تخطى إلى المحتوى

خطبة عن العلم وأثره على الفرد والمجتمع

مشاركة:

خطبة عن العلم وأثره على الفرد والمجتمع للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أهمية العلم وفضله ومدى حاجتنا له ويذكر مثالاً معاصراً للجهل والعلم ويبين مسئولية الرعاة والمعلمين والوالدين.

خطبة عن العلم وأثره على الفرد والمجتمع
خطبة عن العلم وأثره على الفرد والمجتمع

ما هي أهمية العلم؟

لقد اهتمّ الإسلام بالعلم اهتماماً بالغاً، حيث أنّه جعله من الضّروريّات الخمس (دين، علم، عقل، صحة، نسل)، وقيل لها ضروريات لأنها قوام الأمم وسر نهضتها وبه تبنى حضارتها.

وللدعوة للعلم نزلت الكلمة الأولى إلى الأرض، واتخذت من الجهل العدو الأول لها، فكانت الكلمة (اقرأ)، وكانت الأمة (أمة اقرأ).

قال تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)). (سورة القلم)

وقد سمّى الله سبحانه سورةً كاملةً باسم القلم واستهلّها بقوله: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ). (سورة القلم: 1)

ما هو فضل العلم؟

من فضل العلم أن الله ذكره في القرآن في أكثر من سبعمائة وستين مرّةً، وفي هذا إشارةٌ عظيمةٌ إلى مكانة العلم ودرجته.

ولأهمّيّة العلم ومكانته وفضله؛ سمى الله به نفسه وكرّم الله به رسله.

فهذا ابراهيم عليه السلام: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا). (سورة مريم:43)

وهذا يوسف عليه السلام يقول لصاحبيه: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي). (سورة يوسف:37)

وداود وسليمان: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ). (سورة النمل:15)

وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله فيه: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا). (سورة النساء:113)

ومن فضل العلم: أنه الشّيء الوحيد الّذي أَمر الإسلام بالاستزادة منه، قال عز وجل: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا). (سورة طه: 114)

بل لقد أمر القرآن بالتّعلّم في وقت السّلم والحرب، قال سبحانه: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ). (سورة التّوبة: 122)

ومن فضل العلم أنه يرفع صاحبه درجات: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). (سورة المجادلة:11)

فلا مساواة بين من يعلم ومن لا يعلم، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). (سورة الزّمر:9)

بل لقد فضّل الله الحيوان المعلّم وأحلّ لنا صيده، قال تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ). (سورة المائدة:4)

وكذلكم الغراب الّذي علّم قابيل كيف يدفن أخاه؛ خلّد الله ذِكره في القرآن، قال تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ). (سورة المائدة:31)

إنّ من ينظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليجد مدى اهتمامه بالتّعليم ودعوته إليه.

روى أحمد في مسنده بإسناد حسن عن ابن عباس، قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر، لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة.

قال: فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه.

فقال: ما شأنك؟

قال: ضربني معلمي.

قال: الخبيث يطلب بذحل بدر، والله لا تأتيه أبدا.

كما خصص صلى الله عليه وسلم يوما لتعليم النساء.

روى البخاري عن أبي سعيد: جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله.

فقال: (اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا).

فاجتمعن، فأتاهن رسول الله، فعلمهن مما علمه الله، فبالعلم تتقدّم الأمم والمجتمعات.

ما هو فضل طلب العلم النافع؟

إنّ النّاظر في تاريخ الأمّة لَيلاحِظ أنّ رقيّ أمة الإسلام كان مرتبطاً بالعلم ارتباطاً وثيقاً.

وإنّ طلب العلم لا يتوقّف عند العلوم الشّرعيّة فحسب، بل إنّ المجتمعات تحتاج إلى كلّ علمٍ نافعٍ في جميع المجالات الّتي فيها مصلحةٌ للبشريّة؛ كالطّبّ والهندسة والصناعة والزراعة ونحوها.

روى أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه بتعلّم اللّغة السّريانيّة للحاجة إليها.

قال زيد بن ثابت: أمرني رسول الله فتعلمت له كتاب يهود، وقال: (إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي) فتعلمته، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته. (صحيح أبي داود:3645)

فلم تعن بالعلم دولة إلا وارتقت وزاحمت غيرها على رأس هرم الحضارة والتطور.

فالعلم هو الأساسُ الذي تتكأ عليه الدول في بناء حضاراتها، ونهضتها، والارتقاء بها في ركب الأمم والحضارات المتقدمة.

فحسب وقع انتشار العلم بسائر مجالاته وانتشار الوعي في المجتمعات تتبدد آمال الدول الكائدة بالانتصار والغلبة والسيطرة والاستبداد.

فلا تقوم قائمة لحكم ظالم أو لمستعمر محتل في مجتمع انتشر فيه العلم وجعل نشر الوعي والفهم من أولويات مساعيه وعمله، وجعل من الجهل والتخلف رؤوس أعدائه ومحاربيه.

ولم تهمل العلم دولة إلا وغالت في انحدارها حتى انتهت في قاع الذبول والضعف وخسارة السيادة وعقد الولاءات، حيث تجتمع عليها جميع الأمم الشقيّة اجتماع الآكلين على الصحفة.

فالجهل هو أشد الفيروسات فتكاً وبه يكون انهيار الدول والحضارات وتصدّع عرى المجتمعات وهو مطية المستعمر فالشيطان يسود بالجهل.

كمْ نحن اليوم بحاجةٍ إلى العلم النّافع الّذي نبني به حضارتنا، ونبلغ به مجدنا، ونقضي على داء الجهل الّذي ما انتشر في أمّةٍ إلا تهدّم بنيانها، وتزعزعت أركانها، وحلّ بها الخراب، لأنّه من وساوس الشّيطان.

حيث إنّ الشيطان يلّبس على النّاس بصدّهم عن العلم، ويأمرهم بالجهل، لأنّه يعلم أنّ العلم نورٌ، فيسعى جاهداً ليطفئ مصابيحهم ويجعلهم يتخبّطون في الظّلمات.

وهذا يفرح الشيطان لأنّه يستطيع بِالجهل أن يحقّق كلّ ثمرةٍ قبيحةٍ؛ من الكفر والفساد والظّلم والنّفاق ونحوها.

ما أحوج أمّة الإسلام اليوم إلى العلم والمعرفة، لتصبح في مصافّ الأمم المتقدّمة، بل في صدارتها؛ بالمساهمات المختلفة في الإنتاج العلميّ العالميّ.

حيث إنّ القوى العظمى في عالمنا اليوم لا تكتسب قوّتها من محض قوّتها العسكريّة ونفوذها الاقتصاديّ فحسب، بل كذلك بمقدار ما تنتجه من علمٍ ومعرفةٍ وما تجنيه من حصيلة البحث العلميّ الدّائب.

لأنّ العلم هو السّلاح القويّ الّذي يعيد لنا أرضنا وثقافتنا وعزّنا ومجدنا، وهو أرضٌ خصبةٌ لإنبات رجالٍ يعرفون ما لهم وما عليهم، ويكونون قادرين على تغيير هذا الواقع الأليم، ومواجهة الأفكار الفاسدة والثّقافات المضلّلة.

وإنّ العلم أساس نهضة الأمّة وقيام الحضارات، فبالعلم تُبنى الأمجاد، وتسود الشّعوب، وما فشا الجهل في أمّةٍ من الأمم إلا قوّض أركانها، وأوقعها في الرّذائل والمتاهات المهلكة.

مثال معاصر حي للجهل والعلم

(اليابان قبل هيروشيما وبعدها)

لقد سطّرت دولة اليابان مثالاَ حياً يحتذى به في تسلق سلم المجد والقدوات.

باستغلالها للعلم والتطور التقني في نهضتها، وبناء اقتصادها المدمر، ومؤسساتها الهزيلة وبناها التحتية التي باتت في الحضيض بعد الحرب العالمية الثانية.

لينتهي بها الحال بعدها إلى التربّع على مرتبة الاقتصاد الثالث على مستوى العالم كلّه بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

بعد أن كانت في مؤخرة الأمم تداري ضعفها وديونها.

لقد كان عام 1945 عاماً صعبا في تاريخ اليابان والعالم.

خسرت فيه اليابان أكثر من مائتي ألف نسمة من أبنائها، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المتضررين بالإشعاعات النووية جراء القنابل النووية التي ألقت بها الولايات المتحدة الأمريكية في سماء اليابان.

لم تبق اليابان ممددة طويلاً، ولم تدخر بعد جهداً فنضهت لفورها وشهدت حركة داخلية متسارعة تجلت فيها مظاهر الاعتناء بالعلم، وتسخير غالب الموارد إلى طلبه ونشره، وتطوير البحث العلمي، والاهتمام بالباحثين، وتوفير الأجواء المناسبة لأعمالهم ومشاريعهم.

فعقدت اجتماعات وبدأت تكافح على مدى عقود كثيرة، تسلّم فيها الآتي من الراحل، مبقياً على المنهاج ذاته في لحظ العلم الأولوية الأولى في الدولة.

إلى أن انتهى بها الحال في السنين الأخيرة لتكون الاقتصاد الثالث على مستوى العالم.

بالإضافة إلى صياغتها لعلامات ومواصفات قياسية لمنتجاتها، باتت مقياساً تقاس به جودة منتجات دول أخرى.

لقد رسمت اليابان هدفاً وحققت بعضه، ولا تزال تعمل ولا توفر جهداً في شق طريقها إلى سدّة الأمم بالعلم والمعرفة والفهم، بعيداً عن بلوغها الجور والظلم والتسلّط.

اليابان مريض أفاق من غيبوبته وعاد صحيحاً كما يرى العالم كله.

والواجب علينا في هذه الأيام العصيبة التي تعصف بالعالم أن نستقرئ تجارب الآخرين، ونستفاد منها.

اليابانُ تجربةً، لنحاول جنباً إلى جنب تكرارها في مجتمعاتنا، فالدول تدول، والأيام دول.

ولا يزال العلم يشق طريقه ليثبت ذاته على أنه المسار والمسلك الوحيد الذي يضمن حقوق الأمم، وسيادتها وعزّتها بين الأمم في زمن بات فيه الجهل ألدّ الأعداء، وبات حاضنه أضعف المجتمعات، وأكثرهم تبعية لعدوه.

وإذا كان العلم أساس نهضة الأمّة فإن هذه النّهضة منوطةٌ بتربية أجيالٍ على علمٍ ومعرفةٍ، ولنعلمْ أنّ لمحاضن التربية دوراً عظيماً في تحمّل هذه المسؤوليّة؛ في غرس القيم في نفوس الناشئة.

ما هي مسئولية الرعاة؟

روى ابن حبان في صحيحه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهُ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ؟!).

رسالة العلم والتّعليم رسالة اقتداءٍ بأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فقد كان خير المعلّمين وإمام المربّين والموجّهين.

روى أبو داود في سننه عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: لما قدمت على رسول الله: فدعاني رسول الله، فقال لي: (إِنَّمَا الصَّلَاةُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَإِذَا كُنْتَ فِيهَا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ شَأْنُكَ)، فما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله.

فكان خير المعلّمين والمربّين، حليماً رحيماً رفيقاً، ييسّر ولا يعسّر، ويبشّر ولا ينفّر.

فاقتدوا أيّها المعلّمون بإمامكم، فإن الآمال معقودةٌ عليكم في تعليم النّاس وهدايتهم، وستجدون فيهم الجاهل والسّفيه، فاصبروا وصابروا، واغرسوا بأيديكم بذوراً؛ قريباً يكون ثمارها وحصادها.

واغرسوا العلوم النّافعة والأخلاق الجامعة لخيري الدّنيا والآخرة، وكونوا أمام طلّابكم قدوةً حسنةً، فإنّ أعينهم تراقب أفعالكم، فأروهم من أنفسكم خيراً.

ما هي مسئولية المعلمين؟

التّعليم رسالةٌ عظيمةٌ تقلّدها الأنبياء، وورثها العلماء، وقام بها الصّلحاء، فطوبى لمن عرف حقّها، وأدّاها على الوجه المطلوب الّذي يرضي ربّ الأرض والسّماء.

فبالتّعليم حقوقٌ وواجباتٌ وأماناتٌ، أشفقت من حملها الأرض والسّماوات، وخافت منها الجبال الرّاسيات.

ولكنْ حملها المعلّمون والمعلّمات، حملوها على ظهورهم، ووضعوها في رقابهم، فطوبى للمخلصين المجدّين، وويلٌ للمستخفّين المضيّعين.

قال تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ). (سورة العنكبوت: 13)

يا من سبق فضلكم فضل الآباء يا رعاة الجيل وأمنة التّعليم: أنتم بيت القصيد، ومحطّ الرّكب، وبين أيديكم عقول النّاشئة، وعدّة المجتمع وأمله، فأخلصوا لله.

واعلموا أنّ نبيّكم أكبرَ من شأنكم، وأعلى من مقامكم.

روى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي أمامة الباهلي، قال: ذكر لرسول الله رجلان أحدهما عابد والآخر عالم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ).

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ، وَمَلَائِكَتَهُ، وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ؛ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ).

ما هي مسئولية الوالدين؟

إنّ مهمّة تربية الأولاد مهمّةٌ عظيمةٌ، لا سيّما في هذا الزّمن الّذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدّت فيه غربة الدّين، وكثرت دواعي الفساد.

حتّى صار المربّي مع أولاده كراعي الغنم في أرض السّباع الضّارية، إن غفل عنها أكلتها الذّئاب.

فأوصيكم أيّها الآباء والأمّهات بحقوق المعلّمين والمعلّمات خيراً.

فاغرسوا في قلوب أبنائكم حبّ العلّم والعلماء، وإجلال المعلّمين والمعلّمات، وتوقيرهم واحترامهم؛ طلباً لمرضاة الله، فليس دوركم هو توفير الحاجيّات المدرسيّة والنّفقات اليوميّة فقط، فهذا واجبٌ عليكم تجاه أبنائكم.

ولكنّكم أيّها الآباء عليكم واجبٌ أعظم وفرضٌ أكبر؛ ألا وهو: تحمّل المسؤوليّة الكبرى في تعليم أولادكم وتربيتهم ومتابعتهم.

فأنتم المخاطبون بقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ). (سورة التّحريم:6)

وهذه الآية أصلٌ في تعليم الأهل والذّريّة، واعلموا أنّ التّربية والتّعليم ليستْ مقتصرةً على المدارس والمعلّمين، بل هي عملٌ مشتركٌ بين الوالدَينِ والمدارس.

فعلّموا أولادكم الأدب قبل ذهابهم إلى مقاعد الدّراسة وطلب العلم.

وتأمّلوا كيف خاطب الله موسى عليه السلام، قال: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى). (سورة طه: 12)

لقد علّمه الأدب بقوله: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)، وعلّمه أدب الحديث بقوله: (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى). (سورة طه:13)

ورد في كتاب الديباج المذهّب في معرفة أعيان علماء المذهب (برهان الدّين اليعمريّ، ص98): لما أرادت أم الإمام مالك أن ترسله ليتعلم.

قال مالك: قلت لأمّي: أذهب فأكتب العلم؟

فقالت: تعال فالبس ثياب العلم، فألبستني ثياب مشمّرةً، ووضعت الطّويلة على رأسي، وعمّمتني فوقها، ثمّ قالت: اذهب فاكتب الآن، وكانت تقول: اذهب إلى ربيعة فتعلّم من أدبه قبل علمه.

فقد وجّهته قبل أن يجلس في مجلس الدّرس والطّلب.

شعر عن العلم وفضله

العلم يحيي قلوب الميتين كما تحيا البلاد إذا مسها المطر
والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه كما يجلي سواد الظلمة القمر
العلم يرفع بيوتا لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والكرم
مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *