تخطى إلى المحتوى

خطبة عن العزة

مشاركة:

خطبة عن العزة بعنوان (عز المسلم واستعلاؤه) من مسجد العطار بمدينة فاقوس للشيخ محمد نبيه يبين فيها أسباب العزة ووسائلها ومصدرها وما هي خوارم العزة.

خطبة عن العزة في الإسلام

ما هو معنى العزة في الإسلام؟

يا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، فإن تقواه أربح تجارة وبضاعة، واحذروا معصيته فقد خاب عبد فرَّط في أمر ربه وأضاعه، وعليكم بما كان عليه السلف الصالح والجماعة، فخذوا بهديهم وما كانوا عليه في المعتقد والعمل والسمع والطاعة.

وكونوا أذلة مع المؤمنين أعزة على الكافرين، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، واعلموا أن الله معكم ولن يتركم أعمالكم، واحذروا الظلم فإن الظلم عار ونار وشناعة.

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا ما افتخروا بقيس أو تميم

أخي المسلم حديثي لك أذكرك بقدرك أذكرك بالعز ومصدره وأسبابه وآثاره وفقده؟!.

أخي: لا يعنيني أن تكون أنسب الناس، فإن أنساب الدنيا متقطعة فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم، ولا يعنيني  أن تكون عربي الأصل أو من الدولة الفلانية فقد خذلَت أبا لهب أصالته، وسبق بلال وهو حبشي.

إنما أريدك أن تعتز بإسلامك فإن اعتزازك بدينك يحملك على أن تتبوأ أعلى مقام، وتتوشح أسمى وشاح، لأنك تنتسب إلى الشرف وأي شرف أعظم من أن الله أنزل لك كتاباً يخاطبك فيه (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ). (سورة الأنبياء:10)

وأي مجد أجلّ من أن يرسل الله أعظم خلقه وأكرمهم عليه يزكيك ويهديك إلى صراط الله؟

(لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (سورة آل عمران:164)

لقد شرفك الله وأعلى شأنك يوم أن جعلك من خير أمة أخرجت للناس، لقد كرمك الله يوم أن جعلك شهيداً على الناس يوم القيامة، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). (سورة البقرة:143)

لقد شرفك الله يوم أن عظم حرمتك وصان دمك، (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً). (سورة النساء:93)

ولزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم، ولحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة.

كم أنت عظيم أيها المسلم! وكم أنت عزيز لو عرفت قدرك واتصلت بمن يعز ويذل ويخفض ويرفع.

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام

يوم أن كانت الأمة تفخر بدينها، وتعتز بإيمانها، وتربط نفسها بقوة الله التي لا تغلب؛ ويوم أن كانت الأمة ترفع راية الإسلام وتحكم القرآن، وتعلي راية الجهاد؛ يومها كانت للمسلمين مواقف في العزة، كانت نبراساً لمن ينشد العز والقوة.

إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.

أيها المسلمون أنتم الأعلون على كل الأمم:

  • عقيدتكم أعلى، فأنتم تسجدون للخالق وغيركم يسجد للمخلوق.
  • وشريعتكم أعلى، فأنتم تسيرون على شريعة الله وغيركم يسير على تشريعات المخلوقين.
  • ودوركم الأعلى؛ فأنتم الأوصياء على هذه البشرية كلها، الهداة لهذه البشرية كلها، وغيركم شارد عن المنهج ضال عن الطريق.
  • ومكانكم في الأرض أعلى؛ فلكم وراثة الأرض التي وعدكم الله بها، وغيركم إلى الفناء والنسيان صائرون.

وإن كنتم مؤمنين حقاً فلا تهنوا ولا تحزنوا، فإنما هي سنة الله أن تصابوا وتصيبوا على أن تكون لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء والتمحيص.

أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، فلماذا الوهن والضعف وتقديم التنازلات والظهور أمام العالم بمظهر المنهزم المتخاذل؟

ما بال هذه الأمة قد نكست أعلامها، وهزل جسمها، وأفلت الزمام من يدها؟

هل انقطعت الصلة بينها وبين سلفها وماضيها المشرق أم أنها هجرت أسباب العزة وعوامل النصر؟

يمارس المسلمون سياسة الحزم والقوة، ويقفون بكل عزة وإباء في مواجهة أي دعوة للتنازلات.

واستمع إلى هذا الموقف: في غزوة الأحزاب حيث زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وظن المؤمنون بالله الظنون، وابتلوا وزلزلوا زلزالاً شديداً.

في هذه الظروف القاسية الحرجة، فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسيلة يخفف بها من محنة المسلمين، فأرسل إلى عيينة بن حصن وهو من الأحزاب قائلاً: (أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر الأنصار، أترجع بمن معك من غطفان وتخذل بين الأحزاب؟)، فأرسل إليه عيينة: إن جعلت لي الشطر فعلتُ.

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فأخبرهما بذلك فقالا: “يا رسول الله، أمراً تحبه فنصنعه؟ أم شيئاً أمرك الله به؟ أم شيئاً تصنعه لنا؟”، قال: (بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة!)، فقالا: “يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟! والله! مالنا بهذا من حاجة! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم”.

والعزة الصحيحة ملكة في القلب توجهه إلى الإستعلاء على كل أسباب الذلة والإنحناء لغير الله، وعلى نفسه، وشهواته المذلة، ورغائبه القاهرة، ومخاوفه ومطامعه، ومتى استعلى على هذه فلن يملك أحد وسيلة لإذلاله وإخضاعه، فإنما تذل الناسَ شهواتهُم ورغباتهم ومخاوفهم ومطامعهم.

في زمن العزة والقوة يدخل ربعي بن عامر إلى إيوان كسرى، معتمداً على رمحه، مخرقاً به السجاد والبسط، ويقف في عزة وشموخ قائلاً: “جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام”.

العزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى بها الإسلام وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهد ثمارها بما شرع من عقائد، وسن من تعاليم.

إن اعتزاز المسلم بنفسه ودينه وربه هو كبرياء إيمانه، وكبرياء الإيمان غير كبرياء الطغيان، إنها أنفة المؤمن أن يصغر لسلطان أو يوضع في مكان، أو يكون ذنَباً لإنسان، إنه كبرياء الترفع على مغريات الحياة وأباطيلها، كبرياء لا يخلوا من التواضع والتبسط مع المسلمين واحترام الحق الذي يجمعه بهم.

دين الإسلام دين العزة؛ لذا حرم الإسلام على المسلم أن يهون أو يذل أو يضعف، وأمره أن يغضب من كل ما يخدش كرامته ويجرح مكانته، فإن استحال عليه ذلك فليتحول عن دار الهوان، ولينشد الكرامة في أي مكان: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). (سورة النساء:97)

قال الشافعي:

ارحل بنفسك عن أرض تضام بها ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام رجس في مواطنه وفي التغرب محمول على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حاز الفضل أجمعه فصار يحمل بين الجفن والحدق

أسباب العزة ووسائلها

أيها المسلمون: الإسلام عندما أوصى المسلم بالعزة هداه إلى أسبابها ويسر له وسائلها، وأفهمه أن الكرامة في التقوى، وأن السمو في العبادة، وأن العزة في طاعة الله.

والمؤمن الذي يعلم ذلك ويعمل به يجب أن يأخذ نصيبه كاملاً في الحياة الرفيعة المجيدة، فإذا اعتدى عليه أحد أو طمع فيه باغ كان انتصابه للدفاع عن نفسه جهاداً في سبيل الله، وموت المسلم دون حقه شهادة.

ومن عزة المؤمن ألا يكون مستباحاً لكل طامع أو غرضاً لكل هاجم، بل عليه أن يستميت دون نفسه وعرضه وماله وأهله، وإن أريقت في ذلك دماء فإن هذا رخيص لصيانة الشرف الرفيع.

لن يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم

لقد أخبر الله: أن العزة لله جميعاً، وأن من أسبابها ووسائلها القول الطيب والعمل الصالح: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚوَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖوَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ). (سورة فاطر:10)

العفو والتواضع

إن من أسباب العزة العفوَ والتواضعَ، ففي السنة النبوية عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ). (صحيح مسلم:2588)

ومن خلق المسلم أن يغفر إذا استغضبه من دونه، لكن من خلقه أيضاً أن يؤدب المجترئين عليه حتى يفل حدهم ويكسر شوكتهم: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ). (سورة الشورى:39)

وإن إحياء خلق الانتصار لازم ومهم؛ لئلا تعتاد الأمة قبول الذل، لا من فاسق يقهرها ولا من كافر ينحرها، لأن الأمة التي تعتاد السكينة أمام الظلم، والوداعة أمام الخسف والعسف، تفقد دافعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنعدم فيها روح الجهاد.

ملكنا فكان العفو منا سجية وملكتم فسال بالدم أبطح
حللتم قتل الأسارى وطالما رجعنا على الأسرى نمن ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح

من كان يريد العزة فلله العزة جميعا

بما أننا  علمنا أن العزة مبدأ إسلامي، وخلق رفيع، فالذي يجب أن ندين به لله أن العزة كلها له، وليس شيء منها عند أحد سواه.

فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر سواه، ليطلبها عند الله الذي يملك وحده كل العزة، ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم وهم مثله طلاب محاويج ضعاف.

فالعزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (سورة آل عمران:26)

وبذلك تعلم ضلال من بحث عن العزة عند غير الله تعالى، وبغير طاعته فعادى رب العزة وشريعته، وحارب حزبه المؤمنين، ووالى أعداء الله من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم، ظناً منه أن هذا هو سبيل العزة وطريقها!

(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً). (سورة النساء:139)

ومع عظم الطاعة تزداد العزة، فأعز الناس هم الأنبياء، ثم الذين يلونهم من المؤمنين المتبعين لهم، وعزة كل أحد بقدر علو رتبته في الدين.

العز لا يمنع رزقا ولا يقرب أجلا

إن الناس يذلون أنفسهم، ويقبلون الدنية في دينهم ودنياهم لواحد من أمرين: إما خوفا أن يصابوا في أرزاقهم أو في آجالهم.

ولقد قطع الله سلطان البشر على الأرزاق والآجال جميعا: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)). (سورة الملك)

ذلك هو التوحيد الكامل، وذلكم ما يجب أن يستشفي به أولئك الضعاف المساكين، الذين يريقون ماء وجوههم في التسكع على الأبواب، والتمسح بالثياب، والزلفى على الأعتاب.

لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

واعلم أخي أن القضاء يصيب العزيز وله أجره، ويصيب الذليل وعليه وزره، فكن عزيزاً ما دام لن يفلت من محتوم القضاء إنسان.

يا أمة الإسلام عرضك يكلم وإذا استكنت ولن يكون سنعدم
وشهادة التاريخ فيما قد مضى ستظل أبلغ حجة تتكلم
منا الذي قهر التتار ولم يزل فينا صلاح الدين يا قوم افهموا

العزة الحقيقية هي العزة الموصولة بعزة الله، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا). (سورة النساء:139)

تربية وتأصيل

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه:

وأخيراً – أيها المسلمون – لا بد أن نربي أنفسنا أولاً، ثم أبناءنا والأجيال القادمة على معاني العزة، وربطهم بأسبابها ومصدرها.

إن من الخلل في التربية أن ينشأ أفراد المجتمع المسلم أذلة مستهانين يستجدُون أعداء الله، ويقفون بانبهار وإعجاب أمام حضارتهم الزائلة الزائفة.

إن من واجب الآباء والمربين أن ينشئوا الأجيال على التخلق بعزة المسلم، من خلال ربطهم بالقدوات الحقيقية، بدءاً من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الذي يمثل العزة الحقيقية بأجل وأسمى صورها.

ثم تربية النشء على قصص السابقين واللاحقين ممن رسموا معالم العزة بأقوالهم وأفعالهم، وتعليمهم البطولات والمواقف الخالدة في سماء العز والشرف.

وإن من الأمور المهمة التي يجب أن يهتم بها المربون تجاه أبنائهم هو ترسيخ معاني العزم والمصابرة في أفكارهم وقلوبهم ومشاعرهم.

وذلك من خلال إشعارهم الدائم أن تحقيق العزة الإسلامية لا يكون إلا بالجهاد في سبيل الله، بأنواع الجهاد المالي والدعوي والتعليمي والقتالي، ويكون بخوض ميادين العمل والبناء، وترك البطالة والكسل، والإعراض عن حياة اللهو والترف، وإضاعة الأوقات بالسفاسف والتوافه.

مع تذكيرهم بشكل دائم بمواقف أبناء السلف وصور من همم بعض شباب اليوم، ليتأسوا بهم ويسيروا على منوالهم.

كما ينبغي أن يهتم المربون بتحذير الأبناء من الانسياق وراء التقليد الأعمى بلا روية ولا تفكير؛ لأن التقليد دليل الهزيمة الروحية والنفسية، وعنوان ذوبان الشخصية، ولما في التقليد من تحطيم لشخصية المسلم، وتمييع لأخلاقه، وقتل لرجولته.

واقع مر

ماذا أقول وواقع مر لنا جرح القلوب بسنه أدماها
باتت رقاب المسلمين رخيصة باعوا ببخس أرضها ودماها
قم يا صلاح الدين أرضك داسها هبل وداس حرامها وحماها
قم ناد أمتنا لتجمع شملها وترد عن عرض النبي عداها

يا دعاة الإسلام أنتم أهل الجلالة والهيبة: لا يستخفنكم الذين لا يوقنون، ولا يوهننكم تسلط المجرمين، فوالله لأنتم الأعلون، وأنتم الأعزة بعزة الله، وأنتم الغالبون بقوة الله، وعزتكم بعزة مبادئكم التي تنافحون عنها، فصبراً يا أهل الأمر والنهي!

فقد أخبر ربكم: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (سورة المنافقون:8)، ووعد (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ). (سورة الصافات:173)

الإنحراف بخلع لباس العز

أجل؛ حينما انحرفت الأمة عن طريق ربها وتحكيم شرعه في حياتها أصبحت أذل وأضعف أمة.

لقد ظهرت النعرات الطائفية والعصبيات القبلية والنزعات العرقية، واعتزوا بغير الله، وافتخروا بالولاء للشرق والغرب، وهجروا كتاب الله المنقذ، وسنة النبي الهادي، فضرب الله عليهم الذل والهوان.

فكان أن صاروا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)، قالوا: وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا، وكراهية الموت).

وارتكاب الآثام والتلطخ بالمعاصي هو سبيل السقوط والإهانة، ومزلقة إلى خزي الفرد والجماعة، (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). (سورة يونس:27)

وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ). (صحيح أبي داود:3462)

قال الرافعي: بيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر.

وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد، وجوز ذلك الشافعي وأصحابه كذا في النيل.

(وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع) حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد.

(وتركتم الجهاد) أي: المتعين فعله.

(سلط الله عليكم ذلا) بضم الذال المعجمة وكسرها أي: صغارا ومسكنة ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض.

وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو إنزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان.

إن إظهار اللين دائماً ليقال: إن المسلمين رحماء مسالمون. وإن التنازل عن المبادئ والثوابت ليقال: إنكم معتدلون وشريعتكم سمحة؛ ذلكم هو الفشل والضعف.

وربما تفعل كلمة حازمة جازمة ما لا تفعله السيوف، وربما ترعب العدو وتضع له حداً.

ونحن اليوم نرى بعض المسلمين يطلقون التصريحات اللينة، فلا تزيدهم إلا ضعفاً، ولا تزيد أعداء الإسلام إلا صلفاً وغروراً واستمراراً في الإيذاء والاستعداء.

ولقد أعلن الله في القرآن : (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). (سورة البقرة:120)

خوارم العزة

وإذا علمنا مكان العزة من الدين ومنزلتها في شريعة الإسلام، فإن من الواجب علينا أن نعلم أن من خوارمها الهزيمة النفسية، والاستسلام للواقع، والرضا بحياة الذل والهوان، والانبهار بقوة الأعداء المادية وحضارتهم الزائفة.

وإن مما يتنافى مع العزة الخجل من الإنتماء إلى الإسلام، والحياء من إظهار شعائر الدين وأحكامه.

وإن من خوارم العزة التشبه بأعداء الله في طرائقهم وتقاليدهم، ونظم حياتهم، فمن تشبه بقوم فهو منهم.

ألا وإن مما يقدح في عزة المسلم أن يقدم التنازلات لخصوم الإسلام وأعداء الدعوة، والانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق.

ولقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً). (سورة الإسراء:73)

فالإسلام كلما حاربوه اشتد، وإذا سكتوا عنه امتد، والله بالمرصاد لمن يصد، وهو غني عمن يرتد، وبأسه عن المجرمين لا يرد، فإن كان العدو قد أعد، فالله لا يعجزه أحد.

مشاركة:

التعليقات (2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *