تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة التحريم

مشاركة:

تفسير سورة التحريم للشيخ محمد نبيه يشرح فيها تعريف سورة التحريم وسبب تسميتها بهذا الإسم ويبين معاني الآيات والكلمات.

تفسير سورة التحريم
تفسير سورة التحريم

تعريف سورة التحريم

سورة التحريم من السور المدنية التي نزلت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي سورة فيها اثنتى عشرة آية وفي السورة أحكام تخص الرجال والنساء.

قيل في سبب نزول سورة التحريم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد حرم على نفسه حلالاً أحله الله تعالى، واختلفت الروايات في الشئ الذي حرمه رسول الله على نفسه.

تفسير سورة التحريم

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾

في الآية لطف النبي ورفقه بالنساء، كان النبي صلى الله عليه وسلم ألطف الناس وأرفقهم بأهله، وما كان يتوقف لطفه ولا رفقه عند السعي في إرضاهن فقط، بل كان يقوم في مهنة أهله، كان يساعدهن في أعمال البيت وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

فهو في بيته زوج بالنسبة لنسائه، وما يجري عليه في بيته تتأسى به الأمة كلها، كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على إرضاء حلاله ونسائه، فأرضاهن بترك وطئ ملك اليمين، وأرضاهن بأن حرم شرب العسل على نفسه.

﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد شرط على النساء ألا يخبرن بعضهن البعض بما حرم على نفسه من حلال، ولكن شأن المرأة أخبرت إحداهن الأخرى فنزلت كفارة اليمين في قول الله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.

وعند ذلك قال أهل العلم لو قال الرجل لامرأته أنتي عليا حرام، إن كان قد حرم على نفسه وطئها فهذا يقال له إيلاء، والإيلاء له أمد في القرآن قال الله تعالى ﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)﴾.

عندنا طلاق وهو فض عصمة النكاح بلفظ الطلاق كما بينا سابقاً في تفسير سورة الطلاق وعندنا ظهار كأن يقول الرجل لامرأته أنتي عليا كظهر أمي.

والظهار كفارته معلومة كما وضحنا في تفسير سورة المجادلة وهي صيام شهرين متتابعين وإذا لم يستطع يطعم ستين مسكيناً وهذا بعد العتق والعتق اليوم غير متوفر.

من حرم على نفسه جماع امرأته له أن يعد أربعة أشهر، إذا بلغ الثلاثة أشهر ودخل في الشهر الرابع ورجع في كلامه فالله غفور رحيم.

وعليه أن يكفر كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين فإذا لم يستطع يكسو عشرة مساكين والكساء يطلق على العمامة وعلى الخمار، فإذا لم يستطع يعدل إلى صيام ثلاثة أيام.

أما إذا انتهت الأربعة أشهر ولم يرجع في كلامه عند ذلك إن أراد أن يطلق يطلق، وإذا رفعت المرأة أمرها للقاضي بالطلاق يطلق للضرر لأنه ألحق الضرر بها.

فلو قال الرجل لامرأته أنتي عليا حرام وهو يعني حرمة الجماع فهذا إيلاء، أما لو قالها وهو يعني الطلاق عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنها تطلق، أما إذا قالها وهو لا يعني شيئاً فهذا لغو.

﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر السيدة حفصة بتحريمه للسيدة مارية وشرط عليها ألا تخبر أحداً، غير أن حفصة رضي الله عنها سربت سر النبي صلى الله عليه وسلم لباقي نسائه.

وهذا شأن المرأة إن أعطيتها سرك ستبديه ستبديه، فأولى لك أن تمنع سرك عنها، فنزلت الآية لتكون حكماً عاماً في الأمة، عوتب من أجله النبي صلى الله عليه وسلم ووجب على الأمة أن تتأسى به.

قال الشاعر:

ولا تُفشِ سرَّك إلا إليك

فإنَّ لكلِّ نصيح نصيحًا

فإني رأيتُ وُشاةَ الرجالِ

لا يتركون أديمًا صحيحًا

سرك وأمورك الخاصة لا تبح بها إلى أحد حتى ولو للمرأة ما دام السر غير متعلق بالتبعات، أما سر في المعاملات علي أن أخبر نسائي أو أهلي حتى إذا مت يسارعوا في أداء ما علي أو في إخراج ما عندي.

لكن في الأسرار الخاصة ما ينبغي أن يطلع عليها أحد، والمرأة هي المرأة هذه حفصة أم من أمهات المؤمنين، وزوجة من زوجات النبي الكريم صلوات الله عليه وكامل التسليم، ونزل جبريل لها بالبشارة لما طلقها النبي، ومع هذا أفشت سر النبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا ما حدث من امرأتك مثل هذا ينبغي أن تتلطف معها ولا تشتد عليها في العقوبة وينبغي للرجل أن يتحمل ما يكون من أمر امرأته لأنه أكمل منها عقلاً.

وما ينبغي أن تعطي سرك لرفيقك ولا لصديقك، الآن فيه ود فلربما انقطع الود غداً فلا يصبح سري كعصا على ظهري، وذكرنا قبل ذلك أن الحب ينبغي أن نترشد فيه، وأن الثقة في هذه الأيام يبنغي كذلك أن تكون على ترشيد.

لا أمنعك أن تحب الناس لكن اجعل حبك للناس حباً رشيداً، لا تبالغ في الحب فتطلع المحبوب على كل أحوالك، عندما ينقطع الود هو أخبر بك من أهلك فلربما استخدم أسرارك للقضاء عليك.

﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾

جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر كاملاً.

﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾

من كرم النبي صلى الله عليه وسلم وسماحته أن عرف بعضه وأعرض عن بعض، هذا شأن الكرام إذا عاتبوا لا يعاتبوا عتاباً كاملاً، يذكر ناحية ويتغاضى عن ناحية، يذكر طرفاً من القول ويسكت عن الباقي، وهذا من قبيل كرم النفس وسخاوتها.

﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾

نزلت الآية تدعوا أمهات المؤمنين إلى إعلان التوبة إلى الله تبارك وتعالى وترك التظاهر وإغضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يتهيب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

كان يهابه ويجله ويحترمه وكان كلما لقيه يريد أن يسأله فتدخل المهابة فتمنعه المهابة من السؤال، ظل سنة كاملة كلما يلقاه يريد أن يسأله فيهابه.

وفي مرة سأله قال: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: حفصة وعائشة.

حفصة صاحبة السر أعطت لعائشة، وحفصة وعائشة تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم، واتفاق النساء على الرجل مظاهرة.

في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تظاهرت عليه النساء غضب وهجرهن شهراً كاملاً، والهجر معناه لا يقرب الفراش، حتى شاع بين الناس أن النبي طلق أزواجه.

فأتى عمر ودخل على عائشة وقال: فعلتيها يا بنت أبي بكر، قالت: إليك عني، اذهب إلى عيبتك، فأتى عمر ابنته حفصة وشدد عليها، وما زال بها في التشديد حتى بكت.

وقال عمر: لو لم تنصعن لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذعن له وتتركن التظاهر عليه فإن الله سيبدله خيراً منكن، ومن ثم نزلت الآية.

﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾

بين الله تعالى لأمهات المؤمنين إن لم يرجعن عما كانوا عليه ويتركن التظاهر ويتركن اغضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحسن عشرته فإن الله سيبدله أزواجاً خيراً منهن كما وصفهم الله تعالى.

والقنوت هو طول القيام في الصلاة، والسياحة في الإسلام هجرة وصيام يعني مهاجرات يهجرن السوء وصائمات، ومعلوم أن النبي ما نكح إلا ثيباً حاشا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾

يدعوا الله المؤمنين إلى التزام الطريق الصحيح لتوفير الوقاية من الفساد والعار في الدنيا والوقاية من عذاب الله في القيامة.

روى الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره أن على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال: وقاية الأهل تكون بالتأديب والتعليم.

وما أحوجنا إخوتي الكرام في بلادنا وخاصة في هذه الآونة إلى أدب الصغار، فالصغير عندما تؤدبه وتتعاهده وتأخذ على يديه عند الخطأ يشب على الهداية ويشب على الاستقامة، أما إذا تركته حالة صغره وقلت غداً سيكبر ويعقل إذا تركته على الضلال كبر على الضلال.

ربي ولدك وعلمه الأدب واتركه فقيراً تأتيه الدنيا وهي راغبة لكن لا تجمع له الدنيا وتتركه سئ الأدب عند ذلك تضيع الدنيا كلها ويبقى عليه سوء الأدب.

لذلك يقول الشاعر:

لا تسهو عن أدب الصغير

وإن اشتكى ألم التعب

ودع الكبير لشأنه

كبر الكبير عن الأدب

إذا كان الولد صغيراً أدبه ولو كان التأديب بالضرب فإنك لا تضربه قسوة عليه وإنما تضربه رحمة به، تضربه حتى تحسن عاقبته.

واليوم ترى وتسمع أحوال عجيبة، أحوال غريبة، ترى أبناء عققة، بلغ العقوق بهم مبلغاً كبيراً، قد يكون الأهل على أخلاق عالية وصفات سامية لكن يضع الولد أبويه تحت الأمر الواقع بالفعل المشين أو بالسفه، وهذا ما توفر في الدنيا إلا عندما فرطنا في التربية واشتغلنا في التعليم.

كل هذا لأننا لم نوفر لأولادنا حسن الرعاية والرباية من الطفولة، فعلم بلا أدب لا ينجي صاحبه، والصحابة الكرام أدبوا أولادهم أولاً والتابعون الكرام أدبوا أولادهم أولاً.

لذلك كما ذكرنا في “كتاب الأدب الأدب” أن عبدالله بن المبارك رحمة الله تعالى عليه وكان من أئمة التابعين وعلمائهم قال: لأن أتعلم باباً واحداً من أبواب الأدب أحب إلي من أن أتعلم سبعين باباً من أبواب العلم.

لأن أدباً مع علم قليل ينجو بصاحبه، لكن علم كثير عاري صاحبه من الأدب لا يحقق لصاحبه إلا العار في الدنيا والنار يوم القيامة.

وسبق أن بينا أن الصحابة رضي الله عنهم ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة سموها له، قالوا: يا رسول الله فلانة تكثر الصلاة تكثر الصيام تكثر الصدقة غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا خير فيها، هي في النار).

إذا أخي الكريم الأدب الأدب، أدب الأولاد ولو أدى بك التأديب إلى الضرب، اضرب حتى تأخذ على يد الصغير فيعرف أن هذا من الخطأ وأن هذا من الحرام وأن هذا من العيب.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

نبه الله الكافرين منكري البعث بأنهم سيموتون ويبعثون وفي يوم القيامة سيعاينون ما أعده الله لهم وما توعدهم به من جزاء وأنهم لا يستطيعون الإنكار وأنهم يوم القيامة لا تقبل منهم أعذار.

الكفار كانوا ينكرون البعث من القبور، كان إذا مات أحدهم اعتقدوا أنه لن يرجع مرة ثانية، والوليد بن المغيرة أخذ عظماً قد رم وفركه أو فته أمام النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا محمد أتزعم أن ربك يحيى هذا بعدما رم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك النار).

وينزل قول الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80)﴾.

عندما يبعث الله تعالى الكافر ويقف بين يديه ويرى عذاب الله الذي توعده الله به أيقن أنه هالك، لذلك في سورة السجدة ﴿وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾.

فيقول الكافرون حين يرون العذاب ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾، غير أن الأماني في القيامة منقطعة، فيقول الله تعالى لهم: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾.

لذلك الكفار، يناديهم الله تعالى بقهره وعزته وجبروته ﴿لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

كنت تكذب بالبعث والآن بعثت فلا مجال للاعتذار ولا مجال للتنصل، لا عقوبة يومذاك للكافر إلا النار وبئس القرار.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾

دعا الله المؤمنين جميعاً إلى إعلان التوبة النصوح التي تمسح الذنوب وتمحوها عسى الله تبارك وتعالى أن يكفر عنهم سيئاتهم.

والتوبة النصوح هي التوبة الخالصة التي تحمل الإنسان على الندم فالندم توبة، وتحمل الإنسان بعد الندم إلى الترك فيترك ما كان عليه من ذنب، وتحمله بعد الترك على العزم على عدم العودة للذنب مرة ثانية.

فإذا ضعفت نفسك وغلبك الشيطان وأوقعك في الذنب، تحدث لنفسك توبة أخرى على هذه الشاكلة، ومع هذا إن أحدثت للذنب توبة على هذه الشاكلة تذهب بذنبك إن شاء الله.

وفي صحيح البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبلغ عن الله تبارك وتعالى يقول الله جل جلاله: (إن عبداً من عبادي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يأخذ بالذنب فاستغفر، قال الله تعالى غفرت له، ثم أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يأخذ بالذنب فاستغفر، قال الله تعالى غفرت له).

إذا الذنب يمسح بالتوبة، قد تتوب من ذنبك ثم تغلب وترجع، إن رجعت اغلب الشيطان مرة أخرى وتب إلى الله، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو المغفور له كان يكثر من الاستغفار يقول صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله وأستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة).

قل أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، لعب الشيطان بك مرة، ينبغي لك أن تلعب به مرة بعد المرة، إن أغوانك مرة ثانية العب بالشيطان فأتوب مرة ثانية وهكذا، التوبة تمسح الذنب كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

في التفسير من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: يعطى كل إنسان يوم القيامة نوراً كل على قدر عمله.

عند ركوب الصراط يوزع النور، يعطى كل إنسان نوراً كل على قدر عمله، وأقل الناس عملاً من المؤمنين يأخذ نوراً على قدر إبهامه، والمنافق يعطى نوراً كذلك، فإذا ما ركب الكل الصراط يطفئ نور المنافق فيخاف المؤمن على نوره فيسأل الله تعالى دوام النور.

لذلك اعملوا وجدوا واجتهدوا وأبشروا، قارب وسدد وكن واصلاً كن باراً كن محسناً وأبشر بوعد الله فوعد الله لا يخلف.

حافظ على عملك وعلى إتقانك وعلى إخلاصك واعبد الله تبارك وتعالى بخوف ورجاء، وسل الله تعالى الثبات على الأمر في الدنيا والثبات على الصراط يوم القيامة.

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾

دعا الله رسوله صلى الله عليه وسلم لإعلان الحرب على الكفار والمنافقين، وجهاد الكفار والمنافقين يكون بالنفس والمال واللسان بكل شئ، وهذا بيناه في شرح عمدة الأحكام لما فصلنا أحكام الجهاد.

واليوم ما أحوجنا، في الفضائيات ليل نهار لا يألون جهداً في محاربة الإسلام وأهله، لذلك لا تسمعوا للقنوات التي تشكك في دين الله ولا تسمعوا لأصحاب العمائم الذين ينكرون يوم القيامة وينكرون البعث وجاهد بلسانك.

لذلك ينبغي لنا أن نتفطن جهاد الكفار والمنافقين بكل شئ بالنفس والمال والقلم واللسان، فإن الإسلام الهجمة عليه شديدة وعلى المسلمين.

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾

ختمت السورة بضرب المثال، وضرب المثال وسيلة إيضاحية من وسائل التعليم، بما أن الله تبارك وتعالى وعظ أمهات المؤمنين بأن يحسن العشرة مع الرسول الكريم، ختم الله السورة بذكر النساء لكن ضرب مثلا لنساء كافرات وآخر لنساء مؤمنات.

جاء ضرب المثال كتخويف لأمهات المؤمنين، لا يغرنك أنكن زوجات للرسول محمد فسبق وأن عذب الله امرأة نوح لكفرها، وسبق أن عذب الله امرأة لوط في كفرها، فإياكن وهذا.

نوح عليه السلام نبي ورسول، وزوجة نوح خانته، لكن الخيانة إخوتي الكرام ليست خيانة الشرف ليست خيانة في العرض، لم تكن امرأة نوح زانية والعياذ بالله، حاشا لله أن يجعل في أنساب الأنبياء دخلا إنما الأنبياء جميعاً جاءوا من نكاح.

ولم تكن امرأة نبي قط زانية، لكن الخيانة هنا خيانة في الدين، كانت امرأة نوح عليه السلام تسخر منه كما يسخر قومه منه.

لما أمره الله تعالى بصنع السفينة وكان الناس يومذاك في قحط وجدب، فلما كان يصنع السفينة كانت تمر به امرأته تقول له: تصنع سفينة وأين الماء الذي ستجري فيه؟ إنا لا نجد ماء نسقي به زروعنا فكيف بالسفينة؟

تقول هذا ساخرة من زوجها نوح عليه السلام، وهذه السخرية كفر، أي سخرية بنبي من الأنبياء كفر، لذلك خانته فلم تكن على دينه.

ونوح عليه السلام ظل يدعوا في قومه تسمعائة سنة وخمسين سنة وما آمن معه إلا قليل، وكانت لنوح هذه الزوجة وكان له أربعة من الولد كنعان ويافث وحام وسام، وكان لكل ولد زوجة.

أما كنعان فكفر هو وأمه وهو الولد الذي جاء ذكره في القرآن ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)﴾.

دعاه إلى عبادة الله فرفض وبقي على الشرك وظن أنه سينجو وقال سأصعد أعلى جبل، غير أن الله تبارك وتعالى أمر السماء ففتحت أبوابها وأمر الأرض فتفجرت عيونها فالتقى ماء السماء على ماء الأرض فما بقي جبل في الأرض إلا علاه الماء حاشا الكعبة المكرمة.

كل الأرض غرقت إلا الكعبة فقط ما أصابها الغرق، فصارت الدنيا كلها ماء عند ذلك غرق ولد نوح وغرقت امرأته وما نجا مع نوح إلا من آمن به وما آمن معه إلا قليل كما قال الله رب العالمين.

فامرأة نوح لما غرقت وماتت على كفرها قيل لها ادخلي النار وما أغنى عنها زوجها في شئ.

بل إن نوحاً عليه السلام لما غرق ولده سأل الله في ولده قال: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)﴾.

ما قبل الله شفاعة نوح في ولده، وكذلك ما أغنى نوح عن امرأته شيئاً من أمر الله.

وأما لوط عليه السلام فكانت تأتيه الملائكة في سورة رجال على أكمل ما خلق الله وبرأ، وعلى أجمل ما خلق الله من صورة.

وكانت امرأة لوط تدل قومه على أضيافه، وقوم لوط قوم كانوا قد اشتغلوا بالرجال ولم يكن لهم في النساء مأرب ولا مطمع، حتى أن لوطاً عليه السلام عرض على قومه أن ينكحوا النساء، قالوا إنك لتعلم ما نريد.

كانوا يكتفون بالمثلية التي يدار لها في هذه الأيام، والمثليون هم أناس على شاكلة قوم لوط يكتفى الرجل بالرجل هكذا كان قوم لوط.

فكانت إذا جاءته الملائكة تذهب امرأته إلى قومه تقول لهم إن رجالاً جاءوا إلى لوط فيأتون على أبواب لوط عليه السلام فيضيقون على أضيافه وهذا كذلك من امرأة لوط كفر، لذلك لما ماتت قال الله لها ادخلي النار وما أغنى عنها زوجها شيئاً من أمر الله.

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾

جاء المثال الثاني كتطميع، والعبادة عندنا نحن المسلمين بين الخوف والرجاء، هذا سبيل المؤمنين، والله تعالى يقول: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

الطريقة الصحيحة في العبادة أن تعبد الله وأنت تخاف عذابه وأن تعبد الله وأنت تطمع وترجوا رحمته، لذلك ضرب الله المثال الأول كتخويف لأمهات المؤمنين، وضرب المثال الثاني كترغيب وتطميع.

امرأة فرعون اسمها آسيا بنت مزاحم، وكان يوم مناظرة موسى مع فرعون في يوم الزينة ويوم الزينة قالوا إنه يوم عاشوراء لأن عاشوراء كانت عندهم عيداً من أعيادهم.

فلما كانت المناظرة سألت امرأة فرعون من الذي غلب؟ قالوا لها غلب موسى وهارون، فقالت فأنا على دينهما، عند ذلك كفرت بزوجها وآمنت برب هارون وموسى.

فلما علم الفرعون بكفر امرأته وتد لها في الأرض أربعة أوتاد وتداً لكل رجل وآخر لكل يد، ربط كل رجل في وتد وكل يد في وتد، يعذبها ثم يتركها في لهيب الشمس، فكانت تأتي الملائكة تظلها بأجنحتها.

فما أطاق العيش معها فأمر زبانيته وأمر حاشيته أن يأخذوا امرأته ويذهبوا بها إلى أعظم صخرة ويلقوها عليها، يخوفوها بالصخرة إن كفرت بموسى وبرب موسى يأتون بها وتعود إلى زوجها، وإن بقيت على إيمانها بالله وتوحيدها له يقتلوها بالصخرة.

فلما ذهبوا بها إلى الصخرة وخوفوها قالت آمنت برب هارون وموسى، عند ذلك أراها الله تعالى جنته، فطلبت وقالت ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، فقبض الله روحها فماتت ثم ألقوا الصخرة على جسدها بعدما خرجت روحها.

فهذه امرأة جاهدت في سبيل ربها جاهدت في سبيل دينها وما أضرها كفر زوجها وأنه ادعى الألوهية، وامرأة نوح وامرأة لوط ما نفعهما أن أزواجهما أنبياء.

﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾

أما المرأة الثانية فهي مريم ابنة عمران أم عيسى عليهما السلام ومريم طاهرة بتول لم يقربها بشر.

﴿فَرْجَهَا﴾ الفرج يطلق على السوءة ويطلق على فتحات الثوب الذي تلبسه.

﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ يعني امتنعت بفتحات ثوبها عن الملك الذي تمثل لها بشراً سوياً أرادها فتمنعت بجميع فتحات ثيابها.

﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ يعني نفخ في فرج الثوب يعني في فتحته.

بعدما حملت وولدت وعيرتها اليهود وضيقوا عليها واتهموها بالزنا أشارت إلى وليدها وهو على صدرها فأنطقه الله تبارك وتعالى فقال: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)﴾.

﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾ صدقت بعيسى عليه السلام، فأول من آمن بعيسى أمه مريم عليهما السلام.

﴿وَكُتُبِهِ﴾ ما آتاه الله من كتاب.

﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ يعني كانت من الطائعين.

لذلك ضرب الله المثال في الإيمان بامرأة فرعون وبمريم عليهما السلام، وامرأة فرعون ومريم عليها السلام ستكونان من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

فكانت خاتمة السورة عبارة عن تخويف لأمهات المؤمنين وترغيب لهن، فكن هذا باركك الله اعبد ربك بين الخوف والرجاء، اعبده وأنت تخاف عذابه واعبده وأنت تطمع في جنته هذا هو السبيل السوي في عبادة رب العالمين.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *