خطبة عن فضل القرآن الكريم

مقدمة عن فضل القرآن الكريم

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا). ^{(سورة الكهف: 2)}

لقد أنزل الله عز وجل القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأعلمه فضل ما أنزله عليه، وبين أنه شرفه وشرف أمته، وأمره بالاستمساك به وسيسأله عنه يوم القيامة.

قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). ^{(سورة المائدة:48)}

من شرف القرآن أنه مصدق لما سبقه من الكتب ومهيمن عليه، وشرف الرسول أن يحكم بالقرآن ولا يتبع أهواء أهل الكتاب الذين عطلوا أحكام التوراة.

فالقرآن كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.

وهو حبل الله المتين، وهو عصمة لمن اعتصم به، وغنى لمن استغنى به، وحرز من النار لمن اتبعه، ونور لمن استنار به، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.

وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه.

هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ). ^{(سورة الجن)}

من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.

ما هو فضل القرآن الكريم؟

القرآن سيد الكلام، كما روي عن شهر بن حوشب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (‌فَضْلُ ‌كَلَامِ ‌اللَّهِ ‌عَلَى ‌كَلَامِ ‌خَلْقِهِ، ‌كَفَضْلِ ‌اللَّهِ ‌عَلَى ‌خَلْقِهِ). ^{(سنن الدارمي:3400)}

وبين لنا الله أن القرآن هو أحسن الحديث وبين أثر القرآن على الجلود، فقال سبحانه وتعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ). ^{(سورة الزمر:23)}

ومن فضل القرآن الكريم نزول الملائكة عند الاجتماع لتلاوة القرآن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ). ^{(صحيح مسلم:2699)}

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: (‌إِنَّ ‌اللهَ ‌يَرْفَعُ ‌بِهَذَا ‌الْكِتَابِ ‌أَقْوَامًا، ‌وَيَضَعُ ‌بِهِ ‌آخَرِينَ). ^{(صحيح مسلم:817)}

فالقرآن عالي ولا يعلى عليه، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)). ^{(سورة الزخرف)}

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)). ^{(سورة فصلت)}

وفي القرآن الكريم النور والشفاء، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). ^{(سورة الشورى: 52)}

وفي القرآن الكريم الإعجاز، قال تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا). ^{(سورة الإسراء: 88)}

لذلك أمر الله خلقه أن يؤمنوا بالقرآن ويعملوا بمحكمه فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه ويؤمنوا بمتشابهه ويعتبروا بأمثاله ويقولوا (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا). ^{(سورة آل عمران: 7)}

ثم وعدهم على تلاوته والعمل به النجاة من النار والدخول إلى الجنة، ثم ندب خلقه عز وجل إذا هم تلوا كتابه أن يتدبروه ويتفكروا فيه بقلوبهم، وإذا سمعوه من غيرهم أحسنوا استماعه ثم وعدهم على ذلك الثواب الجزيل.

ما هو فضل قارئ القرآن الكريم؟

عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ). قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: (هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ: أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ). ^{(سنن ابن ماجه:215)}

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ: أَلِفٌ حَرْفٌ؛ وَلامٌ حَرْفٌ؛ وَمِيمٌ حَرف). ^{(سنن الترمذي:2910)}

عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (‌إِنَّ ‌هَذَا ‌الْقُرْآنَ ‌مَأْدُبَةُ ‌اللَّهِ ‌فَاقْبَلُوا ‌مِنْ ‌مَأْدُبَتِهِ ‌مَا ‌اسْتَطَعْتُمْ). ^{(المستدرك على الصحيحين للحاكم:2040)}

والآن تعالوا لنرى كيف يمكن للمؤمن أن يكسب الملايبن من الحسنات بأقل جهد.

فإذا كان العدد التقريبي لحروف القرآن هو ثلاثمائة وثلاثا وعشرين ألفا وخمسة عشر حرفا (323,015 حرفاً)، فإن المسلم بقراءته للمصحف مرة واحدة في الشهر في الأيام العادية يكسب عن كل حرف عشر حسنات، أي ثلاثة ملايين ومائتين وثلاثين ألف ومائة وخمسين حسنة (3,233,150 حسنة).

والله يضاعف الأجر في رمضان وفي العشر من ذي الحجة لمن يشأ والله ذو الفضل العظيم.

أحاديث عن فضل قارئ القرآن

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ؛ فَلَهُ أجْرانِ). ^{(صحيح البخاري:4937)}

ويوم القيامة تتجلى هذه الفضائل لقارئ القرآن، فيشفع القرآن لقارئه ويعلو به في مراتب الجنة على قدر قراءته.

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقْرَؤوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ). ^{(صحيح مسلم:804)}

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (يُقَالُ لصَاحِبِ القُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ؛ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِر آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا). ^{(صحيح الترمذي:2914)}

وصاحب القرآن يغتبطه الناس، فقد ورد في السنة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ ؛ رَجُلٍ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ. وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ). ^{(صحيح البخاري:5026)}

عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا). ^{(صحيح البخاري:7560)}

ما هو فضل الاستماع للقرآن الكريم؟

دعا الله تعالى عباده  إلى استماع كلامه فقال: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). ^{(سورة الأعراف: 204)}

ووعد من استمع إلى كلامه , فأحسن الأدب عند استماعه وعمل به ببشارة الخير وأفضل الثواب فقال عز وجل: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)). ^{(سورة الزمر)}

فتقربوا إلى الله بحسن استماعهم لكلامه يرجون رحمته  ويطلبون رضاه.

ثم بين أنه ينبغي للسامع أن يسمع وكأنه يرى وشاهد  فقال تعالى: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ). ^{(سورة ق: 1)}

ما دلنا على عظيم ما خلق من السماوات والأرض وما بينهما من عجائب حكمته في خلقه، ثم ذكر الموت وعظيم شأنه وذكر النار وعظيم شأنها وذكر الجنة وما أعد فيها لأوليائه فقال عز وجل: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)، إلى آخر الآية ثم قال بعد ذلك كله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لِذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). ^{(سورة ق: 37)}

فأخبر جل ذكره أن المستمع بأذنيه ينبغي أن يكون مشاهدا بقلبه ما يتلو وما يسمع؛ لينتفع بتلاوته للقرآن وبالاستماع ممن يتلوه.

ما هو فضل تدبر القرآن الكريم؟

لقد حث الله خلقه على أن يتدبروا القرآن فقال عز وجل: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). ^{(سورة محمد: 24)}، وقال عز وجل: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلًافًا كَثِيرًا). ^{(سورة النساء:82)}

ومن تدبر كلام الله عرف الله وعرف عظيم سلطانه وقدرته وعرف عظيم تفضله على المؤمنين وعرف ما عليه من فرض عبادته.

فألزم نفسه الواجب فحذر مما حذره مولاه الكريم ورغب فيما رغبه فيه ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره كان القرآن له شفاء.

فاستغنى بلا مال وعز بلا عشيرة وأنس بما يستوحش منه غيره وكان همه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها متى أتعظ بما أتلو؟ ولم يكن مراده متى أختم السورة؟ وإنما مراده متى أعقل عن الله الخطاب؟

لا قرب من الله بغير تدبر !!

إن الهدف من المداومة على قراءة القرآن هي الوصول إلى فهمه وتدبر آياته والعمل بما فيها من أوامر واجتناب ما فيها من نواهي في واقع الحياة حتى نكون من المهتدين إلى طريق الحق.

وقد دلنا الله على صفات من هداهم إليه تعالى، فقال: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ). ^{(سورة الزمر: 18)}

وإذا كان المقصود والهدف من القراءة للقرآن هو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بتلاوة آيات كلامه الكريم، ولا يتم ذلك إلا بفهم ما يُقرأ، وتدبر ما يُتلى، ليتذكر القارئ معاني الآيات، ويفقه ما فيها من حِكَم ومواعظ، ويعرف ما تنطوي عليه من عقائد وعبادات وأحكام، وآداب وفضائل، وحلال وحرام، وقصص وأخبار، وتذكير واعتبار.

وإذا لم يتحقق المقصود من القراءة وهو التدبر والفهم، فإنه لا خير في تلك القراءة.

والله سبحانه ما أنزل كتابه إلا ليتدبَّره قارئوه، ويفقهه تالُوهُ، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). ^{(سورة ص:29)}

والقراءة مع التفهم والتدبر تحدث تأثراً في نفس القارئ وخشوعاً في القلب، وخوفاً من الله عز وجل، وطمعاً في رحمته، وشوقاً إلى لقائه، وهذه نتيجة التفهم والتدبر حين القراءة والتلاوة.

ما هو فضل العناية بالقرآن الكريم؟

لابد من العناية بالقرآن حفظًا، وتلاوةً، وعملاً، حتى يكون المسلم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

وإن من عجيب حال الكثيرين منا، تقصيرهم في تلاوة كتاب ربهم، وتدبره والعمل به، مع علمهم بفضله وأجره، قال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل.

ولهذا المعنى أشار تعالى بقوله: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)). ^{(سورة التوبة)}

كيفية العناية بالقرآن الكريم

1. مراجعة الحفظ: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَعاهَدُوا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها). ^{(صحيح البخاري:5033)}
2. الخشوع عند تلاوة القرآن الكريم: في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ عَلَيّ)، قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم)، فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) ^{(سورة النساء: 41)}، قال: (حسبك الآن)، فالتفَتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان.
3. عدم هجر القرآن الكريم: قال تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) ^{(سورة الفرقان: 30)}، والهجر يشمل هجر التلاوة، والتدبر والعمل، والتحاكم إليه؛ كما قال ابن القيم رحمه الله.

ما حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن؟

أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه ونحو ذلك مما يتعدى نفعه كالإمامة والأذان وتعليم العلم فقد اختلف فيها أهل العلم:

فذهب الحنفية والحنابلة إلى المنع واستدلوا بأدلة منها:

• عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا فيه قوم يقرؤون القرآن فقال: (اقرؤوا القرآنَ، وابْتغوا به اللهَ تعالى؛ من قَبْلِ أن يأتيَ قومٌ يُقيمُونه إقامةَ القَدَحِ، يتعجَّلونَه ولا يتأجَّلونه). ^{(صحيح الجامع:1167)}
• وعن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأُوا القرآنَ، ولا تَغْلوا فيهِ، ولا تَجْفُوا عنهُ، ولا تَأْكُلوا بهِ، ولا تَسْتَكْثِرُوا بِه). ^{(السلسلة الصحيحة:3057)}
• وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا القرآنَ، و سلوا اللهَ به، قبلَ أن يأتيَ قومٌ يقرؤون القرآنَ فيسألُون به الناسَ). ^{(صحيح الجامع:1169)}

وذهب المالكية والشافعية والظاهرية وهو رواية عن أحمد إلى الجواز، وهو المفتى به عند متأخري الحنفية واستدلوا بأدلة منها:

• عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُمْ عليه أجْرًا كِتَابُ اللَّهِ). ^{(رواه البخاري في صحيحه 5737 ورد الآخرون عليه بأنه في الرقية)}
• وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زَوَّجْتُكَهَا بما معكَ مِنَ القُرْآنِ) ^{(صحيح البخاري:5029)}، فجعل القرآن مقابل العوض.

هذا كله في الأجرة، أما أخذ الرزق الذي يجرى من الحكومة فإنه لا خلاف بينهم في جوازه وكذا الهبات والعطايا.

قال الإمام البخاري وهو يستدل على خلق أفعال العباد: (ﻗﺮاءﺓ اﻟﻔﺎﺟﺮ، ﻭاﻟﻤﻨﺎﻓﻖ، ﻭﺃﺻﻮاﺗﻬﻢ ﻭﺗﻼﻭﺗﻬﻢ ﻻ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺣﻨﺎﺟﺮﻫﻢ).

اﻟﻔﺎﺟﺮ ﻫﻮ: اﻟﺨﺎﺭﺝ ﻋﻦ اﻟﻄﺎﻋﺔ، ﻓﻴﺸﻤﻞ اﻟﻜﺎﻓﺮ ﻭاﻟﻔﺎﺳﻖ، ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ﻓﻬﻮ: اﻟﺬﻱ ﻳﻈﻬﺮ ﺧﻼﻑ ﻣﺎ ﻳﺒﻄﻦ، ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺫﻟﻚ اﻟﻜﻔﺮ ﻭاﻟﺘﻜﺬﻳﺐ، ﻓﻤﻦ ﺃﺑﻄﻦ اﻟﻜﻔﺮ ﻭاﻟﺘﻜﺬﻳﺐ، ﻓﻬﻮ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ اﻟﻨﻔﺎﻕ اﻷﻛﺒﺮ، ﻭﺇﻥ ﺗﻨﻮﻉ ﺫﻟﻚ.