خطبة عن فضل العمل في الإسلام لفضيلة الشيخ محمد نبيه من مسجد الحمد بأبوكبير يوضح فيها أهمية العمل ومخاطر البطالة والكسل.
الكرامة والعمل
إخوتي الكرام، لا شك أن ديننا هو دين الفطرة، ودين الفطرة هو الدين السمح، ومن سماحة الإسلام أنه جمع بين مقاصد الدنيا والآخرة، وفق بين سعي الإنسان لحياته الدنيا، وبين سعيه لحياته الآخرة.
المرء في دنياه في حاجة لأن يحيى بكرامة وأمان، ولا سبيل إلى الكرامة والأمان إلا بالعمل لأن الله تعالى ما خلقنا للكسل إنما خلقنا للعمل، (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا). (سورة هود:61)
إذا الله تعالى خلقنا للعمل، والعمل سبيل الكرامة وسبيل الأمن، لذا الله تبارك وتعالى مدح العمل في كتابه فأضافه إلى العبادة، في الحج وسط المناسك قال: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ). (سورة البقرة:198)
قرن بين العمل والعبادة ليدلنا على قيمة العمل وشرفه.
وفي سورة المزمل قرن العمل بالجهاد (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). (سورة المزمل:20)
فما منا إلا ويحتاج أن يحيا في هذه الحياة بكرامة وأمان، ولا سبيل للكرامة والأمان إلا بالعمل، لذلك الله تعالى مدح العمل في كتابه فقرنه بالعبادة، وأمر الله تبارك وتعالى بالتحرك والأخذ بالأسباب (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). (سورة الملك:15)
بل في يوم الجمعة، في يوم النسك، في يوم العيد، ما أمرنا بالجلوس ولكن قال (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (سورة الجمعة:10)
اقرأ أيضا: خطبة عن إتقان العمل في الإسلام
حديث يدل على فضل العمل
ومن شرف العمل أن صفوة الخلق، صفوة الخلق هم الأنبياء، ما كانوا أهل دعة وبطالة، إنما كانوا أهل عمل وحرفة، كان زكريا نجاراً، وكان داود حداداً.
وفي صحيح البخاري من قول سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ)، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: (نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ). (صحيح البخاري:2262)
والقراريط جمع قيراط، وليس القيراط الذي نعرفه الآن، إنما كان عملة، كان نقداً يومذاك، يعني كان يرعى الغنم باليومية، كان يرعى الغنيم باليومية بأجر، فالأنبياء كانوا أهل عمل وحرفة.
وما انتشر ديننا إلا بالعمل، تخلل الإسلام وتغلغل في الدول كلها من خلال التجارات، من خلال التجارات، فلما تحركوا انتشر الدين، انتشر الدين ومن ثم عم الأمن والأمان وجه الأرض.
الحض على العمل
والخلفاء الراشدون، كذلك حضوا على العمل، ومن ثم عصر الإسلام الزاهي كان الجميع يهابه، كان الجميع يهاب الإسلام ويحترمه، من ماذا؟ لأنهم كانوا أهل عمل، كانوا أهل عمل.
رضي الله عن عمر، يوم من الأيام أتاه رجل، فلما رآه أعجبه شكله وأعجبته هيئته، فسأله: ألك حرفة؟ فقال: لا، قال: لا، قال عمر: فسقط من عيني.
سقط من عينه لأنه لا حرفة له، واليوم أبناءنا فلذات أكبادنا لا يعملون، أجهد أباه في الإنفاق عليه في دراسته، والآن لا أسويه بأخته، بل أخته شرفها أعلى، لأنها تعمل في البيت، تعمل في الطهي والغسيل في البيت، في البيت تعمل بأكلها وشربها وزيادة، لها فضل على أبيها وأمها وأخوتها.
أما ابني الذي تحصل على كلية بكالوريوس أو ليسانس أو ما شابه ذلك، جالس عاطل، بطلان، كسلان، وللأسف الشديد هو يحفظ قول النبي عليه الصلاة وأزكى السلام (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل).
هكذا كان يدعوا النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ). (صحيح البخاري:6369)
استعاذ بالله من الكسل، واستعاذ بالله من البخل، واستعاذ بالله من الدين، والثلاثة لهم علاقة بالكسب والعمل، لهم علاقة بالكسب والعمل.
اقرأ أيضا: خطبة عن العمل في الإسلام
خطر البطالة على الفرد والمجتمع
فصاحب البكالوريا أو الليسانس أو المؤهل، جالس، لماذا تجلس؟ اسعى، انتشر في الأرض، في أي حرفة، امتهن أي مهنة.
بالعمل تأمن على نفسك، تأمن على نفسك، وبالعمل ينكشف همك، وبالعمل تمارس عزتك، وبالعمل ترعى كرامتك.
ومن ثم إخوتي الكرام، مطلب شرعي أن يتحرك الشباب في أرض الله للعمل، كفاك إرهاقاً لأبيك، هو في حاجة إلى زواج يقول لأبيه: بِعْ من الأرض وزوجني، بِعْ وسفرني، إلى متى يبقى عالة.
كان الأب يتمنى على الله الولد، فلما أعطاه الولد أرهق الولد أباه، كل شيء بيع بيع بيع بيع بيع، ثم بعد ذلك يفلس أبوه بسببه، بسببه، وفي النهاية يسوي بينه وبين أخيه العامل.
لذلك ينبغي أن نلتفت إلى أن افتقاد الأمن أساسه أساسه عدم العمل، أساسه البطالة، لذلك إذا كنا نريد أن نرعى أمننا أمننا وأمن بلادنا فلا بد من أن نتحرك حركة إيجابية والحركة الإيجابية هي العمل.
لذلك على أصحاب الأموال أن يهيئوا فرص عمل للشباب، على أصحاب الأعمال أن يهيئوا فرص عمل للشباب، حتى نُكفى هم هذه الفئة العمرية، إذا كُفينا همهم، عند ذلك نستطيع أن نحيا بكرامة في أمان.
نسأل الله تعالى أن يزيد بلادنا أمننا واستقرارا، هذا وإني أستغفر الله العظيم لي ولكم.
بغير الكد لا تكتسب المعالي
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الكريم، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسائر من اتبعه واقتفى أثره إلى يوم أن نلقى الله رب العالمين.
ثم أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن المعالي لا تكتسب بالجلوس على قوارع الطرق أو على الأرصفة، إنما تكتسب المعالي بالكد والتعب.
بغير الكد لا تكتسب المعالي | ومن طلب العلا سهر الليالي | |
ومن طلب المعالي بغير كد | فقد أضاع العمر في طلب المحال |
إن أردت أن تعلوا فلا بد أن تقدم للعلو مهراً، مهر العلو أن تكد وتتعب، أن تكد وتتعب، والكد والتعب في الكسب والعمل.
الأكل من عمل اليد
إن اللقمة التي تأكلها من كسب يدك لها حلاوة لا يستشعرها إلا العامل، لا يستشعر طعمها إلا العامل، لكن لو كان بغير عمل وأكل الشهي لا يستطعمه.
لو أنك في عمل ثم أتاك أهلك بطعام متواضع، تجد للطعام في فمك طعماً جميلاً، لماذا؟ للعمل.
فاللقمة التي تدخل في فيك إن كانت بعمل تشعر بمذاقها الخاص، ومن ثم النبي عليه الصلاة وأزكى السلام لما سئل عن أطيب الكسب قال: (ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ). (صحيح البخاري:2072)
لذلك المعالي تدرك لكن بالكد والتعب، أما من أراد أن يعلو غيره بغير كدا ولا تعب بيطلب المحال، بيطلب طلب إبليس من ربه، إبليس طلب من ربه الرحمة، طلب الجنة، كذلك طالب العلا من غير كد ولا عمل بيطلب المحال.
لذلك الله الله في العمل، الله الله في الشباب، الله الله في أمن البلاد، إن الشاب الذي لا يعمل لا يؤمن بيته، ولا يؤمن نفسه، وهو عالة على أبيه، عالة على مجتمعه، عالة على بلده.
اقرأ أيضا: قصص عن إتقان العمل
الجلوس عن العمل فساد
واعلموا عباد الله أن الجلوس عن العمل فساد، والله نهى عن الفساد في كتابه، قال: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ). (سورة الأعراف:56)
واعلموا إخوتي الكرام أن الخوف لو هجم على الناس لا يهجم عليهم من خلال العاملين، إنما يهجم عليهم من خلال الكسلانين البطلانين.
العامل مشغول في عمله، أما البعيد عن العمل هو المرهق، ويأتي الخوف من خلاله، والله تعالى يعذب بالخوف، كما ينعم بالأمن، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). (سورة النحل:112)
فالأمن العاملون سبيل له، والخوف أهل الكسل والبطالة سبيل له، لا يجلب الخوف للبلاد إلا أهل البطالة والجلوس عن العمل، أما أهل العمل يجلبون الأمن للبلاد.
والله نهى عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، تنصلح الأرض بالعمل، فالجلوس عن العمل فساد، (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ). (سورة الأعراف:56)
واعلم باركك الله أن جلوسي وجلوس غيري عن العمل مع الانتظار لمصاريف آخذها من أبي، لا أنا ساويت أختي البنت وعملت في البيت، ولا أنا شاركت أبي في محله أو في زراعته، بل أنا عبئ ثقيل على أبي.
لذلك لا شرف ولا مروءة ولا كرامة لمن هذا شأنه، امتهن أي مهنة، لو أخذ الرجل مناديل وباعها على الطريق عمل شريف، لو مسح أحذية عمل شريف، أي عمل تكتسب من خلاله حلالاً تكفي نفسك فقط تكفي نفسك هذا شرف.
لكن لست مكلف بأن تكفي نفسك فقط، بل عندك طموح، تريد أن تتزوج، تريد أن يكون لك أولاد، اكفي نفسك وبنيك وأهلك بهذا تصبح صاحب كرامة وتحيا إن أحياك الله في أمن وفي أمان.
خاتمة خطبة عن فضل العمل
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تعلمنا ما ينفعنا وأن تنفعنا بما علمتنا، اللهم فرج كربنا وأزح همنا، وتولى أمرنا وأحسن خلاصنا، وفك أسرنا واقضي عنا ديوننا، اشفي اللهم مرضانا، اشفي اللهم مرضانا، اشفي اللهم مرضانا، وارحم أمواتنا، واهدي أبناءنا واستر على بناتنا، وأصلح نسائنا، واغفر لآبائنا وأمهاتنا، واغفر لإخواننا وأخواتنا، واغفر لزوجاتنا وجميع ذرياتنا.
اللهم من أراد ديننا وبلادنا بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم أمنا في أوطاننا، اجعل بلادنا بلاد أمن وسائر بلاد المسلمين، أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا يا ربنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم احقن دمائنا واجمع شتاتنا ووحد صفوفنا وأصلح ذات بيننا، اللهم على الإيمان الصحيح ثبت قلوبنا.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.