تخطى إلى المحتوى

خطبة عن أجر الشهيد

مشاركة:

خطبة عن أجر الشهيد للشيخ محمد نبيه يوضح فيها الحكمة من مشروعية الجهاد وما هو أجر الشهيد عند رب العالمين وما هو فضل الشهيد على الأحياء؟

خطبة عن أجر الشهيد
خطبة عن أجر الشهيد

مقدمة عن الجهاد

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المتقين، وناصر المؤمنين.

سبحانه وتعالى هو القائم بالحق فوق الخلق أجمعين، قال في كتابه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). (سورة الحج:78)

وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، وصفيه وخليله، قال في حديثه الشريف: (مَن سَأَلَ اللَّهَ تعالى الشَّهادَةَ بصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ تعالى مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ ماتَ علَى فِراشِهِ). (صحيح مسلم:1909)

اللهم صلي وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وسائر من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد فاتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، وأجيبوا الداعيَّ إلى دار كرامته وجناته.

واعلموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لما كان في مكة كان لا يقوى على أن يدفع عن نفسه الأذى، لأن الله تبارك وتعالى ما أمره بالدفع يومها، إنما أمره بالعفو، قال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). (سورة الأعراف:199)

فاستُذِلَ المسلمون، فهرعوا من مكة إلى الحبشة حتى يأمنوا على دينهم وأنفسهم، ثم أوذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فترك مكة إلى الطائف، فاشتد أذى القوم، وأغروا به سفهاءهم، ثم رجع إلى مكة، ثم من بعدها، أذن الله تعالى له بالهجرة، فهاجر إلى المدينة.

الحكمة من مشروعية الجهاد

لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، بدأ بناء المسجد، وبعد انتهاء البناء من مسجده آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم شُرِعَ الجهاد، والجهاد في الإسلام، لم يشرع للعدوان، إنما شرع لنشر دين الله تبارك وتعالى، لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ولدفع الأذى عن المسلمين ودولتهم.

ولما شرع الجهاد استحثهم الله تبارك وتعالى على بذل النفس، وأعلمهم أن الجهاد تجارة مع الله، فقال الله رب العالمين: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (سورة التوبة:111)

استحثهم على التجارة معه بالجهاد في سبيله، ببذل النفسِ والنفيس، ووعدهم على هذا الجنة، نسأل الله تعالى الجنة.

ثم استحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحابته الكرام، على الثبات، إذا لاقوا عدوهم، وكان في غزوة بدر وهو يصف الصفوف، فلما آن الأوان للحرب والقتال، قال: (قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ) (صحيح مسلم:1901)

وكان في القوم صحابي جليل من الأنصار يدعى عمير بن الحمام رضي الله تعالى عنه، وكان في يده بعض التمر، فقال: يا رسول الله، ما تقول جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: (نَعَمْ)، قال: إنها لحياة طويلة، إذا عشت حتى آكل هذه، وألقى ما في يديه من التمر، ثم دخل المعمعه، دخل الحرب، فكان أول شهيد من الأنصار.

ما هو أجر الشهيد؟

بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن من يستشهد في سبيل الله تبارك وتعالى، فإن له من الأجر، أجرا عظيما جداً.

عند أحمد في المسند، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي خرج غازيا في سبيل الله، وكنت أقتدي بصلاته إذا صلى، وأقتدي بفعاله كلها، دلني على عمل يبلغني ما كان يعمل، فقال صلوات الله وسلامه عليه: (أتَستَطيعينَ أنْ تَقومي ولا تَقعُدي، وتَصومي ولا تُفطِري، وتَذْكُري اللهَ تبارَك وتعالَى ولا تَفْتُري حتى يَرجِعَ)، قالت ومن يستطيع هذا يا رسول الله؟ ومن يطيقه؟ فقال صلوات الله وسلام عليه: (والذي نفْسي بيَدِه، لو طُوِّقْتِيهِ ما بلَغْتِ العُشرَ مِن عمَلِه حتى يَرجِعَ). (تخريج المسند لشعيب:15633)

ما بلغتِ العُشرَ من عمله، يعني لو انتصب الإنسان في القبلة مصلياً قائماً، ولو انتصب صائماً أبداً، ولو انتصب ذاكراً لله تبارك وتعالى لم يبلغ العُشرَ مما أعده الله تعالى لمن خرج مجاهداً في سبيله سبحانه وتعالى، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله.

لذلك إخوتي الكرام، هذا مما أعده الله تعالى للشهداء يوم القيامة، والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام بين أن من أغلى الدموع، دمعتين، وأن من أغلى الأثر – المشي – أثرين، فقال صلوات الله وسلامه عليه: (ليسَ شيءٌ أحبَّ إلى اللَّهِ من قَطرتينِ، وأثَرينِ : قطرةُ دموعٍ من خشيةِ اللَّهِ ، وقطرةُ دمٍ تُهَراقُ في سبيلِ اللَّهِ ، وأمَّا الأثرانِ فأثرٌ في سبيلِ اللَّهِ ، وأثرٌ في فريضةٍ من فرائضِ اللَّهِ). (صحيح الترمذي:1669)

يعني قطرة الدمع التي تقطر من عين الإنسان حالة خشوعه هذه يحبها الله، وقطرة الدم التي تراق من بدن الإنسان، كجرح أو كقتل في سبيل الله، هذه يحبها الله.

والأثران أثرُ في سبيل الله، يعني مشى وتحرك في سبيل الله، هذه يحبها الله، وأثرُ في فريضة من فرائض الله، تحرك للصلاة، تحرك للزكاة، تحرك للحج، تحرك لصلة الأرحام، فهذا الأثر وهذه الحركة يحبها الله تبارك وتعالى.

بل بين النبي عليه الصلاة وأزكى السلام أن حراسة ليلة، الحراسة في الجهاد تسمى الرباط، (رِباطُ يَومٍ ولَيْلَةٍ خَيْرٌ مِن صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ). (صحيح مسلم:1913)

بل إن حديثاً آخر صح كذلك، (مَوقِفُ ساعةٍ في سَبيلِ اللهِ خَيرٌ من قِيامِ لَيلَةِ القَدْرِ عند الحَجَرِ الأسْوَدِ) (صحيح الجامع:6636)، نسأل الله أن يجمعنا وإياكم عند الحجر الأسود عابدين ناسكين لله رب العالمين.

هذا كله، لماذا؟

للشهيد، للشهيد أياً كان موقعه، شريطة أن ينتوي جهاده واستشهاده لله تبارك وتعالى، إذا هذا أجر كبير، أجر عظيم.

فضل الشهيد على الأحياء

وللشهيد علينا كأحياء فضل وجميل، لأنه بذل نفسه ليحيى غيره، لذلك الإسلام ضمن للشهيد جزاءً عظيماً يوم القيامة، وضمن له كذلك إن عاد إلى بيته سليماً مُعافى، يعودُ بأجرٍ وغنيمة، وضمن له أن يكفل عياله بعد استشهاده.

واعلموا، أن الله تبارك وتعالى تكفل للشهيد بالجنة، وتكفل للشهيد بالمعافاة من عذاب القبر، وتكفل له بالأمن من فتنة القبر، وتكفل له بتاج الوقار يلبسه في الجنة، وتكفل له بالشفاعة في سبعين من أهله، كما ورد ذلك صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنن الإمام الترمذي.

روى الإمام البخاري في صحيحه، من حديث زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم مولى عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: بينما عمر في السوق، إذ أتته امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك لي صبية صغاراً لا ينضجون كراعاً، وليس لهم زرع ولا ضرع، وأخاف عليهم الضبع، وأنا بنت خفاف ابن إيماء الغفاري.

شرحت لعمر حالها، قالت له: زوجي مات، وترك ليا صغاراً لا ينضجون كراعاً يعني ضعاف، وليس لهم زرع لا أرض، ولا ضرع ولا ماشية يشربو لبنها، بلورت، حالتها في هذه الشكاية، أطفال مات، أبوه، أيتام، ضعاف، لا زرع، ولا قلع، ملهمش دخل يعني، وبتقوله أخاف عليهم، الضبع، الضبع ده المراد به هنا ليس الحيوان الشرس، إنما المراد به السنة التي تلم بالناس من قحط، وجدب.

فما لبس عمر أن ذهب إلى الدار، ثم وجد فرسا ظهيرا مربوطاً، ففكه وحمل عليه غرارتين من طعام، الغرارة يا جماعة يعني شوال، غرارتين من طعام، وجعل بينهما نفقة وثياباً، وقال لها: اقتاديه، فإنه لا ينفذ حتى يأتيكم الله تعالى بخير

فقال قائل: يا أمير المؤمنين، لقد أكثرت لها إيه ده كله؟

فقال عمر: اسكت، ثكلتك أمك، والله إني لأرى أباها وأخاها، قد اقتحما، حصناً في غزوة من الغزوات، فأصبحنا نقتسم سهماننا فيه.

الشاهد في الرواية والمطلوب تفعيله: المرأة قصت لعمر حالها، وشرحت له أمرها، وأمر صغارها، وانتسبت لرجل من صحابة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، كان قد شهد الحديبية مع النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، وشهد غزوة خيبر، قالت، أنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، ولقد شهد الحديبية مع النبي عليه الصلاة والسلام، فعمر رحب بها، وقال نسب قريب، ثم أمر لها بالعطاء ليكفل أسر الشهداء، ليكفل أسر الشهداء، هذا موجود كما ذكرت في صحيح الإمام البخاري.

نكفلهم لماذا؟

حتى يتثنى لغيرهم إن رأى هذا أن يلقي بنفسه في سبيل الدفاع عن دينه وبلاده، إذا إخوتي الكرام هذا ما ينبغي تفعيله في دنيا الناس، لا نتوقف عند الشهداء ونقول يكفي واحد فقط نعفيه، فلماذا لا يعفى الجميع؟ الشهيد أبي وأبوك، يعفى واحد ويترك البقية؟

لا، نقوم على أمر الجميع، بكفايتهم، في كل مناحي الحياة يُقَدمون، يُقَدمون لماذا؟

لما بذلوه من أنفس غالية في سبيل الله تعالى، وفي سبيل رفعة دينهم وأوطانهم.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *