تخطى إلى المحتوى

خطبة عن الفساد في الأرض ومخاطره

مشاركة:

خطبة عن الفساد في الأرض ومخاطره بعنوان (مواجهة الفساد ضرورة شرعية) للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف الفساد وصوره وأسبابه وأثره وكيفية علاجه.

خطبة عن الفساد في الأرض ومخاطره
خطبة عن الفساد في الأرض ومخاطره

مقدمة عن الفساد

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله خلق الخلق لعبادته، وفطرهم على توحيده وحبه، وأسبغ عليهم نعمه من أجل تيسير طاعته، ورفع عنهم المشقة والعنت وجعل الدين رحمة لخلقه، فقال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). (سورة الذاريات:56)

ولقد جاء الإسلام آمراً بكل خير للعباد، ناهياً عن كل شر، فأمر بالرحمة والعدل والإحسان، ونهى عن الفساد والظلم والعدوان، وجعل التعامل بين الخلق مبنياً على قوة الإيمان بلقاء الله الواحد الدَّيان وحذر من آثار الفساد والإفساد في الأرض، فقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (سورة الروم:41)

فالفساد كثر في البر والبحر بسبب ذنوب الخلق، فعاد عليهم ذلك بفساد معايشهم ونقصها، وحلول الآفات بها، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوعَنْ كَثِيرٍ). (سورة الشورى: 30)

وسنتناول الموضوع من خلال عناصر خمسة وهي:

  1. تعريف الفساد.
  2. النهي عن الفساد والإفساد في القرآن.
  3. صور الإفساد في الأرض.
  4. أثر الإفساد في الأرض وأسبابه.
  5. علاج الفساد.

تعريف الفساد

تعريف الفساد هو مصدر فَسَد يفسُد فساداً، وهو ضدّ الإصلاح، قال الليث: “الفساد نقيض الإصلاح“.

وقال الراغب الإصبهاني: الفساد خروج الشيء عن الاعتدال سواء كان الخروج عليه قليلاً أوكثيراً، وكل اعتداء على الدين أو العقل أو المال أو العرض أو النفس فهو إفساد.

وفي معجم “أوكسفورد” الإنكليزي، يُعرَّف الفساد بأنّه: انحراف في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمُحاباة.

وتُعرِّفه منظمة الشفافية الدولية بأنه: كل عمل يتضمّن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة ذاتية لنفسه أوجماعته.

الفساد الإداري

ظاهرة قديمة قِدَم المجتمعات الإنسانية، وقد ارتبطت هذه الظاهرة بوجود الأنظمة السياسية والتنظيم السياسي، وهي ظاهرة لا تقتصر على شعب من دون آخر أودولة أوثقافة من دون أخرى، ولكن تتفاوت ظاهرة الفساد من حيث الحجم والدرجة بين مجتمع وآخر.

فظاهرة الفساد الإداري تُعدّ من أخطر الظواهر التي تواجه البلدان ولا سيما الدول النامية والتي يترتّب عليها شللٌ في عملية البناء والتنمية الاقتصادية بما تنطوي عليه من تدمير الاقتصاد والقدرة المالية والإدارية، وهوما يؤدّي إلى عجز الدولة في مواجهة تحديات الإعمار والبنى التحتية اللازمة لذلك.

ومشروع الفساد ضد مشروع الدين، والله عزّ وجلّ عندما أرسل الرسل والأنبياء أرسلهم من أجل إسعاد الإنسان وتقويم حياة الإنسان، في الحال وفي المآل، وإقامة العدل ورفض الظلم.

ومواجهة مشروع الفساد هي غايةٌ أساسيّة من غايات الرسُل والأنبياء، ولكن عندما لا يحكم شرع الله سبحانه وتعالى، ولا يكون هناك أيّ نوعٍ من أنواع التصويب والتصحيح، وتغيب الرقابة عن السلطات.

والرقابة هي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما روى أحمد في مسنده بإسناد فيه انقطاع عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا رأيتَ أمَّتي لا يقولونَ للظَّالمِ منهم أنتَ ظالمٌ فقد توُدِّعَ منهُم). (مسند أحمد:6776)

فعندما يترك الشعب دور رقابته للسلطة ويقف فرعون ويتفرعَن ويأكل ويشرب ثمّ بعد ذلك يجد التصفيق ويجد الهتاف ويجد كل ذلك، يتمادى في غيّه ليصل إلى مرحلة يقول “أنا ربّكم الأعلى”، إذ ذاك تتدخّل الإرادة الإلهية، فيأتي قول الله وأمر الله (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ). (سورة القصص:81)

فالإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة، بل إن الفاسدين يدعمون الإرهاب لإدامة عُمر الأزمة ليحققوا أكبر ربح ممكن.

نعم، نعم، ثمّ نعم، الفساد كالإرهاب يدمّر الدول والمجتمعات ويجعل الأشرار يُديرون مقاليد الأمور ويسرقون أقوات الناس وخيراتهم، وبكلّ الوسائل غير الشرعية وباللجوء إلى الحِيَل والمُكر والنفوذ.

والفساد يتأتّى من خلال استعمال السلطة العامة والنفوذ أوالوظيفة العامة في تحقيق كسبٍ خاص.

لذلك فغياب الرقابة الشعبية المتمثّلة بالرقابة البرلمانية حالياً وبرجال الدين وبرجال الإعلام هوالذي يسقط البلاد إلى الهاوية.

التربية العمرية: أمير المؤمنين عُمر رضيَ الله عنه يقول: مَن منكم يرى فيّ إعوجاجاً فليقوّمه، قالوا له لورأينا فيك إعوجاجاً لقوّمناه بحد سيوفنا. فأجاب عُمر: الحمد لله الذي جعل في أمّة محمّد مَن يقوّم عُمر إذا اعوّج.

ولكن غابت كل هذه الرقابة.

النهي عن الفساد والإفساد في القرآن

جاءت آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل تنهى عن الإفساد في الأرض، قال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا). (سورة الأعراف:56)

قال المفسرون: أي: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره، قال تعالى: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ). (سورة الروم:41)، ولقد حذر القرآن أشد التحذير من المتظاهرين بالإصلاح وهم سدنة الفساد وأربابه.

قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوأَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥)). (سورة البقرة)

وقال تعالى على لسان نبيه صالح عليه السلام ينادي في قومه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)). (سورة الشعراء)

وقال تعالى أيضا: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ). (سورة الأعراف:74)

وقال تعالى على لسان شعيب عليه السلام يهتف بالنداء نفسه: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). (سورة العنكبوت:36)

وقال تعالى: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا). (سورة هود:85)

وقال تعالى على لسان موسي عليه السلام ينادي في بني إسرائيل: (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). (سورة البقرة:60)

وها هو يقدم النصيحة الغالية لأخيه: (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ). (سورة الأعراف:142)

وها هم الصالحون من قوم سيدنا يحذرون قارون من مغبة الفساد: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). (سورة القصص:77)

ولقد ابتلي موسى بفرعون وبني إسرائيل الذين بلغوا أقصى درجات الفساد والفسق والضلال: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)). (سورة الفجر)

والأدهى من ذلك والأمر أن فرعون كان يدعي الصلاح والإصلاح ويتهم موسى – عليه السلام – بالفساد، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوأَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ). (سورة غافر:26)

وهذا هوالمنطق المعكوس عند أهل الكفر والضلال في كل مكان وزمان، وقد رتب الله تعالى أشد العقوبة على أي عمل يؤدي إلى الفساد في الأرض، فقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَويُصَلَّبُوا أَوتُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَويُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). (سورة المائدة:33)

وقد صرح جمع من أهل العلم أنه بمجرد قطع الطريق، أوإخافة السبيل فهنا ترتكب الكبيرة، فكيف إذا أخذ المال، أوجَرَح، أوقَتَل، أوفعل كبيرة، فكل هذا لا يجوز.

فالفسادُ خُلُق ذميم يبغضه الله تعالى، ولا يرتضيه لخلقه.

من صور الفساد

نشر البدعة: لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين، فقال في حديث عائشة – رضي الله عنها – عنه صلى الله عليه وسلم: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ). (صحيح مسلم:1718)

يقول ابن الماجشون: سمعت مالكا يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (سورة المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ دينا، فلا يكون اليوم دينا.

فمن يدعوالناس إلى البدع، وأن هناك بدعة حسنة، فإن هذا من تنقص دعوته صلى الله عليه وسلم، واتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يؤد الرسالة كاملة صلى الله عليه وسلم.

نشر المنكرات والدعوة إليها: كالإلحاد، والمثلية، والمخدرات، والتبرج، والسفور، والاختلاط، ونشر الفاحشة بين الناس، وتحبيبهم لها، وتذليل الصعوبات التي تواجهها، والله عز وجل نهى عن ذلك فقال: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ). (سورة هود:116)

فمدح الله عز وجل من يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر، وأنهم يسعون في الأرض بالإصلاح.

إن الفساد وترك الإصلاح هوسبب كل نقمة، وأساس كل بلية، وعنوان كل شقاء وقال أهل العلم في قول الله تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (سورة الأعراف:56)، ولا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم.

وقال غير واحد من السلف: إذا قحط المطر فإن الدواب تلعن عصاة بني آدم وتقول: اللهم العنهم، فبسببهم أجدبت الأرض، وقحط المطر.

أسباب الفساد

١/ البطر في المعيشة

قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩)). (سورة القصص)

فالبطر يوجب عدم رؤية شيء سوى المادة واللذة وما يتبعانه من الفساد والإفساد.

والبطر طريق الظلم والفسوق، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ). (سورة يونس:13)

وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوجَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ). (سورة الأنعام:47)

وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوالْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ). (سورة الأحقاف:35)

قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا). (سورة الإسراء:16)

وقال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوبَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ). (سورة هود:116)

٢/ عدم العمل بكلام الناصحين

قال تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (سورة الشعراء:139)، وقال تعالى: (فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ). (سورة المؤمنون:48)

وقال تعالى: (فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ). (سورة الأعراف:79)

٣/ اتباع الملوك والمستبدين

قال تعالى: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ). (سورة النمل:34)، فإن الاستبداد منشأ للفساد والذلة، لأنهم يجمعون المتملقين حولهم ويقصون المخلصين ويتعاملون بالرشوة.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإن سبب فساد الناس أنهم تركوا التوحيد، وتركوا العمل به، وتركوا الاهتمام به.

يقول الله تعالى: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (سورة الروم:41)، فالفساد في الأرض إنما ظهر بسبب ذنوب العباد، ومعاصيهم، ومخالفتهم لشرع ربهم، ولو استقاموا على الهدى والحق لنالوا الخير.

قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)). (سورة المائدة)

وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ). (سورة الشورى:30)

علاج الفساد والإفساد

١/ عدم اتباع سبيل المفسدين

القوى الاجتماعية الضاغطة كثيرة، وهي كثيراً ما تستدرج المصلح ليتحول بعد فترة وجيزة إلى جزء من جهاز الإفساد، فما أكثر وعاظ السلاطين الذين تعلموا الوعظ بداية عن إخلاص ثم انجرفوا إلى البلاط، لأن زينة الدنيا خدعتهم فقاموا بالتبريرات المختلفة ليقنعوا أنفسهم والناس بصحة ما دخلوا فيه.

وقد نهى الله تعالى عن ذلك حيث يقول: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (سورة هود:113)، وقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ). (سورة الأعراف:175)

ونرى وصية موسى لهارون: (وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ). (سورة الأعراف:142)

٢/ الاهتمام بالعلم

فالجهل هوالبؤرة المناسبة لنموالفساد وسيطرة الملأ من القوم على رقاب عامة الناس،: قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). (سورة الأعراف:138)

وقال تعالى: (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُمْ مُلَاقُورَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ). (سورة هود:29)

وقال تعالى: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). (سورة النمل:55)

وقال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ). (سورة الأحقاف:23)

فالدافع إلى التقليد الأعمى والعنصرية البغيضة والمثلية واستعجال العذاب هو الجهل لذا الجهل أول أسباب الفساد والإفساد والعلم هوالسلاح الذي يتم القضاء به على الفساد والإفساد والمفسدين.

فكلما ارتفعت ثقافة الناس وعلمهم ضعفت واضمحلت أسباب الفساد، فلذا ركز القرآن الكريم على لزوم كسب العلم وأنه الرادع قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). (سورة فاطر:28)

وتعليم الكتاب والحكمة من أولى مهمات الأنبياء، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). (سورة الجمعة:2)

٣/ الاستقامة

قال الله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (سورة هود:112)

وقال تعالى: (فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ). (سورة الشورى:15)، وأول الإستقامة تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

روى ابن ماجه بإسناد حسن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حدٌّ يَعملُ بِهِ في الأرضِ، خيرٌ لأَهْلِ الأرضِ من أن يُمطَروا أربَعينَ صباحًا). (صحيح ابن ماجه:2073)

وروى البخاري في صحيحه: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا). (صحيح البخاري:2493)

وهذا هو إصلاح الأرض وإصلاح أهل الأرض، وما خالفه فهو تدمير للأرض ومن عليها وإن ادعى أصحابه أنه تعمير وإصلاح؛ فهذا من تسمية الأشياء بأضدادها ومن غش الخلق.

إن المصلح الذي يحبه الله ويحبه عباد الله هوالذي يمضي على نور من الله واتباعٍ لنبيه صلى الله عليه وسلم يدعوإلى الكتاب ويقيم الصلاة ويستقيم على الجادة قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). (سورة الأعراف:170)

يجب أن يكون المسلم صالحا ومصلحا في مجتمعه، ونفسه، وبيته، وبين أسرته، يسعى بكل ما يستطيع إلى إغلاق أبواب الشر والإفساد، ويسعى إلى كل خير.

فعلى المسلمين أن يسعوا لإصلاح قلوبهم، وإصلاح نياتهم، وإصلاح أعمالهم، وإصلاح مسيرتهم الحياتية سياسياً واقتصادياً وإدارياً، إصلاحاً ينبعث من قلوب مخلصة، وأنفس مؤمنة، وأرواح زكية تسعى للإصلاح؛ رغبة في الإصلاح، رغبة في الرقي، رغبة في العزة، رغبة في الكرامة، لا تسعى للإصلاح وتنادي به ويبقى مجرد شعارات جوفاء، وعبارات خرقاء، ثم يمارس الفساد، ويعاقر الفسق، ويستمرأ الظلم، فأولئك عاقبتهم الخسران في الدنيا.

وقد يتعرض الآمر والناهي للمشاكل وهذا مما يمتحن الله به السائرين في سبيله ويمحصهم ليميز الخبيث من الطيب، فالمستقيم يواجه بمقاومة من المجتمع، ومحاربة من الناس، والعمل على إفشال مصالحه المادية والمعنوية، وتشويه سمعته والافتراء عليه، واخير تصفية جسدياً. وهذا ثمن العزة.

قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). (سورة البقرة:214)

قال الشاعر:

لولا اشتعال فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود

وقال الشاعر:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم

وقال الشاعر:

لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
مشاركة:

التعليقات (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *