تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة الطلاق

مشاركة:

تفسير سورة الطلاق للشيخ محمد نبيه يشرح فيها تعريف الطلاق وأنواعه وشروطه وأحكامه ويوضح عدة الطلاق ويذكر فضل سورة الطلاق.

تفسير سورة الطلاق
تفسير سورة الطلاق

تعريف سورة الطلاق

تعريف سورة الطلاق هي سورة مدنية عدد آياتها اثنى عشرة آية، وهذه السورة نزلت بعد سورة الإنسان وفيها مضامين كثيرة.

وسورة الطلاق تسمى أيضاً بسورة النساء الصغرى أو القصرى، لأنها تشتمل على كثير من أحكام النساء، والنساء الكبرى هي التي تلي سورة آل عمران.

مضامين سورة الطلاق

تتضمن سورة الطلاق شرح الطلاق السُني وأحكام عدة الطلاق والنفقة على النساء في العدة وأثناء الحمل وأثناء الميلاد والرضاعة.

وفيها التوكل على الله تبارك وتعالى في الأمور والأحوال، وفيها عقوبة المتعدي الغاشم، وفيها ثواب العمل الصالح وحسن عاقبته.

وفيها أن التكليف على قدر الطاقة، وفيها من صفات الله تعالى علمه المحيط وقدرته المطلقة، وفيها الاشهاد سبيل لإثبات الحقوق.

سبب نزول سورة الطلاق

نزلت سورة الطلاق بسبب طلاق حدث في ذرية الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولكن على خلاف عند المفسرين:

  • منهم من يقول أن سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق إحدى نسائه، والمطلقة هي السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، طلقها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه جبريل عليه السلام فأمره بمراجعتها وقال له: (إنها احدى زوجاتك في الجنة).
  • وهناك من قالوا أنها نزلت بسبب عبد الله بن عمر شقيق السيدة حفصة رضي الله عنهم أجمعين، طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ).

تفسير سورة الطلاق

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾

صُدرت سورة الطلاق بالنداء، وأي نداء للنبي صلى الله عليه وسلم فيه أحكام فالأحكام له صلى الله عليه وسلم ولأمته.

تعريف الطلاق هو فض عصمة النكاح بلفظ الطلاق، بقول الرجل لامرأته: طلقتك أو أنتي طالق أو أنتي مطلقة.

لو قال الرجل لامرأته أنتي مطلقة أو أنتي طالق فهذا طلاق لا يحتاج إلى نية. أما لو قال لها: أنتي محرمة أو أنتي عليا حرام، نحتاج إلى معرفة نيته هل حرمها كلية أم حرم بعضها؟ ويمكنك معرفة الحكم كما بينا في تفسير سورة التحريم في تفسير الآية الثانية.

لا يدخل الطلاق إلا على نكاح صحيح، والنكاح الصحيح لا يكون إلا بولي وشاهدي عدل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ وشاهدَيْ عَدلٍ وما كان مِن نكاحٍ على غيرِ ذلك فهو باطلٌ فإنْ تشاجَروا فالسُّلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ له).

فأيما امرأة أضافت نفسها إلى رجل دون وساطة وليها فنكاحها باطل كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأةٍ نُكحتْ بغيرِ إذنِ وليِّها ؛ فنكاحُها باطلٌ, فنكاحُها باطلٌ, فنكاحُها باطلٌ فإنْ دخل بها ؛ فلها المهرُ بما استحلَّ منْ فرجِها, فإنِ اشتجَروا ؛ فالسُّلطانُ وليُّ من لا وليَّ لهُ).

تعريف الطلاق السني هو أن يطلق الرجل امرأته طلقة واحدة بلفظ الطلاق بأن يقول لها: طلقتك أو أنتي طالق أو أنتي مطلقة، في غير حيض وفي طهر لم يجامعها فيه، أو يطلقها وهي حامل معلوم عدتها.

أما أي طلاق على خلاف هذا كأن يطلقها في الحيض، لا يقال له طلاق السنة إنما يقال له طلاق البدعة لأنه أوقعه على خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته.

الطلاق في الحيض ستنتظر المرأة حتى تطهر من حيضها ثم تبدأ في العدد، لكن لو طلقها في طهر لم يجامع فيه ستبدأ العد من فور الطلاق، إذاً أطال على المرأة من طلق في الحيض ومن ثم هذا طلاق يخالف السنة.

لذلك طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامع فيه طلقة واحدة، وأن يطلق المرأة وهي مستبين حملها، لو المرأة حامل والحمل بين وقال لها: أنتي طالق. فهذا طلاق سنة لأنه عدتها معلومة.

﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾

كلمة العدة تطلق على المدة التي تتربصها يعني تنتظرها المرأة إثر طلاق أو وفاة أو خُلع أو استبراء تعبداً لله تعالى وبراءة لرحمها كل حسب حالها.

وتختلف عدة المطلقة باختلاف حالها، إذا كانت حائل وتحيض فعدتها ثلاثة قروء، وإذا مات عنها زوجها تتربص المرأة أربعة أشهر وعشرة أيام تعبداً لله وبراءة للرحم وتفجعاً على زوجها، وإذا خالعت نفسها من زوجها تعتد المرأة بحيضة واحدة لبراءة الرحم حتى لا يسقي أحد زرع غيره بماءه.

وعند الطبري أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بين أن هذه الآية في طلاق السنة. وعند ابن مسعود في مصحفه قال: فطلقوهن في قُبل عدتهن وقُبل العدة هو أول شئ في الطهر.

والمعنى: فطلقوهن حال كونهن مستقبلات لعدتهن حتى تبدأ المرأة في العدد سريعا.

﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾

احصاء العدة يعني معرفة أولها وآخرها لأنه يترتب على معرفة أول العدة وآخرها أحوال وحقوق كثيرة مثل حق إثبات النسب، فالمرأة التي لا تعرف عدتها فلربما أتاها خطاب في العدة فحملتهم على فعل الكبير من الذنب ولربما زوجها أبوها وهي في العدة وعند ذلك يكون العقد باطلاً.

لذلك ينبغي للرجال أن يحفظوا هذه السورة وجوباً وأن تحفظها النساء كذلك وجوباً لأن الأحكام التي فيها تخص النساء والرجال.

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾

الطلاق عهدة الرجل، وقد تطلق الزوجة بدون سبب، ولكن لربما ترتب على هذا خراب البيت لنشئ بينهما، لزرع بينهما، صمم على الطلاق لأمر في نفسه وتعنتت هي الأخرى ولم تعتذر فكانت الضحية النشئ الصغير أو الأولاد.

لذلك على المطلق أن يتخلق ويتسلك بالسلوك الحسن، وأن يتقي الله في مطلقته ويتقي الله في نفسه ويتقي الله في ولده، لك أن تطلق لكن عليك أن تتقي الله.

﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾

ما يجري بين الناس في أحوالهم أخطاء كثيرة، يطلق الرجل امرأته ثم يقول لها أن تذهب إلى بيت أهلها، وقد يأتي والدها ليأخذها من بيت الزوجية وهذه كلها أخطاء.

لا حق للمطلق أن يخرج امرأته المعتدة من بيت الزوجية إلا بعد إعلانها الفاحشة القولية أو الفعلية، وتعتد المطلقة في بيت الزوجية وإن لم يكن للزوج إلا بيت واحد، يقسمه نصفين ويضع ساتر بينهما، ولا تضع له الطعام ولا الشراب.

﴿بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾: يعني حتى تفحش بالكلام أو بالفعل، أبقيتها في البيت ولكن طال لسانها على أمي طال لسانها على أبي، هذا من الفُحش، عند ذلك تنتقل إلى بيت أبيها.

﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾

الطلاق والعدة والرجعة من حدود الله تبارك وتعالى حدهم الله تعالى لصيانة البشر، جعل الله الطلاق لحل المشاكل لكننا بسوء تعبدنا جعلنا الطلاق أساس المشاكل.

﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾

الحكمة في أن تعتد المطلقة في بيت الزوجية لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، لعل الزوج أن يندم على ما كان منه فيراجعها إليه.

﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾

اليأس هو امتناع الحيض عند بلوغ سن معينة وإذا امتنع الحيض امتنع الولد، وهذه السن تختلف من امرأة إلى امرأة، هناك امرأة يمتنع الدم عنها في سن الأربعين وهناك أخرى يأتيها في سن الستين وهناك أخرى لا يأتيها اليأس حتى تموت، ما كل النساء سواء.

﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾

تكون امرأة بقوام المرأة كاملة الخلقة وعلامات البلوغ واضحة لكن مع هذا لا تحيض، لا تحيض لضمور أو فساد في البيوض، وهذه التي لا تحيض لا تلد، وعدتها كعدة اليائس بالأشهر القمرية.

إذا المعنى واللائي يئسن من المحيض يعني ارتفع عنها الحيض لكبر السن، واللائي لم يحضن التي امتنع عنها الحيض بسبب صغر في السن أو بسبب ضمور في البيوض، هاتان الحالتان عدتهما ثلاثة أشهر قمرية.

﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾

لو طلق الرجل زوجته وهي حامل وفي الصباح وضعت حلت للأزوج بوضعها، أصبحت المرأة عن زوجها أجنبية لا علاقة بينهما إطلاقاً هو وسائر الخطاب سواء ومن توافق عليه المرأة يكون زوجاً لها.

سبيعة الأسلمية صحابية جليلة طلقها زوجها وكانت حاملا ثم من بعدها وضعت، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله؟ فأفتاها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لما وضعت قد انتهت عدتها ولها أن تتزوج من شاءت.

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾

ومن يتق الله في أمر الطلاق والعدة، من يخاف الله في امرأته من يخاف الله في أولاده من يحترم حدود الله لا تقف على بابه مشكلة، كل المشاكل تزول هذا قول الله ومن أصدق من الله قيلا.

﴿ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾

من يحسن عشرة امرأته ويجعل الحد في جانبه يكفر الله سيئاته ويمحو خطاياه ويغفر ذنوبه وييسر له أمره.

لكن للآن بيوت كثيرة الأطفال فيها مشتتة ومشردة بسبب غباء عند الأب وغباء عند الأم، هو متمسك في أشياء وهي الأخرى متمسكة في أشياء ولا أحد في الإثنين يفكر في الأولاد أبداً.

لذلك الزوج لم يتق الله والزوجة لم تتق الله وعهدة عدم التقوى الخراب، لذلك الخراب الخراب لمن لم يتق الله في الولد ولمن لم يتق الله في الزوجة ولمن لم تتق الله في الزوج.

﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ﴾

الآية مليئة بالأحكام التي يجهلها كل الناس إلا من رحم ربي، المطلقة إذا طلقت واجب على الزوج أن يوفر لها سُكنى من حيث سكن.

﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾

هناك بعض الأزواج يتعمد إلحاق الضرر بالمرأة إذا سكنت معه في البيت من أجل أن تترك هي المكان، وهذا ضرر متعمد وكبيرة من الكبائر وجريمة وجناية والناس للأسف لا يعرفون شيئاً عن هذا.

﴿وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾

لو طلق الرجل زوجته وهي حامل فهو مكلف بالإنفاق عليها وعلى من في حشاها، لأنه بغذاها يتغذى الصغير وبهزلها يصيب الصغير الهزال، إذا فهو ينفق وجوباً على مشروعه وهو الحمل الكائن في حشاها.

﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ﴾

إن ولدت يكون كلام جديد فيه اتفاق جديد وعقد جديد على ثمن إرضاع الصغير، رضاع الصغير يضعف الأم وهي الآن ليست في ملك أب الطفل وتريد أن تجمل نفسها للأزواج.

ولها أن تمتنع عن الرضاع وعلى الأب أن يبحث عن من يرضع ولده ويبقى في حضانة أمه، أما إن أرضعت فعلى الزوج أن يدفع وما تريده تأخذه.

﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾

﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾: الميسر عليه.

﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾: قُدِرَ هنا بمعنى ضُيق عليه، على غرار قول الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

فكلمة ﴿لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ ليس معناها من القدرة، فالله تعالى على كل شئ قدير، لكن معناها فظن يعني اعتقد أن الله لن يضيق عليه فنادى.

على كل إنسان أن ينفق حسب سعته ووجده، الغني ينفق نفقة الغني والفقير ينفق نفقة الفقير وكل إنسان بصير بحاله، ولا يجوز للغني أن ينزل إلى حال الفقير في نفقته ولا يجوز للفقير أن يرتفع عن قدره فيرهق نفسه.

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾

في هذا أن العجز عن أداء الواجب يسقطه وهذه قاعدة أصولية، يعني الواجب على المصلي أن يصلي من قيام، فإن عجز عن القيام يصلي من جلوس، فإن عجز عن الجلوس يصلي مضجعا، فإن عجز عن الاضجاع يصلي بإيماء، فإن عجز يصلي حسب استطاعته وحاله.

كذلك في النفقة إذا أعسر الإنسان ولم يجد ما يطعم به زوجه، بعض أهل العلم قال: ما ينبغي أن يفسخ ولا يفرق بينهما لأنه عجز عن الواجب كما جاع تجوع هي الأخرى، وبعضهم خالف في ذلك.

فالغني لا يجوز أن ينفق على زوجته نفقة الفقير، فإن رفعت أمرها للقاضي عوضت يعني حكم لها القاضي بأثر رجعي يعوضها ما وقعت فيه من إذلال.

﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾

فالواجب على الفقير أن يصبر والواجب على الغني أن يشكر، فإذا شكر الغني زاده الله تعالى وإذا صبر الفقير فرج الله شدته وكربه ويسر أمره.

﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا﴾

عجيب هذه الآيات تأتي إثر أحكام للطلاق وتأتي إثر وصية للزوج بزوجته، لأن من الأزواج أزواج لا يخافون الله رب العالمين يعملون على إلحاق الضرر بالزوجات يضرها لتتنازل له عن حقها.

أهلك الله تعالى قرى كثيرة، أهلك عاد وثمود وقوم لوط وأهلك غيرهم، أخذ بعضهم بالصاعقة وخسف ببعضهم وأغرق بعضهم.

والعتو نفور في الطبع والعتو مخالفة واعتداء ومعصية لأمر الله تعالى ولأمر الرسول، فكانت نتيجة معصيتهم لأمر الله أن حاسبهم الله حساباً شديداً وعذبهم عذاب نكراً.

كما أن الله تعالى قدير على الأمم فأيسر عليه أن يعذب الشخص لذلك خوفه الله بهلاك الأمم وبين له أن من أسباب هلاك الأمم إفسادهم في الأرض.

﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾

هذا في الدنيا ولن تعفى يوم القيامة من العذاب، فالأمم المعذبة في الدنيا لا يغني عنها عذابها في الدنيا عذابها في الآخرة لذلك مع عذاب الدنيا هناك عذاب في الآخرة.

﴿لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾

من عهدة الرسل إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ما من رسول أرسله الله تعالى إلا ومن صميم رسالته أن يبين للناس طريق الخير من طريق الشر ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور.

﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا﴾

لن يكون إيمان إلا بعمل الصالحات، هناك بعض الناس يتوهم أن مجرد اعترافه بالتوحيد سينجو وإن لم يعمل الصالحات وهذا اعتقاد خاطئ وهذا الفصيل يسمى بالمرجئة يقولون: الإيمان اعتقاد بالقلب ولا يحتاج إلى عمل، مع أن جميع آيات الإيمان أتى فيها العمل الصالح.

وكفى أن الله تعالى أقسم بالعصر فقال: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾.

فكل آية فيها إيمان فيها أن الإيمان اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وتصديق بالجوارح والأركان، يعني بعد تصديق القلب ترجمة الجوارح والأركان ما في القلب إلى أعمال صالحة.

لذلك في السنة النبوية (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ).

﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾

فخوف الله أهل الإيمان من عذابه يوم القيامة، وبين أنه سبحانه كفيل لمن يؤمن به ويعمل الصالحات أن يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار.

فقال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾.

أحسن الأرزاق أن يمن الله علينا جميعاً بالجنة فالجنة أعظم الرزق، أعظم رزق النعيم المقيم والخلود الأبدي في جنة رب العالمين.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾

كما أن السماوات سبع سماوات كذلك الأرض سبع أراضين، وفي الحديث: (مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ).

هذا الحديث في تغيير منار الأرض والمنار هي الحدود، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن من غير منار الأرض وما زلنا إلى الآن نصلي الفجر في جماعة ونتسابق لنقل الحدود وهذا العمل ملعون صاحبه.

وأهل العلم قالوا في هذا: يكلف بأن يحفر هذا الشبر حتى يصل إلى الأرض السابعة والأرض السابعة فيها جهنم والعياذ بالله.

﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾

بين سبحانه وتعالى في آخر السورة عظيم قدرته وأن قدرته لا تحدها حدود، ليخوف الظالم من الرجال ليخوف من يلحق الضرر بالنساء ليخوف من يشق على المرأة، ليخوف من لا يرعى مشاعر أولاده ليخوف من يحرص على الظلم حتى وإن مات عليه.

لذلك هذه السورة بما فيها وما اشتملته من أحكام ومعاني ينبغي لقارئ القرآن أن يتفهمها وأن يكون فقيها بما في السورة من معاني وأحكام يتعلمها في نفسه ثم يدين بها لله ثم يعلمها أهله ثم يخرج بها على الناس.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *