الغيرة في الإسلام هي صون الرجل عرضه وعرض غيره من المؤمنين، من كل أنواع الاعتداء، وإن الرجل الذي يغار هو الحصن الذي ترتع فيه محارمه آمنات مطمئنات.
الغيرة في الإسلام
لا يعد الرجل مؤمنا إذا فقد الغيرة على نسائه ولا تعد الأمة مؤمنة إذا فقدت الغيرة على نسائها، فالإيمان والغيرة صنوان، كلما زاد الإيمان زادت الغيرة وكلما نقص نقصت وإذا انعدم انعدمت.
إن الرجل لا ينبل ولا يكرم إلا إن كان يغار على عرضه فيصونه من التهم والمعايب ويقدم نفسه وماله فداء لعرضه من أن يتطاول عليه لسان أو يلغ فيه إنسان.
وإن الأمة لا تنبل ولا تكرم ولا تقوى إلا إذا كانت تصون أعراضها من الفساد وتجنبها طريق الرذائل.
اقرأ أيضا: حسن الخلق في الإسلام
أساليب أهل النفاق
إن فقدان الغيرة من علامات النفاق، فلا تجد منافقا إلا وهو عادم للغيرة على أعراض الناس بل وعرضه، ولذا فإن المنافقين دوما يحبون أن تشيع الفاحشة في الأمة.
فهم يحبون تبرج المرأة وسفورها واختلاطها بالرجال، يحبون انتشار الزنا والخنا، ويدعون إلى ذلك بتزيين طرائقه وفتح أبوابه تارة بالتلميح وتارة بالتصريح إن استطاعوا.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
تراهم يسعون في هدم الغيرة من قلوب المؤمنين، والدعوة إلى تحرير المرأة من حجابها، وإخراجها من بيتها، وتحريرها من قوامة الرجل عليها.
ويدعون إلى اختلاطها بالرجال في التعليم والعمل لعلمهم أنها إذا نزعت حجابها وخرجت من بيتها وتولت القوامة على نفسها وخالطت الرجال في التعليم والعمل، فإن ذلك يقتل الغيرة في نفوس الأمة.
وإذا ماتت الغيرة في الأمة انتشرت الفواحش والآثام والظلم والخداع، فالغيرة هي الجدار المتين أمام كل رذيلة وفساد.
وإن الرجل الذي يغار هو الحصن الذي ترتع فيه محارمة آمنات مطمئنات بعيدات عن كل اعتداء آثم وظلم وخداع كل خبيث متستر بالحب والإخلاص.
وصدق ربنا حين يقول: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
الديوث
انظروا إلى الكفرة، والكفر والدياثة صنوان، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لايدخل الجنة ديوث)، أي الذي لا يغار على عرضه.
انظروا كيف لا يغارون على أعراضهم؟ يرضى أحدهم لزوجته أن يستمتع بها أي صاحب أو غير صاحب!
لتعلموا أن المرء إذا عدم الغيرة على نسائه فالبهائم خير منه، فإن بعضها تقاتل دون إناثها إذا تعرض لها معتد.
ليست الغيرة حد صون العرض من الزنا فحسب، بل صونه كذلك من أن يطلع على محاسنه رجل غريب أو أن يخلو به أو أن يحادثه أو أن يمس شيئا من بدنه، فكل رجل مؤمن غيور:
- لا يرضى لنسائه أن يظهر منهن شيئا من المحاسن ولو كان ظفراً.
- ولا يرضى بأن يختلي بهن أحد، لا سائق ولا طبيب ولا ممرض.
- ولا أن يحادثن أحداً إلا لضرورة، من وراء حجاب، دون لين في الكلام أو تكسر.
وإن الغيرة لا تقف عند صون المرء عرضه فحسب، بل تملي عليه أن:
- يصون أعراض الناس فلا يمد نظره إليها ويحفظ لسانه ويده وفرجه من الاعتداء عليها.
- لا يرضى أن يعتدى على عرض مسلمة بأي طريقة كان وهو ينظر أو يسمع، فالغيرة تحمله على نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، وتحمله على نصح كل امرأة متبرجة سافرة.
اقرأ أيضا: الجهل مصيبة كبرى
حدود الغيرة
فالغيرة إذن هى صون الرجل عرضه وعرض غيره من المؤمنين من كل أنواع الاعتداء.
هذه هي حدود الغيرة فمن أنقص منها شيئا فقد نقص من إيمانه بقدر ذلك، فإن تركها جميعا انخلع من إيمانه جميعا، فإن قضية الغيرة من قضايا الدين الكبار وقواعده العظام.
لما نزل قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾.
قال سعد بن معاذ: يا رسول الله! إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة؟! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني).
أمثلة على الغيرة
غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يكن سعد أغير من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تحمل الأذى والمكائد والحصار من أجل إقامة الشرع الذي يكفل للناس كرامتهم ويضمن لهم العفة والطهر ويحيي في قلوبهم الغيرة.
جاهد بنفسه وأهله وماله وخرج تاركا أرضه وبلاده ليقيم دين الغيرة وصون العرض، وإذا كانت غيرة سعد قد قصرت على زوجته، فإن غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدت إلى الأمة جميعها.
رضي أن يعيش حياة الحرمان والزهد والتعب والجهد، من أجل أن ينعم الناس جميعهم في حياة مليئة بالأمن والطمأنينة على أموالهم وأعراضهم.
فقد كان من أعظم ما يهم المرء في ذلك الحين عرضه من زوج وبنت وأخت وأم، وكم كان يخاف عليهن من السبي والإذلال والفجور.
فجاءت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظت وصانت أعراض الناس، فعاش الناس لايخافون إلا الله، وأمنت النساء خديعة وظلم المجرمين.
اقرأ أيضا: مفهوم السيرة النبوية
غيرة الله عز وجل
أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أغير الجميع؟ هذا والله سبحانه أغير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ومن غيرته سبحانه أنه أرسل الرسل وأيدهم ليدعوا الناس إلى دين العفة والطهر والأخلاق الفاضلة، وتوعد من ارتكب شيئا من المنكرات بالعقوبة في الدنيا والآخرة.
فقد ورد في السنة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أغير من الله، ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن).
ولولا غيرة الله على محارم عباده لعاش الناس حياة البهائم، ولربما كانت البهائم أكرم منهم!
وإن من غيرته سبحانه أنه أذن لعبده أن يموت دون عرضه ولو قتل فإنه شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون عرضه فهو شهيد).
عمر الغيور وابن أبي سلول الديوث
عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا؟ قال: هذا لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرا).
فبكى عمر وهو في المجلس ثم قال: أوعليك يا رسول الله أغار؟ فمن كان يغار فقد اقتفى أثر عمر رضي الله عنه.
ومن لم يكن يغار فقد اقتفى أثر المنافق رأس النفاق عبدالله بن أُبي بن سلول الذي كان يكره فتياته على البغاء لأجل أضيافه.
قال تعالى فيه: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
اقرأ أيضا: تفسير سورة المنافقون
غيرة الصحابة الكرام
تقول أسماء: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، واستقي الماء، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي.
فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثم قال: (إخ، إخ)، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان من أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى.
فجئت الزبير فأخبرته فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، وذلك لأن تبذلها بحمل النوى يوهم خسة النفس ودناءة الهمة وقلة الغيرة في زوجها، ولذا كره ذلك.
ويذكر عن الزبير أيضا أنه تزوج امرأة فكانت تخرج إلى الصلاة في المسجد فيرغب إليها ألا تخرج، فتلح عليه لأجل الصلاة، فخرجت مرة فكمن لها في الطريق فلما مرت قرص عجيزتها.
فرجعت من فورها إلى بيتها وهي تسترجع وتستغفر، فامتنعت من الخروج بعد ذلك، فسألها الزبير عن سبب ذلك، فقالت: كنا نخرج يوم كان الناس ناسا، فلما تغيرت قلوبهم تركنا الخروج.
ويذكر عن علي رضي الله عنه أنه كان يغار على فاطمة رضي الله عنها من السواك.
عبارات عن الغيرة
- إن الغيرة تنمو بالرعاية، وتموت بالإهمال والتهاون في الصغائر، وإنه لأمر خطير حقا أن يرضى الرجل لامرأته أن تنظر عورات الرجال.
- إن لمن قلة الغيرة أن يجتمع الأب مع بنيه وبناته على فلم هابط يرون تفاصيله التي لا تخفاكم دون حياء أو خجل.
- إنه لمن قلة الغيرة أن يدع الرجل أهله يحادثن الرجال باعة كانوا أو غير ذلك وهو منزو في بيته أو في سيارته ينتظر فراغهن.
- ومن قلة الغيرة أن يأذن الرجل لنسائه أن يظهرن الوجه أو اليدين أو القدمين، ولعل بعضهم إلى الغفلة أقرب.
- إنه لمن قلة الغيرة أن يأذن الرجل لوليته أن تعمل مع الرجال، مهما كان العمل ساميا.
- ومن قلة الغيرة أن يأذن لحرمه أن يسافرن بلا محرم، سواء كان لأجل العمل أو النزهة.
وأخيرا هدى الله هذه الأمة، ورزقها الغيرة، وجنبها الحيرة.