تخطى إلى المحتوى

تفسير سورة الجن

مشاركة:

تفسير سورة الجن للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف سورة الجن ويبين سبب نزول سورة الجن ويبين معاني الآيات والكلمات.

تفسير سورة الجن كاملة
تفسير سورة الجن كاملة

سبب نزول سورة الجن

الجن خلق من خلق الله تبارك وتعالى، هم من نسل إبليس، وهي أمة مكلفة ستسئل يوم القيامة كما يسئل الإنس، وهذه السورة فيها حوار بين الجن ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الحوار سيقف الإنس على حقيقة الجن.

في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة المكرمة قبل الهجرة خرج ومعه نفر من أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، قاصدين سوق عكاظ، وسوق عكاظ بين اليمن والطائف.

خرجوا بليل، فلما وصلوا منطقة يقال لها نخلة، أذن الفجر فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر بأصحابه، وهم يصلون الفجر جمع إبليس حاشيته وقال لهم: لقد أغلقت أبواب السماء دوننا.

حيث كانوا قبل ذلك يصعدون إلى السماء فيسترقون السمع فينزلون به على الكهان، قال إبليس لحاشيته: لقد أوصدت – أغلقت – أمامنا أبواب السماء، وأصبحنا نُرمى بالشهب، لا بد وأن أمراً حدث.

فقسم الحاشية وأرسلهم في الأرض كلها، فكان من هؤلاء قسم نزل إلى أرض تهامة، وأرض تهامة هي أرض الحجاز، فلما كان هذا القسم وهم يمشون في الأرض ليقفوا على حقيقة ما حدث، وجدوا النبي عليه الصلاة وأزكى السلام يصلي بالناس، فاستمعوا للقرآن وأنصتوا له، فأعجبهم ما سمعوا.

فجاء جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بأن الجن قد استمعوا له وأعجبهم ما سمعوه من كتاب الله تعالى، فنزلت هذه السورة.

فالسورة سورة مكية، وعدد آياتها ثمانية وعشرون آية.

يقول الله ذو الجلال والإكرام سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بسم الله الرحمن الرحيم.

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)). (سورة الجن)

تفسير سورة الجن

لما آمنت الجن علمت أن سبب حجب أبواب السماء وسبب حراستها هو رسالة النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه، فلم تكن تنزل شهب من السماء قبل رسالة نبينا صلوات الله عليه وسلامه.

ومن ثم أتى جبريل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر.

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1))

أي: يا محمد – صلوات الله على محمد وآله – أخبر أصحابك بأن جبريل عليه السلام أخبرني بأن الجن وأنا أصلي استمعت للقرآن فأعجبها ما استمعت إليه فآمنت.

القرآن عجيب لإعجازه، لذلك الله تعالى تحدى به البلغاء والفصحاء، تحدى به العرب قاطبة فلم يأتوا بمثله، بل تحداهم بأقصر سورة منه مثل سورة الكوثر، فما اسطاعوا وما استطاعوا أن يأتوا بمثل سورة الكوثر، ومن ثم القرآن بإعجازه عجيب.

(يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2))

ثم وصفوا القرآن، يهدي إلى الرشد فآمنا به، وهذا دليل على أن الفئة التي تحركت منذ أمرها إبليس بالبحث في الأرض للوقوف على سبب حجب السماء عنهم كانوا أهل رشد، لما سمعوا قالوا يهدي إلى الرشد، النتيجة فآمنا به، يعني آمنا بالقرآن كتاباً أنزل من عند الله تبارك وتعالى.

وفي سورة الأحقاف هناك زيادة بين الله فيها أنه لما آمنوا بالقرآن أنبئوا قومهم لما رجعوا إليهم، قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ). (سورة الأحقاف:30)

والعلماء الكرام قالوا في الآية: قولهم أنزل من بعد موسى يدل على أنهم كانوا على ملة موسى عليه السلام، كانوا يهوداً، وكان حظهم لما جاء توزيعهم في القسمة إلى أرض الحجاز، كان حظهم أن يسمعوا كتاب الله فيبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام.

(وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3))

كلمة (جَدُّ) بمعنى العظمة والجلال، يعني من جلال الله تعالى وعظمته أنه لم يتزوج وليس له ولد، ومن الذي ادعى الصاحبة – الزوجة – لله تعالى؟ ومن الذي ادعى له الولد؟

ادعى له الولد اليهود والنصارى والصابئة قالوا: إن الملائكة بنات الله، فالجن لما استمعوا للقرآن وآمنوا نزهوا الله تبارك وتعالى عما نُسب إليه.

(وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4))

السفيه من الجن هو الشيطان، هو إبليس اللعين، والشط هو تجاوز الحد، يعني الشياطين كفرت برب العالمين وتمردت على أمره.

