكلام، مع عامة المسلمين انتقي كل كلمة تتكلم بها، دع عنك ألفاظ السوء، ودع عنك ما علق باللسان من أمور لازمة، غير، تكلم بالكلام الحسن.
وإذا ما كلمت غير المسلمين فانتقي لهم الأحسن، مع غير المسلمين تكلم بالأحسن، ومع المسلمين تكلم بالحسن، هذا ما قاله الله في كتابه والآية قرأناها في آخر الخطبة الأولى من سورة النحل: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (سورة النحل:125)
يدعى بالحكمة والموعظة المسلمون، المسلمون طوائف، طائفة تعطيها الدليل تقتنع، وطائفة أخرى لا تفهم في الدليل، إنما تحتاج إلى كلام طيب فتنتقي لها المواعظ تأتي لك، وتمشي خلفك، وتنصاع لأمرك.
أما وجادلهم هذا في أهل الكتاب، إن كان مجادلة مع أهل الكتاب، تكون بالتي هي أحسن، أما المواعظ مع المسلمين قال: (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)، لكن في الجدال قال: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
فالكلام مع غير المسلمين ينبغي أن يكون أحسن الكلام، حتى تدعوه بكلامك فقط، إن رأى منك طيب اللسان مدح الإسلام، ورغبه، لذلك أمرنا الله تعالى بأن نتكلم مع غير المسلمين بأحسن الكلام.
واعلم أيها الأخ الكريم، أن أحد العلماء سمع ولده يشتم الكلب – أكرمكم الله – يقول له: يا كلب يا ابن الكلب، فغضب أبوه، فقال له: يا أبي، أوليس بكلب ابن كلب، قال: يا بني، لا تقولها محقراً، انت بتشتم الكلب تحقره، وما شأن الكلب في خلقته.
إلى هذه الدرجة، نعم إلى هذه الدرجة، لأنهم كانوا يعلمون أن كل كلمة تسجل، تنسخ، وتكتب، والله يقول: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ (53)). (سورة القمر)
منسوخ، منسوخ حركة بالصوت والصورة، كان زمان الناس تستحيل البعث، يقول لك: بعث، والناس تعمل أعمال تاني، وتبقى مكشوفة، اليوم وهو قاعد بمحموله بيأتي بكل شيء من أقصى العالم بالصوت والصورة.
لذلك مطلوب منا تغيير الكلام إلى أحسنه، مع الوالدين، مع الزوجين، مع الأولاد، مع عامة المسلمين، مع عامة الخلق.
لذلك النبي عليه الصلاة وأزكى السلام بين في خطاب المسلم للمسلم، بين أن أسوأ الناس عند الله الألد الخصم، الذي إذا غضب تفوه بأقبح الكلام، وكذلك جعل البشارة لمن ترك المجادلة، واللدد، والخصومة.
قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (أنا زعيمٌ ببَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإنْ كان مُحِقًّا، وببَيْتٍ في وسَطِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك الكَذِبَ وإن كان مازحًا، وببَيْتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُه). (سنن أبي داود:4800)
فاترك المراء، لا تجادل، لا تعاند، لا تخاصم، كن سهلاً، كن ليناً، واعلم أن السهولة واللين، من صفات أهل الجنة أيها الأخ الكريم.