تخطى إلى المحتوى

خطبة مقومات الحياة الطيبة

مشاركة:

خطبة مقومات الحياة الطيبة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها لوازم الحياة الطيبة التي إن توفرت تطيب الحياة وإن انتفت تُعكر الحياة.

خطبة مقومات الحياة الطيبة
خطبة مقومات الحياة الطيبة

مقدمة عن الحياة الطيبة

اعلموا إخوتي الكرام، أن الحياة الطيبة لها لوازم، إن توفرت، تطيب الحياة، وإذا انتفت، تُعكر الحياة.

ولوازم الحياة الطيبة جمعها حديث نبوي في سنن الإمام الترمذي رحمه الله قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا). [1]

في الحديث ثلاث نعم، من نعم كثيرة أنعم الله تعالى بها على عباده، وهذه الثلاثُ إن توفرت عند إنسان، فقد حاز الدنيا كلها.

نعمة الأمن

(مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ)، السرب يطلق على الطريق، ويطلق على الحال، والمعنى: من أمن في طريقه، ومن أمن في حاله ونفسه.

ونعمة الأمن لعلها أجل النعم بعد توحيد الله رب العالمين، لذلك الله تعالى يقول: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)). [2]

بدأ إبراهيم عليه السلام بالدعوة بالأمن، للبلد الحرام، والله جل جلاله، قال في سورة القصص: (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). [3]

فنعمة الأمن تسبق نعمة الصحة والعافية، فالآمن يأكل وينام، والخائف لا يأكل ولا ينام.

لذلك، الأمن إن زاد، يستريح الناس، والأمن إذا انتقص أو انتفى، لا يستريح حي في هذه الحياة.

لذلك، الأمن يتوفر بالعدل، والعدل هو الإتقان في كل شيء، بلا إفراط أو تفريط، العدل هو الإتقان في المعاملة، العدل هو الإتقان في كل شيء، والله أمر به: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ). [4]

أمر الله بالعدل، فإذا توفر العدل انتشر الأمن والأمان، والدرس المستفاد من هذه الجزئية: عليك أن تسعى بعدلك في بيتك، ونفسك، ومحلتك، وبلدك، وفي ما أسند إليك، وخولت فيه، إن وفقت للعدل، توفر الأمن، وإذا انتقص العدل زال الأمن.

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). [5]

لذلك كن عدلاً بارك الله فيك، كن عدلاً في أهلك، كن عدلاً في شارعك، كن عدلاً في عملك، كن عدلاً فيما أسند إليك من مسئولية، عندها يزيد الأمن والأمان، ويشعر الناس بالراحة والسلام.

نعمة الصحة

(مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ ، مُعافًى في جسدِهِ)، آمن ومريض لا تحلوا الحياة، لا تحلوا الحياة، أمن ومرض لا تحلوا الحياة، لكن مع الأمن عافية تحلوا الحياة.

فالصحة نعمة، وفي صحيح البخاري، من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ). [6]

الصحة نعمة، والله تبارك وتعالى حرم وجرم كل ما ينقص الصحة، نهانا عن الاقتراب من مواطن الهلكة، ونهانا عن قتل النفس، قال: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [7]، وقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا). [8]

لذلك حتى تبقى الصحة صحة، لا بد من جودة الغذاء، ومن ثم حرمت المسرطنات التي تسرطن الغذاء، حرمت وجرمت لماذا؟ لأنها تنقص العافية، فمطلوب جودة الغذاء، مع سلامة الهواء.

لذلك حرم الاعتداء على الهواء، كالسحابة السوداء التي أطبقت على بلادنا، إثر إشعال النار في مخلفات الأرز والقطن، هذه السحابة السوداء تقتل ببطء، أثرها على الصغار والكبار، كأثر ريح عاد، (مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ). [9]

حسبك من زكام في الأنف، وسعال في الإنسان، وضيق في التنفس والتهاب في الشعب والرئة، والتهاب في الكلى، كل هذا إثر السحابة السوداء، التي هي اعتداء على الهواء.

والهواء ليس حظي أنا كآدمي فقط، بل الهواء يتنفس به كل حي، لذلك الله تعالى جعلها من البغي: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). [10]

البغي هو التعدي على الغير، من يشعل النار في ظنه، أنه يشعل في القش ويستريح، لكن لا، لا يستريح، سيصاب ولده، ويصاب في نفسه، وتصاب زوجته، ويصاب جيرانه، ونقتل أنفسنا ببطء.

لذلك مع جودة الغذاء سلامة الهواء، ومع جودة الغذاء، وسلامة الهواء، سلامة الماء.

لذلك حرم التلوث، حرم وجرم إلقاء النفايات في موارد الماء العذبة، وليل نهار نرى بوابير الشفط تلقي بلا حياء ولا خجل، في بحر فاقوس، وفي غيره، اعتداء.

ويسعى الإنسان في قتل نفسه، وهو لا يدري، يسعى في قتل نفسه، يعكر الهواء، ويلوث الماء، فكيف تطيب الحياة أخي الكريم؟

كفاية في الرزق

لذلك أمن وصحة، ثم بعد الأمن والصحة، كفاية في الرزق، كفاية كمال يؤول للإنسان جراء إرث، أو جراء عمل، إذا كان معه ما يكفيه، ويحفظ ماء وجهه عن السؤال، وكان صحيحاً معافى آمناً على نفسه، فهذا تطيب له الحياة.


[1] صحيح الترمذي (2346).

[2] سورة ابراهيم.

[3] سورة القصص (57).

[4] سورة النحل (90).

[5] سورة النحل (112).

[6] صحيح البخاري (6412).

[7] سورة البقرة (195).

[8] سورة النساء (29).

[9] سورة الذاريات (42).

[10] سورة الأعراف (33).

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *