تخطى إلى المحتوى

خطبة عن حق الوطن والشهادة في سبيله

مشاركة:

خطبة عن حق الوطن والشهادة في سبيله بعنوان من حق الوطن الجهاد والدفاع عنه لفضيلة الشيخ محمد نبيه بمسجد التوحيد بقنتير.

خطبة عن حق الوطن والشهادة في سبيله
خطبة عن حق الوطن والشهادة في سبيله

ما معنى الوطن؟

قال ابن منظور في لسان العرب: الوطن هو موطن الإنسان وهو ما اتخذه محلا وسكنا يقيم فيه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجدَ للصَّلاةِ والذِّكرِ إلَّا تبشبشَ اللَّهُ لَهُ كما يتبشبشُ أَهلُ الغائبِ بغائبِهم إذا قدمَ عليهم). (صحيح ابن ماجه:659)

للوطن قدر عظيم حيث إن الله تعالى قرن الحرص عليه بالحرص على الحياة، فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا). (سورة النساء:66)

فسوى بين قتل أنفسهم وبين الخروج من ديارهم، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). (سورة البقرة:246) 

أي: وكيف لا نقاتل وقد أخذت منا البلاد وسبيت الذرية والأولاد!

وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ). (سورة البقرة:84)

انظر كيف قرن الله تعالى بين سفك الدماء والحرمان من الأوطان.

ما معنى الوطنية؟

معنى الوطنية هي الشعور بالشوق للوطن، روى بن الأعرابي في معجمه بإسناد ضعيف عن اﻟﺤﺴﻦ ﻗﺎﻝ: ﻟﻤﺎ ﻗﺪﻡ ﺃﺑﺎﻥ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎﺹ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﻓﻘﺎﻝ: (ﻳﺎ ﺃﺑﺎﻥ، ﻛﻴﻒ ﺗﺮﻛﺖ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ؟) ﻗﺎﻝ: ﺗﺮﻛﺘﻬﻢ ﻭﻗﺪ ﺟﻴﺪﻭا، ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻤﻄﺮ، ﻭﺗﺮﻛﺖ اﻹﺫﺧﺮ ﻭﻗﺪ ﺃﻏﺪﻕ، ﻭﺗﺮﻛﺖ اﻟﺜﻤﺎﺭ ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺹ ﻗﺎﻝ: ﻓﺎﻏﺮﻭﺭﻗﺖ ﻋﻴﻨﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وسلم ﻭﻗﺎﻝ: (ﺃﻧﺎ ﺃﻓﺼﺤﻜﻢ، ﺛﻢ ﺃﺑﺎﻥ ﺑﻌﺪﻱ).

وﻗﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ: ﻓﻜﺎﻥ ﺃﺑﺎﻥ ﻳﻘﺮﺃ ﻫﺬا اﻟﺤﺮﻑ، (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ)، ﺃﻱ ﻣﻜﻨﺎ.

وقال شوقي:

وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه بالخلد نفسي

ما هي المواطنة؟

المواطنة هي عبارة عن عقد بينك وبين الوطن بالحقوق الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وغيرها بلا تفاضل ولا تفاوت لا لعرق ولا لدين ومن ثم هذا العقد يلزم المتعاقد بأداء ما عليه حتى يأخذ ما له.

فحب الوطن علامة رشد كما يقول العلماء: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة، وقيل: من أمارات العاقل بره لإخوانه وحنينه لأوطانه ومداراته لأهل زمانه.

والأطباء يربطون بين صحة الإنسان وطبيعة أرضه التي نشأ عليها، قال أبو قراط: كل عليل يداوى للعقاقير أرضه.

وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: (بسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أرْضِنَا، برِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بإذْنِ رَبِّنَا). (صحيح البخاري:5745)

قال النووي في معنى الحديث: أنه أخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم وضعها على التراب فعلق به شيء منه ثم مسح به الموضع العليل أو الجريح قائلا الكلام المذكور في حالة المسح.

قال القرطبي: فيه دلالة على جواز الرقى من كل الآلام، وأن ذلك كان أمرا فاشيا معلوما بينهم، قال: ووضع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته بالأرض، ووضعها عليه يدل على استحباب ذلك عند الرقية.

ثم قال: وزعم بعض علمائنا أن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الذي به الألم، ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجراح واندمالها.

وقال في الريق: إنه يختص بالتحليل والإنضاج وإبراء الجرح والورم لا سيما من الصائم والجائع.

وتعقبه القرطبي: أن ذلك إنما يتم إذا وقعت المعالجة على قوانينها من مراعاة مقدار التراب والريق وملازمة ذلك في أوقاته، وإلا فالنفث ووضع السبابة على الأرض إنما يتعلق بها ما ليس له بال ولا أثر.

وإنما هذا من باب التبرك بأسماء الله تعالى وآثار رسوله، وأما وضع الإصبع بالأرض فلعله لخاصية في ذلك، أو لحكمة إخفاء آثار القدرة بمباشرة الأسباب المعتادة.                              

وقال البيضاوي: قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلا في النضج وتعديل المزاج، وتراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر.

فقد ذكروا أنه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئا منه في سقائه ليأمن مضرة ذلك.

ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها.

ومما لا شك فيه بأن حب الناس لأوطانهم وتعلقهم ببلدانهم من أهم أسباب عمران البلدان وبفقد الحب تهجر الديار وتقفر البلاد.

ما هو فضل الجهاد؟

في الصحيحين أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَثَلُ المُجَاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، واللَّهُ أعْلَمُ بمَن يُجَاهِدُ في سَبيلِهِ، كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ، وتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ في سَبيلِهِ، بأَنْ يَتَوَفَّاهُ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مع أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ). (صحيح البخاري:2787)

هذا الحديث يبين عظيم فضل الجهاد؛ لأن الصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال، وقد جعل المجاهد مثل من لا يفتر عن ذلك في لحظة من اللحظات، ومعلوم أن هذا لا يتأتى لأحد.

وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل الثواب في كل حركة وسكون؛ لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن العبادة فأجره مستمر.

وكذلك المجاهد لا تضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب لحديث: (إنَّ فَرَسَ المُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ في طِوَلِهِ، فيُكْتَبُ له حَسَنَاتٍ). (صحيح البخاري:2785)

وأصرح منه قوله تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). (سورة التوبة:120)

حديث عن فضل الجهاد

وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك: عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَرَوْحَةٌ في سَبيلِ اللَّهِ، أوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها، ولَقابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، أوْ مَوْضِعُ قِيدٍ – يَعْنِي سَوْطَهُ – خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها، ولو أنَّ امْرَأَةً مِن أهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إلى أهْلِ الأرْضِ لَأَضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولَمَلَأَتْهُ رِيحًا، ولَنَصِيفُها علَى رَأْسِها خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها). (صحيح البخاري:2796)

قال المهلب: إنما أورد حديث أنس هذا ليبين المعنى الذي من أجله يتمنى الشهيد أن يرجع إلى الدنيا ليقتل مرة أخرى في سبيل الله، لكونه يرى من الكرامة بالشهادة فوق ما في نفسه، إذ كل واحدة يعطاها من الحور العين لو اطلعت على الدنيا لأضاءت كلها انتهى.

وروى ابن ماجه بإسناد ضعيف جدا من طريق شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: ذُكِرَ الشُّهَداءُ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: لا تجِفُّ الأرضُ مِن دَمِ الشَّهيدِ حتَّى تبتدِرَه زَوْجتاه، كأنَّهما ظِئْرانِ أضَلَّتا فَصيلَيْهما في بَراحٍ مِن الأرضِ، وفي يدِ كلِّ واحدةٍ منهما حُلَّةٌ خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها. (ضعيف ابن ماجه:560)

والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أمر عظيم من جميع ما في الدنيا ، فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات.

والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا فنبه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا.

(ولقاب قوس أحدكم) أي قدره، والقاب بالقاف وآخره موحدة معناه القدر، وقيل القاب ما بين مقبض القوس وسيته، وقيل ما بين الوتر والقوس، وقيل المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به، وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة.

روى الدارمي بإسناد صححه الألباني عن عتبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القَتلى ثلاثةٌ: رجلٌ مؤمنٌ جاهَد بنفسِهِ ومالِه في سبيلِ اللهِ؛ حتَّى إذا لَقيَ العدوَّ قاتَلَهم حتَّى يُقْتَلَ. فذلكَ الشَّهيدُ الممتَحَنُ في جنَّةِ اللهِ تحتَ عرشِه، لا يَفضلُه النَّبيُّونَ إلَّا بفضلِ درجةِ النُّبَوَّةِ. ورجلٌ فرَق على نفسِه من الذُّنوبِ والخَطايا، جاهد بنفسِه ومالِه في سبيلِ اللهِ، حتَّى إذا لقيَ العدوَّ قاتلَ حتَّى يُقْتَلَ، فتِلكَ مَمصمَصةٌ محَتْ ذنوبَه وخطاياه، إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ للخَطايا، وأُدْخِلَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شاءَ؛ فإنَّ لها ثمانيةَ أبوابٍ، ولجهنَّمَ سَبعةَ أبوابٍ، وبعضُها أفضَلُ مِن بَعضٍ. ورجلٌ مُنافقٌ جاهَد بنفسِه ومالِه، حتَّى إذا لقيَ العدوَّ قاتلَ في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ حتَّى يُقْتَلَ، فذَلكَ في النَّارِ؛ إنَّ السَّيفَ لا يَمحو النِّفاقَ). (صحيح الترغيب:1370)

ما تكفل الله به للشهيد

روى الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ: يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه). (صحيح الترمذي:1663)

(للشهيد عند الله ست خصال) لا يوجد مجموعها لأحد غيره.

(يغفر له) بصيغة المجهول.

(في أول دفعة) بضم الدال المهملة وسكون الفاء هي الدفقة من الدم وغيره قاله المنذري: أي تمحى ذنوبه في أول صبة من دمه.

وفي اللمعات: الدفعة بالفتح المرة من الدفع، وبالضم الدفعة من المط، والرواية في الحديث بوجهين وبالضم أظهر أي يغفر للشهيد في أول صبة من دمه.

(ويرى) بضم أوله على أنه من الإراءة ويفتح (مقعده) منصوب على أنه مفعول ثان والمفعول الأول نائب الفاعل أو على أنه مفعول به وفاعله مستكن في يرى وقوله (من الجنة) متعلق به.

قال القاري: وينبغي أن يحمل قوله (يرى مقعده) على أنه عطف تفسير لقوله (يغفر له) لئلا تزيد الخصال على ست، ولئلا يلزم التكرار في قوله (ويجار من عذاب القبر) أي يحفظ ويؤمن إذ الإجارة مندرجة في المغفرة إذا حملت على ظاهرها روى (يأمن من الفزع الأكبر).

قال القاري: فيه إشارة إلى قوله تعالى: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) قيل الفزع هو عذاب النار، وقيل العرض عليها، وقيل هو وقت يؤمر أهل النار بدخولها، وقيل ذبح الموت فييأس الكفار من التخلص من النار بالموت، وقيل وقت إطباق النار على الكفار، وقيل النفخة الأخيرة لقوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ) انتهى.

(ويوضع على رأسه تاج الوقار) أي تاج هو سبب العزة والعظمة، وفي النهاية: التاج ما يصاغ للملوك من الذهب والجواهر.

(الياقوتة منها) أي من التاج، والتأنيث باعتبار أنه علامة العز والشرف أو باعتبار أنه مجموع من الجواهر وغيرها.

(ويزوج) أي بطريق الزوجية.

(اثنتين وسبعين زوجة) في التقييد بالثنتين والسبعين إشارة إلى أن المراد به التحديد لا التكثير، ويحمل على أن هذا أقل ما يعطى ولا مانع من التفضل بالزيادة عليها قاله القاري.

(من الحور العين) أي نساء الجنة، واحدتها حوراء وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها، والعين جمع عيناء وهي الواسعة العين.

(ويشفع) بفتح الفاء المشددة على بناء المجهول أي يقبل شفاعته.

ما هي الذنوب التي لا تغفر للشهيد؟

روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ). (صحيح مسلم:1886)

وفي الحديث أن الشهادة لا تكفر التبعات وحصول التبعات لا يمنع حصول درجة الشهادة.

ما الواجب علينا للشهيد؟

روى البخاري في صحيحه عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغارا، والله ما ينضجون كراعا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم.

فوقف معها عمر ولم يمض، ثم قال: مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما، وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير.

فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه. (صحيح البخاري:4160)

قوله: (فلحقت عمر امرأة شابة) لم أقف على اسمها ولا على اسم زوجها ولا اسم أحد من أولادها، وزوجها صحابي؛ لأن من كان له في ذلك الزمان أولاد يدل على أن له إدراكا، وهذه بنت صحابي لا يبعد أن يكون لها رؤية، فالذي يظهر أن زوجها صحابي أيضا.

وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي (فلقينا امرأة قد شبثت بثيابه) وللدارقطني من هذا الوجه (إني امرأة مؤتمة) وله من طريق سعيد بن داود عن مالك (فتعلقت بثيابه).

وقوله: (وترك صبية صغارا) في رواية سعيد بن داود (وخلف صبيين صغيرين) فيحتمل أن يكون معهما بنت أو أكثر.

قوله: (فقالت: يا أمير المؤمنين) زاد الدارقطني من طريق عبد العزيز بن يحيى عن مالك (فقال من معه: دعي أمير المؤمنين).

وقوله: (ما ينضجون) بضم أوله وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم.

قوله: (كراعا) بضم الكاف هو ما دون الكعب من الشاة.

قال الخطابي: معناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه، ويحتمل أن يكون المراد لا كراع لهم فينضجونه.

وقوله: (ليس لهم ضرع) بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء: ليس لهم ما يحلبونه.

وقوله: (ولا زرع) أي ليس لهم نبات.

قوله: (وخشيت أن تأكلهم الضبع) أي السنة المجدبة، ومعنى تأكلهم أي تهلكهم.

وقوله: (وأنا بنت خفاف) بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة.

قوله: (إيماء) بكسر الهمزة ويقال بفتحها وسكون التحتانية والمد.

(وخفاف) صحابي مشهور قيل: له ولأبيه ولجده صحبة حكاه ابن عبد البر قال: وكانوا ينزلون غيقة يعني بغين معجمة وتحتانية ساكنة وقاف ويأتون المدينة كثيرا، ولخفاف هذا حديث عند مسلم موصول.

قال الواقدي: وقوله: (شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال: (لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا، وبعث بها مع ابنه خفاف، فقبل هديته وفرق الغنم في أصحابه ودعا بالبركة).

قوله: (بنسب قريب) يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش؛ لأن كنانة تجمعهم. أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف.

وقوله: (بعير ظهير) أي قوي الظهر معد للحاجة.

قوله: (اقتاديه) بقاف ومثناة وفي رواية سعيد بن داود ” وقودي هذا البعير “.

وقوله: (حتى يأتيكم الله بخير) في رواية سعيد بن داود ” بالرزق “.

قوله: (فقال رجل) لم أقف على اسمه.

وقوله: (ثكلتك أمك) هي كلمة تقولها العرب للإنكار ولا تريد بها حقيقتها.

قوله: (إني لأرى أبا هذه) يعني خفافا.

وقوله: (وأخاها) لم أقف على اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد لكنهما تابعيان فوهم من فسر الأخ الذي ذكره عمر بأحدهما؛ لأن مقتضى هذه القصة أن يكون الولد المذكور صحابيا.

وإذا ثبت ما ذكره ابن عبد البر أن لخفاف وأبيه وجده صحبة اقتضى أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة، وهم ولد خفاف، وخفاف وإيماء ورحضة، فتذاكر بهم مع بيت الصديق خلافا لمن زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة الا في بيت الصديق.

وقد جمعت من وقع له ذلك ولو من طريق ضعيف فبلغوا عشرة أمثلة، منهم زيد بن حارثة وأبوه وولده أسامة وولد أسامة، لأن الواقدي وصف أسامة بأنه تزوج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وولد له.

قوله: (قد حاصرا حصنا) لم أعرف الغزوة التي وقع فيها ذلك، ويحتمل احتمالا قريبا أن تكون خيبر لأنها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها.

قوله: (نستفيء) بالمهملة وبالفاء وبالهمز أي نسترجع، يقول: هذا المال أخذته فيئا. وفي رواية الحموي بالقاف بغير همز.

وقوله: (سهماننا) أي أنصباؤنا من الغنيمة.

وفي الرواية: القيام بالرعاية لأهل الشهيد والإعتراف بجميله.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *