تخطى إلى المحتوى

خطبة عن غزوة بدر

مشاركة:

خطبة عن غزوة بدر للشيخ محمد نبيه بمسجد المحجوب بالحسينية يوضح فيها دروسا وعبر من غزوة بدر وما هي أسباب النصر في غزوة بدر.

خطبة عن غزوة بدر
خطبة عن غزوة بدر

مقدمة عن غزوة بدر

اعلموا إخوتي الكرام أنّه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، فلقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يعلمون أنّ اللقاء سيكون بينهم وبين جيش مكة الذي استنفره أبو سفيان.

إنّه لا عز ولا مجد ولا سيادة ولا ظهور إلا بإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله، فبها علت راية لا إله إلا الله، وبها كتب الله الظهور لدينه، والله تعالى وعد في القرآن الكريم بإظهار دينه في ثلاثة مواضع:

يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:33)

ويقول تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا). (سورة الفتح:28)

ويقول تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). (سورة الصف:9)

وفي كل موضع منها يذكر الله الجهاد قبلها وبعدها، وهي رسالة تقول لنا: إنه لا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بالتمسك بديني وإقامة شعيرة الجهاد في سبيلي.

وهل أدل على ذلك مما رواه أبو داود في سننه من حديث نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).

اليقظة والانتباهة في قيادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد علم بخروج أبي سفيان إلى الشام وتعرض له وأفلت منه، وها هو صلى الله عليه وسلم يعلم برجوعه ويخرج بأصحابه لمقابلته ومن معه.

قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ) (سورة البقرة:216)، وقال تعالى: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). (سورة النساء: 19)

فلقد كان أمر الكثيرين كما قال الله: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ). (سورة الأنفال: 7)

فعلى المسلم أن يسلم لأمر الله، فإنه لا يدري أين الخير لنفسه، فخيرة الله لنا خير من خيرة أنفسنا لأنفسنا.

من أطاع الله طوَّع الله له كل شيء، قال تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)). (سورة الأنفال)

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه وكثرة تضرعه في هذه الغزوة وفي غيرها دليل على مسألتين:

  1. أن الدعاء عامل رئيسي من عوامل النصر على الأعداء، فهو السلاح الفتّاك المهمل.
  2. أنّ العبادة لا ينبغي أن تكون إلا لله، فالكل فقير إلى ربه، والله هو الغني الحميد الصمد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فكيف يُلجأ إلى غيره وخير خلق الله كان يلجأ إليه؟!

إنصاف النبي في غزوة بدر

قال ابن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم.

فمر بسواد بن غَزِيَّة – حليف بني عدي بن النجار – وهو مستنتل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: (استو يا سواد).

فقال: يا رسول الله! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني.

قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: (استقد).

قال: فاعتنقه فقبل بطنه.

فقال: (ما حملك على هذا يا سواد؟).

قال: يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير. (أبو نعيم في “معرفة الصحابة” (ق:1/303) وابن الأثير في “أسد الغابة” (2/332))

عجيب أن يتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقصاص في هذه الأزمة التي تمر بها أمته!

ومالي أعجب وقد روى ابن ماجه بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني.

فانتهره أصحابه، وقالوا: ويحك، تدري من تكلم؟

قال: إني أطلب حقي.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ؟). ثم أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: (إن كانَ عندَكِ تمرٌ فأقرِضينا حتَّى يأتيَنا تمرُنا فنَقضِيَك).

فقالت: نعم، بأبي أنت يا رسول الله.

قال: فأقرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك.

فقال: (أولئِكَ خيارُ النَّاسِ إنَّهُ لا قُدِّست أمَّةٌ لا يأخذُ الضَّعيفُ فيها حقَّهُ غيرَ متَعتَعٍ). (صحيح ابن ماجه:1984)

في القصة كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أنّ السلطان فمن دونه لا يعلو منهم أحد على الحق، فإذا ظلم الحاكم أحداً من رعيته وجب عليه أن يمكن المظلوم من القصاص، وهي فائدة جرى القلم بها!!

دور الشئون المعنوية في غزوة بدر

الجنة تحت ظلال السيوف

قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ).

فقال عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟

قال: (نَعَمْ).

قال: بخ بخ!

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ)؟

قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها.

قال: (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا).

فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. (صحيح مسلم:1901)

الإيمان العميق بالآخرة حتى كأنهم يرون الجنة والنار رأي العين، يندفع لأبواب الجنة كأنه يراها مشرعة أمام عينيه، مثل هذا الإيمان العظيم لا يأتي من فراغ وإنما من مجاهدة النفس والاجتهاد في الطاعات والقربات، والخلوة بالله.

عقيدة الولاء والبراء

(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ). (سورة المجادلة: 22)

في بدر: دعا أبو بكر ابنه إلى المبارزة، وقتل عمر خاله، وعلي وحمزة قتلا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وأسر أبو اليسر أبا عزيز بن عمير، فمر به أخوه مصعب بن عمير فقال: اشدد يديك به؛ فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك.

قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي؟

فقال له مصعب: إنه أخي دونك.

فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، ففدته بها.

ولما استشار النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في الأسرى قال: أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيبا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. (صحيح مسلم:1763)

فرضي الله عن أصحاب نبينا ما أصدق إيمانهم! ولن يذوق أحد طعم الإيمان بالله حتى يقيم هذه العقيدة في قلبه، عقيدةَ الولاء والبراء.

الحق منصور ولكنه مبتلى، ولابد من سنة التدافع بين أهل الحق والباطل، فالفائز من استعمله الله ليعلي به دينه، وإن ربك غني عن العالمين.

الحرص على عدم مخالفة أمر الله

قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرً). (سورة النساء: 123)

ففي صحيح مسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: (مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى)؟

فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار؛ فعسى الله أن يهديهم للإسلام.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟).

قال: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ.

فقال ما تقدم ذكره في الفائدة السابقة ثم قال عمر: فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ)، شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم.

وأنزل الله عز وجل: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طيب). (سورة الأنفال:67)

فأحل الله الغنيمة لهم.

الشورى في غزوة بدر

تأكيد مبدأ الشورى، باعتباره مبدأً من مبادئ الشريعة وأصلاً من أصول الحكم، وصورةً من صور التعاون على الخير، يحفظ توازن المجتمع، ويجسّد حقيقة المشاركة في الفكر والرأي، بما يخدم مصلحة الجميع.

إن الشورى من فرائض شرعتنا، ومن مفاخر دعوتنا، ومن معالم حضارتنا، ومن يعمل على تنحيتها وهدمها وعزلها أو الالتفاف حولها، فإنما يهدم الفرض، ويفسد في الأرض، ويُمكنُ لذلك للغرب، ويُحارب بذلك الرب.

وصدق حافظ إبراهيم – رحمه الله – حين قال:

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها

فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المؤيّد بالوحي استشار أصاحبه في تلك الغزوة أربع مرّات:          

  1. استشارهم حين الخروج لملاحقة العير.
  2. واستشارهم عندما علم بخروج قريشٍ للدفاع عن أموالها.
  3. واستشارهم عن أفضل المنازل في بدر.
  4. واستشارهم في موضوع الأسرى.

وكلّ ذلك ليعلّم الأمة أن تداول أي فكرة وطرحها للنقاش يسهم في إثرائها وتوسيع أفقها، ويساعد كذلك على إعطاء حلول جديدة للنوازل الواقعة.       

غيرة المسلم على رسول الله

حيث إنّ المسلم لا يرضى أن يساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه حقيقة المحبة.

ففي الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال مثلها، قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه. فقال: (أَيُّكُمَا قَتَلَهُ)؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلت. فقال: (هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا)؟ قالا: لا. فنظر في السيفين فقال :(كِلَاكُمَا قَتَلَهُ)، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء.

قال النووي رحمه الله: “قال أصحابنا: اشترك هذان الرجلان في جراحته ، لكن معاذ بن عمرو بن الجموح أثخنه أولاً فاستحق السلب، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلاكما قتله) تطييباً لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في قتله، وإلا فالقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب وهو الإثخان وإخراجه عن كونه متمنعاً إنما وجد من معاذ بن عمرو بن الجموح، فلهذا قضى له بالسلب. قالوا: وإنما أخذ السيفين ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما، فعلم أن ابن الجموح أثخنه، ثم شاركه الثاني بعد ذلك وبعد استحقاقه السلب، فلم يكن له حق في السلب. هذا مذهب أصحابنا في معنى هذا الحديث. (شرح مسلم:(12/63، ثم احتز ابن مسعود رضي الله عنه رأسه بعدُ وذهب به إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم”.

الحب الحقيقي لله ورسوله، والاستجابة لله وللرسول، وبرزت صفحات من البطولة والتضحية.

كان الصحابة يتسابقون إلى ساحات الجهاد، ويتنافسون على القتال في سبيل الله ونيل الشهادة، بل كان لصغار الصحابة نصيب من هذه البطولات.

وكان قبل المعركة يتخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يراه فيردَّه بسبب صغره، وسرعان ما اكتشف هذا البطل الصغير، فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صغيراً رده عن المشاركة في المعركة، فتولى وهو يبكي، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بكاءه وإصراره أجازه، فدخل المعركة، فقاتل حتى قتل، رضي الله عنهم أجمعين.

عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابدٍ دمعَه بالخد أجراه
وأسد غاب إذا لاح الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه

نصر الله تعالى لأوليائه، حيث استجاب الله دعاء رسوله وأصحابه، ونصر حزبه، وأنجز وعده، مع وجود الفارق في العدد والعدة.

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) (سورة آل عمران:123)، لقد أراد الله سبحانه أن يعرف المسلمون على مدى التاريخ أن النصر سنةٌ من سنن الله، وهو سبحانه إنما ينصر من ينصره، فليس النصر بالعدد والعدة فقط، وإنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ). (سورة الأنفال:10)

ونحن اليوم قبل أن نقول: أين نصر الله؟ نقول: أين المسلمون؟

وما فتئ الزمان يدور حتى مضـى بالمجـد قوم آخرونَ
وآلَمني وآلـم كلَّ حـر سؤال الدهر: أين المسلمونَ؟

وفاء النبي مع الكافرين

فقد ورد في دلائل النبوة للبيهقي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله)، ثم أورد البيهقي قول ابن إسحاق: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة.

وتشرق شمس الوفاء في موطن آخر، كما روى البخاري في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه قال: في أُسَارَى بَدْرٍ: (لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ).

قالها وفاءً له؛ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره، فقال: أنا حليف والحليف لا يجير. فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب. فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك، ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت، وصلى عنده، ثم انصرف إلى منزله.

فما أحوجنا إلى وفاء النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه بين إخواننا!!

دروس وعبر من غزوة بدر

تطبيق المساواة بين الجندي والقائد، ومشاركته لهم في الظروف المختلفة، يتّضح ذلك في إصراره عليه الصلاة والسلام على مشاركة أبي لبابة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما في المشي وعدم الاستئثار بالراحلة.

أثر ثبات القائد في ثبات جنوده، خصوصاً إذا كان محبوباً لديهم، لأن الجنود في ساعات الخطر تتوجّه أنظارهم مباشرة إلى القادة، فإذا رأوا منهم بوادر الثقة والطمأنينة والروح المعنوية العالية أثّر ذلك في نفسيّات الجنود بلا شك.

ضرورة قطع الإمدادات عن العدو، فإن ذلك مما يكسر شوكته ويصعب المهمة عليه، كما في اختيار الحباب بن منذر رضي الله عنه لعين بدر واقتراحه بردم بقيّة الآبار إشارة.

مراعاة القائد لظروف جنده، فقد أعذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه لظروف زوجته، وأعذر حذيفة بن اليمان ووالده رضي الله عنهما وفاءً بوعد قطعوه بعدم المشاركة في قتال كفّار قريش.

تقدير القائد للأدوار التي يقوم بها جنوده حينما أعطى أبا لبابة رضي الله عنه جزءاً من الغنيمة لقيامه بمهمة خاصة في بني عوف، ومثله عبد الله بن أم مكتوم الذي أوكل إليه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالمسلمين.

حسن التدبير العسكري، وذلك حينما أمرهم بالدفاع عن بعد برمي السهام، والاقتصاد في رميها، وسل السيوف عند تداخل الصفوف فحسب. روى البخاري في صحيحه وأبو داود في سننه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أكثبوكم – يعني غشوكم- فارموهم واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم)،.  

دور الإعلام المقاوم: لا يستطيع ذو عقل أن ينكر دور الإعلام في أي مرحلة من مراحل الصراع مع العدو، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك دور الإعلام، وقد بدأ الإعلام الإسلامي في الظهور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منذ الهجرة وبرز أكثر مع بدء حركة السرايا، وقد كان الشعر يمثل الحملات الإعلامية المؤثرة في دنيا العرب، فيرفع أقوامًا ويخفض آخرين، ويشعل الحروب ويطفئها.

وللأسف فقد أغفل المسلمون لفترة من الزمن في العصر الحديث دور الإعلام المتحدث بلسان الأمة، في حين كان أعداؤنا يخصصون الميزانيات الضخمة من أجل الإعلام لذا لا عجب أن نجد المؤيدين لهم كافة أنحاء العالم مع أنهم على باطل لكنهم بإعلامهم قلبوا الباطل حقا والحق باطلا.

ولكن اليوم بدأ البعض يعي دور الإعلام، لكن حتى الآن لا يوجد منبر إعلامي إسلامي قوى يصل إلى قطاعات عريضة من الناس في كل أنحاء العالم.

وأصدر النبي صلى الله عليه وسلم عفوًا عن بعض الأسرى دون أن يأخذ منهم الفداء، نظرًا لفقرهم، وكلّف المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة.

نزلت سورة الأنفال تعقّب على هذه الغزوة وتستنكر على الصحابة اختلافهم على الأنفال، وتركز على سلبيات المعركة لمحاولة تلافيها في المعارك القادمة.

أسباب النصر في غزوة بدر

  1. الدعاء واللجوء إلى الله.
  2. تقوى الله عز وجل والطاعة لأوامر الوحي كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا). (سورة الأنفال:29)
  3. الصبر عند ملاقاة العدو.
  4. الثبات أثناء المعركة، كقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (سورة الأنفال:45)
  5. إخلاص النيّة في القتال.
  6. البعد عن أسباب الشحناء والاختلاف، كقوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ). (سورة الأنفال)
  7. الإكثار من ذكر الله عز وجل قبل وأثناء المعركة.
  8. إعداد العدّة والأخذ بكافّة الأسباب الممكنة للمواجهة، كقوله سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ). (سورة الأنفال:60)
  9. التوكّل على الله عز وجل بعد الأخذ بكافّة الأسباب الحسّية والمعنوية.
مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *