تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة المزمل

مشاركة:

تفسير سورة المزمل للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف سورة المزمل ويبين سبب نزول سورة المزمل ويبين معاني الآيات والكلمات.

تفسير سورة المزمل كاملة
تفسير سورة المزمل كاملة

تعريف سورة المزمل

سورة المزمل، وهذه السورة المباركة تتكون من عشرين آية نزلت بعد سورة القلم، إذا هي سورة مكية غير ثلاث آيات فيها، وهذه السورة المباركة فرض الله تعالى بها قيام الليل على الأمة، ثم نُسخ الفرض في آخر السورة.

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4))

بهذه أصبح قيام الليل فرضا على الأمة، وهذا كان قبل فرض الصلوات الخمس ثم نُسخ الفرض وخفف على الأمة بقول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ). (سورة المزمل:20)

إذا أول حكم فيها أن قيام الليل كان في أول الأمر فرضا، حتى أن المسلمين قاموا سنة كاملة على سبيل الفرض، فخفف الله عنهم ورفق بهم، فنُسخ فرض قيام الليل، وبقي قيام الليل على الاستحباب.

معنى كلمة المزمل، المزمل بتشديد الزاي والميم يعني المتلفف في ثيابه، وتقرأ المزمل بقراءات أخر خلاف هذه القراءة، وتقرأ المتزمل، وتقرأ بتخفيف الزاي المزمل، على أن التزميل حمل، وقد حمل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مسؤولية الرسالة.

تفسير سورة المزمل

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1))

هذا خطاب لطيف للنبي عليه الصلاة وأزكى السلام، وهذا الخطاب تعلمه النبي عليه الصلاة وأزكى السلام فكان يخاطب به من شاء من أمته.

الخطاب المشتق من الحالة التي تعتلي الإنسان، لما تلفف في ثيابه ناداه الله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ).

كذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان قد حدث بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين زوجه الطاهرة البتول بنت سيد المرسلين السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها، حدث بينهما ما يحدث بين الأزواج من العكر، تعكرت حياتهما فغضبت فاطمة رضي الله تعالى عنها.

فأتى النبي عليه الصلاة وأزكى السلام إلى علي فوجده نائماً وقد افترش التراب، فقال له قم أبا تراب، ناداه بإسم اشتق من حالته.

كذلك النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، كان قد كلف طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه بتكليف، فكأنما تأخر طلحة، فأتاه النبي عليه الصلاة وأزكى السلام فوجده نائما، فقال له قم يا نومان.

هذا الأدب تعلمه النبي عليه الصلاة والسلام من أدب ربه، من تأديب ربه له.

(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3))

القليل من الليل ما قل عن النصف، والكثير من الليل ما زاد على النصف، يعني لو قام ثلث الليل قام قليلاً، أما لو قام نصف الليل قام نصفه، لو قام ثلثي الليل قام أكثره.

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4))

أمره الله تبارك وتعالى بأن يقرأ القرآن على الوجه الحسن، وأحسن وجه في القراءة أن تتأنى في قراءتك لكتاب الله تعالى.

لذلك الكثير من الناس إذا قرأ القرآن يكون همه أن يبلغ آخر السورة، وهذا من الخطأ في القراءة، الأصل في القراءة أن ترتل يعني تقرأ القرآن، وتحرص على مخارج الحروف، لأنك إذا قرأت القرآن فأنت تتكلم بكلام الله تبارك وتعالى.

الله يكلمك لما تقرأ القرآن وأنت تكلمه إذا قمت في الصلاة، فلو أننا نتكلم مع بعضنا البعض، وأرى وجيها من الناس يكلمني ستجدني أتأنى في كلامي حتى لا تضيع كلمة، لأنني أحب الوقوف معه.

لكن ولله المثل الأعلى، إذا قرأت كلام الله تبارك وتعالى فينبغي أن تقرأه على أحسن وجه، وأحسن وجه في القراءة أن تتأنى في قراءتك لكتاب ربك.

والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام، لما رأى همة عبدالله بن عمرو بن العاص ووجدها عالية، وطلب منه عبدالله أن يقرأ القرآن في كل يوم ما طاوعه النبي عليه الصلاة والسلام على همته، إنما قال له: (لاَ يفقَهُ من قرأَهُ في أقلَّ من ثلاثٍ). (صحيح أبي داود:1390)

لما أذن له في أن يقرأ القرآن قال: لا تقرأه دون ثلاثة أيام، يعني اقرأ في اليوم عشرة أجزاء، لكن لا تقرأ إحدى عشر جزءاً، لماذا؟

لأنك إن زدت على العشر ستقع في الهزرمة، وهي القراءة بسرعة حتى لا يتبين السامع من قراءتك شيئاً.

ونحن إلى الآن عندما نسمع القراء نعجب ببعضهم ولا نعجب بآخرين، ومن يعجب به الناس ويجمعوا على الاستماع له تجده يقرأ القرآن فيبدوا تفسيره من قراءته، يقرأه مرتلا له، فالترتيل هو قراءة القرآن على أحسن وجه.

والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام، قال في الحديث: (من قرأ القرآنَ، فليسألِ اللهَ به، فإنه سيجيءُ أقوامٌ يقرءونَ القرآنَ يسألونَ به الناسَ). (صحيح الترمذي:2917)

وخرج صلوات الله وسلامه عليه على بعض أصحابه وهم يقرأون القرآن، منهم الأعجمي ومنهم العربي، فقال: (اقرؤا فكلٌّ حسنٌ). (الفتح الرباني:6/2848)

ثم بين صلوات الله وسلامه عليه أن من علامات الساعة أن اقواماً سيقرأون القرآن يقيمونه كما يقيمون القدح فقال: (وسيَجيءُ أقوامٌ يقيمونَهُ كما يقامُ القِدْحُ يتعجَّلونَهُ ولا يتأجَّلونَهُ). (صحيح أبي داود:830)

والقدح ليس كيلاً ولا ميزاناً، القدح هو أن تبري العصا، لتجعلها سهما، أما ما يوضع عليه النصب يقال له قدح، يعني لا يراعون فواصله ولا يراعون أحكام قراءته ولا يراؤون مخارجه.

لذلك (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، فالترتيل هو التأني في القراءة وقراءة القرآن على أحسن وجه.

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5))

القرآن ثقيل، أثقل شيء هو القرآن، لأن الله تبارك وتعالى بين ثقله، فقال: (لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ). (سورة الحشر:21)

وثقل القرآن في التكليفات التي احتواها، في الأوامر والنواهي، في الفرائض في الحدود التي رسمها الله في قرآنه، والتي حدها الله في قرآنه، فالقرآن ثقيل بما فيه من أوأمر ونواهي وحدود.

كان جبريل عليه السلام إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجو الشديد البرد كان يتفصد جبين النبي صلوات الله وسلامه عليه بالعرق، من ماذا؟

لأن ما يلقى عليه وما يوحى به إليه ثقيل، ثقيل يرفع الحرارة في الشتاء.

(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6))

الناشئة ما ينشأ، والإنشاء ابتداء، إذا نام الإنسان وقام فقد أنشأ، فالإنشاء حركة بعد سكون.

يعني قيام الليل، لأن القيام لا يقال له قيام إلا إذا نام الإنسان، نام وقام، قام لماذا؟ قام ليصلي يبقى القيام، أما إذا استمر الليل دون نوم لا يقال له قيام، يقال له إحياء، القيام ما كان بعد هجوع.

(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) يعني قيام الليل (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)، قراءة الجمهور وطئ وتقرأ وطاءة ووطئ لها معنى ووطاء لها معنى.

الوطء هنا معناه الخفة، وقد يكون معناه الثقل، لأن الإنسان إذا نام ثقل عليه أن يقوم، أما وطاءة معناها موافقة.

لذلك الجأهليون عندما كانوا ينسأوا في الأشهر الحرم، الله تعالى حرم القتال في الأشهر الحرم، فكان الجاهليون حتى يخرجوا من هذه العهدة يزيدوا في الشهور، يعني مثلا ما يسبق شهر رجب شهر جماد الآخر يخلوا جماد آخر أربعين يوم ويخلي شعبان خمسة وتلاتين لغآية ما في سنة من السنوات يبقى رجب مش في رجب يبقى رجب في ربيع يقوم يستحلوا فيه القتال.

فربنا بين في القرآن قال: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (سورة التوبة:37)، فالنسيء ده ما حملهم على النسيء، قال: (لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) (سورة التوبة:37)، يبقى ليواطئوا يعني ليوافقوا.

لذلك إذا أدخلت إنسانا في مصلحة أو أرسلته بينك وبين غيرك ثم جاءك بوجه متغير أول كلمة تقولها له بتقول له فلأن ده اتواطأ علي، اتواطأ معناه ايه؟

توافق مع عدوي علي، فالوطاء موافقة.

إن ناشئة الليل هي أشد وطاء، وأقوم قيلا يعني قيام الليل والقراءة فيه أشد في الموافقة، تهدأ الأصوات، فتسمع نفسك إن قرأت بصوت خافت، وإذا استمعت أو سمعت نفسك حال القراءة توافق السمع مع البصر مع الجوارح مع القلب، وإذا توافقت هذه الأعضاء أحسست بلذة القيام.

والنفس طبعت على أن تألف ما يوافقها، حتى في الحياة العامة، لو توافقت طباعك مع طباع آخر في سفر لا تشعر بعذاب السفر، والسفر قطعة من العذاب كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، حتى لو سافرت في البرق مش في الطيارة، قطعة من العذاب.

لكن لو شاء الله لك أن تجلس مع موافق لك في الطبع تألفه ويألفك، لا تشعر برهق السفر ولا بتعبه، ولو وفقت في اختيار زوجة توافقك في الطباع تستريح معها وتسكن لها.

لكن لو كان العكس لو كنت في طريق ثم رافقك فيه إنسان يخالفك في الطباع، لو كان الطريق قصيراً تشعر بالملل والتعب، ولو كان هذا الصاحب زوجا أو زوجة حتى لو الحياة قصرت تكن حياة كلها نكد، كلها عكر لا صفاء ولا رواق.

لذلك تقرأ أشد وطئا وتقرأ أشد وطاء، وأقوم قيلا يعني أقوم سبيل وأقوم قول أن تتوافق أعضاؤك بعضها مع البعض، تشعر بالقراءة وتشعر بالصلاة.

(إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7))

الله تبارك وتعالى بين من مننه على العباد، قال: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) (سورة الأنعام:96)، وقال: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (سورة النبأ:11)، سكن الليل خلاف معاش النهار، معاش النهار، المعاش ده رهق ولا راحة؟

رهق وتعب، فالسبح كلمة تطلق ويراد بها الفراغ، يعني عندك في النهار فراغ تتحرك فيه، وتدور على أحوالك وشئونك وتشتغل فيه بمعاشك.

(سَبْحًا طَوِيلًا) وسبح تقرأ سبح بالحاء المهملة وتقرأ سبخ بالخاء المعجمة، سبح يعني الفراغ، وسبخ إن لك في النهار سبخا طويلا، التسبيخ التخفيف.

رجل سرق من السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها شيئا من متاعها، فجعلت تدعو عليه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَبِّخِي عنه) (سنن أبي داود:4909)، يعني نهاها أن تدعوا عليه، لأن الدعاء عليه يخفف عنه الذنوب والأحمال.

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8))

واذكر اسم ربك المراد بالذكر هنا الدعاء، إذا دعوت الله تعالى فادعوه بأسمائه، وصفاته قل يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، ادعوا الله تعالى بأسمائه وصفاته.

والله يقول في القرآن: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ) (سورة الأعراف:180)، يعني من يلحد في أسماء الله ولا يقدر الله حق قدره اتركه وخله، واشتغل أنت بأسماء ربك، ادع الله تعالى بأسمائه وصفاته.

التبتل الانقطاع للعبادة، والانقطاع للعبادة منه انقطاع كلي ومنه انقطاع جزئي، الانقطاع الكلي نهانا عنه النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

كلنا يحفظ القصة التي جاء فيها ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

فنذروا كل واحد منهم نذر نذرا، قال أحدهم أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثاني وأما أنا فأقوم الليل ولا أرقد، وقال الثالث وأما أنا فلا أتزوج النساء.

مراد من يصوم الدهر، مراده الانقطاع كاملا لله، ومن يصلي الليل الانقطاع كاملا لله، والذي لا يتزوج النساء كذلك الانقطاع لله.

فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كامل الانقطاع، وأذن في انقطاع ونهى انقطاع، قال: (أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي). (صحيح البخاري:5063)

يعني من زهد في طريقتي فليس مني يبقى إذا الانقطاع الكامل للعبادة ليس في ديننا، ديننا أمرنا أن نأخذ من دنيانا ما نتبلغ به في أخرانا وما نصون به دنيانا، قال الله تعالى: (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا). (سورة القصص:77)

يعني انقطع لربك، لكن الانقطاع ليس انقطاعا كليا، أخذنا هذا من فم النبي عليه الصلاة وأزكى السلام ومن حاله، كانت له زوجات وكان له أبناء، وكان يأتي أصحابه وكان يدخل بيوت المسلمين، وكان يرحم الصغار ويلاعب الصغار، ومع هذا كان يصوم وكان يقوم الليل وهكذا.

فديننا دين ودنيا، اسلامنا دين ودنيا، ليس إقامة شعائر فقط، وليس حبسا وانقطاعا في المساجد كما كانوا قبل الإسلام لا، إنما لله حقوق ولخلق الله حقوق.

اقرأ أيضا: تفسير سورة الجن

(رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9))

العلماء الكرام يقولون في كلمة (رب) تقرأ على ثلاثة أوجه: تقرأ بالرفع والنصب والخفض، ربُ وربَ وربِ، ربُ على الابتداء، وربَ على المدح، وربِ على البدل من قول الله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ). (سورة المزمل:8)

فتقرأ ربُ المشرق والمغرب، وتقرأ ربَ المشرق والمغرب، وتقرأ ربِ المشرق والمغرب، وتقرأ ربُ المشارق والمغارب، على الجمع بالأوجه الثلاث.

يقولون الفاء هنا تسمى فاء الفصيحة، فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب الشرط، أو أفصحت عن جواب القسم وهو (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا).

يعني كما آمنت بأنه الرب، الذي يقوم على حالك بالخلق والإيجاد والتدبير، فوض إليه وتوكل عليه.

الكثير من الخلق، يؤمن بأن الله تعالى هو الرب، هو الذي خلق، هو الموجد للأشياء من العدم، ويؤمن بأن الله هو الرزاق، وبأن الله تعالى هو الذي يقوم على تدبير الخلق، ولكن مع هذا الإيمان ينقض إيمانه بعدم رضاه عن قسمة مولاه.

تجد الناس يعلم أن الله خالقه وأن الله رازقه لكنه لا يرضى قسمة الله فيه، إن ابتلاه الله بالمرض، لا يرتضي هذه القسمة، وإن ابتلاه بالفقر لا يرتضي هذه القسمة، وإن ابتلاه بالفقد والحرمان، لا يرتضي هذه القسمة، فهذا ما آمن بالله لأنه اعترض على قسمة الله.

لذلك إذا كنت قد آمنت بالله بأنه الرب الذي خلق ورزق ودبر، فاتخذه وكيلا يعني فوض إليه تدبير حياتك، ثق بالله، وأيقن بوعده، ثم اركن إليه ولا تركن إلى سواه.

لو أننا اتخذنا الله وكيلا وفوضنا إليه تفويضا، لرزقنا كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطانا كما قال هذا سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه.

(وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10))

قال الله تعالى له: يا رسول الله يا محمد اصبر على قومك اصبر على من كفر بك، اصبر على من لم يؤمن بك.

رموه بالسوء، قالوا مجنون، وقالوا ساحر، وقالوا شاعر، وقالوا كاهن، ورموه بالتراب، عفروا وجهه الشريف بالتراب، بل وجعلوا التراب على رأسه.

حتى أن إحدى بنات النبي عليه الصلاة والسلام كانت تمشي ورأت أباها على هذه الصفة فبكت، وجعلت تزيح التراب عن رأس أبيها، وهو يقول لها يا بنية، لا تبكين فإن الله مانع أباك.

يعني الله منعه من الحرب وهو في مكة، وأمره بالصبر والمسامحة والعفو، حتى لو ضربوه ولو آذوه، جعلوه وهو في الكعبة ساجداً، وجاءوا بكرش البعير وألقوه فوق ظهره صلوات الله وسلامه عليه، ومع هذا لم يرفع يداً بضرب ولم يشهر سيفاً.

لماذا؟

لأن الله يوم ذاك قد أمره بالعفو (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). (سورة الأعراف:199)

قد تتأذى مشاعرك بالكلام، لكن ما عليك إلا الصبر، اصبر يا محمد على ما يقوله عدوك، اصبر، مهما قالوا لا تقابل قولا بقول ولا أذى بأذى، بل لا يكن منك إلا الصبر.

وصبر الأنبياء أجمل الصبر، والصبر الجميل، حبس النفس بلا شكاية، حبس النفس عن مقابلة الشيء بالشيء بلا شكاية.

البعض منا بيصبر لكن بعد ما بيقول الحمد لله يقابل واحد يقول له: انت ما عرفتش حصل لي ايه؟ ده حصل لي كذا وكذا وكذا والحمد لله أنا صابر، هو كده صبر؟

اشتكى، ما دام اشتكى ما صبرش، الصبر الجميل صبر بلا شكاية.

أما عن الهجر الجميل فهو هجر بلا عتاب، اصبر بلا شكوى واهجر بلا عتاب، وهذه أخلاق النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11))

أهل مكة لم يكونوا على درجة سواء في الغنى، كان منهم الواجد ومنهم المعدم، والواجدون ليسوا سواء في إعلان العداء، من الواجدين أناس كانوا مشركين لكن مع شركهم ما كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم واجدون يعلنون العداء ويبادرون النبي عليه الصلاة وأزكى السلام بكل أذى.

ومن هؤلاء الواجدين أناس يقال لهم المطعمون، والمطعمون هؤلاء كانوا يقتسمون عدد الجندي على أموالهم، كان منهم من يذبح في اليوم عشر جمال، ليطعم من في صحبته من أهل الشرك، فهؤلاء أولوا نَعمة والنَعمة هي الإرفاه الزائد، النَعمة خلاف النِعمة، النَعمة الرفاهية الزائدة.

والمعنى: يا محمد اترك لي من كذبوك من أهل الإرفاه والغنى.

(إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13))

الله تعالى يتوعد من يكذب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتوعده بوعيد شديد، يقول له: إن عند الله تعالى أنكالاً وجحيماً وطعاماً لا تقوى على بلعه وعذاباً أليماً.

الأنكال هي القيود والأغلال، والطعام ذو الغصة هو الطعام الذي لا يستسيغه الإنسان ولا يقوى على بلعه، والغصة هذه تحدث من طعام الزقوم، الذي وصفه الله تعالى في كتابه، وبين أنه طعام الأثيم.

قال الله تعالى: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)). (سورة الدخان)

يعني الزقوم نعوذ بالله تعالى منه، عندما يطعمه أهل النار يغلي في بطونهم كغلي الحميم، يعني يصل إلى أعلى درجات الغليان.

وهذا النكال وهذا الطعام متى هو؟

(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا (14))

هذا من مقدمات يوم القيامة، تهتز الأرض بعد ثبات، تطير منها الجبال، بعد أن كانت رواسي شامخات، تطير فتصير كالرمل الناعم كثيباً مهيلاً.

(إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15))

خطاب لأهل مكة، يا أهل مكة أرسلنا إليكم رسولاً من أنفسكم، علمتم صدقه وشرفه وتربى فيكم، لكنكم كذبتموه وأعرضتم عن دعوته وفررتم منه، وألحقتم به الأذى.

والنبي عليه الصلاة وأفضل السلام شاهداً لمن دان بالإسلام وشاهداً على من دان بالكفر، وهذه من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه كرسول، أنه يشهد على الناس جميعا، لا يشهد على قومه فقط، إنما يشهد على جميع الأمم، تشهد أمته، لجميع الرسل ثم يشهد النبي عليه الصلاة والسلام فوق شهادة الجميع.

لذلك في هذا ما في صحيح البخاري مما جاء في أمر نوح عليه السلام، يسأله الله تعالى في القيامة: يا نوح هل بلغت قومك؟ فيقول: بلى ربي، فيقول: من يشهد لك؟ يقول: محمد وأمته، قال صلوات الله وسلامه عليه: فتشهدون ثم أشهد عليكم.

مثلكم يا أهل مكة كمثل فرعون أرسل الله إليه موسى، ولد في مصر، حرسها الله تعالى، وتربى فيها بين أحضان فرعون وأهله.

ولما كبر وجائته الرسالة وأتى فرعون ودعاه إلى عبادة الله تعالى كذب به فرعون، وسخر منه وتهكم من موسى وافترى عليه، وزعم أنه الرب الأعلى.

كما ذكر الله تعالى في كتابه قالها مرتين: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) (سورة النازعات:24)، وقال (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي). (سورة القصص:38)

لذلك الله تعالى لما أخذه، أخذه نكال الآخرة والأولى، يعني أخذه بالكلمتين، بالأولى والثانية، لما قال (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)، ولما قال (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي).

(فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16))

في هذا تهديد لأهل مكة، أما تخافون يا أهل مكة أن يأخذكم الله تعالى بعذاب، كما أخذ فرعون بعذاب لما كذب موسى.

(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17))

الله تعالى يخوف أهل مكة، يخوف المشركين، كيف تكون لكم النجاة في يوم يأخذ الشيب الصغير دون كبر، ويسكر الناس فيه دونما شراب، وتضع الحامل حملها في غير ميعاد، لا تكون النجاة إلا لمن آمن باليوم الآخر، ولا تكون النجاة لمن كفر باليوم الآخر.

(السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ۚ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18))

السماء في يوم القيامة تتشقق وينزل منها مثل الزيت السائل، وتفطرت بأمر ربها، قال الله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)). (سورة الإنفطار)

(إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا (19))

أتى النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، ليذكر قومه وليذكر الناس أجمعين، يذكرهم بدين الله تعالى، ويذكرهم بقدرة الله تعالى عليهم، ويذكرهم بأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ويذكرهم بأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

من شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، من شاء الهداية هداه الله، ومن شاء الضلالة أضله الله، من شاء أن يؤمن فليؤمن، ومن شاء أن يكفر فليكفر.

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20))

هذه الآية نسخت ما جاء في أول آية من فرض قيام الليل، وقد بينا أن قيام الليل صلاه المسلمون قبل أن تفرض الصلوات الخمس، صلوه سنة كاملة على أنه فرض، ثم خفف الله عن هذه الأمة، ورخص لها في قيام الليل.

القرآن في الآية هنا يراد به الصلاة، يعني فصلوا من الليل ما تشاؤون، بعدما كانت الصلاة فرضا أصبحت سنة.

الله تعالى لما أراد للمسلمين أن يقوموا فرض عليهم القيام سنة، ثم سهل عليهم وخفف عنهم، خفف عنهم لأن المريض لا يطيق القيام بالليل.

كذلك لأن الذين يضربون في الأرض ابتغاء فضل الله كالتجار لا يقوون كذلك على أن يقوموا الليل كله، لأن الله أمر بإعمار الكون، وهؤلاء يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله للتجارة، يذهب يتأجر فهو بين أسفار، وهو كذلك لا يقوى على أن يقوم الليل.

كذلك الذين هم في صفوف أمام العدو، في الجهاد، هو في الليل مع عدوه وفي النهار كذلك، فالله رخص في قيام الليل نظراً لأحوال الأمة، لأن الأمة تتفاوت ما بين مريض، وتاجر ومقاتل.

والمرض عذر شرعي، من كان مستديم المجيء للمسجد ليشهد الجماعة، لو أصابه المرض يصلي على فراشه، وله أجر سعيه إلى المسجد، وله أجر شهود الجماعة، دونما نقص، يصلي في بيته لعذر المرض، والله قال: (وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ). (سورة النور:61)

أعمال الناس كالتجارات كلها في سبيل الله، والنبي عليه الصلاة وأزكى السلام لما كان يمشي ومعه بعض أصحابه، فمروا برجل شديد الإنهماك في الدنيا، فقالوا لو كان هذا في سبيل الله؟

فقال صلوات الله وسلامه عليه: (إنْ كان يسعى على نفسِهِ ليكفْها عنِ المسألةِ ويغنيْها عنِ الناسِ فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان يسعى على أبوينِ ضعيفينِ أو ذريةٍ ضعافٍ ليغنيَهم ويكفيَهم فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان يسعى تفاخرًا وتكاثرًا فهو في سبيلِ الشيطانِ). (تخريج الإحياء للعراقي:2/79)

فعملك لتكف نفسك هذا في سبيل الله، ولذلك من مات دون عمله فهو شهيد، وعملك لتتحصل على القوت لأولادك، تكفهم عن المسألة وتكفي أهلك عن المذلة، هذا في سبيل الله، وعملك، لوقاية أبويك، من سوء الحال كذلك في سبيل الله، وما سوى ذلك فهو في سبيل الشيطان.

كذلك فاقرأوا هنا يعني صلوا ما تيسر من الليل، وإقامة الصلاة هنا هي الصلاة الفرضية، الصلاة المكتوبة، الصلاة المفروضة، الصلوات الخمس، الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.

صلي من الليل ما تشاء، ما يتيسر لك لكن الصلوات المفروضة ليس فيها ما تشاء، ليس فيها ترخيص، إنما هي مكتوبة على كل مكلف، يؤاخذ على تركها.

الصلاة هي أساس عملك، إذا صلحت صلح سائر العمل، وإذا فسدت فسد سائر العمل، إذا وافيت الله في القيامة بها غفر الله لك، وإذا وافيته بغيرها لا يقبل الله فيك شفاعة شافع.

لماذا؟

لأن الصلاة هي الفاصل بين الإيمان والكفر، قال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (العَهدُ الَّذي بيننا وبينهم الصَّلاةُ، فمَن تركَها فَقد كَفرَ). (صحيح الترمذي:2621)

من جاء في القيامة بصلاة وجاء مع الصلاة بخطايا وذنوب يغفر الله تعالى له الذنوب والخطايا.

لماذا؟

لأن معه أصل العمل، معه الصلاة، حتى إن دخل النار لا يؤول فيها إلى الخلود، إنما سيعذب بخطاياه ثم مآله إلى جنة الله.

أما من جاء يوم القيامة بغير صلاة لا مجال له إلا الخلود في النار، والمخلدون في النار لا يقبل الله فيهم شفاعة شافع.

لذلك في تفسير سورة المدثر قال الله تعالى: (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)).

يعني كل إنسان محبوس بعمله في النار إلا أصحاب اليمين، نسأل الله أن نكون منهم، يسألون أهل الأجرام وهم في النار فيجيبوهم بأنهم لم يكونوا من أهل الصلاة.

في ساحة القيامة شفاعات شتى أعظمها شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تارك الصلاة لا يشفع فيه الشفعاء، ولا تقبل فيه شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله قال في كتابه: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ). (سورة الأنبياء:28)

لذلك تارك الصلاة لا تقبل فيه شفاعة فهو مخلد في النار.

كذلك الزكاة المفروضة، والزكاة أخت الصلاة مانعها إن مات على منعها مخلد في النار، لأن ترك الزكاة وعدم الاعتراف بفرضها ردة عن دين الله.

والصديق أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، بعد موت النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، منعت بعض قبائل العرب زكواتها، فقاتلهم عليها، وسميت الحرب حرب الردة، فمانع الزكاة، غير المعترف بفرضها مرتد عن دين الله، فالزكاة أخت الصلاة.

ومن حقوق المال ليست فيه الزكاة فحسب وإنما في المال فوق الزكاة أن تقرض أصحاب العوز وأن تقرضهم قرضاً حسناً والقرض الحسن هو الذي لا يجر لك منفعة إلا أن تقصد بالقرض وجه الله تبارك وتعالى.

أناس كثر يقعون في الاضطرار والحاجة، يريد أن تقضى أحواله، لا يجد ما يقضي به الحال من مال، فيأتي فلأن ويأتي علان يطلب منه القرض، يقول له سأعطيك، لكن الجنيه بواحد ونصف.

فيلجأ الضعيف أن يأخذ القرض ولا يجد بداً من هذا، أحوال الناس فيها شدائد شتى، يلجأ لعله لا يجد غذاء، لعله لا يجد دواء، فيلجأ في النهاية، ما ألجأه إلا قهر الأقوياء، ما ألجأه إلا ظلم الأغنياء.

لأن الله تعالى قال: (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)، ومن يقرض القرض الحسن، الله تعالى يجازيه بالأحسن.

يعني ما تقدمه تقدمه لنفسك، وما تقدمه لله يعطيك الله أمثاله، ثم يدخره لك يوم القيامة ويربيه لك كما تربي جملك وحصانك حتى يكون عند الله في الميزان كجبل أحد في الثواب.

بعد ذلك الله تعالى يدعو عباده بعد إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وبعد القرض الحسن وفعل الخير يدعوهم جميعاً إلى أن يستغفروه، قال الله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

فالاستغفار لا يستلزم ذنباً حتى يستغفر، إنما يستغفر الإنسان عقب الأفعال الصالحة.

لماذا؟

اتهاما لنفسه، يعني كان في إمكانه أن يتقن أكثر، وكان في إمكانه أن يتصدق أكثر، لكني أستغفرك يا ذا الجلال والاكرام.

والاستغفار سبيل الفرج، من كان في كرب، أو من كان في شدة، أو من كان في عوز أو من كان في حاجة أو من كان في مرض أو من كان في أسر أو حبس، والتزم الاستغفار يجعل الله تعالى له من كل ضيق فرجا، يجعل له من كل ضيق مخرجا، ييسر الله له الأمور كلها.

لذلك الطامع في تحسين الحال إن كان موظفاً يستغفر الله، إن كان عزباً يستغفر الله إن طمع في زوجة يستغفر الله، طمعت في زوج أو خاطب تستغفر الله.

وهكذا في سائر الأحوال عقب الصلوات وفعل الخيرات وعقب الذنوب دائماً كن مستغفرا لله تبارك وتعالى تجد الله غفوراً رحيماً.

مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *