تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة المنافقون

مشاركة:

تفسير سورة المنافقون للشيخ محمد نبيه يذكر فيها تعريف سورة المنافقون وسبب نزولها وما معنى النفاق وما هي صفات المنافقين؟

تفسير سورة المنافقون
تفسير سورة المنافقون

سبب نزول سورة المنافقون

سورة المنافقون هي سورة مدنية مكونة من احدى عشرة آية.

وسبب نزول السورة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كان في المدينة أخلاط وأخلاط يعني أناس مختلفوا الطباع وكان فيها أوس وخزرج وهما قبيلتان ينتميان لأب واحد الأزد وكان فيها يهود.

وكانت كل فئة لها من يتصرف في أمرها فكان للخزرج سيد وللأوس سيد وطوائف اليهود كل طائفة لها سيدها يرجعون إليه ويصدرون عن أمره.

فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة التف من حوله الناس فأصبح الكبراء في حرج، فمن الكبراء أناس تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم أناس صدوا وابتعدوا فلما صدوا وابتعدوا أحسوا بضعف نفوذهم في بلادهم فما كان منهم إلا الحسد.

ولما اشتد أمر المسلمين في المدينة وضعف أمر هؤلاء خافوا على أنفسهم من القتل وخافوا على أموالهم من الضياع فأسلموا لا للإسلام إنما أسلموا لحصانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم وهذه الفئة سميت بعد ذلك بالمنافقين، فهم قد أظهروا الاسلام وأبطنوا الكفر فجاءوا وأسلموا ثم لما طلبت منهم الزكاة دفعوا الزكاة.

لكن كانوا إذا جلسوا وحدهم تناولوا المسلمين بالسوء وإذا جالسوا أعداء المسلمين تكلموا وخاضوا في المسلمين بما يسوءهم لذلك نزلت هذه السورة تفضح أحوالهم.

تفسير سورة المنافقون

(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)

المنافقون هؤلاء لما جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا نشهد يا محمد أنك رسول الله ولكن هذه شهادة باللسان أما القلب يعلمه الواحد الديان سبحانه وتعالى.

لما جاءوا ليقولوا هذا كذب الله قولهم وكشف ما في قلوبهم لذلك قال تعالى: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ).

(اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

(جُنَّةً): تعني السترة والوقاية.

كان المنافقون إذا جالسوا المسلمين أظهروا الاسلام وإذا جالسوا اليهود تكلموا في شأن المسلمين بما لا يليق وكان إذا حمل خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءوه مرة ثانية وذكرهم بما قالوا يحلفون بالله ما قالوا.

يحلفون بالله ليختبئوا خلف أيمانهم فهم اتخذوا أيمانهم وحلفهم سترة يتوارون بها وظنوا أنهم بهذا ناجون.

لكنهم لما حلفوا بالله أنهم ما قالوا ثم عادوا إلى كفرهم ورآهم الضعاف الذين لا حيلة لهم فاعتقدوا أنهم على صواب فاتبعوهم على ضلال وبذلك أضلوا غيرهم.

ولذلك الإنسان منا يلزمه عند معصيته أن ينظر ما مؤدى المعصية؟

هل معصيته تضره وحده أم تتعداه إلى غيره؟

إن تعدته إلى غيره تحمل من أوزار غيره إلى يوم القيامة.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (من سن سنة حسنة في الاسلام فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة في الاسلام فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).

فكل منا يقع في المعاصي ولكن عند المعصية انظر مؤداها هل تعود عليك وحدك فقط أم تتعداك إلى غيرك؟

فإن تعدتك إلى غيرك كانت كمعصية كبيرة.

(إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ): يعني عملهم هذا أسوء عمل.

لذلك ينبغي لنا أن نوفر القدوة الصالحة في البيوت وفي المدارس وفي المساجد وفي سائر الهيئات عند ذلك ينشأ النشأ على الفضيلة.

معنى النفاق

(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)

جاءوا وأعلنوا الإيمان ثم خرجوا من الإيمان بالنفاق والنفاق من النفق والنفق له فتحتين يدخل من أحدهما ويخرج من الأخرى.

والعلماء قالوا أن النفاق من النافقاء والنافقاء هو جحر الفأر أو اليربوع.

والفأر عندما يختبئ في الأرض يحفر حفرة ويختبئ فيها ولكن أعطاه الله فهماً فيحفر حفرة ويجعل الجدار الذي بينه وبين الشارع رقيق بحيث إذا داهمه عدوه يخبط المكان الرقيق برأسه ويخرج.

الطبع يعني الختم والمعنى ختم الله على قلوبهم بالكفر وما دام الله قد ختم بالكفر لن يكون إيمان فمن ختم الله على قلبه بالكفر لن يؤمن أبداً.

صفات المنافقين

(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ)

لهم أجسام طوال وفيهم مسحة جمال وعندهم فصاحة وبيان لكنهم كالخشب المسندة وهي النخل التي لا رأس لها والتي لا رأس لها لا ثمر لها كذلك المنافق جسد بلا رأس فهو لا يفهم فهو لو فهم يؤمن.

(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)

المنافق نتضرر به أكثر من تضرر الكافر فالكافر علمنا كفره فنحن منه على حذر، لكن المنافق عداءه وضرره أشد لأنه يصد عن دين الله بأفعاله بانصرافه عن الحق وخوضه في الباطل.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ)

من صفاتهم أنهم إذا نصحوا أن يذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم يعتذروا إليه لعله يدعوا لهم أو يستغفر لهم تأخذهم العزة بالإثم.

(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

من يستكبر على النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينصاع لأوامره ولا يأتيه ليستغفر له ولا ليدعوا له ويتعالى عليه فهو منافق خالص النفاق ولو استغفر له النبي صلى الله عليه وسلم بما عنده من نفاق لن يغفر الله له.

ولذلك قالوا في كتب التفسير أن هذه الآية نزلت بعد قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

مواقف المنافقين

(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)

بعد ذلك يذكر الله تعالى فضائحهم التي خافوا من نزولها وهذه الفضائح.

في صحيح البخاري وفي سنن الترمذي وفي مسند أحمد أن جابر بن عبدالله بن عمر بن حرام الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال:

كنا في غزو مع رسول الله فكسع رجل من المهاجرين رجل من الأنصار – والكسع يعني ضربه والكسع يقال في الضرب على الدبر – فلما كسعه نفخ أهل النفاق في النار وقالوا: يا للأنصار.

فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا فخرج وقال: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة).

تحركوا من موقفهم فقال عبدالله بن أبي بن سلول كلمة المنكر فقال: (يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا).

وبعد ذلك قال كلمة أخرى: (لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ).

فسمع هذه الكلام غلام يفع اسمه زيد بن أرقم وهو أنصاري خزرجي من قبيلة عبدالله بن أبي وكان مع عمه، فأخبر عمه ما سمعه من عبدالله بن أبي بن سلول فأتى عمه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما سمعه من زيد.

فاستدعوا عبدالله بن أبي بن سلول فأتى رأس النفاق وحلف بالله ما قال.

فصدق النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله لأنه حلف له بالله فأصبح زيد بن أرقم في حرج وذهب ولم يأته نوم وخافت قبيلته من أن ينزل قرآن يفضحهم.

وفي رواية أنه أذن للفجر فذهب زيد لصلاة الفجر فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر وقرأ سورة المنافقون وقال: (لقد وفى الله سمعك يا زيد)، فنزل القرآن مصدقاً لكلام زيد ولفضيحة المنافقين.

رأس النفاق

وكان لعبدالله بن أبي بن سلول ولد وسماه حباب وغير المصطفى صلى الله عليه وسلم اسمه من حباب إلى عبدالله فأصبح عبدالله بن عبدالله بن أبي بن سلول.

فلما سمع عبدالله بن عبدالله المنافق ذهب إلى أبيه وقال له: والله لن تدخلها أنت حتى يدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نستأذنه في دخولك أنت فأنت الأذل ورسول الله الأعز.

وكان عبدالله الولد حريصا على اسلام أبيه وإيمانه وكان يسمع أبيه يسب النبي صلى الله عليه وسلم ومع حرصه كان يقول لرسول الله: إن أبي آذى الله ورسوله فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسن صحبته.

حتى في مرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرى أن تتوضأ وآخذ وضوءك ويشربه أبي لعل الله يهديه، فأخذ وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وسقاه أباه لكن الله قد ختم بالكفر ومع هذا لم يؤمن عبدالله بن أبي بن سلول.

ولما مات عبدالله بن أبي بن سلول وقف على قبره رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفر له فوق السبعين ولم يغفر الله له.

وكُفن في قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يغفر له ومن ثم نزلت الآية: (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)

هناك أناس ينشغلون عن الله تعالى وعن دينه بأعمالهم وآخرون ينشغلون بأولادهم فهؤلاء حكم الله لهم بالخسارة.

(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)

من يمنع الزكاة ومن يمنع الحج مع الوجد والغنى والاستطاعة عند الموت يسأل الله الرجعة للحياة ليعمل الصالحات وهذا لن يكون فأبقي لنفسك عند ربك حتى لا تسأل الرجعة عند الموت.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *