تخطى إلى المحتوى

خطبة عن الوطن والوطنية

مشاركة:

خطبة عن الوطن والوطنية بعنوان (إعلام الفطن بحقيقة الوطنية والوطن) للشيخ محمد نبيه يوضح فيها معنى الوطن والمواطنة والوطنية وكيف نبني الوطن وما هي العوامل التي تساعدنا في بناء الأوطان.

خطبة عن الوطن والوطنية
خطبة عن الوطن والوطنية

ما معنى الوطن؟

كلمة وطن، قال ابن منظور في لسان العرب هو ما اتخذه الإنسان لنفسه مستقراً ومقاما.

وعند ابن ماجه في السنن بإسناد صحيح من قول النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (ما  توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجدَ للصَّلاةِ والذِّكرِ إلَّا تبشبشَ اللَّهُ تعالى لَهُ كما يتبشبشُ أَهلُ الغائبِ بغائبِهم إذا قدمَ عليهم).

توطن رجل المسجد يعني التزم المسجد وجعله مستقره، الله تعالى يفرح به كما يفرح أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم.

وعند الطبراني في المعجم الكبير من حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المسجِدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ)، وهناك جزئية أخرى في الرواية، لكن سندها ضعيف (وتَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَن كانَ المسجد بيته بالروح والريحان والجوازِ على الصِّراطِ إلى رِضوانِ اللَّهِ تعالى إلى الجنَّةِ).

الشاهد في كل هذا، أن الوطن مستقر ومقام.

في معجم المعانى كلمة فطَنَ وفطُنَ وفاطِنْ تطلق على الإنسان الحاذق، الماهر، المدرك، الفاهم، تستطيع أن تقول فلان فطن إذا كان عنده حذق في الفهم، ومهارة في الإدراك.

ما هي أهمية الوطن؟

للوطن أهميته، ومن أهمية الوطن أن الله تعالى قرن الخروج منه بسفك الدم، (وَلَوْ  أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا). الآية من سورة النساء.

قرن الله تعالى بين الخروج من الوطن، وبين سفك الدم وهذا يدل على أهمية الوطن.

وفي شريعتنا الغراء عقوبة، هذه العقوبة للمحارب، للمحاربين أصحاب الحرابة، أي قطاع الطرق الذين لا يأمن الناس على أنفسهم منهم، (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ).

الأرض معناها الوطن، يعني ينفوا من الوطن الذي يتوطنونه ويسكنونه، فعندنا عقوبة بالإبعاد عن الوطن، لو لم يكن الإبعاد عن الوطن عقوبة، لدل هذا على أن الوطن ليس له أهمية، لكن بما أن عقوبة شرعت بالإبعاد، هذا يدل على أهمية الوطن.

وفي الحديث الآخر الصحيح: (الْبِكْرُ بالبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وتغريب عام)، إذا زنى البكر بالبكر، يضرب كل منهما مائة جلدة، ثم يغرب عام، التغريب معناها إيه؟ يترك الديار إلى غيرها، يترك الوطن إلى غيره عام، فشرعت العقوبة بالإبعاد عن الوطن، ليدل هذا على أهمية الوطن.

والوطن بأهميته، المتعلق به راشد، لذلك عندنا بعد ذلك، عندنا مواطنة، وعندنا وطنية.

ما هي المواطنة؟

المواطنة عقد، عقد بين الوطن وبين من يسكن فيه وهذا العقد لا تمييز فيه، لا تمييز فيه، الكل عقده واحد، حتى لا تكون هناك مزايدات، العقد الذي وقعت عليه أنا وأبي، وقعت عليه أنت وأبوك، الكل فيه سواء.

عقد بين المواطن والوطن، بما أن له أن يحيا فيه بسلام، عليه أن يلتزم بما يلزمه به الوطن، تشرع لي كل الحقوق سياسية واجتماعية واقتصادية، كل الحقوق، وبما أنني أطالب بحقي، فعلي أن ألتزم بحق الوطن.

فالمواطنة عقدُ بين المواطن والوطن، لا تمييز فيه، ولا يصح لأحد أن يزايد على غيره لأن العقد واحد.

ما هي الوطنية؟

أما الوطنية ميلٌ وشعور، أترك بلدي، وأسافر أضرب في أرض الله رجاء أن أحسن حالتي الاجتماعية، أسافر إلى أقصى بلاد الدنيا، وعندما أحصل بغيتي من سفري، أحن إلى وطني، أرجع مرة ثانية إلى وطني، هذه يقال لها وطنية، وطنية، حب الوطن، والميل إليه، وبذل المهجة في سبيله، هذه وطنية، وهذه التي ينبغي أن تكون فاصلاً بين الوطني ومدعي الوطنية.

والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام لما ترك مكة، وقدم المدينة المنورة، كان قلبه متعلقاً بمكة، لم ينسى مكة أبداً، وكلنا يحفظ الرواية (لولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ).

وهو في المدينة، كان إذا أتاه آت من مكة، سأله عن مكة، وفي معجم ابن الأعرابي، بإسناد فيه ضعف أن إبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسأله عن مكة: كيف تركت مكة يا إبان؟ قال: تركتها، وقد جيدوا، جيدوا، يعني أمطرت السماء، وأعشبت الأرض، قال: فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدموع.

هذا هو الميل، ميل القلب، وشغف النفس، والشوق للوطن هذه وطنية.

كيف نبني الوطن؟

علمنا وطن، وعلمنا مواطنة، وعلمنا وطنية، تعالى لننزل إلى أرض الواقع، كيف نبني الوطن؟ بناء الوطن يحتاج إلى عوامل كثيرة لكن أبرزها ثلاث:

التعليم الصحيح

أول شيء في بناء الوطن، تعليم صحيح، تعليم صحيح، لماذا؟ لأنك بالتعليم، تعرف ما يضر وما ينفع، بالتعليم، تعرف ما يضر وما ينفع، والتعليم الصحيح له عوامل، همة عند المتعلم، وكيفية المعلم، ومراقبة المجتمع.

حتى أفرز تعليماً صحيحاً، لا بد أن يكون عند المتعلم همة لا تمنعه، همة تحمله على الصبر والمثابرة، همة تحمله على الطلب، والمعلم، كيفية المعلم؟ يكون المعلم قدوة، يكون المعلم صاحب كفاءة، يرى المتعلم فيه منهجه، يرى المتعلم في معلمه منهجه.

لو نظرت إلى التعليم منذ ثلاثين سنة مضت، من ذهب إلى الابتدائي، وخرج فقط بالابتدائية، ما زال يلتزم بالمبادئ، ويعرف الأصول، ويرعاها، ويرعاها، لماذا؟

لأنه كان يرى منهجه في معلمه، كان معلمه قدوة، ثم بعد همة المتعلم، وكيفية المعلم، مراقبة المجتمع، المجتمع يراقب، يراقب، يفعل الفضيلة، وينهى عن الرزيلة، يرعى النصح، ويحارب الغش، بهذا يفلح التعليم، وهذه أول طوبة في بناء الوطن.

احترام القانون

الطوبة الثانية في بناء الوطن، احترام النظام الذي يسير عليه المجتمع، نسميه القانون، نسميه الدستور، والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام لما دخل المدينة، كتب الدستور تعايش بين أهل المدينة، قال: للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم، ثم ألزمهم في شركة عامة، إذا داهم المدينة عدو يحارب الجميع، ألزم كل فصيل، بما ينبغي أن يلتزم به.

احترام القانون، هذه الطوبة الثانية، أو اللبنة الثانية في بناء أي دولة، في بناء أي وطن، وإنك إن نظرت إلى العالم الغربي، لماذا تقدم العالم الغربي على العالم الشرقي؟ لماذا تقدم الغربيون على المسلمين؟ تقدموا بماذا؟

باحترامهم لما سنوه من قوانين، يعني أضرب لك مثالاً معاصراً، ثم أرجع بنظرك للماضي، يعني أحكم دولة اليوم في النظام بريطانيا، طيب لما توني بلير رئيس الوزراء الماضي يمشي على الطريق ثم يزيد في السرعة عن السرعة القانونية تسحب رخصته، هذا حدث، هذا حصل، طيب إذا سار القانون بهذا الترتيب على الكبار، يسري على غيرهم، يسري على غيرهم.

لكن من أين تأتي الهلكة؟

إذا فُعِلَ القانون على الضعاف وأعفي منه الأقوياء، والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام كما في الصحيح لما سرقت المرأة المخزومية، لما سرقت المرأة المخزومية، قريش تكلمت عن هذا أهمهم شأن المخزومية، فقالوا من يتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نبعت مين للنبي عليه الصلاة والسلام يشفع عنده.

بنو مخزوم منهم، أبو سلمة، أبو سلمة عبد الله ابن عبد الأسد ابن عمر بن مخزوم، أخو النبي عليه الصلاة والسلام في الرضاع، وابن عمته، طيب، وأم سلمة، زوجة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام بعدما مات أبو سلمة، وأم سلمة من بني مخزوم، والسارقة مخزومية، خافوا العار، من يرسلون للنبي عليه الصلاة وأزكى السلام؟

قالوا: نرسل أسامة، أسامة حب النبي وابن حبه صلوات الله وسلامه عليه، يا أسامة إيتي رسول الله، وقل له فاوضه، لو أردتم أن ندفع عشر ديات، عشر ديات إلى بيت المال ينتفع المسلمون منها ندفع، لكن لا تقطع يد ابنتنا.

فغضب النبي عليه الصلاة وأزكى السلام من أسامة، قال: (أجئتَ تَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).

لا، القانون الجميع أمامه سواء، رسول الله، رأس الأمة، صلوات الله وسلامه عليه، يقول لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.

إذا ما ساد القانون، وأصبح الجميع أمامه سواء، عاش الناس في أمن وأمان، واطمأن كل إنسان على حاله، واطمأن كل إنسان على حاله، لكن إذا ترك الأمر سداحاً مداحاً، خلاص، لا تبنى الأوطان بهذا، إنما هذه معاول هدم لأي وطن.

معاول الهدم، انتشار الجهل، وعدم احترام القانون لذلك، افهم ينبغي أن نوفر تعليما صحيحا، وأن نحترم القانون حتى تعلوا بلادنا، وحتى ترتفع أوطاننا.

الإخاء

اتقوا الله إخوتي الكرام واعلموا أننا بينا معنى الفطن، والوطن، والمواطنة، والوطنية، وبينا بعض عوامل بناء الأوطان، ذكرنا منها التعليم الصحيح، واحترام القانون، بقي عامل ثالث وهو الإخاء.

الإخاء، أن تؤاخي الناس أن تكون فردا إيجابيا في المجتمع، يرحم القوي الضعيف، ويجبر الغني والفقير، إذا ما تآخى الناس فيما بينهم، منعنا الاحتكار، وإذا منع الاحتكار، اتسعت الحياة.

إذا ما حنى القوي على الضعيف، امتنع الظلم، وإذا انتفى الظلم من حياة الناس، هدأت أحوال الناس، وبهذه الثلاثة تبنى الأوطان بالتعليم، واحترام القانون، وانتشار الحب بين ساكني الوطن.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *