تخطى إلى المحتوى

صفات الدعاة

مشاركة:

صفات الدعاة لفضيلة الشيخ محمد نبيه يبين فيها صفات الدعاة وأنهم أصحاب مبادرة ذاتية وأصحاب مشروع ورؤية واضحة يقتنعون بها ويتفاعلون معها.

خطبة بعنوان من صفات الدعاة
خطبة بعنوان من صفات الدعاة

من صفات الدعاة

المبادرة الذاتية

الداعية الإيجابي لا ينتظر التكليف، يطلق لنفسه أشرعتها البيضاء، ويسبح في المساحات المتاحة فى إطار الانضباط بالجماعية.

تدفعه طاقة في داخله، تولدت من شعوره بالقضية، تلك الذاتية التي علمنا إياها هدهد سليمان الذي لم ينتظر تكليفاً من أحد حتى يتحرك لدين الله، فدل علي جريمة الشرك فكان سبباً فى قمعه وإسلام القوم.

هذه الذاتية هي التي حركت الشاب المجاهد (حسن أولو بادلي) ورفاقه فى حصار القسطنطينية إلي اقتحام الموت، وتبدأ قصتهم معنا من يوم الإثنين التاسع عشر من جمادي الأول 857 هجريا، وقد جلسوا أثناء فترة الحصار يتجاذبون أطراف الحديث وهم يتناولون طعام الإفطار بعد صيامهم.

وكان حديثهم حول قضيتهم العظيمة فتح القسطنطينية وكيف أنها استعصت علي الفتح بسبب إحكام التحصينات على أسوارها رغم الثغرات التي أحدثتها مدافع السلطان محمد الفاتح، وتاقت أنفسهم لنيل إحدى الحسنيين.

فتواعدوا على أن يكون هدفهم هو ثغرة عند باب الجهة الشمالية، ولما أذن المؤذن لصلاة الفجر اصطف الجند بين يدي الله، ثم انطلقوا إلى النزال والقتال، وتساقط الشهداء واشتد البأس.

وفي هذه الأثناء كان حسن ورفاقه يتقدمون نحو الثغرة التى حددوها، وانهمرت عليهم السهام وقدور الزيت المغلي، لكنهم تمكنوا من ولوج الثغرة، وقاتلوا داخل أسوار القسطنطينية بقوة وبسالة، حتى تمكنوا من فتح أحد أبواب القسطنطينية.

واندفع جند الإسلام، بينما كان حسن ورفاقه يسقطون شهداء إن شاء الله، بعدما نالوا شرف أولوية دخول القسطنطينية وكانوا سببا في فتحها، دون أن ينتظروا تكليفًا ينطلقون بدافع ذاتي بروح المبادرة.

دائرة النفوذ ودائرة الاهتمامات

الداعية الإيجابي هو الذى يركز على دائرة نفوذه أكثر من دائرة اهتماماته، فلكل منا دائرتان، دائرة نفوذ وهى كل ما يقع تحت سيطرتنا المباشرة والمساحات التي نملكها، ودائرة اهتمام وهى كل ما نهتم به لكنه لا يقع تحت سيطرتنا المباشرة.

والداعية الايجابي هو الذى يركز على دائرة نفوذه، ويستغل كل طاقاته وإمكانياته للتعامل معها حتى يصل من خلالها إلى دائرة اهتماماته.

وننظر في هذا المقام إلي أبي بصير رضي الله عنه الذى رده النبى صلى الله عليه وسلم التزامًا ببنود معاهدة الحديبية، وفي الطريق يحتال على مقتاديه فيقتل أحدهما ويفر منه الآخر، فيأتى رسول الله فيرده ثانية فماذا فعل أبو بصير؟

لقد ترك الاهتمام بما لا يملكه واهتم وانشغل بما يستطيعه ويقع فى دائرة نفوذه، فعسكر فى سيف البحر وانضم إليه بعض من سمع به من المؤمنين، وكانوا يغيرون على قوافل المشركين، حتى اضطر المشركون إلى أن يطلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم أخذهم حتى يأمنوا شرهم.

الصفقات الرابحة

من صفات الدعاة أن الداعية الايجابي يحرص على سهمه فى الصفقات الرابحة، لا يقعد عن ذلك حتى ولو لم يكن له إلا تكثير السواد.

قال أنس بن مالك: «رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم الأعمى وعليه درع يجر أطرافها وبيده راية سوداء، فقيل له: أليس قد أنزل الله عذرك؟ قال: بلى، ولكني أكثر سواد المسلمين بنفسي»، مع أنه رضي الله عنه قد طلب أن يكون معه الراية لأنه أعمي لا يفر وحده.

ويضرب بالسيف يمينا وشمالاً وهو عساه يصيب كافراً، ومات ونحسبه شهيداً والله حسيبه فى ذلك الموقف مقبلاً غير مدبر.

بل إن ذلك الداعية إيجابي حتى فى أحزانه وهمومه، يخرج على بن الفتح رحمه الله يوم عيد الأضحى، فيرى الناس يضحون، وهو فقير لا دينار له، فانتحى جانباً وقال: «يارب، وأنا تقربت إليك بأحزاني».

وأما سيد التابعين أويس القرني فيناجي ربه، يشكو إليه عجزه عن إعانة إخوانه الذين أعياهم الجوع والبرد، فيطلق عبارات رقراقة: «اللهم إنى أعتذر إليك اليوم من كبد جائعة وبدن عار، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري».

الرؤية الواضحة

الداعية الايجابي صاحب مشروع ورؤية واضحة يقتنع بها ويتفاعل معها، يخرج أفكاره من حيزها الضيق إلى مجال الحياة الرحب، يفتح الوسائل بإرادة صلبة وعزيمة قوية حتى يصل إلى أهدافه.

تحت عنوان (اشرح آمالك بعد إتمام دراستك وبين الوسائل التي تعدها لتحقيقها)، فكتب التلميذ النجيب:

(وأعتقد أن خير النفوس تلك النفوس الطيبة التي ترى سعادتها فى سعادة الناس وإرشادهم، وتعد التضحية فى سبيل الإصلاح العام ربحاً وغنيمة، والجهاد فى الحق والهداية على وعورة طريقها راحة ولذة، وأعتقد أنه العمل الذي يتمتع بنتائجه العامل وغيره، وأعتقد أن أجل غاية التى يرمي الإنسان إليها، وأعظم ربح يربحه أن يحوز رضا الله).

التحرر من الأوهام

الداعية الإيجابي تحرر من أوهام الإنفصال بين الدنيا والآخرة ومن السقوط فريسة لهذه الأوهام، علم أن الله لم يذم الدنيا مجردة وإنما ذمها مقارنة بنعيم الآخرة، وذمها لمن رضي بها حظاً، وذمها لتنبيه الغافلين.

علم أن الأنسان مستخلف منها ليعبد الله ويعمر في الأرض، وأن الله تعالي عندما يقول: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾، فإنه يذكر بما هو خير منها لا لبيان قبحها فى نفسها.

علم أن الدنيا قنطرة للآخرة، وأن عليه إصلاح هذه القنطرة لضمان سلامة العبور إلى الآخرة، علم أن الدنيا والآخرة طريق واحد، أوله فى الدنيا وينتهى فى الجنة، فغرس الفسيلة هذا التحرر جعله ينعم بسعة الإسلام.

فخرج من ضيق التكلف والتنطع ومعاني الزهد الزائفة إلى وسطية الإسلام والزهد الحقيقي، ولم يضيق على الآخرين، وسار بخطوات متنرنة رشيدة ووسطية بين التجرد الروحي والارتكاس المادي.

الاستعلاء بالإيمان

الداعية الإيجابي مستعل بإيمانه، شعاره: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، مستعل على القيم والموازين الرديئة، مستعل على شهواته ورغباته يوجهها حيثما أراد.

مستعل على اللصوق بالأرض، كيف لا وهو يأوي إلى ركن شديد، يتلقى من الله ويتجرد لله ويجول الأرض سعياً فى سبيل الله، فلم لا يستعلي بإيمانه، لذلك فاستعلاؤه يمسك بحجزه عن السقوط في وحل المراهنات والتنازلات وذبح المبادئ.

يأتي مسيلمة الكذاب يعرض على النبى صلى الله عليه وسلم اقتسام الشرف، راجياً أن يحظى بأنصاف الحلول، وكان بيد النبى صلى الله عليه وسلم جريدة سعف يقول له: (لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا ، وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ).

ومن مدرسة الاستعلاء الإيماني، خرج ربعي بن عامر ليدخل بفرسه على بساط كسرى ويخرق النمارق والفرش، وهو سائر بحربته جاهراً بحقيقة الابتعاث.

ومنها خرج عبد الله بن حذافة السهمي، الذى أعيا باستعلائه عدوه وأرغمه على إطلاق سراح أسرى المسلمين، بقبلة لا وزن لها على رأس الملك، ولولا ما على أثارها من مصلحة للمسلمين ما كان ليفعلها بن حذافة الذى وقف أمام الموت بشموخ واستعلاء.

الجراح والصدمات

الداعية الإيجابي تربيه الجراح وتشد عوده الصدمات، تلك الجراح المربية التي عبر عنها أحد الدعاة بقوله: هى الخلفية التى تسند التطور الشخصي للداعية، والتطور الجماعي، لأن الألم يعصر القلب فيحركه نحو طلب الأمن والهدوء، ويحفز العقل للتفتيش عن منطقه ودقة وصف، وأسباب تعليل، وكل ذلك نضوج، لكنه يحتاج ثمنا من الحرقة واللذعات والصبر المر.

الداعية الإيجابي يرفع شعاراً له (نفس لهوها التعب)، نعم إنه النصب والتعب وبرد شذرات العرق على الجبين فى سبيل الله، هى لذته.

يمكث صلاح الدين أسبوعين على فرسه يعد كتائب الإيمان لمعركة حطين، فألحوا عليه أن ينزل ويستريح، إذا به يشعر بالتعب على فراشه، فتحن نفسه وتشتاق إلي لهوها، فينشد ذلك بالنصب على صهوة جهاده فى سبيل الله، وقيل لأحد الايجابيين: ألا ترتاح؟ فقال: راحتها أريد.

الفضيلة

الداعية الإيجابي لا تفارقه الفضيلة بل هي معه إلي قبره، وأختم بإيجابية محمد الفاتح فى ساعة احتضاره إذ يقول لولده:

ها أنذا أموت ولكنى غير آسف لأنى تارك خلفاً مثلك، كن عادلاً صالحاً رحيماً، وابسط على الرعية حمايتك بدون تميز، واعمل على نشر الدين الإسلامي، فإنه هذا واجب الملوك على الأرض.

قدم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء، ولا تفتر فى المواظبة عليه، ولا تستخدم الأشخاص الذين لا يهتمون بأمر الدين، ولا يجتنبون الكبائر، وينغمسون في الفحش.

وجانب البدع المفسدة، وباعد الذين يحرضونك عليها، وسع رقعة البلاد بالجهاد، واحرس أموال بيت المال من أن تتبدد، إياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الإسلام، واضمن للمعوزين قوتهم، وابذل إكرامك للمستحقين.

وبما أن العلماء هم بمثابة القوة المبثوثة فى جسم الدولة، فعظم جانبهم، وشجعهم، وإذا سمعت بأحد منهم فى بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال.

حذار حذار، لا يغرنك المال ولا الجند، وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك، وإياك أن تميل إلى أى عمل يخالف أحكام الشريعة، فإن الدين غايتنا، والهداية منهجنا، وبذاك انتصرنا.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *