تخطى إلى المحتوى

خطبة عن جبر الخواطر وأثره

مشاركة:

خطبة عن جبر الخواطر وأثره على الفرد والمجتمع بعنوان (الغيث الماطر في جبر الخاطر) للشيخ محمد نبيه يوضح فيها عبادة جبر الخواطر والآيات القرآنية والأحاديث الدالة عليها.

خطبة عن جبر الخواطر وأثره على الفرد والمجتمع
خطبة عن جبر الخواطر وأثره على الفرد والمجتمع

عبادة جبر الخواطر

جبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها.

يقول الإمام سفيان الثوري: ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم.

ومما يعطي هذا المصطلح جمالاً أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى وهو “الجبار” كما في كتاب تفسير أسماء الله للزجاج. (ص: 34)

وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ.

قال ابنُ القيِّمِ رحمَه اللهُ في نونيتِه:

كَذلكَ الجَبَّارُ في أَوْصافِهِ والجَبْرُ في أَوْصَافِه نَوْعَانِ
جَبْرُ الضَّعِيفِ وكُلُّ قَلْبٍ قد غَدَاَ ذَا كَسْرَةٍ فَالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ
والثَّاني جَبْرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذي لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ

ومما يدل على مشروعية عبادة جبر الخاطر ما رواه الترمذي وبن ماجه بإسناده صحيح عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين في صلاة الليل: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْزُقْنِي، وَارْفَعْنِي).

آيات قرآنية عن جبر الخواطر

جبر الله تعالى خاطر يوسف الصديق في قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ). (سورة يوسف:15)

فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام ولجبر خاطره؛ لأنه عانى الظلم والأذى من إخوته والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر.

فأراه الله آخر مشهد من قصته مع إخوته: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)). (سورة يوسف)

لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.

جبر الله خاطر أم موسى في قوله تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). (سورة القصص:13)

جبر الله خاطر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). (سورة القصص:85)

رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي ولد فيها ونشأ أُخرج منها ظلما، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر.

فأنزل الله تعالى له قرآنا مؤكدا بالقسم؛ أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولا وأمرك بتبليغ شرعه سيردك إلى موطنك مكة عزيزا منتصرا وهذا ما حصل.

جبر الله لخاطر رسوله صلى الله عليه وسلم في أمته: كقوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى). (سورة الضحى:5)

وانظر لروعة العطاء المستمر في هذه الآية حتى يصل بالمسلم لحالة الرضا، فهذه الآية رسالة إلى كل مهموم ومغموم، وتسلية لصاحب الحاجة، وفرج لكل من وقع ببلاء وفتنة؛ أن الله يجبر كل قلب لجأ إليه بصدق.

حديث عن جبر الخواطر

قد ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). (سورة إبراهيم:36)

وقال عيسى عليه السلام: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (سورة المائدة: 118)

فرفعَ يديهِ وقال: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى.

فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟

فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ.

فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ. (صحيح مسلم:202)

هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها:

  • بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم.
  • منها: استحباب رفع اليدين في الدعاء.
  • ومنها: البشارة العظيمة لهذه الأمة – زادها الله تعالى شرفا – بما وعدها الله تعالى بقوله: (سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها.
  • ومنها: بيان عظم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وعظيم لطفه سبحانه به صلى الله عليه وسلم، والحكمة في إرسال جبريل لسؤاله صلى الله عليه وسلم إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بالمحل الأعلى، فيسترضى ويكرم بما يرضيه، والله أعلم.

وهذا الحديث موافق لقول الله عز وجل: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى). (سورة الضحى:5)

وأما قوله تعالى: (ولا نسوءك)، هو تأكيد للمعنى أي: لا نحزنك؛ لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار، فقال تعالى: نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع. والله أعلم.

كيف يجبر الله الخواطر

جبر خاطر الرحم

الله تعالى يجبرُ خاطرَ الرَّحمِ لمَّا عاذتْ به من القَطيعةِ.

في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قَالَ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ). (صحيح البخاري:5987)

قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني، ليست بجسم، وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة، ويتصل بعضه ببعض، فسمي ذلك الاتصال رحما.

والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام، فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل، وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك.

والمراد تعظيم شأنها، وفضيلة واصليها، وعظيم إثم قاطعيها بعقوقهم، لهذا سمي العقوق قطعا، والعق الشق، كأنه قطع ذلك السبب المتصل.

والعائذ: المستعيذ، وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه، المستجير به، قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه.

جبر خاطر الضعفاء

روى أصحاب السنن إلا بن ماجه بإسناد صحيح عن أبي الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ابْغُونِي الضَّعِيفَ؛ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ). (صحيح النسائي:3179)

وقد عاتب الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أعرض عن ابن أم مكتوم وكان أعمى عندما جاءه سائلا مستفسرا قائلا: علمني مما علمك الله.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام منشغلاً بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه.

فأنزل الله: (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4)). (سورة عبس)

قال القرطبي في التفسير: فعاتبه الله على ذلك؛ لكي لا تنكسر قلوب أهل الإيمان. (تفسير القرطبي (20/213))

ومن صور جبر الخواطر في السيرة النبوية: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما رد سائلا قط بل كان يرشد الصحابة الكرام للحل ويدلهم على الطريق ويطيب خاطرهم.

روى أبوداود بإسناد فيه ضعف عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: (يا أبا أمامةَ ما لي أراكَ جالسًا في المسجدِ في غيرِ وقتِ الصَّلاةِ؟).

قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله.

قال: (أفلاَ أعلِّمُكَ كلامًا إذا أنتَ قلتَهُ أذْهبَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ همَّكَ وقضى عنْكَ دينَكَ).

قلت: بلى يا رسول الله؟

قال: (قل إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ اللَّهمَّ إنِّى أعوذُ بِكَ منَ الْهمِّ والحزنِ وأعوذُ بِكَ منَ العجزِ والْكسلِ وأعوذُ بِكَ منَ الجبنِ والبخلِ وأعوذُ بِكَ من غلبةِ الدَّينِ وقَهرِ الرِّجالِ).

قال أبو أمامة: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني. (ضعيف أبي داود:1555)

قال الطيبي: الهم في المتوقع والحزن فيما فات.

شرح الرواية

(من العجز) هو ضد القدرة وأصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء ثم استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها والمراد هنا العجز عن أداء الطاعة وعن تحمل المصيبة.

(والكسل) أي: التثاقل عن الأمر المحمود مع وجود القدرة عليه.

(من الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة وهو الخوف عند القتال ومنه عدم الجراءة عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(من غلبة الدين) أي: كثرته وثقله.

(وقهر الرجال) أي: غلبتهم.

(قال) أي: الرجل أو أبو سعيد.

(ففعلت ذلك) أي: ما ذكر من الدعاء عند الصباح والمساء.

(فأذهب الله همي) أي: وحزني.

(وقضى عني ديني)  قال المنذري: في إسناده غسان بن عوف وهو بصري وقد ضعف.

جبر خاطر من يغار على الدين ويحب سيد المرسلين

في سنن الترمذي بإسناد صحيح عن زيد بن أرقم رضي الله عنه: أنه لما سمع قول عبد الله بن أبي لأصحابه وكان بمعزل عن جيش المسلمين، ولم يأبهوا لذلك الغلام، فقال عبد الله المنافق لأصحابه: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

أبلغ زيد عمه، وأبلغ العم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلمة خطيرة جداً، أرسل النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن أبي، جاء، وحلف، وجحد.

قال زيد: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار اللوم على زيد، كيف تنقل مثل هذا الكلام الخطير، أنت غلام لا تعلم ماذا يترتب على مثل هذا الكلام.

قال زيد: فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد، فبينما أنا أسير قد خفقت برأسي من الهم – هذا غلام انكسر قلبه وخاطره من جراء رد قوله، ولوم الناس له وهو صادق- إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرني أني لي بها الخلد في الدنيا.

وهو سبب نزول قول الله تعالى في سورة المنافقون: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). (سورة المنافقون:8)

قوله (قد خفقت برأسي من الهم) يقال خفق الرجل إذا حرك رأسه وهو ناعس، والمعنى نكست من شدة الهم لا من النعاس.

(فعرك أذني) أي دلكها.

(أن لي بها) أي بضحكة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي.

جبر خاطر الفقراء

روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال: جاء فقراء المهاجرين وقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم.

قال رسول الله: (أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ).

قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟

قال: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ). (صحيح مسلم:1006)

وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات.

فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به، أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعهما جميعا من النظر إلى حرام، أو الفكر فيه، أو الهم به، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.

جبر الرسول للخواطر

جبر خاطر زاهر الأعرابي

روى أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن أنس، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا، وكان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلا دميما، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل.

فقال: أرسلني، من هذا؟

فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه.

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟)

فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدني كاسدا.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ أَوْ قَالَ: لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ).

جبر خواطر للصغار

وحتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب.

عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – أحسبه قال: كان فطيما -، قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: (يا أبا عمير، ما فعل النغير) – طائر صغير كالعصفور -؟ قال: فكان يلعب به. (صحيح مسلم:2150)

ومن جبر الخواطر وتطييب النفوس تعزية أهل الميت وتسليتهم ومواساتهم وتخفيف الألم الذي أصابهم عند فقد ميّتهم.

ومن صور جبر الخواطر أن الله شرع للمطلقة غير المدخول بها نصف المهر، تطييبا لخاطرها.

وإقرار الدية في القتل الخطأ، لجبر نفوس أهل المجني.

ومن صور جبر الخاطر أن الفقراء أو اليتامى إذا حضروا شيئا من قسمة الميراث فمن الأفضل أن يخصص لهم من المال شيئا يجبر خاطرهم ويسد حاجتهم حتى لا يبقى في نفوسهم شيء.

قال تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا). (سورة النساء:8)

وفي قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)). (سورة الضحى)

أجمل تطييب للخاطر وأرقى صورة للتعامل.

قال ابن قدامه رحمه الله: وكان من توجيهات ربنا سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، أنه كما كنت يتيماً يا محمد فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.

فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال.

جبر الرسول بخواطر أحبابه

جبره صلى الله عليه وسلم بخواطر من يحبه ويشتاق إليه ويتمنى لو كان إلى جانبه فيذود عنه وينافح عن دعوته.

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا).

قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي، وَإِخْوَانُنَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ).

فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟)

فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ). (صحيح مسلم:249)

أقوال العلماء في الحديث

قال العلماء: في هذا الحديث جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح.

(وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) أي: رأيناهم في الحياة الدنيا، قال القاضي عياض: وقيل: المراد تمني لقائهم بعد الموت.

وقال الإمام الباجي: (بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي) ليس نفيا لأخوتهم، ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة، فهؤلاء إخوة صحابة، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). (سورة الحجرات:10)

وقال القاضي عياض: ذهب أبو عمر بن عبد البر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في فضل من يأتي آخر الزمان إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل ممن كان من جملة الصحابة.

وأن قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم قرني) على الخصوص معناه: خير الناس قرني أي: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم، فهؤلاء أفضل الأمة وهم المرادون بالحديث.

وأما من خلط في زمنه صلى الله عليه وسلم وإن رآه وصحبه أو لم يكن له سابقة ولا أثر في الدين فقد يكون في القرون التي تأتي بعد القرن الأول من يفضلهم على ما دلت عليه الآثار.

قال القاضي: أن من صحب النبي ورآه مرة من عمره وحصلت له مزية الصحبة أفضل من كل من يأتي بعد، فإن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل.

قالوا: وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، واحتجوا بقول النبي: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).

هذا كلام القاضي، والله أعلم.

أما “بَيْنَ ظَهْرَانَيْ”: فمعناه: بينهما وهو بفتح الظاء وإسكان الهاء.

وأما “الدهم”: فجمع أدهم وهو الأسود والدهمة السواد.

وأما “البهم”: فقيل السود أيضا، وقيل: البهم: الذي لا يخالط لونه لونا سواه سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر، بل يكون لونه خالصا، وهذا قول ابن السكيت وأبي حاتم السختياني وغيرهما.

(وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ) ‏‏قال الهروي وغيره: معناه: أنا أتقدمهم على الحوض، يقال: فرط القوم إذا تقدمهم ليرتاد لهم الماء، ويهيئ لهم الدلاء والرشا.

وفي هذا الحديث بشارة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفاً، فهنيئاً لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرطه.

كيفية جبر الخواطر

هذه المواقف وغيرها تدعونا للإحسان إلى الخلق وجبر خاطرهم، فما أجمل أن نتقصد الشراء من بائع متجول في حر الشمس يضطر للسير على قدميه باحثا عن رزقه مساعدة له وجبرا لخاطره.

وما أروع أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصاً عندما نعلم أن خطئه غير مقصود وأن تاريخ صحبتنا معه طيب نقي، فالصفح عنه ومسامحته تُطَيِّبُ نَفسه وتَجبرُ خاطره.

وتبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء والأحباب من أجمل ما يدخل الفرحة للقلب والهناء للنفس وهي سبيل الحب، وبساط الود، وطريق الألفة، لما في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: (تهادَوا تحابُّوا).

والبر بأرقى صوره أن تشتري لوالديك ما يحتاجون وتفاجئهم بما يفقدون؛ دون طلب منهم أو سؤال بل كرم منك وتبرع، ففي هذا الفعل أجمل ما يسطر من جبر الخواطر وإدخال الفرح والسرور على قلوبهم.

كما لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذي انكسر قلبه وذلت نفسه وضاق صدره ما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيب ومن طعامنا ولو الشيء القليل ومن دعائنا ما نستطيع، بذلك نجبر كسرهم ونطيب قلوبهم ولا نشعرهم.

جبر القلوب

وتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد ولا كبير طاقة فربما يكفي البعض كلمة: من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، وربما يحتاج الآخر لمساعدة، وينقص ذاك جاه، وينتظر البعض قضاء حاجة، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة.

فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا ولا نبخل على أنفسنا، فالصدقة والخير نفعه يعود إليك.

وفي عصرنا الحاضر تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظراً لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، وفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم.

ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وغم وهم، وهذا لا يجد جامعة، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجاً، وذاك مريض والآخر مبتلى، والهموم كثيرة.

وهذا الأدب الإسلامي مطلوب حتى مع الأعداء!!

يقول ابن القيم: جئت مبشرا لابن تيمية بموت ألد أعدائه، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، فسروا به ودعوا له.

من وسائل جبر الخواطر

  • المواساة عند فقد الأحبة.
  • الاعتذار للآخرين، وقبول اعتذار المعتذرين.
  • تبادل الهدايا.
  • الابتسامة.
  • قضاء حوائج الناس.
  • التزاور.
  • فهم النفسيات.
  • إخفاء الفضل والمنة عند جبر الخواطر وعلى خلاف هذا الخلق الكريم، تجد في زماننا أناسا قست قلوبهم، وجعلوا من مآسي الناس ونكباتهم مجالا للضحك والسخرية بهم، ومن صور ذلك:
  • الفرح بإخفاق أولاد الجيران دراسيا.
  • الفرح لمصائب زملاء العمل.
  • فرح المرأة لمكروه يصيب أقارب زوجها، أو مصائب ضرتها، أو طلاق صديقتها، فليحذر هؤلاء، فإن هذه صفة المنافقين: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا). (سورة آل عمران:120)
مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *