تخطى إلى المحتوى

تهميشات على خطبة عرفات

مشاركة:

تهميشات على خطبة عرفات من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها ملخص ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة.

تهميشات على خطبة عرفات
تهميشات على خطبة عرفات

فضل العشر من ذي الحجة

اعلموا إخوتي الكرام رحمكم الله، أننا في أفضل أيام الدنيا والنبي صلوات الله وسلامه عليه، بين فضل العشر من ذي الحجة فهي تفضل جميع أيام الدنيا.

والفاصل بينها وبين العشر الأواخر من رمضان، أن العشر الأواخر من رمضان تمتاز بفضل الليالي، لما فيها من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر،

والعشر الأوائل من ذي الحجة تمتاز بالنهار، لما فيها من يوم عرفة، وهو أفضل يوم طلعت عليه الشمس.

فنسأل الله العلي القدير، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يوفقنا وإياكم لعمل الصالحات، وأن يغفر لنا الذنوب أجمعين.

إخوتي الكرام لقائنا عنوانه “تهميشات على خطبة عرفات“.

التهميش هَمشَ يعني جعل في هامش الكتاب، أو كتب في هامش الكتاب، والهامش غير الأصل، وفلان أفكاره هامشية، يعني أفكار ثانوية وليست أصلية، وعرفات، يوم عرفة.

والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام في حجة الوداع، خطب في أماكن عدة: خطب يوم الترويه، وخطب يوم عرفة، وخطب يوم النحر، وخطب في يوم الحادي عشر.

لذلك عند الشافعي رحمة الله تعالى عليه، أن الخطب في الأربع مواطن، قال: هي من السنن التي ينبغي لمن يتربع على حال المسلمين أن يخطبهم في هذه المواقف، تأسياً بالنبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

في صحيح البخاري، خطب يوم النحر، وفي صحيح مسلم من حديث جابر، خطب في يوم عرفة.

لذلك مجموع الخطب، وما قاله النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: حرم الدماء، والأموال، والأعراض، ووضع أمر الجاهلية تحت قدمه، وأوصى بالنساء خيراً، وحمل الجميع مسئولية تبليغ هذا الدين، هذا مجموع ما قاله النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، أو مختصره.

حرمة الدماء، والأموال، والأعراض، هذه هي الحقوق، حقوق الناس، حرم الدم، وحرم المال، وحرم العرض.

حرمة الدم

قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ  وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا).

يفهم من هذا، أن النفس محترمة، مصونة، لا تقتل إلا في حق، والحق الذي به تراق الدماء: يراق الدم في النفس بالنفس، وفي الثيب الزاني، وفي التارك لدينه، المفارق للجماعة.

أما غير الثلاث، هو مقتول بغير حق، والمقتول بغير حق مظلوم، والقاتل ظالم.

وفي صحيح البخاري، من قول النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (لا يزالُ المؤمنُ في فُسحةٍ مِنْ دينِه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا). (صحيح البخاري:6862)

لا يزال المؤمن في فسحة من دينه، في راحة، وأمان، ما لم يصب دماً حراماً، وفي هذا بيان أن الدماء محترمة ومصونة، فمن قتل بغير حق، فقد ظلم، إذا لم يقتص منه في الدنيا، ففي يوم القيامة قصاص، لأن القائمين على التنفيذ ملائكة، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، والسجن في القيامة جهنم، نعوذ بالله من جهنم، والحكم هو الحق سبحانه وتعالى.

لذلك يقول الشاعر:

فخفِ القصاص غداً إذا

 وفيت ما كسبت يداك اليوم بالقسطاس

في موقفٍ ما فيه إلا خاشعٌ

 أو مهطعٌ أو مقنعٌ للراسِ

أعضائهم فيه الشهود وسجنهم نارٌ

 وحاكمهم شديدُ الباسِ

إن تمطل الحقوق اليوم مع الغنى

 فسوف تؤديها غداً مع الإفلاسِ

إذاً الدماء محترمة، ومصونة.

الأموال

الأموال لها حق الاحترام، والصيانة، لذلك، في الشريعة من قول النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ). (صحيح البخاري:2387)

توعد بالتلف لمن أتلف المال، وتوعد باللعن لمن رشا أو ارتشى: (لعَن اللهُ الرَّاشيَ والمُرتشيَ) (صحيح ابن حبان:5077)، وحرم أخذ المال غصباً: (مَن اقتطعَ مالَ امرئٍ مسلمٍ بغيرِ حقٍّ لقِيَ اللهَ عزَّ وجلَّ وهو عليه غضبانُ). (صحيح البخاري:7445)

إذاً، من أتلف أتلفه الله، ومن رشى أو ارتشى فقد لعنه الله، ومن اغتصب حقوق الآخرين غضب عليه الله تبارك وتعالى، فالأموال لها حق الاحترام، والأعراض، لها حق الاحترام.

كذلك دخل النبي عليه الصلاة وأزكى السلام البيت الحرام، وأشار للكعبة قال: (ما أَعْظَمَكِ، وأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! ولَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عندَ اللهِ مِنْكِ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنْكِ واحدةً، وحَرَّمَ مِنَ المُؤْمِنِ ثَلاثًا: دَمَهُ ، ومالهُ ، وأنْ يُظَنَّ بهِ ظَنَّ السَّوْءِ). (السلسلة الصحيحة:3420)

فالمسلم كرامته عند ربه أعظم من كرامة الكعبة، ومن ثم عرضه حرام، أناس كثر، يتمثلون الطهارة، وهم أدناس، يتمثلون العفة، وهم ضياع، يتمثلون البراءة، وقد استوجبوا حدوداً كثيرة.

حرمة الأعراض

عرض أخيك ممنوع الاقتراب، حرم الله الغيبة، وحرم إساءة الظن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا). (سورة الحجرات:12)

حرم إساءة الظن، وحرم التجسس، وحرم الغيبة، بل وهدد بسلب الإيمان ممن يتتبع عورة المسلمين والمسلمات، (يا مَعشَرَ مَن آمَن بلسانِهِ ولم يدخُلِ الإيمانُ قلبَهُ، لا تغتابوا المُسلِمِينَ، ولا تتَّبِعوا عَوْراتِهم؛ فإنَّه مَن اتَّبَع عَوْراتِهم يتَّبِعِ اللهُ عَوْرتَهُ، ومَن يتَّبِعِ اللهُ عَوْرتَهُ يفضَحْهُ في بيتِهِ). (سنن أبي داود:4880)

لذلك، الله الله في الأعراض، أناس يجلسون ينصبون من أنفسهم قضاةً، يحكمون على الناس، فلان هذا فعل، فلانة فعلت، يستمرؤن باللسان، ما يعطب الأحوال، نصبوا من أنفسهم حكاماً على خلق الله، لا يرقبون في مؤمنٍ إلاً ولا ذمة.

لذلك، إذا ذكر أمامك من مثل هذا، فابرأ، وأحسن الظن بالناس.

وعندنا قصة الإفك، كل من نقل الكلام أقيم عليه الحد، كل من نقل عن غيره، أقيم عليه الحد، فعندما يحدث مثل هذا في المجتمع، كل ناقلٍ للكلامِ استوجب حداً، الأصل في مثل هذه الأحوال الستر، لذلك، أوجب الشرع إقامة أربعة شهود.

هلال بن أمية رضي الله عنه وأرضاه، رمى زوجته حيث لا دليل عنده، ولا شاهد، فلما رمى زوجته، نزل القرآن: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ). (سورة النور:6)

حكم الملاعنة ينزل حكماً، يشرع الله أحكاماً للناس، نفى هلال لما ولدت امرأته، نفى أن ينسب الولد إليه، قال له: يا رسول الله، هذا ليس مني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعندك شهود)، قال: لا. فنزل القرآن، يحلف والله العظيم إني صادق، أربعة أيمان، ثم يدعوا على نفسه في المرة الخامسة.

لما حلف الخمسة أيمان، أعفاه من إقامة الحد عليه، وجيء بالمرأة، فعرض عليها النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، فحلفت خمسة أيمان، أربعة إن زوجها كاذب، والخامسة دعت على نفسها، فدفع عنها الحد، وفرق بينهما، ونسب الولد إلى أهل أمه.

قال هلال بن أمية: يا رسول الله، مالي؟ يعني أنا بذلت فيها مهراً أريده، فقال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (لا مَالَ لَكَ، إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهو بما اسْتَحْلَلْتَ مِن فَرْجِهَا، وإنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَاكَ أبْعَدُ وأَبْعَدُ لكَ منها). (صحيح البخاري:5350)

أريدك أن تفطن لشيء، رمى امرأته بالزنى، وأراد أن يأخذ المهر الذي دفعه، فمنعه النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

اليوم، الزوجة مغفلة، أعطاها المحمول، وجعل فيه خاصية التسجيل، كلما كلمت سجل، كلما تحدثت سجل المسجل، ثم أخذ المسجل، وقال لأب الزوجة، بنتك اسمع، ثم ساومه على أن يترك كل شيء، وإلا فضحت أمر ابنتك.

طيب أهو، عندنا قصة الملاعنة، فرقَ بينهما، ونسب الولد إلى أهل أمه، وأوجب لها مهرها.

ضاعت أحوال الناس، لماذا؟

لما عمهم من الجهل، لذلك كل حالات الأعراض، الأصل فيها أن تمسك اللسان، وإن رأيت بعينك، إذا لم يكن معك أربعة شهود.

لذلك، الستر، الله الله في العرض، يستسهل الإنسان كلمة يقولها، لكنها تهوي به في جهنم سبعين خريفاً، كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

لذلك، حرم الله تعالى الأعراض، بل الاستطالة في أعراض الناس، أعظم شيء في الربا، قال صلى الله عليه وسلم: (الرِّبا ثلاثةٌ وسبعون بابًا ، أيسرُها مثلُ أن ينكِحَ الرَّجلُ أمَّه ، وإنَّ أرَبى الرِّبا عِرضُ الرَّجلِ المسلمِ). (شعب الإيمان:4/1931)

لذلك، لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ، فكلك عورات وللناس ألسن، وعينك إن أبدت إليك مساوئً، فصنها، وقل يا عين، للناس أعين، افعل ما شئت، فكما تدين تدان.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عرفة أنه: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ). (صحيح مسلم:1162)

وأمر صلوات الله وسلامه عليه، بالإحسان في العمل في الأيام العشر فقال: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ). (صحيح أبي داود:2438)

واعلموا أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام وضع أمر الجاهلية، ووضع أمر الجاهلية معناها عندنا شرع الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، عندنا شرع كامل، ارتضاه الله تعالى لنا، فيه شرفنا، فلا نلجأ أن نأخذ بأمر الجاهلية.

لكن اليوم في أحوال الناس، شاهت الأحوال، تجلس بين الناس في قضاياهم، تقول له: قال الله، قال رسوله، يقول لك: يا عم الحج، لا، أنا أريد قال القانون.

أصبح لا يرتضي حكم الله حكماً، وأصبح لا يرتضي قضاء رسول الله قضاءً، إنما يرتضي القانون، أصبح لا يرتضي بحكم الله ورسوله، هو عايز القانون، وهو يعرف أن الحق لغيره.

لكن، ضحك الشيطان منه وبه، لعب الشيطان به، فأقصاه، يصلي، يصلي، لكنه يأكل الحرام، استباح حق أخيه، أو استباح حق أخته، أو استباح حق عمه، أو استباح حق عمته، أخذ أموالهم وابتلعها، وقال له القانون، أو إدان من فلان، حيث لا شهادة.

ونحن كمصريين، ضاعت أحوالنا بين كلمتين، بين الثقة، وكلمة معلش، من الثقة أصبح يقرض دون كتابة أو يقترض دون كتابة، وعند الموعد يقول له: فين يا عم المكتوب اللي معاك؟ أعلى ما في خيلك اركبه، ليس معه ما يستدل به على دينه.

وكلمة معلشِ، يخطئ في جنابه، ويقولوا معلش، يفعص ابنه على الطريق ويقوله معلش، وكلمة معلش يا جماعة معناها ايه؟ معناها ما علي شيء، يعني مين اللي غلطان؟ الفاعل أم المفعول به؟

ضرب ابني على الطريق، وقال لي يا عم الشيخ معلش، يعني معناها ما علي شيء، انت وابنك اللي غلطانين، ونحن كمصريين، هذه لازمة سيئة في حياتنا، يا عمي على الثقة يعطيك، وقوله عند الغلط معلشِ.

لذلك ضاعت الأحوال، أمر الجاهلية موضوع، الربا من أمر الجاهلية، الثأر من أمر الجاهلية، أحوال شتى، كل أمر جاهلية وضعه تحت قدمه صلوات الله وسلامه عليه، نتعبد بالاحتكام إلى شرع الله تعالى.

الوصية بالنساء

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة خيراً، ومن المرأة؟ هي أمك هي خالتك، هي عمتك، هي ابنتك، هي أختك.

هذه المرأة، أمرك الله تعالى أن تحسن صحبة أمك، وأن تحسن صحبة خالتك، وأن تصل عمتك وأن تتقي الله في زوجتك، وأمرك بالإنصاف في ابنتك.

هذه هي المرأة التي ضاعت أحوالها بين الناس، لتشبث الناس بأمر الجاهلية، وزهدهم في شريعة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

لذلك أخي الكريم، أفضل شيء في هذه العشر، أن تتقي الله في نفسك، أنت تنصف الناس من نفسك، أن تعرف حق الله عليك فتؤديه، وأن تقتصد، وتقتصر على العدل والإنصاف.

واعلم باركك الله، أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام من جملة ما أوصى الناس به، أن سوى بين عموم الخلق في الحقوق والواجبات، قال: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ) (شرح الطحاوية:361)، ثم قال: (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ). (صحيح البخاري:105)

كل معلومة تصلك، أو يعيها فؤادك، أو يعيها قلبك، أنت مكلف بحملها للآخرين، حتى إذا ما وافيت الله في القيامة وجدت هذا في ميزان حسناتك.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *