تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة المدثر

مشاركة:

تفسير سورة المدثر للشيخ محمد نبيه يوضح فيها سبب نزول سورة المدثر وما هو معنى المدثر ويبين معاني الآيات والكلمات.

تفسير سورة المدثر كاملة
تفسير سورة المدثر كاملة

تعريف سورة المدثر

بعدما انتهينا في اللقاء الماضي من تفسير سورة المزمل نبدأ اليوم في تفسير سورة المدثر وسورة المدثر سورة تضم بين حناياها ستة وخمسين آية، وهي من السور المكية بل هي من أول ما نزل.

وعند العلماء خلاف أهي أنُزلت أولاً أم أنُزلت سورة اقرأ أولاً؟

وبعضهم قال: اقرأ نزلت أولاً ثم بعد ذلك انقطع الوحي فترة، وأول سورة نزلت بعد انقطاع الوحي سورة المدثر.

جاء في الصحيح أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام لما ذهب إلى غار حراء ليتعبد فيه كما كان يذهب صلوات الله وسلامه عليه، قال: (جَاوَرْتُ بحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ عن يَمِينِي فَلَمْ أرَ شيئًا، ونَظَرْتُ عن شِمَالِي فَلَمْ أرَ شيئًا، ونَظَرْتُ أمَامِي فَلَمْ أرَ شيئًا، ونَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شيئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شيئًا، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلتُ: دَثِّرُونِي). (صحيح البخاري:4922)

ثم من بعدها جاءه جبريل عليه السلام بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)) إلى آخر السورة.

ماذا تعني كلمة مدثر؟

عندنا في الثياب دثار وشعار، في صحيح الإمام البخاري أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام لما فتح الله تعالى له مكة المكرمة ذهب إلى غزوة حنين، فلما فتح الله تعالى عليه وعاد بالغنائم، قسمها على المؤلفة قلوبهم.

والمؤلفة قلوبهم قسمان:

  1. قسم مسلم حديث الإسلام.
  2. وقسم لم يسلم بعد يطمع النبي عليه الصلاة وأزكى السلام في إسلامهم.

فلما قسم الغنيمة على المؤلفة قلوبهم، كأنما الأنصار أهل المدينة الذين جاءوا مع النبي عليه الصلاة وأزكى السلام إلى مكة لفتحها، كأنما تكلم بعضهم وقالوا: ما دام لم يعطنا منها شيئاً فهذا دليل على أنه سيبقى بين أهله ولا يرجع معانا صلوات الله وسلامه عليه.

فعلم النبي عليه الصلاة وأزكى السلام بما قالوه، فجمع الناس وخطب فيهم وقال: (يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، ألَمْ أجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بي؟ وكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فألَّفَكُمُ اللَّهُ بي؟ وعَالَةً فأغْنَاكُمُ اللَّهُ بي؟)، فما قال لهم شيئاً إلا قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أمَنُّ، يعني المنة علينا لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم قال لهم: (أتَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ، وتَذْهَبُونَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى رِحَالِكُمْ؟)، فتهللت وجوههم، واستنارت، عند ذلك علموا أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام لن يبقى في مكة إنما سيرجع إلى المدينة، فكان غضب الأنصار لم يغضبوا من أجل الدنيا، إنما خافوا أن يبقى الرسول عليه الصلاة وأزكى السلام في مكة ولم يرجع معهم إلى المدينة.

عند ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لو سَلَكَ النَّاسُ وادِيًا وشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ وشِعْبَهَا، الأنْصَارُ شِعَارٌ، والنَّاسُ دِثَارٌ). (صحيح البخاري:4330)

الشاهد في الرواية: كلمة دثار وشعار، الشعار ما يلي شعر البدن، لذلك النبي عليه الصلاة وأزكى السلام يوم أن ماتت ابنته زينب رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أتى للقائمات على غسلها فأوصاهن بوصية، قال: (اغسِلْنَها ثَلاثًا، أو خَمسًا، أو أكثَرَ مِن ذلك)، ثم أعطاهن حقوة، فقال لهن: (أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ). (صحيح البخاري:1254)

الحقو: هو ما يربط على عظمة الحقو من الثياب، وعظمة الحقو هي العظمة التي يرسوا عليها أستك السروال، وما يربط على هذه العظمة هو الإزار.

قال: (أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ)، يعني عند التكفين بعد انتهاء الغسل، اجعلوا الإزار مما يلي بدنها، ستكفن في إزار أبيها المصطفى عليه الصلاة وأزكى السلام.

فالشعار هو الجزء من الثياب الذي يلي شعر البدن، والدثار ما يعلوا هذا الثياب، وأيهما أهم؟ الشعار أم الدثار؟

الشعار، ما يلي البدن هذا هو الأغلى حتى يعز على المرء أن يراه غيره، فالأنصار شعار وعامة الناس دثار، وفي هذا دلالة على فضل الأنصار على غيرهم، ففضلهم كفضل الشعار من الثياب على الدثار.

كلمة “المدثر” يعني المتلفف في ثيابه، والمعنى: يا أيها المتلفف في ثيابه، قم لا تنم، قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر.

عهدة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام أنه نبي ورسول، والرسالة بشارة ونذارة، البشارة لأهل الطاعة بالجنة، نسأل الله تعالى الجنة، والنذارة تخويف الناس بالنار.

تفسير سورة المدثر

(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3))

لا مجال للنوم، عبء الرسالة ثقيل لا مجال فيه للنوم، ولذا الله تعالى قال في القرآن في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ). (سورة المائدة:67)

عهدة الرسالة ليست كعهدة غيرها، رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لا يجمل النوم في حقه، إنما يجمل في حقه أن يقوم لتبليغ رسالة ربه، وتكبير الله تبارك وتعالى على كل شيء، فأمر الله يقدم على كل الأمور، وقول الله يقدم على كل الأقوال.

ومن ثم جُعِلَ التكبير في الصلاة، الصلاة تحريمها التكبير، كما قال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، قال: (مِفتاحُ الصلاةِ الطُّهورُ وتحريمُها التَّكبيرُ وتحليلُها التَّسليمُ). (سنن أبي داود:61)

أنت قبل أن تدخل في الصلاة يحل لك أن تتكلم وأن تأكل وأن تشرب وأن تضحك، لكن إذا دخلت الصلاة بكلمة (الله أكبر)، حرم عليك ما كان عليك حلال قبل التكبير.

لذلك تحريمها التكبير، وتكبيرة الإحرام فيها ركن، من دخل الصلاة بغيرها لا صلاة له، هي ركن قبل الفاتحة، وركن قد يزيد على الفاتحة في الأهمية، لأن الفاتحة تطلب بإتفاق من الإمام، أما من المأموم ففيها تفصيل عند أهل العلم، لكن تكبيرة الإحرام لا تسقط بحال لا عن إمام ولا عن مأموم.

الإمام لو دخل في الصلاة وأتى المأموم مسبوقاً ثم لحق الإمام حال ركوعه تسقط عنه الفاتحة، لكن لا يصح أن يدخل الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام.

(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4))

بعض أهل العلم حمل الثوب هنا على القلب، وبعضهم أخذه بالمعنى الظاهري وهو الثوب، ومن ثم طهارة الثوب شرط من شروط صحة الصلاة، فلا يصح لمصلٍ أن يصلي بثوب متنجس، إنما شرط صحة الصلاة طهارة الثوب، وطهارة البدن، وطهارة المحل.

طهر ثيابك من اللوث والنجس، وبعضهم حمل الثياب على القلب، يعني وطهر قلبك يا محمد، كان قلبه أطهر القلوب، لأنه لم يكن للشيطان عليه حظ لا في طفولة ولا في كبر.

ذكرنا قبل ذلك حادث شق صدره صلوات الله وسلامه عليه، شُقَ صدره وهو يسترضع في بني سعد، في طور الرضاع ذهب مع إخوته في الرضاع، فأتى إخوته إلى أمهم حليمة السعدية رضي الله عنها وقالوا لها: يا أماه، إن أخانا حدث له كذا وكذا وكذا وأنبأوها عما حدث للنبي عليه الصلاة وأزكى السلام، فخافت عليه، فلما جاءها جاءها وهو منتقع اللون، أي متغير اللون، فاصفرار الوجه معناه انتقاع اللون، فشق صدره في طفولته.

فلما سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا في نبوته بين لهم أن الله تعالى أراد له طهارة القلب، وأذن للملكين اللذين شقا صدره، أن ينزعا ويستخلصا من قلبه حظ الشيطان، فلم يعد للشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبيل.

لذلك قلبه أطهر القلوب، لكن إذا ما كان هذا النداء للنبي عليه الصلاة والسلام فالمراد هنا من وراءه أمته، يعني هو يؤمر لتعليم أمته، ولتتأسى به أمته.

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6))

الرِجز والرُجز، الرِجز بكسر الراء مصيبة من المصائب وعذاب من العذاب، لذلك الله تعالى سلطه على بني إسرائيل، أما الرُجز يراد منها الصنم، الأصنام، ما يعبد من دون الله تبارك وتعالى، والمعنى اهجر الأصنام وأسبابها وطريقها.

المن بالشيء التحدث به بإرادة حب الشهرة، كمن يفعل الخير، ثم يجلس في مجالس الناس يقول أنا فعلت كذا وأنا فعلت كذا، يمن على الناس بما فعل، فهذا المن الذي من وراءه راية الشهرة يبطل العمل، ويرجع صاحبه بلا أجر، مع سابقة الوزر.

لذلك الله تعالى قال في القرآن في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ). (سورة البقرة:264)

المن بالشيء تذكير الناس بما صنع على سبيل المنة، يعني يريد أن يجعل لنفسه على الناس يداً معروفة، يعرفها كل الناس، ومن أراد هذا الصنع أحب لنفسه أن يسمع به.

وفي الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ). (صحيح البخاري:6499)

والمسمع والمرائي هو أول أهل النار دخولاً كما بين النبي عليه الصلاة وأزكى السلام أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة والثلاثة أعمالهم كالجبال، متصدق ومجاهد وعالم.

يجمعهم الله يوم القيامة ويسألهم وهو أعلم بهم، يقول للمتصدق: أعطيتك المال فما صنعت به؟ يقول: يارب ما تركت سبيل خير إلا وجعلت فيه، ابتغاء مرضاتك، فيقول الله له: كذبت، بل تصدقت ليقال متصدق، وأنفقت ليقال منفق، وأعطيت ليقال معطي، ثم يؤمر به فيسحب على وجه إلى النار، نعوذ بالله من النار.

ثم يؤتى بالمجاهد، أعطيتك العافية فما صنعت بها؟ يقول: يارب قاتلت فيك حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، بل قاتلت ليقال مقاتل، وليقال شجاع وقد قيل في الدنيا، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه إلى النار.

ثم يؤتى بالعالم، علمتك العلم فما صنعت فيه؟ فيقول: يارب ما تركت سبيلاً إلا وجهت إليه ابتغاء مرضاتك، فيقول الله له: كذبت، بل علمت ليقال عالم، وقد قيل في الدنيا، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه إلى النار، نعوذ بالله من النار.

لا تظهر منتك على الناس بهدف أن تستكثر وتستعظم حالك، لا تمنن على الناس، لا تظهر معروفك على الناس بهدف السمعة، بهدف الشهرة، إنما افعل الخير رجاء ما عند الله من ثواب، أو ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى، لو فعلت وتخفيت أظهره الله تبارك وتعالى مع سابقة الأجر والثواب.

لم يزل الناس يذكرون أناساً ما كانوا يعرفون حال حياتهم، إنما عرفهم الله بهم بعد ما ماتوا، من ماذا؟

من حسن صنيعهم وتخفيهم، وابتعادهم عن الرياء، فالرياء شرك بالله تبارك وتعالى، وقيل له شرك خفي، والرياء كشرك خفي أخفي من ذبيب النمل.

لذلك دائما، استعذ بالله تعالى أن تشرك به وأنت تعلم، واستغفره أن تشرك به وأنت لا تعلم، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم.

بهذا الترتيب، توفر على نفسك طريقاً طويلاً، وتقي نفسك الشرك.

(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7))

يصبر على ماذا؟

يصبر على ما يقوله عدوه، يصبر على ما يتهمه عدوه، والله تعالى بين في القرآن (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ). (سورة الحجر:97)

هو بشر صلوات الله وسلامه عليه، يضيق صدره ويتسع، لكن الله أمره بالصبر، بل ولما أمره بالصبر أمره بأن يتأسى في صبره بصبر أهل الفضل من الرسل، (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (سورة الأحقاف:35)، ثم قال له بعد ذلك: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) (سورة المعارج:5)، حتى في الصفح قال: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ). (سورة الحجر:85)

يعني يا محمد اصبر على ما يقوله عدوك فيك، إن قالوا شاعر اصبر، وإن قالوا كاهن اصبر، وإن قالوا مجنون اصبر.

ولذلك الوليد بن المغيرة كان مشركاً ولكن مع شركه كان يفهم، ولعله كان أعلى قومه فهماً، لذلك انتدبوه يوماً ليأتي النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، ويسمع منه، فلما جاءه وسمع منه مدح ما سمع، حتى إنه قال: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلوا ولا يعلى عليه، وما هذا بقول بشر.

هذه المقولة ليست مقولة موحد، إنما مقولة مشرك، حتى يقولون والفضل ما شهدت به الأعداء، هذا الوصف للقرآن وصف رجل مشرك، كان يفهم، فلما عاد لهم بهذا، قال المشوشون في مكة: والله لقد عاد إليكم بوجه متغير.

هم أرسلوه ليسمع، انتدبوه عنهم ليسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما جاءهم بعدما وصف القرآن بهذا الوصف، قال بعضهم: لقد جاءكم بوجه متغير، فاعترضوا عليه.

فلما اعترضوا عليه قال: أما الشعر لا ليس بشعر، أنا أعرف الشعر والشعراء، وأما الكهانة لا ليس بكهانة، ثم قال: وأما السحر، هو السحر، أما تعلمون أنه فرق بين المرء وزوجه، وفرق بين الولد ووالده، وكابر وقال عنه إنه ساحر.

لذلك لما أمره الله تعالى بالصبر، ذكر بعد ذلك قصة الوليد بن المغيرة.

(فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8))

الناقور هو الصور، يمسك بها إسرافيل عليه السلام ينتظر أمر ربه بالنفخ، إن نفخ النفخة الأولى تقوم القيامة، السماء تتشقق، والأرض ما في قعرها يصبح في أعلاها، والشمس تكور والقمر يخسف إلى آخره، أحوال القيامة، بأول نفخة.

ثم من بعدها، ينام الناس في القبور، ثم يؤذن لإسرافيل أن ينفخ النفخة الثانية نفخة الفزع، عندما ينفخ النفخة الثانية يقوم الناس من القبور، المؤمن بالقبر وما فيه، والكافر بالقبر وما فيه.

كفار قريش الذين حاربوا النبي عليه الصلاة وأزكى السلام وحملوه على الخروج من مكة، ما كانوا يؤمنون بيوم القيامة، فعندما يعاين بنفسه ما يجري، عندها يقول (يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) (سورة يس:52)، فيجابوا (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ). (سورة يس:52)

كانوا يكذبون بالبعث، فلما نفخ إسرافيل بأمر ربه في الصور نفخة الفزع، قام الناس من قبورهم، لما قام الناس من قبورهم، تكلم المشركون منكروا يوم القيامة والبعث، ودعوا على أنفسهم بالهلاك، يا ويلنا يعني يا هلاكنا.

(فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10))

هو عسير على الكافرين لا على غيرهم، فالكافر لا يقام له ميزان، لأنه لم يتقبل الله منه عمل، حتى وإن عمل الخير في الدنيا، يكافئ عليه في الدنيا، لكن في الآخرة (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا). (سورة الفرقان:23)

ثم قال الله تعالى: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (سورة الكهف:105)، لذلك يوم القيامة على الكافرين يوم عسير.

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14))

الوليد كان أكثر أهل مكة مالاً، كان رجلان يومذاك من أكثر أهل الأرض مالاً في العرب، الوليد في مكة، وعروة بن مسعود الثقفي في الطائف.

لذلك أهل مكة لما جاءت النبوة للنبي عليه الصلاة وأزكى السلام واختاره الله نبياً، استعظموا عليه النبوة، لماذا؟

لأنه فقير ما ترك له أبوه إلا خمسة جمال، وجارية وخادمة، لكن الوليد عنده مال عريض، وعروة عنده بساتين وأموال كثيرة.

لذلك أهل مكة لما اعترضوا قالوا: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ). (سورة الزخرف:31)

رد الله عليهم فقال: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ). (سورة الزخرف:32)

فالوليد كان صاحب مال، وكانت أولاده كثيرة،  كان عنده اثنا عشر ولد، مغرور بالمال، ومغرور بالولد.

(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16))

هو يتمنى علي أن أزيد له في الدنيا، لا، لا زيادة ولا تمهيد، لذلك أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر.

المعاند الكافر له يوم، وأي ظالم له يوم، وأي مستعلٍ له يوم سيأخذه الله فيه، لا عليك إلا أن تبذل السبب فقط، ودع ما بعد السبب على مسبب الأسباب سبحانه وتعالى.

كلمة (كلا) أسلوب ردع، أشد من الكهرباء على الإنسان، كان بيعاند آيات الله، ما آمن بالقرآن، لما رق قلبه تكبر وتعالى وقال سحر.

(سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17))

أول عذابه أن الله سيكلفه يوم القيامة أن يصعد جبلاً من النار، وليس بصاعد.

(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20))

لما سمع القرآن ومدحه، ثم خاف من مقولة أهل مكة، فكر مرة والثانية والثالثة، وفي الآخر قال لا هو ساحر، أما ترون أنه يفرق بين المرء وزوجه، يبقى ساحر، ثم بعد ذلك فضحه الله تعالى.

الإسلام واضح وضوح الشمس، لا خفاء عليه، وهم والله كانوا يعرفون نبوته صلوات الله وسلامه عليه، لكن ما منعهم إلا الكبر والحسد.

لذلك الله يقول في القرآن: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ). (سورة الأنعام:33)

يا محمد هم يعلمون صدقك، ويعرفون أمانتك، لكنه كبر في النفوس، لماذا بنو هاشم بالذات؟ قريش أليس فيها قبائل أخرى خلاف بني هاشم؟

هذا ما قاله أبوجهل، لما سأله الأخنس بن شريق، وقال له: ما تقول في محمد؟

قال: والله إني لأعلم أنه نبي، فقال له الأخنس: ما دمت تعلم أنه نبي فلماذا لا تصدقه؟

فقال له: إذا كانت النبوة في بني هاشم والسدانة في بني هاشم والسقاية في بني هاشم فأي شيء يتبقى لقريش؟

السدانة والسقاية خدمة الكعبة والحجيج.

وزعم الوليد وغيره أن الذي علمه رجل أعجمي كان يقال له مولى بن الحضرمي، فنزل القرآن يبرئ ساحة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، بقوله تعالى: (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ). (سورة النحل:103)

(ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22))

نظر للناس ووجهه مقفهر، عليه غبرة، وجهه عابس، عبس وجهه وبسر، الغبرة علت وجهه وأصبح في منظر كريه.

(ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23))

أدبر، رجع عن الكلام الأول، واستكبر يعني تعالى.

(فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30))

هنا الاستفهام لتعظيم النار، لتعظيم شأنها، هو في الآخرة مكانه في سقر في قعر جهنم، لا خروج ولا فكاك، وسيكلفه الله أن يصعد جبل النار ويصعد ويقع ويصعد ويقع هذا عذابه.

من صفات النار لا تبقي ولا تذر، لا بتخلي لحمة ولا عظم، تشوي كل شيء، من يقترب منها ينقطع ريه ولا يشعر إلا بالظمأ، وإذا ما اشتد ظمأه اسود وجهه، البشر هنا المراد به بشرة الإنسان.

لما جاء جبريل عليه السلام بهذه الآية، اجتمعت قريش، وعلى رأسها أعداء الله تبارك وتعالى، ومجرموا قريش، ومنهم أبوجهل وأبو الأشد الجمحي، قال أبوجهل لقريش: يا معشر قريش، أنعجز عن تسعة عشر؟

لو جعلنا لكل واحد منهم عشرة منا، سنكفيهم ويزيد، فقال أبو الأشد الجمحي لأبي جهل وقريش: أنا أكفيكم يا قوم، بيميني عشرة، وبيساري تسعة.

 (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ (31))

يعني التسعة عشر الذين جعلهم الله على النار ليسوا بشراً، إنما هم ملائكة ولا قدرة لأحد على الملك.

وأنت تعرف باركك الله أن أهل مكة لما آذوا النبي عليه الصلاة وأزكى السلام واشتد عليه الأذى، أرسل الله إليه ملك الجبال، فقال له: يا محمد، إن الله تعالى أرسلني إليك، فمرني بما تشأ، لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت.

غير أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام الرحيم بأمته ما أراد الهلكة لهم، إنما أراد لهم أن يخرج من أصلابهم من يوحدوا الله تعالى ويعبده.

الله تعالى جعل للأرض رواسي شامخات، تحفظها من التكفؤ، حتى تستقيم عليها المعيشة، كذلك جعل في النار تسعة عشر ملكاً يحفظونها، حتى يمكن العذاب من المعذب.

ثم في كتب أهل الكتاب، في التوراة، عدد حفظة النار تسعة عشر، لذلك اليهود سألوا النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، عن عدد حفظة النار، فقال: تسعة عشر.

يعني ليعلم الذين أوتوا الكتاب أن ما جاء به محمد هو الحق، صلوات الله على محمد وآله، ويزداد المسلم إيمانا بنبوة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، يعني ولا يشك كتابي ولا مسلم في ما جاء به النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

جنود الله تعالى كثيرة، لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى، ولذلك من جند الله تبارك وتعالى الريح والنار، وكل ما يعلمه الله تبارك وتعالى من عباده مسخر بأمره تبارك وتعالى، قد يكون البرغوث، أو الناموس أو البعوض من جند الله تبارك وتعالى.

النمرود، لما ناظره إبراهيم عليه السلام والمناظرة في سورة البقرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ). (سورة البقرة:258)

بهت، لم يجد سبيلاً للكلام، امتنع كلامه، لماذا؟

لقوة حجة إبراهيم عليه السلام، فالنمرود بجبروته، وطغيانه، وظلمه، وعتوه، عذبه الله تعالى في الدنيا ببعوضة، دخلت في أنفه، ما كان يهدأ إلا إذا ضرب على رأسه بالنعال، فتسكت البعوضة، فالبعوضة بهذا جندي من جند الله.

وابن عمر رضوان الله تعالى عليهما، يوماً يطوف بالبيت، وأثناء الطواف سأله رجل، يا ابن عمر: لماذا خلق الله الذباب؟

فقال ابن عمر: خلق الله الذباب ليذل به الجبابرة، ليذل به الجبابرة.

الله تعالى خلق النار، حتى يتذكر أهل الطاعة فلا يترك طاعته، ويتذكر العاصي فيدع معصيته.

(كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35))

الكبر يعني الدواهي، فالنار داهية الدواهي، ومصيبة المصائب، والله توعد بها أهل الطغيان.

(نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ (36) لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37))

من أراد أن يتقدم إلى الجنة، ويتأخر عن النار، يتقدم إلى الطاعة، ويتأخر عن المعصية، فليجعل النار نصب عينيه، عندها يخاف، فإذا ما خاف، أقدم على العمل، وإذا ما خاف ندم على ما مضى.

(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38))

يعني تحبس كل نفس بكسبها، وفي القبر حبس، وفي القيامة حبس طويل في النار نعوذ بالله من النار.

مثل الدنيا في قصة وجيزة، ملك أراد أن يوقف رعيته على حقيقة الأمر، فاختار من وزراءه ثم قال لهم: هيا فادخلوا هذا البستان، فاجمعوا لي مما فيه من ثمر، وأعطى كل واحد منهم ما يجمع فيه.

فنزل أهل الوزارة في البستان، منهم من اكتفى بجمع ما تحت الشجر، ومنهم من مد يده ما طالته أخذه، وما غاب عنها تركه، ومنهم من صعد الشجر وانتقى أجود شيء في الشجر.

ثم جاءوه بما جمعوا، فلما جاءوه بما جمعوا قال: ليجعل كل واحد منكم ما جمعه معه، ثم أذن لهم في دخول الغرف، كل واحد يدخل غرفة، ثم أغلق عليهم الباب، وقال لهم: ليعش كل منكم على ما جمع.

من جمع التراب سيأكل التراب، ومن جمع المعطوب سيأكل المعطوب، ومن جمع الحلو سيأكل الحلو، هذه هي الدنيا وما يجمعه الإنسان يحيا من خلاله في قبره، وينعم من خلاله يوم القيامة، من اكتسب السوء رهين بسوءه، محبوس به.

وأصحاب اليمين في الآية أهل العلم اختلفوا في تحديدهم، منهم من قال: هم الصغار يموتون قبل الحلم من المسلمين، يعني من مات قبل البلوغ، ومنهم من قال: بل هم الذين سبقوا إلى الجنات بغير سابقة حساب ولا عذاب، نسأل الله أن نكون منهم جميعاً.

والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام في الحديث، قال: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفًا بغيرِ حِسابٍ، هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). (صحيح البخاري:6472)

وهؤلاء السبعون ألف ليسوا فقط، بل في روايات أخرى مع كل ألف سبعون ألف، وفضل الله عظيم.

(إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42))

هناك محاورة تحدث بين أهل الجنة وأهل النار، ومحاورة بين أهل النار وأهل الجنة، إذا دخل أهل الجنة الجنة، أذن الله لهم في كلام أهل النار، ينظرون في النار وقد سعدوا بالجنات، فيرون في النار أناساً كانوا يعرفونهم في الدنيا، ولعلهم من أهليهم ومن أصدقائهم ومن أصحابهم، فيعجبون من دخولهم النار، يقولون لهم: ما جاء بكم إلى النار، أما كنتم معنا في الدنيا، ما سلككم في سقر.

(قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47))

أسباب الخلود في النار، ترك الصلاة، ومنع الزكاة، والخوض في الباطل والتكذيب بلقاء الله.

من ترك الصلاة ومات هو خالد مخلد في نار جهنم، من منع الزكاة ومات هو خالد مخلد في نار جهنم، من خاض في الباطل وكذب بلقاء الله هو خالد في نار جهنم مخلداً فيها أبدا.

المسلمون اليوم، في البيوت للآن، زوج لا يصلي أبداً وزوجة صالحة، والعكس، زوج صالح وزوجة لا تعرف الله أبدا، وفي البيوت زوج صالح وزوجة صالحة وذرية لا تعرف الله أبدا، وفي البيوت ذرية صالحة والآباء والأمهات لا يعرفون الله أبدا.

ولله في خلقه شئون، في النشأ نشأ صغير، انطبع على سب الدين، عنده خمس سنين طول النهار في الشارع دينك ودين أمك، طول النهار في الشارع عليا الحرام من ديني، يقولها الصغير ويكبر عليها، لذلك الجيل القادم جيل سيء يحتاج إلى رعاية، يحتاج إلى توجيه، يحتاج إلى تربية، نرى في الجيل هذا ما لم نره في الجيل القديم أبداً.

في الجيل القديم، أهل الشر كانوا محدودين كل بلد فيها واحد أو اتنين، لكن اليوم أهل الشر كل بلد فيها ألف أو ألفين، وأهل الطاعة في اضمحلال وانتقاص، وأهل السوء في ازدياد، وهذه طامة كبرى، هذه داهية من الدواهي.

(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48))

سيشفع الأنبياء وسيدهم المصطفى عليه الصلاة وأزكى السلام، ويشفع العلماء، ويشفع الشهداء ويشفع الصالحون، ولكن هؤلاء لا تقبل فيهم شفاعة شافع.

هذه أقطع آية في قطع الأمل على هؤلاء، أشد آية على هؤلاء، على مانع الزكاة وتارك الصلاة، أشد آية عليهم.

(فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً (52))

ضرب الله تعالى المثل بالحمار في مواطن، ضرب المثل بالحمار في حق العالم الذي لا يعمل بعلمه، (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا). (سورة الجمعة:5)

العالم الذي يحمل التوراة في قلبه ولا يحملها في العمل، هو حافظ للعلم، لكنه لا يعمل به، مثله مثل الحمار، يحمل أسفارا.

وضرب الله المثل الآخر للحمار الناس الذين ينفرون من دعوة الرسل، ينفرون من النصيحة، ويفرون من الطاعة، مثلهم مثل الحمير إذا رأت صياداً أو إذا رأت أسداً، لأن القسورة تطلق على الصياد وتطلق على الأسد.

كان أهل مكة يأتون النبي عليه الصلاة وأزكى السلام من قبيل الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم يقولون له: يا محمد، إن كنت نبياً حقاً نريد كتاباً من السماء يأتي بالبراءة لكل واحد منا، ثم يخبروه من خلال موالاة بينهم وبين اليهود قولوا: يا محمد يعني سل ربك، أن يرسل لكل واحد منا كتاباً فيها براءته.

(كَلَّا ۖ بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56))

هم أصلاً لا يؤمنوا بيوم القيامة، وكل شريعة لها ما يناسبها، والله قال في كتابه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). (سورة المائدة:48)

شريعة موسى عليه السلام لا تناسب إلا قوم موسى، وشريعة عيسى لا تناسب إلا قوم عيسى عليه السلام، وشريعة محمد صلوات الله على محمد وآله تناسب إلى يوم القيامة.

الله تعالى أحق أن يتقى وهو وحده الجدير بمغفرة الذنوب.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *