تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة الحاقة

مشاركة:

تفسير سورة الحاقة للشيخ محمد نبيه يشرح فيها تعريف سورة الحاقة ويبين معنى الحاقة ومعاني اﻵيات والكلمات.

تفسير سورة الحاقة
تفسير سورة الحاقة

تعريف سورة الحاقة

سورة الحاقة من السور المكية، وعدد آياتها ثنتان وخمسون آية.

وهذه السورة المباركة فيها:

  • بيان لمشهد من مشاهد يوم القيامة حيث النفخ في الصور ثم بعد ذلك يوم العرض والنشور.
  • وفيها بيان للأمم التي كذبت أنبيائها وما جاء في أحوالها من عذاب عذبهم الله تبارك وتعالى به.
  • وفي السورة كذلك بيان بما كافأ الله به المؤمنين الموحدين.

تفسير سورة الحاقة

﴿الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)﴾

معنى الحاقة هو اسم من أسماء يوم القيامة.

وسميت القيامة بهذا لأن القيامة إذا قامت اتضح كل شيء وبانت حقيقة المؤمن وحقيقة الكافر.

واتضح جزاء المؤمن كذلك واتضح جزاء الكافر.

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)﴾

بين الله تبارك وتعالى ما وقعت فيه أمة صالح وأمة هود عليهما السلام.

﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)﴾

﴿فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾ يعني بسبب طغيانهم.

كذبت ثمود صالح عليه السلام في ما جاء به، ولقد جاءهم بتوحيد الله تبارك وتعالى وبالإيمان باليوم الآخر وجاءهم بصلة الأرحام وبالفضائل كلها.

غير أن ثمود عتوا وطغوا وكفروا بآيات ربهم وعصوا رسوله.

ولم يكتفوا بهذا بل بعدما بدت معجزة من معجزات الله تعالى على يد نبيهم وهي الناقة، كفروا بالمعجزة وقتلوا الناقة.

ولما كفرت ثمود واستعصت على صالح عليه السلام أخذهم الله تعالى بالصيحة.

وتمثلت الصيحة في أن الله تعالى أمر جبريل عليه السلام أن يطبق بجناحيه فأطبق جبريل بجناحيه فأحدث صوتاً أمات الجميع.

فأهلكهم الله تبارك وتعالى بالصيحة التي كانت من أثر إطباق جبريل عليه السلام بجناحيه.

﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)﴾

وأما عاد فهم قوم هود عليه السلام، وجاء هود بما جاء به صالح عليهما السلام لأن أصل الرسالات واحد.

وأصل الرسالات أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، والأمر بالعفة والفضيلة في كل رسالة.

كذلك الأمر بتوحيد الله تبارك وتعالى، والإيمان باليوم الآخر وصلة الأرحام والبر والإحسان في كل رسالة.

فأصول الرسالات واحد لأن مصدر الرسالات هو الله تبارك وتعالى.

فما كان من عاد إلا أن كفروا كذلك بآيات ربهم وعصوا رسوله هود عليه السلام.

﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)﴾

فلما وقعوا في ما وقعت فيه الأمم المكذبة من قبلهم، أخذهم الله بذنوبهم فأهلكهم بالريح.

أرسل عليهم الريح سبع ليال وثمانية أيام، بدأت بنهار وانتهت بنهار.

وكان قوم عاد فيهم طول كانوا أناساً لهم أطوال في السماء.

لعل أقصرهم كان يبلغ ثنتي عشرة ذراعاً في السماء ما يقرب من سبعة أمتار.

وصف الله تعالى الريح التي أرسلها عليهم بأنها ريح عقيم ثم فسر هذا الوصف فقال: ﴿مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾. (سورة الذاريات:42)

فلما أرسل الله عليهم الريح قطعت رؤسهم كما ترى من أثر الريح في النخل عندما تشتد الريح تقع رأسها.

كذلك قوم عاد قطعت رؤسهم فبقوا كأعجاز نخل خاوية.

﴿فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8)﴾

أبادهم الله جميعاً ولم يبقي منهم أحد.

﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10)﴾

بعد ذلك بين الله تعالى أنه أخذ المؤتفكة بهذا الأخذ.

والمؤتفكة هم أناس عصوا الله بمعاصي كبيرة بعد الشرك به فعلوا الفواحش، وهي قرى قوم لوط عليه السلام.

جاء لوط عليه السلام بتوحيد الله تبارك وتعالى.

وبينا سابقاً أن لوطاً عليه السلام كان ابن أخ إبراهيم عليه السلام، وكان يعاصر عمه إبراهيم وكان كل منهما له رسالة.

كذلك جاء لوط عليه السلام بالتوحيد والفضيلة، غير أن قومه ما أرادوا التوحيد وما أحبوا الفضيلة.

بل كفروا بالله وأتوا الذكران من العالمين، اكتفى الرجل بالرجل ولم يعد له رغبة في المرأة أبداً.

لم تكن لهم رغبة في النساء بل كانوا مثليين كما يروج لها الآن هذه الفئة الغاشمة الضالة.

فلما كان منهم ما كان أخذهم الله تبارك وتعالى كما أخذ غيرهم.

﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)﴾

كذلك قوم نوح عليه السلام، أرسله الله تبارك وتعالى في أمة فاستعصت عليه.

بذل كل جهده وما ترك وسيلة للدعوة إلا وتوصل بها إليهم.

غير أنهم قابلوه بوضع الأصابع في الآذان ووضع الثياب على الوجوه.

قال الله تعالى في سورة نوح: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)﴾.

وقد بينا في تفسير سورة نوح أن نوح عليه السلام بذل كل جهده في دعوته، عاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن به إلا قليل.

آمن أبوه وآمنت أمه وماتا في حياته على الإيمان.

ودليل إيمانهما أنه دعا لهم: ﴿رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾. (سورة نوح:28)

ولم يعقب الله على دعوة نوح عليه السلام لوالديه، فكان من هذا أنهما ماتا على التوحيد.

لكن إبراهيم عليه السلام لما دعا بدعوة نوح: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾. (سورة ابراهيم:41)

عقب الله على دعوة إبراهيم عليه السلام فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾. (سورة التوبة:114)

فدل هذا على أن أبا إبراهيم لم يمت على التوحيد إنما مات على الكفر.

لكن والدي نوح ماتا على التوحيد وما آمن بنوح عليه السلام إلا قليل.

أنجب سيدنا نوح من الذرية أربعة أولاد ذكور، أنجب كنعان وحام وسام ويافث.

كان كنعان على مذهب أمه لأن زوجة نوح عليه السلام كانت كافرة والله تعالى بين أنها من أهل النار.

قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾. (سورة التحريم:10)

فدل على أن كلتيهما كفرتا بالله رب العالمين.

وكان كنعان على مذهب الكفر فقال له أبوه تعطفاً عليه وترحماً به ناداه كما جاء في سورة هود:

﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)﴾.

فغرق كنعان وغرقت أمه وغرق جميع من كفر بنوح عليه السلام.

ولم يتبق من المؤمنين إلا نوح عليه السلام وأولاده الثلاثة حام وسام ويافث ونسائهم.

هؤلاء السبعة فقط هم الذين ركبوا السفينة وسواهم أصابهم الماء فغرقوا جميعا.

حام هو أبو القبط والسودان والبربر، والقبط اسم لرجل وليست ديانة.

وبينا في سلسلة فضائل مصر أن مصر سميت باسم ساكنها وهو مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام.

مصر هو حفيد نوح عليه السلام، فأفريقيا من ذرية حام بن نوح عليه السلام.

أما العرب والفرس فمن ذرية سام بن نوح عليه السلام.

والترك ويأجوج ومأجوج من ذرية يافث بن نوح عليه السلام.

﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ (18)﴾

بعد ذلك بين الله تبارك وتعالى أن القيامة إذا قامت لها مقدمات.

ومن مقدمات يوم القيامة تغير وجه الدنيا لأن الدنيا ستفنى لكن ثوابتها كالسماوات والأرض تتغير.

قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾. (سورة ابراهيم:48)

الأرض في أساسها ثابتة، بسطها الله تعالى وسخرها لابن آدم فاتخذ ابن آدم فيها سبلاً.

لكن إذا سلبها الله تعالى ثباتها ستهتز وتضطرب، ويصبح أعلاها أسفلها ويصبح أسفلها أعلاها.

عند ذلك تطير الجبال، والجبال خلقها الله تعالى وجعلها رواسي للأض تمسك فيها حتى لا تتكفأ بمن عليها.

لكن إذا أذن الله في قيامة انخلع الجبال من الأرض ولم تعد من رواسيها.

وبعد ذلك تتشقق السماء وتطير النجوم والكواكب.

قال تعالى في سورة اﻹنفطار: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)﴾.

ثم من بعدها يأذن الله لاسرافيل فينفخ في الصور نفخة القيام لرب العالمين، وسورة القارعة شرحت القيامة شرحاً تفصيلياً.

بعد ذلك يأتي يوم القيامة وهو يوم طوله خمسين ألف سنة من وقت أن يأذن الله لاسرافيل بالنفخ نفخة الفزع فيقوم الجميع من قبره للقاء رب العالمين.

عند ذلك يجتمع على أرض القيامة كل من خلق الله وذرء وبرء مذ أذن في الدنيا إلى يوم أن ورثها.

الحشرات والزواحف والطيور والجوارح والبشر والجن الجميع محشور على الصفة التي خلقه الله عليها يوم جاء إلى الدنيا.

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُحْشَرُونَ حُفاةً عُراةً غُرْلًا) قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، الرِّجالُ والنِّساءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ؟ فقالَ: (الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يُهِمَّهُمْ ذاكِ). (صحيح البخاري 6527)

وقال تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾. (سورة عبس:37)

التفكير في الجنة والنار أذهل الجميع، فلم يعد هناك تفكير في شهوة أو غيرها بل تفكير كل امرئ في أي المكانين سيكون؟

هل سيكون في دار الخلد في الفراديس العلى؟

أم يكون مع الشيطان الرجيم في نار حامية؟ نعوذ بالله تعالى من النار.

لذلك شرح الله وفصل في يوم العرض وبين الفريقين وحالهما.

بين فريقاً سعيداً مرضياً عنه وبين جزاءه، وبين فريقاً شقياً مسخوطاً عليه وبين عاقبته.

﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)﴾

هذا فريق أهل السعادة، هذا الفريق تمثل في كل مؤمن خالص الإيمان، في كل مؤمن صالح الأعمال.

هذا مآله يوم القيامة أن يأخذ كتابه وقد ستر الله عليه ما فيه من ذنوبه ومعاصيه، وفيه طاعته وصالح أعماله.

فيقول الله له بعدما يقرره:

(إنَّ اللهَ تعالى يُدنِي المؤمنَ، فَيضَعُ عليهِ كَنفَه وسِتْرَه من النَّاسِ، ويُقرِّرُه بذُنوبِه فيقولُ: أَتعرِفُ ذَنبَ كَذا؟ أَتعرِفُ ذَنبَ كَذا؟ فيقولُ: نعَم أَيْ رَبِّ، حتَّى إذا قَرَّرَهُ بذُنوبِه ورَأى في نَفسِه أَنَّه قد هَلكَ، قال: فإنِّي قد سَترتُهَا عليكَ في الدُّنيا، وأنا أَغفِرُهَا لكَ اليومَ، ثم يُعطَي كتابَ حسناتِه بِيمينِه). (صحيح الجامع 1894)

فيفرح فينادي ويقول: هاؤم اقروا كتابيه، نسأل الله تعالى العيشة الراضية.

﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)﴾

أما أهل الضلال أهل الخيبة أهل التعاسة، عندما يأخذ كتابه يرى جرائمه محصية فيبكي على نفسه.

يبكي حتى ينقطع الدمع فينزل مكان الدمع دم فيقول: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)﴾.

والذي يقضى عليه ويموت في القيامة هي الحيوانات.

فيتمنى الكافر أن لو كان حيوانا في الدنيا ثم اقتص منه في القيامة ثم قال الله له كن ترابا ولا يعذب بنار.

قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾. (سورة النبأ:40)

﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)﴾

هو يتمنى القاضية لأنه أعطاه الله من المال لكنه أنفقه في حرام وبخل به عن الحلال.

أعطاه الله المنصب لكن لم ينتصف لمظلوم يوماً.

﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)﴾

لا يؤخذ بكلامه ولا ندمه فيأتي الأمر من الله لخزنة جهنم بأن يأخذوه ويغلوه.

والغُل يكون في الرقبة واليدين على عكس القيد يكون في الرجل.

فيربط بسلسلة في الرقبة واليدين ثم يقذف بقوة الملك في النار.

﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)﴾

لأنه كان لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يخرج الزكاة.

﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)﴾

ليس له من يدافع عنه، وطعامه في النار من غسلين، وهو غسالة أهل النار والعياذ بالله من النار.

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43)﴾

﴿إِنَّهُ﴾: يعني القرآن الكريم.

﴿رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾: جبريل عليه السلام.

ثم بعد ذلك بين الله تعالى في آخر السورة ما وقعت فيه قريش من تكذيبها للرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم.

كذبوه واتهموه بالجنون والشعر والكهانة ثم جاء في القرآن بعد ذلك ليبين براءة النبي صلى الله عليه وسلم من هذه التهم.

﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)﴾

يعني لو أن محمداً خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم كذب الله وتقول على الله بما لم يقل.

﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)﴾

أي أخذناه أخذاً شديداً.

﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)﴾

والوتين هو نياط القلب الذي إذا سكت مات الإنسان.

﴿فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾

بين الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لو تكلم من قبل نفسه وتقول على الله ما لم يقل لانتقم الله منه.

﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)﴾

كل هذه أوصاف القرآن الكريم، يبين الله تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو قرآن يتلى وهو من عند رب العالمين.

﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)﴾

ثم أمر الله نبيه والمؤمنين بأن يسبح باسم الله العظيم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا بأن تجعلنا من المرضي عنهم في الدنيا والآخرة يا رب العالمين.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *