تخطى إلى المحتوى

أدب الخوف من الله عز وجل

مشاركة:

أدب الخوف من الله عز وجل من المقامات العالية وهو من لوازم الإيمان وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه.

أدب الخوف من الله عز وجل
أدب الخوف من الله عز وجل

الخوف من الله عز وجل

من المقامات العالية وهو من لوازم الإيمان، قال الله تعالى: ﴿وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ ([1])، وقال تعالى ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ ([2])، وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾. ([3])

وبما جاء في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم (أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له). ([4])

وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩ (50)﴾. ([5])

ووصف الأنبياء بقوله ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾. ([6])

وإنما كان خوف المقربين لأنهم يطالَبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة.

ولأن الواجب لله منه الشكر على المنزلة فيضاعف بالنسبة لعلو تلك المنزلة فالعبد إن كان مستقيماً فخوفه من سوء العاقبة لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. ([7])

وإن كان المرء مائلاً فخوفه من سوء فعله وينفعه ذلك مع الندم والاقلاع، فإن الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتصديق بالوعيد عليها ويخاف أن يحرم التوبة أو لا يكون ممن شاء الله أن يغفر له فهو مشفق من ذنبه طالبٌ من ربه أن يدخله فيمن يغفر له.

حديث عن الخوف من الله

وفي الخوف من الله ما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ في خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إلى نَفْسِهَا، قالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما صَنَعَتْ يَمِينُهُ). ([8])

قال الإمام النووي في شرحه على مسلم فالخوف من الله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها.

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي قال: خَرَجَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فأصابَهُمُ المَطَرُ، فَدَخَلُوا في غارٍ في جَبَلٍ، فانْحَطَّتْ عليهم صَخْرَةٌ، قالَ: فقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ بأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ،

فقالَ أحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إنِّي كانَ لي أبَوانِ شيخانِ كَبِيرانِ، فَكُنْتُ أخْرُجُ فأرْعَى، ثُمَّ أجِيءُ فأحْلُبُ فأجِيءُ بالحِلابِ، فَآتي به أبَوَيَّ فَيَشْرَبانِ، ثُمَّ أسْقِي الصِّبْيَةَ وأَهْلِي وامْرَأَتِي، فاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فإذا هُما نائِمانِ، قالَ: فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُما، والصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذلكَ دَأْبِي ودَأْبَهُما، حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْها السَّماءَ، قالَ: فَفُرِجَ عنْهمْ،

وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِن بَناتِ عَمِّي كَأَشَدِّ ما يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّساءَ، فقالَتْ: لا تَنالُ ذلكَ مِنْها حتَّى تُعْطِيَها مِئَةَ دِينارٍ، فَسَعَيْتُ فيها حتَّى جَمَعْتُها، فَلَمَّا قَعَدْتُ بيْنَ رِجْلَيْها قالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تَفُضَّ الخاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَقُمْتُ وتَرَكْتُها، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قالَ: فَفَرَجَ عنْهمُ الثُّلُثَيْنِ،

وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي اسْتَأْجَرْتُ أجِيرًا بفَرَقٍ مِن ذُرَةٍ فأعْطَيْتُهُ، وأَبَى ذاكَ أنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إلى ذلكَ الفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، حتَّى اشْتَرَيْتُ منه بَقَرًا وراعِيها، ثُمَّ جاءَ فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ أعْطِنِي حَقِّي، فَقُلتُ: انْطَلِقْ إلى تِلكَ البَقَرِ وراعِيها فإنَّها لَكَ، فقالَ: أتَسْتَهْزِئُ بي؟ قالَ: فَقُلتُ: ما أسْتَهْزِئُ بكَ ولَكِنَّها لَكَ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عنْهمْ. ([9])

وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عمر قال: لَقدْ سَمِعْتُ مِن فِي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَديثًا، لو لمْ أسمَعْهُ إلَّا مرَّةً أو مرَّتَيْنِ -حتَّى عَدَّ سَبْعًا- ولكِنِّي سمِعْتُه أكثرَ مِن ذلكَ، قالَ: (كان الكِفْلُ مِن بَني إسرائيلَ لا يَتوَرَّعُ عنْ ذنْبٍ عمِلَه، فأتَتْهُ امرأةً فأعطاها سِتِّينَ دِينارًا على أنْ يَطَأَها، فلَمَّا قَعَدَ منها مَقْعَدَ الرُّجلِ مِن امرأتِهِ أَرْعَدَتْ فبَكَتْ، فقالَ: ما يُبكِيكِ، أكْرَهتُكِ؟ قالتْ: لا، ولكنْ هذا عمَلٌ لم أعمَلْهُ قَطُّ، وإنَّما حَمَلني عليه الحاجةُ، قالَ: فتَفعلِينَ هذا ولَمْ تَفْعليهِ قَطُّ؟! قالَ: ثمَّ نزَلَ، فقالَ: اذهَبِي والدَّنانيرُ لَكِ، قالَ: ثُمَّ قالَ: واللهِ لا يَعصِي الكِفْلُ ربَّهُ أبدًا، فماتَ مِن لَيلتِه، وأصبحَ مَكتوبًا على بابِهِ: قدْ غُفِرَ للكِفْلِ). ([10])

فينبغي أن يكون المؤمن عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنب صغيراً كان أو كبيراً لأن الله تعالى قد يعذب على القليل فإنه لا يسأل عما يفعل سبحانه.

وفي سنن الدارمي عن كعب قال: إِنِّي لَأَجِدُ نَعْتَ قَوْمٍ يَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَيَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنْ الصَّبْرِ فَبِي يَغْتَرُّونَ أَوْ إِيَّايَ يُخَادِعُونَ فَحَلَفْتُ بِي لَأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ. ([11])


[1] سورة آل عمران (175).

[2] سورة المائدة (44).

[3] سورة فاطر (28).

[4] صحيح البخاري (5063).

[5] سورة النحل.

[6] سورة الأحزاب (39).

[7] سورة الأنفال (24).

[8] أخرجه البخاري (6806)، ومسلم (1031).

[9] صحيح البخاري (2215)، صحيح مسلم (2743).

[10] المستدرك على الصحيحين (7860).

[11] سنن الدارمي (299)، قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *