تخطى إلى المحتوى

أنواع التوحيد الثلاثة

مشاركة:

أنواع التوحيد الثلاثة يوضحها الشيخ محمد نبيه من خلال شرح كتاب التوحيد فيبين معنى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

أنواع التوحيد الثلاثة
أنواع التوحيد الثلاثة

ما هي أنواع التوحيد؟

العلماء الكرام بينوا أن التوحيد يقسم باعتبار دراسته إلى ثلاثة أقسام:

  1. توحيد الربوبية.
  2. وتوحيد الألوهية
  3. وتوحيد الأسماء والصفات.

ما هو توحيد الربوبية؟

تعريف توحيد الربوبية هو أن تفرد الله سبحانه وتعالى بأنه الرب القائم على أمر الخليقة، والخليقة أي: الكون، بسماواته وأرضه، وشمسه وأقماره، وأنهاره وبحاره، ولياله ونهاره، وجباله وشجره، وما في الكون كله.

إذا معنى توحيد الربوبية أن أوحد الله تبارك وتعالى بأنه الرب القائم على أمر الخليقة، وإذا كان الله تعالى هو القائم على أمر الخليقة، فله سبحانه وتعالى الخلق، وله تدبير الخلق، وهو وحده الذي يملك الخلق.

أمثلة على توحيد الربوبية

التفرد بالخلق

أما عن كونه سبحانه وتعالى خالقاً: فهو سبحانه وتعالى الخالق للكون على غير مثال.

لأنك قد تقرأ في كتاب الله آيات فيها أن الله تبارك وتعالى وصف غيره من المخلوقين بأنه خالق، عندما يقول الله تبارك وتعالى في سورة المؤمنون: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). (سورة المؤمنون:14)

ما دام الله أحسن الخالقين فهناك خالقون، غير أنني أريد منك أن تفهم: إذا وصِفَ غير الله تبارك وتعالى بصفة الخالق فلها معنى، وإذا وصِفَ الله تعالى بصفة الخالق فله معنى.

إذا وصِفَ الله بأنه الخالق فقد خلق من لا شيء، خلق من عدم، خلق على غير مثال، أوجد، ويقال لهذا الخلق ابداع.

أما إذا وصِفَ المخلوق بأنه خالق، يكون خلق على مثال سبق، يكون قد أخذ من مواد الخلق وخلق، ويقال في معنى هذا اختراع، فالمخترع الإنسان، اخترع على مثال سبق، أو أخذ من مواد الخلق التي خلقها الله تعالى وخلق وصنع.

مرة ثانية، عندما يقول ربنا تبارك وتعالى (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (سورة المؤمنون:14)، فيها أن الله تعالى وصف نفسه بأنه الخالق، ووصف غيره كذلك بأنه خالق، لكن صفة الله تعالى تستوجب أن تقول أحسن الخالقين.

فإذا أضيفت الخلق للمخلوق يكون معناه أنه خلق على مثال سبق، أو أخذ من مواد الخلق وخلق وصنع.

أما إذا كان في جنب الله وحقه، يكون المعنى أنه أوجد من عدم، أو أوجد من لا شيء، أو خلق على غير مثال، وهذا معناه الابداع.

آيات الخلق في القرآن الكريم

وصفة الخلق أو الخالق، تتأملها في القرآن الكريم، فترى أن الله سبحانه وتعالى وضح أنه خلق السماوات والأرض، يقول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (سورة آل عمران:190)، ويقول تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) (سورة الحجر:85)، وفي آية أخرى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ). (سورة الدخان)

ويقول سبحانه وتعالى وهو يبين ابداعه في الكون، وأنه خلق على غير مثال، وأن إعادة الخلق أهون عليه: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (سورة الروم:27)، ويقول سبحانه وتعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ). (سورة غافر:57)

ويبين سبحانه وتعالى أنه خلق الإنسان فيذكره: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) (سورة الحج:5)، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (سورة النساء:1)، ويقول تبارك وتعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)). (سورة الواقعة)

إذا هذه آيات كلها تدلل على أن الله تعالى هو وحده المتفرد بالخلق.

التفرد بالتدبير

وأما التفرد في التدبير: فيعنى به أن الله سبحانه وتعالى هو القائم على أمر الكون في التدبير.

والتدبير تقدير ما في السماوات، وتقدير ما في الأرض، وتقدير ما بين السماء والأرض، وتقدير ما في باطن الأرض، وتقدير الأرزاق، وتقدير الأمراض، وتقدير الشفاء، وتقدير حركة الفلك، وتقدير الإحياء، وتقدير الإماتة، كل ما في الكون من أمر التدبير اختص به الله سبحانه وتعالى.

مقادير السماوات والأرض

ونبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم قال في حديثه الشريف: (كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ومن جملة ما كتب في الذكر أن محمداً خاتم النبيين)، فهذا الحديث يدل على أن الله تعالى قدر مقادير السماوات والأرض قبل أن يخلقها بخمسين ألف سنة.

تقدير الرزق

ثم إن تأملت في آيات الكتاب، ترى التوحيد واضحاً في الآيات كلها، عندما يقول ربنا تبارك وتعالى في أمر الرزق: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ). (سورة الحجر:21)

هذه الآية اجعلها فوق الآيات، إذاً كل شيء له عند الله خزائن، الرزق له خزائنه، والمصائب لها خزائنها، والشفاء له خزائنه، والبلاء له خزائنه، غير أن الله تعالى ينزل بقدر، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ). (سورة الحجر:21)

في أمر الرزق ترى الله تعالى يبسط الرزق في ناحية، ويقدر في ناحية، وعندما يبسط له حكمة، وعندما يمسك له حكمة، كما يقول الله تبارك وتعالى: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) (سورة الرعد:26)، يبسط لحكمة، ويقدر لحكمة ولحكمة.

من العباد من إذا ضاق رزقه كفر بالله عز وجل، ومنهم من إذا بسط رزقه كفر بالله عز وجل، ومنهم من إذا قُدر رزقه آمن بالله أعانه الفقر على أن يعبد الله حق العبادة، ومنهم من إذا بُسط رزقه عبد الله تعالى كما ينبغي.

وفي هذا حديث غير أن سنده فيه ضعف، وهو كما جاء في الكتب أن النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ عن الله عز وجل يقول الله تبارك وتعالى: (إنَّ مِن عبادي من لا يصلُحُ إيمانُهُ إلا بالغِنى ولو أفقرتُهُ لَكَفرَ وإنَّ من عبادي من لا يصلُحُ إيمانُهُ إلا بالقلَّةِ ولو أغنيتُهُ لَكَفرَ وإنَّ من عبادي من لا يصلحُ إيمانُهُ إلا بالسُّقمِ ولو أصحَحتُهُ لَكَفرَ وإنَّ مِن عبادي من لا يصِحُّ إيمانُهُ إلا بالصِّحَّةِ ولو أسقمتُهُ لكَفرَ)، غير أن الحديث كما ذكرت سنده لا يصح.

إذا فالله تبارك وتعالى لقيامه على تدبير الكون، يعلم ما يصلح العباد، ويعلم ما يفسد العباد، لذلك الله تعالى حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا ينبغي له أن ينام، بيده القسط يخفض ويرفع حسب علمه بحال العباد، إذا الله يقول: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) (سورة الرعد:26)، ويقول: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ). (سورة الشورى:27)

إذا هذا توحيد، توحيد ربوبية، يفهم أن الله هو مدبر الكون، يعطي كلاً حسب علمه فيه سبحانه وتعالى.

والبعض منا يفهم عطاء الله فهماً خاطئاً، البعض منا عندما تجري الدنيا في يديه يظن أن جريان الدنيا في يديه علامة على حب الله له، والبعض لضعف إيمانه عندما تشح الدنيا وتفلت من يديه يظن أن هذا علامة لسخط الله عليه، والله تعالى فند هذا وذاك، فقال سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا) (سورة الفجر)، ليس الأمر كما يزعم الناس، فالله تعالى يعطي بقدر.

ففي أمر الزرق فسر الله تعالى، وفي أمر الرزق بين ربنا تبارك وتعالى، أن الرزق مقسوم، وأن كل إنسان لو تأمل حاله وحال غيره، لوجد أن الله تعالى أعطاه وما ظلمه، من ليس عنده مال يساوي من عنده مال.

وانظر في أمر الخليقة، ترى إنساناً عنده مليون، أو عنده مليار، وسلب الله منه بعض النعم، والآخر لا مال عنده، غير أن الله أعطاه النعم التي افتقدها صاحب المليار، وآخر معافى في بدنه ولا ولد عنده، والآخر مريض طريح الفراش وله ولد، والله تعالى بين أنه لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

لذلك الله يقول: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). (سورة الزخرف:32)

كل إنسان منا محتاج إلى غيره، عندي نقص تكمله أنت، وعندك نقص أكمله أنا، الدكتور، المعالج، تراني إذا مرضت من أخذي بالسبب أذهب إليه، وتراه إذا احتاج صُنعاً في بيته طلبني أنا، والآخر فلاح إن أراد ولده أن ينجح في الدراسة عهد به إلى من يدرس له، والمدرس إذا احتاج إلى تسليك في سباكته يأتي بالسباك، وهكذا، جعل الله تعالى أمر الخليقة بعد أن قام عليه، جعل هذا يحتاج لهذا، وهذا يحتاج إلى هذا، مع فقر الجميع إليه سبحانه وتعالى، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)) (سورة فاطر)، فهذا أمر الرزق، هذا تدبير.

تقدير الحياة والموت

أما أمر الحياة والموت: فلا يملك الحياة إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يملك الموت إلا الله سبحانه وتعالى، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (سورة الملك:2)، ففي الموت توحيد لله، وفي الحياة والإحياء توحيد لله عز وجل.

لذلك، الصحابة رضي الله عنهم لما وحدوا الله تعالى حق التوحيد، ما خافوا السيوف، وما خافوا النار، لأنهم علموا أن الموت ليس في السيف، وأن الإحراق ليس في النار، كما علم إسماعيل وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، أن الذبح ليس في السكين، لما أيقنوا بأن الله تعالى هو القائم على أمر الخليقة، ولا يحدث في كونه إلا ما يريد ويشاء، آمنوا، وخضعوا لله عز وجل.

الصحابة، ما هابو الموت، علموا أن السيوف لا تميت، وعلموا أن النار لا تحرق، ولكن لا يملك قرار الموت إلا خالقه سبحانه وتعالى، ومن وحد الله في هذه الجهة، ما تذلل، وما تملق، ولا كتم حقاً، ولكان تحت الحق وبه اشتغل.

لكن لما خربنا التوحيد في هذه الناحية، رأيتني أنافق خوفاً على حياتي، رأيتني أدالس خوفاً على رزقي، رأيتني أكتم الحق خوفاً على مستقبلي، مع أن كل هذه الأشياء اختص بها الله سبحانه وتعالى، وهذه الأشياء كانوا يوحد الله فيها أبو جهل، أبو جهل كان يوحد الله في هذه الناحية، لأن هذا توحيد ربوبية.

إذا توحيد الربوبية توحيد الله تعالى في الخلق، والتدبير، والملك.

التفرد بالملك

أما التفرد بالملك: فالله تبارك وتعالى مالك الكون كله، سماواته وأرضه، ومالك الدنيا والآخرة، ولعلك تلهث وأنت تقرأ الفاتحة، البلاغ المقدم منك إلى الله، الفاتحة في الصلاة بلاغ تقرأه بنفسك على الله سبحانه وتعالى.

تقرأ في البلاغ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) (سورة الفاتحة)، هذه مقدمة للثناء على الله سبحانه وتعالى.

بعد المقدمة لك طلب، عندما أكتب بلاغ، أو أكتب طلب، تجدني أقدم ثم أقول أما بعد، وبعد أما بعد أذكر طلبي.

فهنا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ثناء، (الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ) ثناء، (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ثناء، بعدها (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (سورة الفاتحة:5)، ثم (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (سورة الفاتحة:6)، هذا الطلب، (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (سورة الفاتحة:7)، هذا ما تطلبه في الفاتحة.

فمن جملة الثناء، أنك وصفت الله تعالى بأنه مالك يوم الدين، وإذا ما قرأت القرآن، وجدت أن الله سبحانه وتعالى، يقول في سورة المؤمنون: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ (89)).

فهذه الآيات بلورت أن ملك السماوات والأرض، وما بين السماوات والأرض، وما في السماوات والأرض، لله رب العالمين لا شريك له، وهذا من توحيد الربوبية، أن الله يملك الكون أجمع.

لكنك إن قرأت في القرآن، ترى أن الله تبارك وتعالى أضاف الملك للمخلوق، عندما يقول الله تعالى في مطلع سورة المؤمنون، وفي سورة المعارج: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) (سورة المؤمنون)، فهنا أضاف الملك للمخلوق، ويقول تعالى في سورة النور: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ). (سورة النور:61)

هل يستوي ملك المخلوق مع ملك الخالق؟

هيا لنتفصل الأمور: الله تبارك وتعالى من صفاته الملك، والمالك، المالك في حق الله تعالى، يعنى به الملك المطلق، مطلق الملك لله، ومطلق الملك يعنى به أن يتصرف في الملك كله، بما يشاء، حسب شاء، وكيف شاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، يفعل كل ما شاء، هذا ملك مطلق.

لكن ملكي وملكك أنت هل هو ملك مطلق؟

ننظر: ملكني الله تعالى في الدنيا مالاً، والمال لفظ يطلق ويراد به كل ما يثمن، الأرض مال، والبيت مال، والسيارة مال، وماشية الأنعام مال، كل ما يثمن مال، ملكني الله في الدنيا مالاً، هل ملكي لهذا المال مطلق؟

لا، ملكي هنا مقيد.

لماذا؟

لأنني مع أن الله وصفني بالمالك، غير أنني لا أملك ما في يديك أنت، أتصرف فيما في يدي، ولا أملك أن أتصرف فيما في يديك أنت، هذه واحدة، الثانية وإن تصرفت في ما في يدي وما أملكه في خاصتي، أتصرف فيه حسب أوامر المالك المطلق، حسب أوامر الله سبحانه وتعالى.

مينفعش أقول أنا حر في مالي، كل يوم أولع فيه، لا، هذه حرية غاشمة، حرية الملك البشري مرتبطة بشرع المالك المطلق، يعني معك مال، تصرفك فيه حسب أوامر الشرع.

تنظر فيما أوجب الشر ع فيه، أوجب فيه حقاً، لابد من إخراجه، مينفعش تقول أنا حر في مالي، مطلعش زكاة، إن قلت هذا حوربت على الزكاة، حوربت عليها، وأخذت منك عنوة.

لا تقل هذا مالي وأنا حر، أفعل فيه ما بدا لي وما أشاء، لا، مع أنك تملكه، لكنك مفوض فيه حسب ما أمر الله سبحانه وتعالى، إذا فملكي وملكك ناقص، وملكي وملكك قاصر، وملكي وملكك مقيد، أما ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك مطلق.

الخلق، التدبير، الملك، هذه الثلاثة يقال لها توحيد ربوبية، وهذا التوحيد ما أنكره أحد، اللهم إلا ما كان من فرعون، وما كان من المجوس.

فرعون ما جحد أن الله هو الرب، فرعون عطل مكابرة، ووصف نفسه بأنه الرب الأعلى، وبأنه الإله: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) (سورة القصص:38)، وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) (سورة النازعات:24)، ولو تأملت باقي النصوص، لأيقنت أن فرعون كان يعلم أن الله هو الخالق، وأن الله هو المدبر، وأن الله هو المالك.

في سورة الزخرف: (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) (سورة الزخرف:51)، ادعى فرعون هنا ملك مصر فقط، ولم يدعي ملك العالم أجمع، هذه واحدة.

الثانية في سورة الإسراء: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)). (سورة الإسراء)

الله تعالى ذكر في القرآن، بأن فرعون ما جحد أن الله هو الرب، إنما ادعى لنفسه الربوبية، استكباراً في الأرض، وتعطيلاً لصفة الربوبية لله سبحانه وتعالى، إذا هذا من فرعون، أما هو كان يعلم أن الله هو الخالق، وأن الله هو الرازق، إلى آخر ما تريد أن تقول، (لَقَدْ عَلِمْتَ)، بتاء المخاطب، (مَا أَنْزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، موسى يقول له هذا، أنت يا فرعون تعلم جيداً أن الذي أنزلهم هو الذي خلق السماوات والأرض، ودعك من الاستكبار.

كذلك لما عبر موسى البحر الأحمر إلى حيث أراد، وأتى فرعون وطمع في النجاة، في أول الأمر، ركب الطريق الذي ركبه موسى، والبحر ساعة أن ركبه فرعون كان ممهداً للمشي، ولما أن توصل للبحر، أذن الله للماء أن يعود إلى طبيعته، وسلبه الخاصية التي منحها لموسى، فأصبح الماء سائلاً، ومن ثم بدأ فرعون يغطس، ويغرق في الماء، فلما أصابه الغرق، أي شيء قال الفرعون؟ قال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). (سورة يونس:90)

لذلك، بعض المتسلقين في أيامنا في الفضائيات، خرجوا يقولون فرعون مات مسلم، ويستدلون بهذه الآية، غير أنه فَعلَ فِعلَ من قرأ الآية وقال: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) (سورة النساء:43)، وسكت، وهذه طريقة أنصاف الحلول التي ذكرناها، وهي طريقة الأفاقين الملفقين.

فالفرعون مات مستكبراً، مات كافراً بالله سبحانه وتعالى، لذلك الله تعالى قال في القرآن: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (سورة يونس:91)، لسه فاكر، هذه لحظة لا يقبل الله فيها إيمان من آمن، لا يقبل فيها توبة من تاب، (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) (سورة يونس:92)، إذا فرعون عطل الربوبية.

أما المجوس، شركوا في أمر الربوبية، فقالوا: الكون خلقه خالقان، خالق النور خلق الخير، والظلمة خلق الشر، وخالق الخير أعلى من خالق الشر، فهم جعلوا الربوبية لإثنين، ولم يجعلوها لواحد، وهذا كلام ترده العقول.

والله يقول في القرآن: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) (سورة المؤمنون:91)، وأنت تقول في كلام الناس: السفينة لا يقودها اثنان.

إذا هذا دليل عقلي على أن الكون له خالق واحد، له الخلق، والأمر، والتدبير، والملك، وهو الله سبحانه وتعالى، فهذا هو توحيد الربوبية، ما أنكره على التعطيل إلا فرعون، وعلى التشريك إلا المجوس.

أما عباد الصنم كانوا يوحدون الله في هذا (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (سورة الزمر:38)، هما عارفينه كويس، يعرفون تماما (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (سورة سبأ:24)، هم يعرفون أمر الرزق.

لذلك اليوم، من يشك في أمر الرزق، يكون زاد على جهل أبي جهل، أبو جهل كان يوقن بأن الرازق هو الله، اليوم اللي يقطع ويمنع النسل بمضنة الخوف من الرزق، فاق أبا جهل في جهله نسأل الله لنا وله العافية.

ما هو توحيد الألوهية؟

توحيد الألوهية إذا نسب لله يسمى بهذا الاسم، أما إذا نسب للمخلوق يقال له توحيد العبادة.

أما معنى توحيد الألوهية هو افراد الله تبارك وتعالى بكل أنواع العبادة من أقوال وأفعال واعتقادات.

والعبادة كلمة جميلة، تطلق ويراد بها التعبد والتذلل، وتطلق ويراد بها الفعل المتعبد به، كلمة واسعة المعنى.

الفرق بين العبادة والتعبد: أن التعبد هو التذلل لله تبارك وتعالى بكامل الرضا في فعل الأوامر وترك النواهي، أما العبادة فهي فعل ما يرضاه الله من قول أو من سلوك أو اعتقاد.

عندما نقول عبادة يعنى بها التعبد، والتذلل، والخضوع، والانقياد، والاستسلام لله سبحانه وتعالى.

وعندما نقول عبادة، كذلك يفهم منها الفعل المتعبد به إلى الله، مثال الذبح، عندما أباشر الذبح وأتعبد به إلى الله هذه عبادة، والذبح ذاته عبادة دون مباشرة الفعل نفسه عبادة، لذلك لا يجوز صرف الذبح إلى غير الله، وهكذا في سائر مناسك الدين وشعائره.

وهذا القسم من التوحيد ضلت فيه أكثر الأمة، أكثر الأمة ذلت بها أقدامها عن هذا التوحيد “توحيد العبادة” فرأينا من بني جلدتنا، وممن ينتسبون إلى ديننا، من يذبحون لغير الله، ومن ينذرون لغير الله، ومن يسألون غير الله، ومن يسألون كشف الضر، أو جلب النفع لمقبور.

وقد علموا أن الحي من الناس، الحي لا يملك لنفسه نفعاً، ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، ومع هذا عقله قصر به الطريق، وذل، وأصبح يطلب من مقبور ميت، لا يملك أن يرحم نفسه، وهذا خرق لهذا التوحيد إخوتي الكرام، ومن ثم انتشر في دنيا الناس من الجهل ما انتشر، ما الله به عليم.

لعلني قرأت يوماً في كتاب تحت مسمى (تاريخ القاهرة الكبرى)، وكانت مجلة الأزهر في السبعينيات، كانت تجعل للكتاب عنواناً دائماً في المجلة، لعل الكتاب كاملاً طبع في المجلة، ومن جملة ما قرأت، أن الدولة الفاطمية، العبيديون، لما قدموا من المغرب إلى مصر، واستقر ملكهم في مصر، وكانت دولة شيعية، ما كانت سنية، كانت تناهض الدولة السنية، تحاربها، فلما استقر ملكها في مصر، قاموا ببناء أضرحة، ووزعوها في البلاد توزيعاً جغرافياً، كل بلد فيها اثنين أو ثلاثة، وتبنى الأضرحة على غير أموات، مثلاً في هذه الضاحية والناحية، تأمل عندما تمسك البحر، ترى يمين وشمال من كل ناحية مقابر، وأضرحة، ومقامات، وإن فتشت عمن فيها لا تجد أحداً، كل يقول سمعنا أن هنا الشيخ فلان، رأيته ما رأى.

ما هو توحيد الأسماء والصفات؟

بعد ذلك توحيد الأسماء والصفات وهذا يعنى به أن تؤمن بأن لله أسماء سمى به نفسه أو أجراها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فسمى بها الله سبحانه وتعالى، وأن أسمائه أحسن الأسماء وأن صفاته أكمل الصفات.

فلا يجوز أن تسمي الله تعالى اسماً لم يسمي به نفسه ولم يسمه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان معناه صحيحاً، ولا يجوز أن تصفه بما لم يصف به نفسه جل في علاه، وبما لم يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الاعتقاد الصحيح في الأسماء والصفات.

وعليك أن تؤمن بكل ما جاء في كتاب ربك دون تأويل أو تعطيل أو تحريف أو تشبيه.

اليهود وصفوا الله تعالى بالبخل فرد الله عليهم خستهم وبين أنهم لعنوا بما قالوا ثم بين الإثبات (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ). (سورة المائدة:64)

اليهود اتهموا الله بالفقر (لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا). (سورة آل عمران:181)

أثبت الله لنفسه الغني ونفى عن نفسه الفقر، أثبت لنفسه صفات الكمال والجلال والجمال ونفى عن نفسه صفات النقص.

ومن ثم نؤمن بالأسماء والصفات كما جاءت في القرآن، إن أثبت الله لنفسه وجها فينبغي لنا أن نثبت له الوجه، وإن أثبت الله لنفسه يداً لا بد أن نثبت له اليد، ولا نكيف ولا نعطل، إنما نثبت متأسيين في اثباتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وما لا تفهمه ولا تستوعبه العقول سلم فيه لله، وأمره كما جاء في كتاب ربك، وكما أمره رسوله صلى الله عليه وسلم.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *