أحب الأعمال إلى الله تعالى هي كما بينها نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلاة على وقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله.
أحب الأعمال إلى الله تعالى
أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟
هذا السؤال يبين الهمة العارمة كهمة الصحابة رضي الله عنهم عملوا وجدوا واجتهدوا ثم صارو يسألون عن أفضل الأعمال للتقرب إلى الله.
ذكر الإمام البخاري في كتاب صحيح الأدب المفرد عن عبدالله ابن مسعود أنه قال: سَأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمَلِ أحبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَ؟ فقال: (الصَّلاةُ علَى وقتِها)، قُلتُ: ثمَّ أيُّ؟ قال: (ثمَّ بِرُّ الوالديْنِ)، قلتُ: ثمَّ أيُّ؟ قال: (ثمَّ الجهادُ في سبيلِ اللهِ)، قال ابن مسعود: حدَّثَني بِهِنَّ، ولَو استزدتُه لزادَني. (صحيح اﻷدب المفرد 1)
الأعمال الصالحة كلها يحبها الله، لكن فيها أحب، فسؤال ابن مسعود رضي الله عنه: “أي العمل أحب إلى الله؟” يعني يريد أن يلتزم الأحب الأعلى، وهذا دلالة على همة عارمة وعلى استعداد كبير للقاء رب العالمين سبحانه وتعالى.
الصلاة على وقتها
أحب الأعمال إلى الله هي الصلاة على وقتها، يعني في أفضل أوقاتها، وأفضل الأوقات للصلوات تختلف حسب كل صلاة.
فأفضل وقت لصلاة الظهر إذا كان في الشتاء: هو إثر الأذان، إن كنت قد صليت في البيت نافلتك وجئت إلى المسجد وحييته ركعتين، ثم أقيمت الصلاة فأفضل أوقات صلاة الظهر في أول الوقت.
أما إذا كان بالصيف: فحسب حال الإمام، فلو اشتد حر الشمس وخيف على الناس أن يتأذوا ورأى الإمام أن حرارة الجو تؤذي المصلين، فله أن يُعلم الناس أن يتأخروا ساعة حتى تهدأ حرارة الشمس وتنكسر حفاظاً على الناس وعلى الصحة العامة، ثم من بعدها يقام إلى الصلاة فيأتي الجميع ويصلون.
وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أوصى بالإبراد فقال في الحديث الشريف: (إذا اشتدَّ الحرُّ فأَبرِدوا بالظُّهرِ، فإنَّ شدةَ الحرِّ من فَيْحِ جهنَّمَ). (صحيح الجامع 340)
أما أفضل وقت لصلاة العصر في جماعته الأولى، وأفضل وقت لصلاة المغرب إثر الإقامة في الجماعة الأولى أيضاً.
أما أفضل وقت لصلاة العشاء حسبما يرى الإمام: إن رأى الإمام في المسجد ازدحاماً أمر المؤذن أن يقيم للصلاة فصلى، وإن رأى قلة في المسجد وهو في طمع أن يأتي الكثير له أن يؤخر العشاء إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل.
فقد ورد عن عبدالله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا). (صحيح البخاري 570)، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر إذا لم يرى في المسجد عدداً كبيراً، أما إن رأى عدداً كبيراً عجل بالعشاء.
لأن الجماعة كلما زاد عددها زاد ثوابها، ولأن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، فيتوزع كيد الشيطان على المجموع فيضعف كيده ويقل، ومن ثم شهود الجماعة الأولى مع الإمام هذا أفضل أوقات الصلاة على أي حال، فالصلاة على وقتها أفضل الأعمال وأحبها إلى الله.
اقرأ أيضا: فضل العشر من ذي الحجة
بر الوالدين
من أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة بر الوالدين، فالصلاة توحيد الله وطاعته وحقه على العباد، ثم يأتي بعد ذلك بر الوالدين وحقوقهم بعد حق الله تعالى.
وبهذا جاء القرآن الكريم:
- (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ). (سورة اﻹسراء:23)
- (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ). (سورة لقمان:14)
- (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). (سورة النساء:36)
دائماً حق الله يأتي أولاً ثم يأتي بعد ذلك حق الوالدين.
لماذا بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله؟
لأن إذن الوالدين معتبر في الجهاد كما ورد في السنة النبوية عن أبي سعيد الخدري: أنَّ رجلًا هاجرَ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منَ اليمَنِ فقالَ صلى الله عليه وسلم: (هل لَكَ أحدٌ باليمَنِ؟)، قالَ: أبوايَ، قالَ: (أذنا لَكَ؟ )قالَ: لا، قالَ: (ارجِع إليهما فاستأْذِنْهما، فإن أذنا لَكَ فجاهِدْ، وإلَّا فبرَّهُما). (صحيح أبي داود 2530)
يعني وإن لم يأذنا لك فالزم رعايتهما، فرعايتهما أفضل عند الله تعالى في الأجر من الجهاد في سبيل الله، رضا الله تعالى في رضا الوالدين وسخط الله تعالى في سخط الوالدين.
وفي هذا إشارة إلى عظيم قدر الوالدين عند الله تعالى، حيث أنه سبحانه ضمن رضاه رضاهما وضمن سخطه سخطهما، فطوبى لمن فاز في دنياه برضا والديه، والويل كل الويل لمن خرج من الدنيا بسخط والديه، إذا رضيا رضي الله، وإذا سخطا سخط الله رب العالمين.
لذلك من هنا نصيحة للشباب: احرص على طاعة أبويك ما دامت الطاعة في طاعة الله، أما إن أمراك بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن ما كان أمرهما يوافق طاعة الله فالزم طاعتهما تدخل الجنة من أقرب طرقها وأقصرها، وإياك أن تقع في العقوق لأن العقوق جاء قرين الشرك بالله، والشرك بالله ليس له مجال إلا النار والعار.
اقرأ أيضا: خطبة عن بر الوالدين
الجهاد في سبيل الله
من أحب الأعمال إلى الله الجهاد في سبيل الله، وهو أنزل في الأجر من رعاية الأبوين، أنزل في الأجر من الإحسان إلى الوالدين.
وسبق أن بينا قبل ذلك في لقاءات شتى: أن الإنسان إذا استشهد في سبيل الله فالشهادة تنجيه من النار، ولكن إذا خرج بدون إذن أبويه هو بهذا قد عق أبواه، شهادته وموته في سبيل الله طاعة عظيمة جداً نجته من النار، لكنه خرج وقد عق أبويه فمنعه العقوق من دخول الجنة، ومن ثم يحبس على الأعراف.
والله تعالى ذكر القول وفصله في سورة الأعراف: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) ۞ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)).
هو وجهه تجاه الجنة يرى فيها أصحاباً له كانوا معه في الطاعات فيناديهم سلام عليكم طمعاً في أن يدخل الجنة، لكن لم يأتي إذن من الله بالدخول، فيبقى على الأعراف حتى يقضي الله بينه وبين أبويه.
ولكن صرف الله وجهه عن النار ومجرد صرف الوجه عن النار نعيم، فعندما يلتفت ويرى أصحاب النار يقول: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، لما رأى من سوء عاقبة نعوذ بالله من النار.
إذا الشهادة في سبيل الله طاعة ما أعظمها، لكن يعلوها أن تعيش في طاعة أبويك محسناً باراً غير عاق.