(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5))

الظن هنا بمعنى الاعتقاد، يعني اعتقدنا أن الإنس والجن لن يكذبا على الله تعالى، والكذب على الله تبدى في نسبة الزوجة إليه وفي نسبة الولد له.

يعني إذا اعتقد إنسان بأن الله يلد، كذب على الله أم لا؟

كذب على الله، فهذه الطائفة من الجن كانت أهل رشد، كانوا يعتقدون أن الجن والإنس سيعترفون بنعمة الله عليهم، فلم يعتقدوا في الله إلا أنه الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6))

أخبروا بما عندهم، قالت الجن: كانت الإنس تأتينا برجالاتها ويسألوننا أشياء لننفذها لهم، وكان الإنسي إذا كان في سفر وآواه المبيت إلى مكان لا يعرفه، خاف على نفسه، فكان يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي، ثم ينزل في جوار الجن، كان يتعوذ بالجن، يتحصن بهم ويطلب منهم أن يجيروه.

صحبة الجن للإنس لا تريحه، إنما تزيده رهقاً على رهق، واليوم لعله إلى الآن موجود أناس يستعينون بالجن في قضاء أحوالهم، وبينهم وبين الجن تعامل، لكن تعاملهم غالباً في الشر، كمن يشتغل في النُشره في ربط العريس، وكمن يشتغل في كتابة ما يسمى بالعمل والسحر.

هذه الأشياء هي علاقة بين الإنس والجن فيما يجلب الضرر، فيما يجلب الرهق، فيما يجلب المشقة.

ومعلوم أن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام حرم المجيء إلى السحرة، وإلى العرافين، فقال صلوات الله وسلامه عليه: (من أَتَى عَرَّافًا أو كاهنًا فصَدَّقه بما يقولُ ، فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ). (صحيح الجامع:5939)

ولم يزل في الموحدين أناس يخطئون في هذه الناحية، إذا ما ادعى إنسان على إنسان دعوة، ادعى أنه أخذ ماله، فأتى المُدعى عليه – المتهم – وقال: والله العظيم ما أخذت، المسلم لا يصدقه، ثم يدعوه للإحتكام للنار.

يعني إذا قال الإنسان: والله ما أخذت، ينبغي لمن استمع إليه أن يعظم الله تعالى، ومن تعظيمه لله يصدق الحالف وإن كان كاذباً.

وفي صحيح البخاري أن عيسى عليه السلام رأى رجلاً يسرق، فقال له: (أَسَرَقْتَ؟) فقال الرجل: كلا والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى عليه السلام: (آمَنْتُ باللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي). (صحيح البخاري:3444)

فإذا ما حلف المُدعى عليه – المتهم – بأنه لم يأخذ ما اتهم به، يجب على من سمعه أن يصدقه إن كان يؤمن بالله تعالى ويعظمه، لكن للأسف الشديد، يحلف له بالله مرة بعد المرة ويقول له: لا، لن أصدقك.

ثم يدعوه للإحتكام عند النار، يذهب لما يسمى بالبُشعة، والبُشعة هذه كفر بالله ورسوله، الذاهب للبُشعة إن كان حاجاً يبطل حجه، وإن كان مصلياً يبطل صلاته، وإن كان موحداً ينقض توحيده.

للآن في الأمة المسلمة من يحتكم للبُشعة، لا يرتضي اليمين من الحالف، ويرتضي منه أن يذهب للبُشعة، يحتكم للنار.

النبي عليه الصلاة وأزكى السلام هو الذي قال: (البينةُ على المدَّعِي واليمينُ على من أَنكَر). (بلوغ المرام:421)

هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام، ومع هذا أتباع النبي اليوم الذي يدعون حب النبي واتباعه يحتكمون إلى البُشعة إلى النار ولا يحتكموا إلى الله تعالى ولا إلى رسوله صلوات الله وسلامه عليه.

لذلك الله يقول: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا).

أي إنسان له تعامل مع الجن تجد الرهق في عافيته وفي أهل بيته، المعاملة مع الجن ليست بالسهولة، تُعقب أحزاناً كثيرة، حتى من يقرأ على المجنون أو على الملبوس أو على الممسوس، مع أنه يقرأ لعل الله تعالى أن يصرف، كذلك الجن يسبب له الرهق والتعب، قد يشتغل عليه الجن في امرأته أو في ولد من أولاده.

وذكرت الرجال على سبيل التغليب، لأنه هناك نساء يتعاملن مع الجن.

(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7))

يعني مشركوا الإنس يتعاملون مع مشركي الجن، ومشركي الجن لا يؤمنون بالبعث بعد الموت كما أن مشركي الإنس لا يؤمنون بالبعث بعد الموت.

(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8))

يعني يصعد إلى السماء لاستراق السمع كما كان فيرمى بالشهب، والشهاب قبس من نار ينزل من السماء يحرق الشيطان المخلوق من نار، مخلوق من النار ويعذب بالنار.

هناك نار أشد من نار، فهو مخلوق من النار والشهب قبس من نار متوهج إذا ما صاحب الشيطان أحرقه.

(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9))

يعني من يجلس من السماء ليستمع بعد أن بعث الله رسوله محمداً صلوات الله وسلامه عليه، يحرق، فالسماء حرست ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10))

هذه الجزئية اعتراف من الجن بأنهم لا يعلمون الغيب، ولا يعرفون بواطن الأشياء ولا خفيها.

سليمان عليه السلام، كان الله تعالى قد سخر له الجن، وكان يستخدم الجن في صعاب الأعمال، كلفهم بالحفر يوماً واعتمد على عصاه، وقف وعصاه في يده، والجن ما رفعوا ظهورهم.

مات سليمان وهو على عصاه، ظل ميتاً وهو على عصاه وما علمت الجن أنه قد مات، ظلوا يعملون حتى أكلت الأرضة العصى فأكلتها من داخلها، فتثاقل عليها الحمل فوقع سليمان عليه السلام.

(فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ). (سورة سبأ:14)

فالجن لا يعلمون الغيب.

(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11))

سبحان الله وبحمده، شأن الله في الخليقة، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). (سورة يونس:99)

كما أن الإنس منهم الصالح ومنهم الطالح، وطرائق قدداً، للصالحين طرق، الأصل طريقة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام، لكن هناك مسلم على سبيل أهل الاستقامة وهناك مسلم معوج، هناك مسلم يعمل وهناك مسلم لا يعمل، الدون طالح مفسد.

(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا (12))

يعني وأنا نعتقد أن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذا هو صحيح الاعتقاد، فالجن أنبئت عن صحة اعتقادها، من صحة اعتقادهم أنهم لا يعلمون الغيب، ومن صحة اعتقادهم أن الله صاحب العظمة والجلال، لا يجوز في حقه نسبة الزوجة والولد.

ومن اعتقادهم كذلك أنهم يعتقدون أن الله قادر على كل شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

يعني: الله تعالى عند فرارك تفر منه وإليه، لن يهرب من الله أحد، فالله تعالى قوي مقتدر، لا يعجزه مخلوق خلقه.

(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ ۖ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13))

آمنوا على التو، لم يسوفوا كما تسوف الإنس، الإنسي إذا كان على خطأ وعلم الصواب أو دُعي إليه، يماطل في التوبة إلا من رحم ربي.

يعني: فعل الشرط وجواب الشرط موجود، من يؤمن بالله تبارك وتعالى لا يبخسه الله تبارك وتعالى حقه، ولا يصيبه رهق، والله قال في آية أخرى: (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ). (سورة محمد:35)

الله لن يضيع على عامل عملاً عمله، ولا يبخسه حقه ولا أجره.

(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15))

يعني: منا أهل العدل ومنا أهل الظلم، المسلم أهل عدل، والقاسط أهل ظلم، عندنا فعل قسط وأقسط، فعل ثلاثي ورباعي، فعل بمعنى العدل، وآخر بمعنى الظلم، وأما القاسطون يعني الظالمون.

(وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16))

يعني: لو أن الجن والإنس، لو أن مشركي الجن ومشركي الإنس استقاموا على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنزل الله عليهم ماء غدقا، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). (سورة الأعراف:96)

لذلك الجن أثناء الحوار نطقوا بهذا الكلام.

(لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18))

المساجد ما يبنى من مواضع السجود يصح، وتطلق كذلك على مواضع السجود في الإنسان، مواضع السجود في الإنسان الأعظم التي كان يسجد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي سبعة أعظم: الجبهة والأنف، ثم الكفان، ثم الركبتان، ثم صدور القدمين – أصابع القدمين –  ما تنزل بهم حالة السجود.

لو كان المراد الأعظم التي يسجد عليها المصلي فالمعنى: وأن هذه الجوارح لله فلا يجوز أن تعبد غير الله، ولو كان المعنى ينصرف إلى المبنى الذي يبنى للسجود وهي المساجد فيكون المعنى: وأن المساجد بنيت لذكر الله فلا يجوز أن يذكر فيها غير الله.

واليوم المساجد ترى فيها أموراً عجاباً، من عنده بضاعة راكدة ويريدها أن تروج يأتي المسجد ويذيع عليها في المسجد، ومن يريد الترشح للانتخابات يتحدث في المسجد، المساجد لم تبنى لهذا، إنما بنيت لذكر الله، المسجد لله لا يدعى مع الله أحد، لا يجوز أن تنصرف المساجد إلى غير ذكر الله.

(وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19))

التصوير هنا رائع جدا، عبدالله في الآية هو رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه، لما قام النبي عليه الصلاة وأزكى السلام يصلي لله تكاثرت عليه الجن حتى كادوا أن يطأوا ظهره، اجتمعوا عليه من كل فج، تكاثروا من حوله حتى كادوا أن يطأوا ظهره الشريف صلوات الله وسلامه عليه.

(قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21))

يعني: أنا أعبد الله وحده ولا أشرك به شيئا، وأنا لا أملك ضرا لكم ولا لغيركم ولا لنفسي.

(قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22))

يعني: أنا في جوار ربي لن يجيرني أحد من الله، ولن يستطيع أحد أن يمنع عني عطاء أراده الله أو بلاء أراده الله.

(إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ۚ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23))

يعني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ضمن له أداء الرسالة وتبليغها، وضمن له ألا يقتل حتى يؤدي رسالته، لذلك الله يقول في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). (سورة المائدة:67)

يعني: طاعة النبي من طاعة الله تعالى، ومعصية النبي من معصية الله تبارك وتعالى، والمعصية هنا الكفر، من يكفر بالله ورسوله جزاءه النار، وليس النار فحسب، بل النار خالداً فيها أبداً، لا يخلد في النار إلا أهل الكفر والشرك.

(حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24))

يعني: أهل مكة، إذا جاء يوم القيامة وهو اليوم الذي توعدهم به الله تبارك وتعالى وكانوا يستعجلونه، إذا جاءهم يوم القيامة علموا ساعة إذ أنهم أضعف ناصرا وأنهم أقل عددا.

كانوا يأتون النبي عليه الصلاة والسلام يهددونه ويخوفونه، يقولون: في استطاعتنا أن نحشد يا محمد، أنا لو ناديت سيحشد لي كل العرب، وعندنا في سورة العلق: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)).

إذا كان في استطاعته أن يدعوا الناس ويأتوه فليدعوا ودعهم يأتوك، وأما العقاب سندعوا زبانية جهنم.

(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25))

يعني: أنا لا أعرف متى يوم القيامة، لا أعرف هل اقترب موعده أم سيتأخر موعده.

(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27))

الله تعالى له الغيب المطلق يعلمه هو ولا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، وارتضى لرسولنا صلوات الله وسلامه عليه أن يطلع على الغيب.

في غزوة أحد ما كان يعلم الغيب، ولذلك ابتلي في نفسه في ذاته الشريفة صلوات الله وسلامه عليه، كسرت رباعيته، وجرحت وجنته، وأدمي عقبه الشريف، ونزلت الآيات: (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ). (سورة الأعراف:188)

لكن من بعدها كشف الله له الغيب في السماوات، وأطلعه على غيب كثير تنبأ بحدوثه وحدث منه الكثير، وبقي منه ما سيحدث من علامات الساعة الصغرى والكبرى.

لكن انظر في الآية، علم الغيب فيه أمور اختص الله بها ما أطلع عليها لا رسولاً ولا ملكاً، وفيه أشياء أطلع الله عليها رسوله محمداً صلوات الله وسلامه عليه.

في سورة الأنعام قال الله تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ). (سورة الأنعام:59)

مفاتح الغيب لا يعلمها أحد، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، ومفاتح الغيب هي آخر آية في سورة لقمان: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). (سورة لقمان:34)

علم الساعة لا يعرفه علماء فلك ولا أرصاد، لا يعلمه إلا الله، نزول المطر، حتى علماء الأرصاد يقولونها على التوقع لا على القطع، لا يقطع بها إنما يقولها متوقعاً، وكثير ما يتوقع ولا يحدث مطر، وربما لا يتوقع ويحدث مطر.

وعلم ما في الأرحام ليس هو الذكر والأنثى، لن يتوقف الطب، لن بالتأبيد، لن يصل الطب أبداً إلى أن المخلوق في داخل الرحم هل سيصاب بآفة، هل سيصاب بعور إذا نزل أو بعوج، لا، لا يستطيع أن يصل إلى كشف هذا أبداً.

الذكر والأنثى، أبيض أو أسود، هذه صفات ما لها تعلق، لكن هذا المخلوق في داخل الحشى، هل سينزل اليوم، سينزل غدا، هل سيموت في البطن، لا علم للطب بهذا أبدا.

إذا تحركت النطفة حجب الله علم غيبها عن كل المخلوقين.

الله تعالى وحده هو الذي يعلم متى يموت الإنسان، الوفاة لا يعلم تقديرها إلا الله تبارك وتعالى، واهب الروح وحده الذي يعلم حقيقة الروح.

فلن يفلت مخلوق من سؤال يوم القيامة، لأن الله تعالى لما خلقه وقدر له قوته ومعاشه علم حاله واطلع على خفي أمره وكلفه، لذلك سيسئل كل إنسان يوم القيامة عن ربه كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام.

مشاركة:

التعليقات (2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *